Albert Cossery (1913-2008) - Egypte ألبير قصيري (2008-1913) - مصر

, par Mohammad Bakri

Albert Cossery, né au Caire en Égypte le 3 novembre 1913 et mort à Paris le 22 juin 2008, est un écrivain égyptien de langue française né dans une famille originaire de Syrie.

Tous ses récits se déroulent dans son Égypte natale ou dans un pays imaginaire du Proche-Orient, bien qu’il ait vécu la plus grande partie de sa vie à Paris. Surnommé le « Voltaire du Nil » pour son ironie à l’égard des puissants, il a rendu hommage aux humbles et aux inadaptés de son enfance cairote et fait l’éloge d’une forme de paresse et de simplicité très éloignées des canons de la société contemporaine occidentale.

Albert Cossery était une figure de Saint-Germain-des-Prés où il résidait dans la même chambre de l’hôtel La Louisiane depuis 1945. Il fut marié quelques années avec la comédienne Monique Chaumette.

Albert Cossery naît le 3 novembre 1913 au Caire, dans le quartier de Fagallah, au sein d’une famille de petits propriétaires terriens. En 1998, il confie à Abdallah Naaman : « Nous sommes des Chawâms d’Égypte. Mon père est un grec orthodoxe originaire de la bourgade d’al-Qusayr, près de Homs, en Syrie. Arrivé au Caire à la fin du XIXe siècle, il a simplifié la prononciation, d’où le patronyme que la famille a adopté : Cossery ».

Comme c’est alors l’usage dans les familles aisées, il est inscrit très tôt dans une école chrétienne, le Collège des Frères de la Salle à Daher, puis, en 1926, il entre au lycée français du Caire de Bab El Louk. Dès l’âge de dix ans, passionné de littérature française, il commence à écrire romans et poèmes. À partir de 1938, au Caire, il fréquente le groupe Art et liberté fondé sous l’impulsion de Georges Henein, un collectif d’inspiration surréaliste s’affichant radicalement contre la condamnation de l’art moderne par le régime nazi. La rencontre de Henry Miller lors d’un voyage aux États-Unis aide Cossery à publier son premier ouvrage en 1941, Les Hommes oubliés de Dieu.

En savoir plus sur Albert Cossery


ألبير قصيري في حوار مترجم
حوار : ألييت أرميل (ترجمة : مصطفى الرادقي)
الأحد 20 ديسمبر 2015

يُعتبر ألبير واحداً من أكبر كتابنا المعاصرين في العالم العربي الذين يكتبون بالفرنسية. كان الصحفيون بباريس يصفونه بـ “ ألبير الرائع “، قياسا وتشبيها بشخصية " كاتسبي الرائع " بطل رواية الكاتب الأمريكي الشهير سكوت فيتزجيرالد ، وهو نفس العنوان الذي تحمله الرواية. غير أن الكاتب كان يُبدي عدم رضاه عن هؤلاء الصحفيين، لاهتمامهم الزائد بحياته الشخصية الهامشية أكثر من أعماله الأدبية.

هو الذي فضل – منذ أن انتقل للعيش بفرنسا – الإقامة بفندق " لاَلْويزْيانْ " الكائن بزقاق " لاَسِّينْ" بباريس ، إلى أن اختطفته أيادي الموت.

عُرف عنه استنكافُه من الإيديولوجيات العربية الزائفة ، وانحيازُه إلى هموم و قضايا الناس البسطاء من أبناء بلده مصر، و إدانته للطموح البشري الجشِع ، مع رغبته و طموحه التّوّاقَيْن إلى التغيير .

و لئن كان اسم ألبير يكاد يكون مجهولا بالمرة لدى القراء المغاربيين بشمال إفريقيا ، نظرا لِتَسَيُّدِ قامات شامخة لمشهد الكتابة بالفرنسية ،من أمثال المغاربة : محمد خير الدين ، ادريس الشرايبي ،عبد الكبير الخطيبي، الطاهر بنجلون ....؛ والجزائريين : كاتب ياسين ، رشيد بوجدرة ، محمد ديب ، مولود فرعون ....؛ والتونسيين : ألبير ميمي ...إلخ ، فإنه استطاع ،كحكيم مشاكس وساخر ، أن يفرض نفسه ضمن ذات الكوكبة المضيئة من كبار الكتاب الملاعين العالميين ،من أمثال :هنري ميللر (الذي اكتشفه في البداية )، لورنس داريل ، ألبير كامو ، جان جينيه ، جوليان غراك ...

