Traduction - ترجمة

Dans les meules de Beyrouth, Toufic Youssef Aouad (Liban), Roman طواحين بيروت، توفيق يوسف عواد (لبنان)، رواية

, par Mohammad Bakri


 Editeur


Auteur(s) : Toufic Youssef Aouad (Tawfiq Yoûssef ‘Awwad)
Titre : Dans les meules de Beyrouth (Les Moulins de Beyrouth)
Editeur : Actes Sud
Collection : Sindbad, La Biblithèque arabe
Coédition : L’Orient des livres
Traduit de l’arabe (Liban) par : Fifi ABOU DIB
Parution : novembre 2012
ISBN 978-2-7427-8978-8


Actes Sud


A travers l’histoire d’amour impossible d’un chrétien et d’une musulmane, ce roman prémonitoire paru à Beyrouth en 1973 – soit deux ans avant le déclenchement de la guerre civile – restitue avec une précision étonnante l’ambiance politique et sociale des années 1960 au Liban, et souligne le blocage du système confessionnel qui n’a d’autre issue que ce conflit.

Paru à Beyrouth en 1973, soit deux ans avant le déclenchement de la guerre civile (1975-1990), ce roman ambitieux et prémonitoire a incontestablement marqué un tournant dans l’histoire de la littérature libanaise. Il restitue en effet, avec une étonnante précision, l’ambiance des années 1960, et notamment la montée puis le reflux d’un mouvement social radicalement opposé au confessionnalisme, avec une forte participation estudiantine.

Les deux principaux personnages du roman, Hani et Tamima, font partie des étudiants les plus déterminés, et leur engagement commun va rapidement les rapprocher, malgré leur appartenance à des communautés religieuses différentes, lui étant chrétien, et elle musulmane chiite. Tous les deux d’origines paysannes, ils doivent aussi, chacun de leur côté, faire face aux préjugés des parents, aux coutumes villageoises ancestrales, aux difficultés d’intégration dans la société urbaine.

S’ils y parviennent un moment, réconfortés par l’enthousiasme qui anime le mouvement, leur propre destin bascule lorsque le mouvement s’effondre, sapé par les provocations policières et les manœuvres des chefs traditionnels. Le frère de Tamima, un voyou sans foi ni loi, tente d’assassiner sa sœur pour "laver l’honneur de la famille" mais rate sa cible et tue une chrétienne. Ce qui sert de prétexte à une mobilisation communautaire et une flambée de violence qui porte le pays au bord de la guerre civile...


Toufic Youssef Aouad

Né en 1911 à Bharsaf et décédé dans un bombardement en 1989, Toufic Youssef Aouad (Tawfiq Yoûssef ‘Awwad) a fait ses études de droits à l’université Saint-Joseph de Beyrouth avant de fonder un périodique, Al-Jadîd. Après l’indépendance de son pays, pour laquelle il a activement milité, il a occupé des postes diplomatiques importants, en Amérique latine, en Asie et en Europe.

Il est unanimement considéré comme l’un des pères fondateurs de la littérature libanaise de fiction. Son œuvre, à forte résonance sociale, plaide pour des réformes radicales, tant économiques que politiques. Ainsi de ses premiers recueils de nouvelles. Le Garçons boiteux (1937) et La Chemise de laine (1938), ou de son roman La Galette du pain (1939). Son roman Dans les meules de Beyrouth, choisi par l’Unesco comme œuvre représentative, à été traduit dans plusieurs langues, dont l’anglais et l’allemand. Actes Sud a publié la traduction française de ce roman en novembre 2012.

Dans les meules de Beyrouth


 جريدة الحياة


السبت ١٠ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٢
جريدة الحياة
عبده وازن


جريدة الحياة


« طواحين بيروت » كتبت الحرب قبل اندلاعها


صدرت أخيراً الترجمة الفرنسية لرواية « طواحين بيروت » بعد نحو أربعين عاماً على صدورها بالعربية. وعلى رغم هذا التأخر في ترجمة هذه الرواية الفريدة للكاتب اللبناني الرائد توفيق يوسف عواد (1911-1989) فإنّ القارئ الفرنسي سيكتشف رواية كانت في طليعة ما يسمى « أدب الحرب » مع أنّها كتبت قبل عامين من اندلاع الحرب الأهلية. أما الترجمة فأنجزتها الكاتبة فيفي أبو ديب وصدرت عن دار سندباد – لوريان دي ليفر بالتعاون مع أكت سود.

