السينما المصرية والفولكلور للناقد زياد فايد الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية (178) - القاهرة 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثلاثون العدد 9195 الجمعة 25 أيار (مايو) 2018 - 9 رمضان 1439 هـ
القاهرة من محمد عبد الرحيم


السينما المصرية والفولكلور… الإرث الشعبي والفن الجماهيري


سنوات قليلة مرّت على نشأة السينما، وبعدها أصبحت الفن الجماهيري الأول في العالم، الأكثر تأثيراً على المشاهدين ووعيهم، ورغم تاريخ المسرح الطويل، إلا أن السينما استطاعت تجاوزه ــ مُستغلة بنيته وحكاياته في البداية ــ خاصة بالنسبة للجموع من أفراد الشعوب المختلفة.

لم تكن مصر بعيدة عن السينما وعالمها، وبخلاف بعض الموضوعات البعيدة عن البيئة المصرية ــ المستوردة ــ كأحداث الفئة الأرستقراطية، أو تمصير حكايات الريف الإنكليزي المستمدة من روايات القرن التاسع عشر، التفتت السينما المصرية إلى الحكاية الشعبية والشخصيات الفولكلورية، ربما تكون هي الأقرب للوعي الشعبي المصري. ولكن إلى أي مدى نجحت السينما المصرية في عرض الحكاية الشعبية ومسيرة أبطالها؟ يحاول زياد فايد من خلال مؤلفه المعنون بـ«السينما المصرية والفولكلور.. دراسة في استلهام وتوظيف التراث والمأثور الشعبي»، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، أن يقترب من هذه العلاقة بين الحكاية الشعبية والسينما في مصر، فهل نجح المؤلف بدوره في إثبات فرضياته النظرية؟

الفن المستورد

يرى المؤلف أن السينمائيين المصريين اكتشفوا من البداية أهمية استخدام المأثور الشعبي لتقريب فن السينما المستورد إلى أذهان الجمهور، كما وجدوا في الحكايات الشعبية مادة جاهزة درامياً، وشخصيات نمطية وقريبة من العامة، كالفلاح والصعيدي على سبيل المثال، إلا أن هذه الشخصيات والأجواء الدرامية كانت تتوسل بيئة الفلاحين أو أبناء الجنوب لسرد حكايات غريبة عن هؤلاء، إضافة إلى أنك لو أتيت بشخصية فلاح أو ما شابه، فالأمر لا علاقة له بفولكلور أو تراث شعبي، حتى الحكايات التي تم انتحالها وتزييفها باختلاق بطل شعبي ــ أدهم الشرقاوي على سبيل المثال ــ فالرجل لص في الأساس، ولا علاقة له باحتلال إنكليزي ومقاومته، وقد تم تصوير الرجل بشخصية اشبه بشخصية روبين هود، مع ملاحظة أن الفيلم إنتاج 1964، فكان البحث عن شخصية من الشعب يمكن أسطرتها في ظل نضال الستينيات المزعوم، وقد تناسوا أن البطل في الأساس مجرد لص!

الحارة المصرية والشخصيات الشعبية

ويفترض المؤلف فرضاً غريباً، وذلك بأن ينظر إلى الأعمال السينمائية التي تناولت الحارة المصرية وكأنها تدخل في إطار فرضه النظري، أي على سبيل الفولكلور أو التراث الشعبي! ويستشهد بفيلمي «العزيمة» 1939، و«درب المهابيل» 1955. لا يتوقف الأمر على المكان، بل يمتد إلى الشخصيات، كفيلمي «السقا مات» 1977، و«الساحر» 2001. فهل مجرد الاستعانة أو الحكي الدرامي من خلال هذه الشخصية أو تلك يصبغ الفيلم بالحِس الشعبي أو وجهة نظر السرد الشعبي؟ إلا أن المؤلف وفّق في اختيار فيلم «شفيقة ومتولي» 1979 كنموذج لحكاية شعبية مُكتملة استغلتها السينما، وللأسف شوّهتها تماماً، وجعلت منها خطاباً مباشراً وفجاً، مع تحوير ولي ذراع الأحداث، ليصبح في النهاية وثيقة نضالية مفتعلة، خاصة بعد حوار وكلمات صلاح جاهين الأكثر مباشرة وافتعالا، التي لا ترقى للسرد الأصلي للحكاية في أي حال.

نجيب محفوظ واستلهام الأسطورة

بعد طنطنة تنظيرية عن الأسطورة وتعريفاتها وماهيتها، يشير المؤلف إلى كيفية استلهام وتوظيف الأسطورة عند نجيب محفوظ، يستشهد في ذلك برواية «اللص والكلاب»، «على الرغم من أنها مستوحاة من واقعة حقيقية بطلها محمود أمين سليمان، الذي شغل الرأي العام في بداية الستينيات»، هكذا يذكر المؤلف. فأين الأسطورة هنا؟ يقرر المؤلف أن محفوظ كتب «اللص والكلاب» تحت تأثير أسطورة أوديب، «فأوديب يخرج من المدينة التي تربى فيها ليواجه مصيره، فيقتل رجلاً، بدون أن يدري أن هذا الرجل أبوه. وكل من مهران وأوديب يخرجان وكأنهما يولدان من جديد، لتكون بداية كل منهما في البحث عن المصير ودور القدر فيه، هذا يخرج من السجن وهذا يخرج من المدينة». ويوضح المؤلف الذي يشعر بافتعال كلماته، «أن التشابه قد لا يكون مقصوداً من الشعور لدى نجيب محفوظ، لكنه تأثر به في اللاشعور». ولا يكتفي المؤلف بمعرفة لاشعور نجيب محفوظ، بل يستنتج في ذكاء خارق ما يؤكد لاشعور الرجل، وقد كان يعمل رؤوف علوان/الشخصية الضد في الرواية في جريدة اسمها «أبو الهول»، وعن طريقها يعرف سعيد مهران الحقائق من حوله، «وخلّي بالك أبو الهول هنا يعني سفينكس، اللي هو قابل أوديب في البداية، أهو هو ده بقى اللاشعور!» الأمر لا يعدو تلفيقاً ومحاولة لي ذراع النماذج التطبيقية لتتوافق والفرض النظري للموضوع، المشكلة في سوء اختيار النماذج. ويستمر المؤلف في الرصد والتدقيق، ليستشهد برواية «زقاق المدق» بأنها مثال على التراث الشعبي وكيفية استلهامه، من خلال مهنة صبي المقهى، شاعر الربابة والحلاق، كذلك الأزياء الشعبية كالجلباب والملاءة اللف، ووسائل النقل كالكارو والحنطور. وهنا يصل اللاشعور مداه الذي لا يُحتمل.


الكتاب : «السينما المصرية والفولكلور ..دراسة في استلهام وتوظيف التراث والمأثور الشعبي»
المؤلف : زياد فايد
الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية (178). القاهرة 2017.


عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للاخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الإلكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)