كتبَ ألبير مجموعة من الأعمال الأدبية المتميزة واللافتة، ما بين القصة والرواية ، وقد تمت ترجمتها إلى عدة لغات ، و أُعيدَ نشر معظمها . ومن أهمها :

رجالٌ نسيَهم الله ( مجموعة قصصية ) 1946
منزلُ الموت المُحقق ، 1942
كسالى الوادي الخصيب ، 1947
مُتسولون و مُعتدّون بأنفسهم ، 1955
العنف و السخرية ، 1964
مؤامرة المهرجين ، 1973
طموح في الصحراء ، 1984

ونص الحوار الذي ترجمناه هنا ، عن الفرنسية ، أجرته مع الكاتب الصحفية الفرنسية ألييت أرميل، سنة 1994 ، لفائدة المجلة الأدبية الفرنسية ، عدد 325 ، شهر أكتوبر 1994.

  • جميعُ كتبكَ تدورُ أحداثُها ببلدكَ مصر مع العِلم أنكَ تعيش بفرنسا منذ 45 عاماً ، أليس هناك تناقضٌ ما ؟

لا ، لأنني أعودُ باستمرار إلى مصر. كانت لدي أسرة هناك. والآن، من بين أفراد أسرتي، لم يتبق أحد سواي. لا زلتُ أنعمُ بحياة أبناء وبنات شقيقاتي وأشقائي، لكن آخر إخوتي توفي قبل سنة. فعُمري الآن تقريبا 81 عاما؛ لقد وُلدتُ في 3 نوفمبر 1913.

  • هل تشعر بأنكَ مصري أم فرنسي ؟

أشعرُ دائما بأنني مصري . فأنا لديّ وطن. إنني لم أقصد فرنسا بحثا عن جواز سفر أو عمل .ومع ذلك فأنا كاتبٌ فرنسي. حتى أنني حصلتُ على جائزة الفرنكفونية .

  • كيف حدثَ أنْ كتبتَ باللغة الفرنسية رغم أنكَ وُلدتَ بمصر؟

حصلَ عندي هذا الأمر بشكل طبيعي ، لأنها اللغة التي كانت سائدة بالمدرسة . فكل ما تعلمتُه باللغة الفرنسية .إنها الصدفة :حينما كنتُ صغيراً ،التحقتُ بمدرسة فرنسية . كان أشقائي يدرسون عند الآباء اليَسوعِيين بينما أنا درستُ عند إخوة جان باتيست دي لاَصَالْ ، ثم انتقلنا إلى الثانوية الفرنسية .وكنا نتحدث باللغة الفرنسية ، باستثناء والدتي التي لم تكن تتكلم إلا العربية، وتجهل القراءة والكتابة ؛ بينما كان والدي يقرأ الجريدة فقط ،ولم يقرأ أبداً كتاباً واحداً في حياته .لكن في تلك الفترة كان مصدر الذكاء هو الأدب والفلسفة وليس المينيتيل . ولم يحدثْ قط أن قرأتُ كتاباً للأطفال. فبمجرد ما تعلمتُ القراءة، بدأتُ أقرأ أعمال الكتاب الكلاسيكيين لأنها كانت متوفرة بالبيت. كان أشقائي مثقفين و يكبرونني سِناً، فكنتُ أقرأ ما يقرؤون ، لأن ذلك كان في متناول يدي .أرأيتِ، إنها كانت صدفة جميلة. لقد بدأتُ أكتب في سن العاشرة رواياتٍ مستلهَمة من الأشرطة السينمائية التي كنتُ أشاهدُها.

  • هل شكّلت السينما مصدرَ إلهامٍ لِكتابتك ؟

نعم ، لأنني كنتُ أصْحَبُ والدتي إلى سينما الحارة القريبة من البيت.

بالنسبة لها كان ذلك شيئاً هاماً جداً. إذ لم يكن ممكناً لها الجلوسُ في المقهى، فذلك لم يكن يُلائمُها أبداً. وكنتُ أترجمُ لها محتويات الملصقات والأشرطة عن الفرنسية .إن كتاب كامو الذي صدر بعد موته هذه الأيام يحكي نفس الحكاية .فهو كان صديقاً كبيراً لي . لدينا نفس السن، مع فارق أربعة أيام .هو وُلِد في السابع 07 نوفمبر 1913 وأنا في الثالث 03 منه .