قد تكون « طواحين بيروت » الرواية الأولى التي افتتحت مرحلة « رواية الحرب » التي يمكن تسميتها مرحلة الرواية اللبنانية « الجديدة ». فالحرب كانت بمثابة الخطّ الفاصل بين مرحلتين روائيّتين : مرحلة ما قبل الحرب ومرحلة ما بعدها. وكان على رواية الحرب أن تمثل ما يشبه الثورة على المرحلة الروائية الأولى وعلى الرواد الذين أسسوا هذه المرحلة، ومنهم مارون عبود، خليل تقي الدين، ميخائيل نعيمة وسواهم. لكنّ رواية مثل « طواحين بيروت » (1973) وأخرى مثل « لا تنبت جذور في السماء » للروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر (1929 - 1992) الذي يُعدّ بمثابة الأب الشــرعي للـرواية الجديدة، كانتا في مقدّم حركة التجديد والتحديث، مثلهما مثل أعمال الجيل الذي برز لاحقاً. وبدا هذان الروائيان المخضرمان، كأنهما يثوران في أعمالهما الجديدة على نتاجهما السابق نفسه الذي ينتمي إلى المرحلة التأسيسية الأولى. ولعلّ هذا التحديث تجلّى بوضوح في هاتين الروايتين، الأولى « لا تنبت جذور في السماء » (1971) التي افتتحت أفقاً روائياً واسعاً لم يكن معهوداً في السابق، والثانية « طواحين بيروت » التي كانت سبّاقة في تأسيس أدب الحرب وإن قبل وقوعها الوشيك.

تختلف قراءة « طواحين بيروت » بالفرنسية عنها بالعربية. توفيق يوسف عوّاد كاتب صاحب أسلوب، في ما يشمل هذا الأسلوب من نَفَس ولغة وإيقاع. وهو يسلك في كتابته سبيل « السهل الصعب » (وليس السهل الممتنع)، فتبدو لغته بسيطة ومعقّدة في آن، علاوة على ما تحمل من تفنّن هو ليس بالتصنع، ومن جمالية هي بنت الذائقة والمراس. إلا أنّ الكاتبة فيفي أبو أديب نجحت كثيراً في مواجهة هذه اللغة التي لا تشبه لغة الروائيين الجدد، فطوّعتها بأمانة وقوّة، محافظة على نَفسها وروحها.

ولعل القارئ الثنائي اللغة قد يفرح بالصيغة الفرنسية التي أنجزتها أبو ديب، فرحه بالصيغة الأم، حتى وإن شعر أنه أمام نصّ آخر، هو النص الأول ولكن بالفرنسية. وعملت أبو ديب على النص كما لو أنها تكتبه بالفرنسية، متكئة على معرفتها العميقة بالفرنسية وأسرارها. وهي من الكتّاب الفرنكوفونيين اللامعين وتكتب زاوية بديعة في صحيفة « لوريان-لوجور » كل خميس، عطفاً على نصوصها ومقالاتها النقدية.

كتب عوّاد هذه الرواية عشية الحرب الأهلية وبدا فعلاً كأنه « يتنبأ » بها. بل هو لم يتنبأ بها بقدر ما رسم خطوطها الأولى، سواء من خلال الشخصيات التي كان لها موقعها في الحرب لاحقاً، أم عبر الصراعات التي عاشتها هذه الشخصيات والمواقف التي أعلنتها أو مالت إليها. فالطائفية تشهد في هذه الرواية حال « التقنع » التي طالما توارت وراءه، على خلاف النزعة العلمانية التي اصطدمت بجدار الانقسام والشرذمة لاحقاً. وكذلك الصراع الطبقي الذي قلبته الحرب وعرّته من جوهره، ناهيك بالمقاومة الفلسطينية التي عوض أن تتوجه إلى إسرائيل وقعت في شباك الحرب الأهلية وأصبحت فريقاً من أفرقاء النزاع الداخلي. وهذا ما توقعه أصلاً، هاني الراعي، أحد « أبطال » هذه الرواية، الذي لم ينثن عن نقد المقاومة الفلسطينية في تطرّفها السياسي.