  • ألمْ يُزعجكَ أبداً أن تكتبَ بالفرنسية في علاقة ذلك مع ما تكتب ؟

لا ، لأن الأمر كان يتطلب مني إيجادَ أسلوبٍ للكتابة . فلِكيْ يتمَّ تشخيصُ الواقع المصري، لا يُمكنُني توظيفُ تعابيرَ باريسية وفرنسية صِرفة. كانت هذه هي وَصْفَةُ العمل : أنْ أُشخِّصَ، عبر اللغة الفرنسية، مُناخَ ونفسيةَ الشخصياتِ المصرية . عندما تقرئينني لا يتولد لديكِ بأن كاتبا فرنسيا هو الذي يكتبُ عن مصر .

  • هل سبقَ لكَ أنْ كتبتَ باللغة العربية ؟

لا، لقد نسيتُ اللغتيْنِ الأخرييْن ، العربية والإنجليزية . مع مَن تريدينَني أن أتحدثَ بالعربية في باريس. عندما أزورُ مصر يلزمني بعض الوقت لكيْ أستعيدَ اللغة.فطوال 50 سنة لم أتحدث بالعربية إلا في مصر. وحينما كان إخوتي يزورونَني في باريس كنا نتحدث بالفرنسية . و حتى في مصر، كانت أسماءُ الأزقة بالفرنسية ، بسبب الحضور الفرنسي القوي هناك .والعديد من الوزراء درسوا عند اليَسوعِيين .

  • ماذا دَرَسْتَ ؟

لا شيء على الإطلاق . جئتُ إلى فرنسا للدراسة و لمْ أقُمْ بذلك .

  • هل اشتريتَ شهادةً عِلميةً مثلما حَدَثَ لإحدى شخصياتكَ "تيمو"ر في " مؤامرة المهرجين " ؟

لم أكنْ في حاجة لذلك . لأنني كنتُ دائما أفكر بأن أصبح كاتباً . فعندما جئتُ إلى باريس قبل الحرب ، سَبقَ لي أن كتبتُ قصصاً قصيرة بالفرنسية نشرتُها في مجلاتٍ قاهرية وعمري حوالي 17 أو 18 عاماً .وهذه القصص هي التي تمَّ تجميعُها لاحقاً ضمن مجموعتي الموسومَة بـ( رجالٌ نَسيَهُم الله ). وحينما ظهر الكتاب إبان الحرب، تمّ نشرُه بالفرنسية والعربية والإنجليزية. وهكذا وصل إلى إنجلترا وأمريكا والجزائر، حيث اكتشفه الناشر إدموند شارلوت . فوقّعتُ معه أول عقدٍ لي بمجرد عودته إلى فرنسا عقب الحرب. كان شارلوت إنسانا طيباً جداً ، ولهذا السبب أعلن إفلاسَه . أنتِ تعرفين أنه حينما نكون أناساً طيبين وشرفاء فإننا نُعلنُ إفلاسَنا .

  • عندما عدتَ إلى فرنسا عام 1945 ،قررتَ البقاءَ بها، لماذا ؟

بالنسبة لكاتب يكتب بالفرنسية من الأفضل له أن يعيش بفرنسا لعدة أسباب لا حاجة لي لذكرها. لكن، لا يتعلق الأمر بباريس اليوم، باريس المُتَأمْرِكَة التي كان بإمكاني مُغادرتُها فوراً لو وجدتُها مثلما هي عليه الآن. أمكث هنا لأنه في مثل سني سيان أن يُعجبني الأمر أم لا،فأنا لم أعدْ أنتظرُ منها شيئاً.لكن باريس التي أعيشُ فيها الآن لاعلاقة لها إطلاقا بتلك التي عرفتُها كل مساء إلى الصباح في هذا الحي. لقد عرفتُ حي مُونْبّارْنَاسْ لِما قبل الحرب وحي السّانْ جِيرْمَانْ لِما بعد الحرب،وهما أجمل فترتيْن عَرفَتْهُما باريس.إذن،لستُ نادماً على شيء.ثم، هل تعرفين لماذا نُحبُّ بلداً ما؟ نُحبُّه بسبب مثقفيه. بالنسبة لي فرنسا هي ستندال وسيلين وسائر كبار الكتاب.

  • هل هناك كُتّاباً فرنسيين آخرين مُهمّين بالنسبة لك ؟

أثناء وصولي إلى هنا كان يتواجد بفرنسا حوالي عشرة إلى خمسة عشر كاتباً. وربما يعتبر جان جينيه أوجوليان غراك أحد آخر الكبار. في تلك الفترة كنت أنتظرُ ظهورَ كتابٍ لكاتب ما بفارغ الصبر؛ وكنتُ أقتنيهِ يومَ صدوره .

  • لديكَ شيءٌ مُشترك مع جان جينيه هو أنكَ تعيشُ في فندق. لكن، بخلاف جينيه الذي كان يُغيِّرُ فندقَه باستمرار تقيم أنتَ دائماً بنفس الفندق في حي السَّانْ جِيرْمَانْ منذ 45 عاماً ؟

إنه الحي الذي كنتُ أمرحُ فيه. في زقاقي يوجد متجر بقالة تباع فيه المأكولات والمشروبات أي كل ما يلزم لإقامة سهرة تستمر إلى حدود الثانية صباحاً؛ بالنسبة للسجائر نفس الشيء. بينما في مكان آخر، كان الأمرُ سيكون بمثابة منفى، لأنني لا أذهب للنوم قبل الثانية أو الثالثة صباحاً .( في السابق الخامسة أو السادسة) .

  • لكن لماذا الإقامة بالفندق؟ كان بإمكانكَ العثورُ على غرفة أو سَكَنٍ خاصٍّ بِك ؟

لا، لأنني لا أريدُ الحصولَ على شيء. إنني أكرهُ أنْ أمتلكَ شيئاً. وإلا، كان بإمكاني أن أكون ثَرِيّاً. لقد تعرفتُ على كبار الرسامين والنحاتين، ومنحوني أعمالاً فنية لأنهم كانوا يُدركون بأنني سأبيعُها في الغد ؛ فأنا لا أحتفظُ لنفسي بشيء.

  • ماهو مَصدرُ عيشك ؟

إصدارُ الكتب. فأعمالي قد تُرجمتْ في أوربا كلها : في إنجلترا،وأمريكا،ومصر(لكن في مصر لا أحصلُ منها على شيء).إنها مسألة جد غريبة : فأنا كاتب مغمور لكن كتبي يُعاد طبعُها من طرف عدة ناشرين. كما اشتغلتُ أيضا في مجال السينما. خاصة لفائدة السينما الجزائرية مع بداية الاستقلال عندما كانت هناك شركة مملوكة للدولة. فأعدتُ كتابة سيناريوهات لم يتم إخراجُها أبداً. وفي كل الأحوال فحياتي تسير بالمال أو بدونه. ففي اللحظة التي يُمكنُنا فيها المشي، فإن الشيء الوحيد السيء حَقا الذي يُمكنه أن يُصيبَنا هو المرض، لأنه خارجٌ عن إرادة البشر. لكن الضغط الذي يُحاول الناس أن يُحدِثوه لَنا بواسطة أفكارهم هو مجرد هُرَاء.الشيء الوحيد الذي يُمكنه أن يُزعجني هو عدم القدرة على النهوض والخروج إلى الشارع. ما عدا ذلك، لا شيءَ يؤثر عليّ.

  • إنه تغيير جدري في حياتكَ باعتباركَ تنحدرُ من أسرة ثرية ؟

ليستْ ثرية بل ميسورة على الأرجح لأن الثراء يعني امتلاك المليارات. كنا نعيشُ جيدا وكان والدي مالكَ عقارات. وهو لم يشتغل في حياته أبداً، نفس الشيء بالنسبة لجدي. ففي الشرق عندما يتوفر المرء على مصدر عيش فإنه لا يعمل. بينما هنا(في الغرب)،حتى لما يمتلكُ الواحد الملايين فإنه يستمر في العمل من أجل كسب المزيد. تعرفين، فنحن- أي أشقائي وشقيقاتي وأنا- لم نكن نقول أبداً " سنكسبُ المال " بل " أين سنجدُ المال؟"؛ فكلمة " كَسْب" لم تكن تُنطَق أبداً. و" العثور" على المال كان يعني لنا كفتيان، الاستدانة من أبي أو أمي التي كانت من جهة أخرى تمنحنا مجوهراتها لأن المرأة في مصر، آنذاك لم تكن تملك سوى الأساور.