المدينة المضطربة

إنها بيروت ما قبل الحرب، كما عاشها عوّاد من موقع المراقب، منخرطاً في شؤونها وشجونها، بغية رسم صورة شبه واقعية عن أحوالها المضطربة والصراعات التي عرفتها، وعن الخيبات التي أصابت هذه الشريحة من الشخصيات التي اختارها بوعي ودقة، حتى أنها غدت في أحيان، أقرب إلى ما يشبه قليلاً النماذج « الستريوتيبية ». أما الطواحين فهي ليست طواحين هواء، مثل تلك التي حاربها دون كيشوت، بل هي طواحين من فولاذ، راحت تطحن الشخصيات طحناً وفي طليعتهم تميمة نصور، « البطلة »، إن أمكن القول، ثمّ الشخصيات الأخرى التي انتهت إلى حال الخيبة الشديدة، مثل شقيقها جابر الذي سيق إلى السجن بعدما حاول قتل شقيقته (تميمة)، فقتل صديقتها ماري أبو خليل التي أصابتها الرصاصة بالخطأ. وهناك الخادمة زنوب التي يغتصبها جابر فتحمل منه وترمي بنفسها عن صخرة الروشة منتحرة رافضة فكرة الإجهاض، وكذلك الست روز، ابنة الكاهن المسيحي التي تتزوج رغماً عن أهلها من شاب مسلم، وعندما يتوفى تتجه إلى الدعارة، في مبنى (بنسيون) تؤجر غرفه، ثم تنتهي مريضة تحتضر...

صورة سوداء يرسمها عواد عن بيروت منتصف السبعينات، بيروت التي كانت تتهيّأ للحرب، بيروت التي كانت مختبراً للأفكار والأيديولوجيات والأحزاب، بيروت الملجأ، بيروت الطلاب الجامعيين وتظاهراتهم، بيروت الحانات الليلية... وقد تكون تميمة نفسها هي أيقونة هذه المدينة، الأيقونة التي سقطت وتحطّمت. فهذه الفتاة التي قدمت من قريتها التي تكرهها، إلى بيروت طلباً للعلم والتحصيل الجامعي، وجدت نفسها ضحية، ضحية مثاليتها وبراءتها وحماستها الثورية، وضحية الآخرين وفي مقدّمهم رمزي رعد، الكاتب والصحافي، الذي أوقعها في الفخ، فاغتصبها وأفقدها عذريتها.

كانت تميمة قرأت كتابه « أرباب وعبيد » وأعجبت به، وبآرائه الرافضة للقيم والتقاليد، وعندما التقت به سرعان ما انقادت إليه. وعلى رغم الفضيحة التي أوقعها فيها، ظلّت تحبّه، تحبه وتكرهه في آن، هو الشخص النرجسي، العبثي والعدمي، الحاقد والكاره، الشهواني الذي لا يعرف أن يحبّ، المحرّض على الثورة أياً تكن، الداعي الشباب إلى الانتحار من دون أن يفكر هو في الإقدام عليه... وعندما تتعرّف تميمة إلى هاني الراعي، الطالب الجامعي الذي يدرس الهندسة، بعدما أسعفها عندما أصيبت في التظاهرة الطالبية، أحست بقدر من الحب تجاهه، لكنها لم تستسلم لهذا الحب، ليس لأن هاني مسيحي، بل لأنه يمثل الشخص النقيض لحبيبها الأول رمزي رعد. هاني، شخص معتدل، يحافظ على القيم ويرفض الثورة الهدامة، علماني وواقعي، يدعو إلى الثورة على النفس، قبل الثورة على العالم.

إنه البطل « الإيجابي » الذي يخالف تماماً رمزي رعد الذي يمثل نموذج البطل « السلبي ». ظلّت تميمة ضائعة بين هذين الشخصين أو النموذجين المتناقضين، ولم تستطع أن تحسم أمرها. فهي بمزاجها الثوري تميل إلى رمزي، الذي أجّج فيها جمرة التمرّد ضدّ قريتها وعائلتها وأبيها المهاجر الذي يتزوج من امرأة أفريقية وينجب منها ابنة « سوداء » ثم يدخل السجن بتهمة تهريب الماس.

هذا التمرد أعلنته أيضاً ضد أمها التي كانت ترى فيها صورة المرأة المذعنة والمستسلمة والتقليدية، وكذلك ضد شقيقها المتسلّط، الذي يمارس عليها سلطته الذكورية والذي حوّلته بيروت من طالب جامعي إلى شخص فاسق، يرتاد الحانات والمواخير، ولا يتوانى عن إطلاق النار على شقيقته تميمة، فيردي صديقتها ماري. وعندما يزور والده في أفريقيا يعتدي على أخته من أبيه، الأفريقية الأم ويغتصبها.

تجد تميمة نفسها تائهة ومنفصمة في بيروت، في شارع الحمراء الذي يقع فيه « بنسيون » الست روز. لم تجد في رمزي الشخص السلبي منقذاً ولا في هاني، الشاب المستقيم. وهكذا كان عليها أن تقرّر الالتحاق بحركة الفدائيين الفلسطينيين الذين وجدت فيهم رمز الضحية التي تقاوم الظلم... وكم أصاب عوّاد في هذا الخيار، فالمقاومة الفلسطينية جذبت الكثيرين من الشبان اللبنانيين، طلاباً جامعيين ومثقفين يساريين.