  • ماذا يُمثل الشرق بالنسبة لك ؟

الشرق هو الحكمة. في الشرق يتوفر الناس على الوقت للتفكير فأبسط متسول له فلسفة وحكمة متميزة لأنه يَشهدُ مرور الحياة والناس. إنه أمر جد بسيط في بلدٍ حار يلعب فيه المناخ دوراً مؤثراً. وهذا ليس كسلا إنه ممارسة التفكير. لهذا السبب لا أكتبُ كتاباً كل سنة. أظل ستة أشهر قبل أن أكتب لكي أتركَ الأشياءَ تأتي. فالعطالة هي بمثابة عملٍ داخلي. بهذا المعنى فأنا أعملُ طوالَ الوقت .عندما أجلسُ وحيداً في المقهى يأتيني النادلُ بجريدة ظنّاً منه أنني أشعرُ بالملل، فأقول له :" لا، إنني أجلس مع السيد .."

  • هل تكتب في المقهى ؟

لا . لا ينبغي فعلُ هذا أبداً. مَن تَظنينَني.. إنني أكتبُ سَطراً كل أسبوع. فالكتابةُ عمليةٌ عسيرة. وأنتِ تعرفين أنها شيءٌ سَيِّء. فأنا لا أصحِّحُ ما أكتبه لأنني لا أرضَى أبداً عمَّا أقومُ به. أنجزُ ما أقدرُ عليه لكن دون أن أكون راضياً على ذلك أبداً. يمكنُ أن أكتبَ عشرين سَطراً دفعة واحدة، ثم أصحِّحُها في غضونِ شهرين. وكلُّ جملةٍ يُعادُ فيها النظر من جديد. فليست هناك جُملٌ مَجانيةٌ في كتبي. إنه عملٌ دَؤوب. ولا يمكن أن أكتب إلا في غرفتي. عندما أسافر وأنزل بالفندق- فأنا لا أقيمُ أبداً عند الأصدقاء- أستطيعُ فقط قراءةَ الجريدة لأنني لا أكونُ على ما يُرام. إنني أحتاجُ إلى جوٍّ خاصٍّ بي لكي أكتب .

  • ماهيَ الغايَة التي تسعى إليها من وراءِ الكتابة ؟

لا أكتبُ رواياتٍ من أجل سرد حكايةٍ ما . فالحكايةُ توجدُ هنا لكي أستطيعَ قولَ ما أفكرُ فيه. إذن، فأنا كاتبٌ ولستُ روائيا. والشخصياتُ تكونُ حاضرةً لكي تُعبِّر َعن أفكاري. وهي تُمثلُ أناساً عرفتُهم ولهم نفسُ رؤيتي للحياةِ والعالم .ثم هناك حُبٌّ كثيرٌ في كتبي ،لكنها لا تسرد قصة حب بين رجل وامرأة لأنني لا أومن بمثل هذه القصص. لذلك، لم أعُدْ أذهب إلى السينما . فكيف تُريدين أن نهتم برجلٍ يحب امرأة وله معها مشاكل عديدة. فهذه لا تنتهي، وإلاّ توقفَ الشريط . ولكن لماذا؟ فإذا لم يكن أحدٌ يرغب في صداقتي، فلا يَهُم، إلى اللقاء.. فالحياةُ مستمرة، وهناك ملايين النساء..

  • هل تؤمنُ بالصداقةِ أكثر من الحب ؟

قطعاً لا . عندما أحب امرأة ما فإنني أحبها لذاتها، كشخصٍ استثنائي. لكن ، هذا لا يعني أنني سأتوقف عن حبها إذا ما هَجرتْني؛ بل إنني سأظل أحبها. ليس أبداً ذلك النوع من الحب الذي يتصورُه الناس عادة ..فأنا أحب جميعَ النساء. ولمْ تحدثْ لي أبداً مشاكلَ معهُن. فهُن يأتينَ ويذهبْن، وأخريات يظهرْن، وهكذا ..

  • أنتَ تقسو كثيراً على النساء في كتبك ؟

لكن، ليس على النساء الشابات .فعندما كنتُ شابا ، وحدهن الفتيات ذوات 16 من العمر مَن كُنَّ يُثرنَني ،وامرأة في سن 20 كانت تبدو لي عجوزاً.

  • كتبتَ مَرةً :" النساءُ يَجهلنَ كلَّ شيءٍ في الحياة "..

لا، على العكس .سأقول لكِ إلى أيِّ حَدٍّ أنا أعشقُ النساء : فأنا لا أفهم كيف أنهن يتحمَّلن ثِقلَ الرجال وسوقيَتَهم، سواء كانوا أطراً أو أطباء أو أي شيء آخر. فالنساءُ لاحَظَّ لهن ربما لهن حظ واحدٍ على10 آلاف أو 20 ألف لِيعثرْن على شخصٍ ما يُعتَدُّ به. أرأيتِ إلى أي مَدى أحبُّ النساء ؟..

  • على أيٍّ، هناك علاقات صداقة جد قوية تَجمعُ بين شخصياتكَ الذكورية ؟

هذا النوعُ من الصداقة مَرَدُّهُ إلى كونهم يُفكرون جميعاً في نفس الشيء. فأنا لا أرتبط إلا بأشخاص يُشْبهونَني، أيْ بِمَنْ يُسمَّوْنَ عندكم هنا بالهامشيين.

  • عندما تزورُ القاهرة هل تلتقي دائماً بالأشخاص الذين شَكّلوا شخصيات كُتبك ؟

لا، لقد انتهى الأمر، فأغلبُهم قد مات. ثم عندما أزورُ مصر الآن فإنني أنزلُ في فندق الميريديان نظراً لموقعه الممتاز وسط النيل. وحينما أستيقظ في الثامنة صباحا(بينما هنا أستيقظ في الثانية عشرة)،أتملَّى بمشاهدة القاهرة. إضافة إلى هذا فغالبا ما يتم استضافتي من طرف أقاربي وأصدقائي، وإذا رفضتُ الدعوة فكما لو أنني اعتبرتُ نفسي أفضلَ منهم. كما أنني ألتقي بعدة شبان فرنسيين اختاروا العيش هناك بعد أن كتبوا عن أعمالي؛ أحدهم يعمل أستاذاً بالثانوية الفرنسية، وأعدَّ رسالة دكتوراه حول كُتبي. والآخر رسام بإحدى الصحف المصرية وأنجز رسوماتٍ مُصوَّرة استلهمَها من كتابي " مُتسوِّلون ومُعتدّون بأنفسهم ".

  • كيف ارتبطتَ بهؤلاء الأشخاص الفقراء جدا الذين تحدثتَ عنهم في كُتبك ؟

لقد كانوا أصدقائي، من رسامين وكُتّاب وممثّلين...

  • ليسوا إذاً مُتسوِّلين حقيقيين وَلاَ أشخاصاً عاديين؟

لا، كان لديهم دائماً نشاطٌ ما يُخرجُهم عن الحياة العادية. ولكنهم لم يكونوا يعيشون حياة مستقرة. ومع ذلك، كانوا أشخاصاً يتميزون بالمعرفة. ألاَ يوجدُ تطورٌ في كتاباتك : ففي مجموعتكَ الأولى " رجالٌ نَسيَهُم الله “،تُعلنُ عن ضرورة التمرد وفيما بعد تصبحُ الثورات والمقاومة المسلحة عبارة عن " مؤامرات المهرجين " ؟

في مجموعتي القصصية الأولى، شخصياتي هُمْ من العمال والفقراء، فَهُمْ كنّاسون وسائقوا عربات. وبالنسبة لهم يبقى التمرد هو الحل الممكن ولا يُمكنُهم تصور العالم بطريقة أخرى. في كُتبي التالية، ستكتشفُ شخصياتي أجواء الخداع الذي يعيشُ فيه العالم؛ والتمرد الوحيد المُمكن إذاً هو السخرية : وهي تيمة روايتي " العنفُ والسخرية "التي وضعتُ فيها كل أفكاري. هل يُمكنُكِ أنْ تسمعي وزيراً يُلقي خُطبة دون أن تضحكي؟ بالنسبة لي، لا شيءَ لا شيء يَهُمُّني مِمّا يمكن أن يقولَه. فليستْ لي مهنة أمارسُها ولامَركزاً أدافعُ عنه.