رواية « طواحـين بيروت » ما زالت تُــقرأ بمـتعة، مـتعة حـقيقـية، على رغـم مـرور نـحو أربـعين عاماً على صدورها. وقـد زادتـها هذه الأعـوام راهـــنية وألــــقاً، فهــي رواية « أم »، إن جاز التعبير، لا بدّ من العودة إليها، بصفتها إحدى الروايات الأولـى التي أسـسـت الـفن الروائي اللبناني الـحديث، ثم تبعاً لما تمثل من مقاربة وثـائـقيـة وفـنيـة لـمديـنة بيروت عشية وقوعها في جحيم الحرب الأهلية.

عن موقع جريدة الحياة


 جريدة النهار


الجمعة 30 تشرين الثاني 2012- السنة 80 - العدد 24921
جريدة النهار
أدب فكر فن
رلى راشد


"طواحين بيروت" لتوفيق يوسف عوّاد في الفرنسية
حالٌ بابليّة تخبر الحرب بترجمة أنيقة لفيفي أبو ديب


جريدة النهار اللبنانية


لا يصادف أن نتوقف مليّا عند كِتاب عندما يُنقل من لغة الى لغة. يحدث هذا فحسب حين يتعلق الموضوع بتجربة تجعل من محض رواية مصنعاً لاستيلاد السؤال الإجتماعي والسياسي والوطني. رواية توفيق يوسف عواد "طواحين بيروت" (1973) المنقولة أخيرا الى الفرنسية (دار "أكت سود" بالتعاون مع "لوريان دي ليفر")، بتوقيع الكاتبة والصحافية فيفي أبو ديب، أحد الأمثلة بلا ريب، وها هنا عودة الى الزمن المهيىء للحرب، الى وجوه الحزن المتعددة. وقف توفيق يوسف عواد على الشفا في حركة استشرافية في نصه، ليرصد الغرق في حال بابلية لن تلبث أن تفضح هشاشة الواقع.

يتراءى لنا تماما مثلما شخّصت الروائية نجوى بركات مرة أن الروائيين الذين أنتجوا نصوصا سابقة للحرب الأهلية اللبنانية، من مثل توفيق يوسف عواد واميلي نصرالله ويوسف حبشي الأشقر وآخرين، تجنبوا مأزق جيل روائيي الحرب الذين واجهوا معضلة انجاز رواية غير طائفية بأدوات لا يسعها سوى أن تكون طائفية. يمكن تاليا، الى حدّ معيّن، اعتبار عناوين يوسف عواد التي رسمت بعض معالم أرض الفقر والجوع والخوف، ولاسيما في "الصبي الأعرج" و"الرغيف" الى حدّ معين، وفي "طواحين بيروت" خصوصا، من نسيج تلك النماذج الروائية الأخيرة المتطهرة من وزر التشظي في البنية وفي الأدوار الروائية، في ما يخصّ صورة البطل، على وجه التحديد. غير ان هذه المسافة التي رسمها توفيق يوسف عواد من وحول الحرب لم تمنع وللمفارقة أن تصنع الحرب عينها موته، هو الذي توفى بنتيجة قذيفة استهدفته قبل 23 عاما، في السادس عشر من نيسان 1989.
من اللافت ان يتكور نص "طواحين بيروت" على ستينات القرن المنصرم اللبنانية، في زمن البحبوحة الاقتصادية والرفاهة طمعا بأن يرصد في وسط الحقبة المستحيلة على القلق في المبدأ، بشائر صدام لن يتأخر. الصدام مسيحي- مسلم في جزء منه، غير انه مديني- ريفي أيضاً، ناهيك بطبقي، يعبر إليه عواد من طريق شخصيتي هاني المسيحي وتميمة المسلمة، الضالعين في حلم التغيير في بيئة حاضنة لجلّ الأسقام التمييزية في حين تبدو الآفاق شبه مسدودة.