  • هل كان لديكَ، مع ذلك، شعور بأنك كاتبٌ مُلتزم ؟

لا، لم يسبقْ لي أبداً أنْ كنتُ عُضواً في حزبٍ ما ،لسببٍ بسيط هو أنه لا يمكن للآخرين تَحَمُّلي ولو لخمسِ دقائق .فأنا لا أستطيعُ التواجُد بالقرب من الناس..إنني أأنفُ منهم. فإذا ذهبتُ إلى حديقة اللوكسمبورغ، ووجدتُ حولي بعض الكراسي، فإنني- قبل أن أجلس- أضعُها بعيداً حتى لا يجلس أحدٌ بالقرب مِني..

  • لكنكَ يُمكنُكَ أن تَمرحَ صحبة الناس ؟

أمرحُ فقط صحبة أصدقائي وهم أشخاصٌ يُشبهونَني و يُشاهدون الفتيات الجميلات مِثلي ...

  • ويحتسون الخمر أيضاً ؟

لا، لم أعاقر الخمر أبداً. لاأحبُّ الحالات المترتبة عن الكحول. أفضلُ أن أكون صافيَ الذهن، وكثيراً ما أفسدَ السُّكارَى سهرتي. هناك أشخاصٌ قليلون جداً يُمكنُهم أن يَشربوا ويتصرفوا بأناقة .

  • هل تتعاطىَ تدخينَ التبغ والحشيش ؟

نعم، أستمر في تدخين التبغ رغم إصابتي بسرطان الحنجرة منذ سبعَ عشرة سنة. لكنني لم أدخن الحشيش إلا نادرا فقط في مصر، ومنذ أمدٍ بعيد. أنتِ تعرفين، أنه في الرواية الأمريكية الشخصيات تشرب الويسكي وفي الرواية الإنجليزية تحتسي البيرة وفي رواياتي تدخن الحشيش..

  • هل هي إحدى سمات الحياة في مصر ؟

ما يُميز هذا البلد أكثر، هو حِسُّ الفكاهة .إن المصريين يُبدعون يومياً حكايات مضحكة حول الوضع القائم. وأصغر طفل تُصادفينَه في الشارع سيحكي لكِ أشياء مُسلِّية وعجيبة. لذلك ،لم أجدْ ضرورة أن أبدع شيئاً في هذا المجال. على سبيل المثال لي صديق يصغرُني سِنا درَس في باريس، وأمضى6 سِت سنوات في السجن إبان حكم جمال عبد الناصر ثم أصبح فيما بعد وزيراً للتخطيط. وفي أحد الأيام كان في مكتبه بالوزارة فدخل عليه الحارس يُخبره بأن هناك شخصاً ينتظرهُ منذ الصباح : هذا الشخص هو نفسُ الشرطي الذي عذبه في سجنه وقد فَقَدَ عملَه منذ تلك الفترة وجاء يطلبُ منه المساعدة للحصول على عمل. وهكذا ، فصديقي لم ينتقمْ منه ، بل أوْجدَ له فِعلاً عملا لأنه حينما كان يُعذبهُ كان ببساطة يقوم بعمله.. إن المصريين شعبٌ مُسالِم .

  • ألمْ يكن لديكَ ، في بعض كُتبك، تنبؤ بالأحداث : ففي" طموحٌ في الصحراء" الصادر سنة 1984، لدينا انطباع بأنكَ تصفُ حرب الخليج ؟

نعم بالفعل، والمؤسف أنه لم يتم الانتباه للأمر إبان الحرب .

  • بينما حين تتحدث عن الشرق فإنكَ لا تثير أبداً مشكلة الدين ؟

الدين مسألة حميمية ،ولا علاقة لها بإبداعي ولا بما يُمكنُني التعبير عنه في كتاب. الدينُ لا يهمني. وكلُّ إنسانٍ هو حُرٌّ في أن يُؤمن أو لا؛ ما أتحدث عنه أنا، هي الحياة : أحاول أن أوضّحَ بأن الطموحَ لِلعيشِ كافٍ في حَدِّ ذاته ولا طموحاً آخرَ يَفوقُهُ قيمةً

*مترجم الحوار شاعر ومترجم من المغرب

عن موقع صوت البلد

Partager

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)