الترجمة الأنيقة

في أعقاب نسخ انكليزية وروسية وألمانية وإسبانية صدرت تباعا، تنشر اليوم "طواحين بيروت" بالفرنسية لدى دار "آكت سود" بالتعاون مع "أوريان دي ليفر" بعدما عرّبتها الزميلة في "لوريان لوجور" فيفي أبو ديب. يبدو بديهيا السؤال عن أهمية ترجمة أضافية الى الفرنسية للرواية في 2012، وعن الحساسية التي رفدت بها أبو ديب النص الأساسي. والحال أن الاجابة عن الشقّ الأول يأخذنا الى ملاحظة التأخر في السماح للناطقين الفرنسية باكتشاف نص على جمال يعدّ صالحاً ليستوي بين عناوين الروايات العربية الأكثر راهنية، في اللغة والثميات على السواء. وإن بعد تسعة وثلاثين عاما على صدوره. أما أبو ديب، فاستطاعت الى حدّ بعيد أن تدنو من توفيق يوسف عواد، وان تتعرى من الشخصانية لتدخل كنف شخصية الروائي، وأن تطأ كما ينبغي لأي مترجم متمكّن منطقاً ليس منطقها. ها نحن في النص الفرنسي نصل الى التفاعل عينه الذي أتمّه توفيق يوسف عواد في العربية حيث ليس ثمة مكان للتذبذب الذي يحتمل أن يقضي على نص يدخل حظيرة لغة غير لغته.

تتوسل فيفي أبو ديب في النص المنقول بعائلة من التعابير الفرنسية الملائمة وغير المتكلفة، وتحرص على أن يظل الحوار يضطلع في النص بدور تواصلي يساهم في إجلاء طبيعة النماذج التخييلية ويوجه بوصلة الحوادث. يراوح نص توفيق يوسف عواد بين الجمل المديدة وتلك المقتضبة، وإذا استرسلت الجمل، قطعها الروائي باستطرادات وجمل استفهامية وتعجبية تجنّب غرق النص في دوامة الإطالة. والحال ان ثمة حرية ايقاعية تجهرها أبو ديب من موقعها كمترجمة في أكثر من مكان، فتعمد هي الاخرى الى التصرف في الجملة العربية المديدة كما جاءت في النسخة الأصلية أحيانا، من دون أن يعني ذلك البتة التحايل على الانسياب. تحافظ أبو ديب على حرفة عواد في جعل خطاب الشخصيات يتداخل مع خطاب الروائي، ما يجعلنا نعجز عن تمييز من يتقدم في هذه اللحظة أو تلك ومن يؤثر التراجع. لا يسمح عواد ايضا في أي برهة بأن يُسجَّل فصام بين الخطاب الداخلي والآخر المصرح به. والحال ان هذه السمة جلية في النص الفرنسي أيضا.

تكرست هوية توفيق يوسف عواد في ثلاثة ميادين الصحافة والديبلوماسية والأدب، وتحديدا القصة القصيرة والرواية، غير ان في رصيده مسرحية يتيمة "السائح والترجمان" حيث جرى الجمع بين الشعر والنثر، وإن جاء شعرا على طريقة خاصة، إضافة الى مجموعة شعرية بعنوان "قوافل الزمان" (1973). من اللافت أن يكون الكاتب أنجز روايته "طواحين بيروت" في طوكيو حيث كان سفيراً لبلاده. كأن في ذلك رغبة في تأكيد العلاقة الوطيدة القائمة بين الأوراق الأدبية وأوراق الاعتماد.

لا تبخل الأمثلة في هذا المجال. هناك الى جانب عواد، صلاح ستيتية على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك ببول كلوديل ورومان غاري ودانيال روندو فرنسياً، الى جانب كارلوس فوينتس مكسيكياً وآخرين. جمع هؤلاء بين انشغالي الديبلوماسية والأدب، ليدفعنا هذا الاستنتاج الى السؤال اذا كانت الإقامة في الـ"هناك" محفزة للكتابة حكما، وإذا كان البعد الجغرافي الذي يأتي ببعد زمني أيضا يجعل مفهوم الوقت أكثر فساحة فيسمح بأن تفتح نوافذ كانت لا تزال مغلقة.

تدخل الحياة الديبلوماسية المرء عنوة في بيئة لا ينتمي إليها ويجهلها فتزعزعه، لتنبثق فسحات الشك واستفهام المسلمات التي تشكل أساس كل كتابة. احتاج توفيق يوسف عواد على ما يبدو الى الابتعاد، الى الاقامة اليابانية ليسعه ان ينظر الى المسقط من بُعد، من خلال سؤال الانتماء. في "طواحين بيروت" يجري وضع الهجرة والحرمان وغياب التنمية في المناطق والاقتصاد الملتصق بتحويلات المغتربين كحبل السرة فضلاً عن جشع المال، على بساط الاستفهام. في وسط الأفكار اليائسة والميئسة في آن واحد، يبرز شارع الحمراء وصوت الاجيال الشابة وحلم الجامعة اللبنانية الاكاديمي مخارج محتملة من قدر الاستسلام الى واقع محتوم.

عن موقع جريدة النهار


Partager

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)