يكفي أننا معًا، عزت القمحاوي (مصر)، رواية الدار المصرية اللبنانية" في القاهرة - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 18-03-2017
الصفحة : ثقافة
أحمد شوقي علي


"يكفي أننا معاً" : ما رآه القمحاوي من الفن والجمال


يتنقل القمحاوي في أحداث الرواية بين بيئتين مختلفتين


ما الفرق بين الحكاء والروائي؟ كلاهما يملك “الجراب نفسه”، غير أن الأول ينتقي حكاياته ليضرب المثل، أما الثاني فينتقي أمثاله ليضرب الحكايات.

وفي روايته الأحدث “يكفي أننا معًا”*، لا يبدو الروائي المصري عزت القمحاوي منشغلًا بالحكاية قدر انشغاله بالبحث عن مثال مناسب يستطيع من خلالها استعراض موقفه/ موقف أبطاله من الوجود.

لا تبدو قصة الرواية الرئيسة مدهشة في حد ذاتها، إذ تدور حول علاقة حب تنشأ بين كهل وشابة تصغره بنحو عشرين عامًا، فيما يعكر صفوها إحساس البطل المتنامي بفارق السن بينهما، غير أن القمحاوي يتخذ الحكاية كإطار ليستعرض من خلاله المعنى العميق للمتعة وفق مفهوم أبطاله، أو لعلها المتعة كما يفهمها الروائي نفسه، فيكون موقفه من الوجود والجمال والفن هي الأمثلة التي انتقاها من “جرابه” ليسرد على أساسها الحكايات.

وبالرغم من ذلك لا يظهر صوت الكاتب عاليا داخل صفحات الرواية، حيث أسس لعالم -رغم اتساعه- لا يبدو منشغلا بغير العلاقة التي حددها –مسبقًا- كل من جمال وخديجة بطلي الرواية بغيرهما من الموجودات، أيضًا سعى صاحب “بيت الديب” لصياغة تاريخ مفصل لكلتا الشخصيتين ليحل محل التاريخ المعرفي/التراكمي في ذهن قارئه المفترض لدى تفاعله مع معطيات عالم الرواية.

الأمر نفسه يصنعه عزت القمحاوي مع لغة شخصياته، فجمال منصور الذي لا يشبه “أبناء جيله من المحامين، بل ينتمي إلى جيل انقرض مع تدهور تقاليد المهنة. يقرأ كل ما يقع بين يديه، من كتب القانون إلى الفكر، والروايات، والنقد الأدبي والبلاغة” يعرف أن اللغة خيالية “لكنها تزعم مطابقة الواقع”، كما يعلم في الوقت ذاته أن “الناس ترتبك من مراوغات المجاز؛ ولذلك تتلقف القوالب الجاهزة وتتشبث بها كما يتشبث الغريب بقشة”، لذا فقد اخترع لنفسه لازمة يلقيها على مسامع القضاة خلال مرافعاته لم يغيرها قط ولم تخذله أبدًا، وهي “لا يمكن للمرء أن يحمل بطيختين في يد واحدة”، وفي الواقع ليست لازمة جمال منصور سوى تحوير للمثل القديم “يد واحدة لا تحمل بطيختين”، إلا أن المسار الذي اتبعه عزت القمحاوي لرسم شخصية بطله الغنية على مدار أحداث الرواية قادرة على إقناع القارئ بأن المبتكر الأصلي للجملة هو “جمال” وحده.

أما خديجة البابي، الشابة ابنة الـ27 عامًا، فهي أستاذة في كلية الفنون الجميلة، وتعد رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه في عمارة المحاكم، لذلك لا يبدو غريبًا أن تنشغل الكثير من حوارهما معًا بمناقشات حول الأدب والفنون والموسيقى بشكل عام، وهي المناطق التي يستغلها الروائي لتحليل الكثير من الظواهر الفنية/الجمالية، وفق منظوره/منظور الأبطال عن الوجود.

 “الشغف هو الأصل ومع الوقت تأتي الخبرة.

 تبدو شغوفًا بالأدب.

 بالأدباء الكلاسيكيين على نحو خاص.

 لماذا؟

 لكي أحكي مثلهم، وأتجنب طريقتهم في المرافعة”.

ويتنقل القمحاوي في أحداث الرواية بين بيئتين مختلفتين؛ بين القاهرة ونابولي، ولا يفتقد عمله في أي من فصوله لعنصر التشويق، فبالإضافة إلى الرحلة البانورامية الممتعة التي يقوم بها جمال وخديجة في مدينة نابولي الإيطالية، يضع الروائي علاقتهما في اختبارات متعددة، اذ تحمل من التوترات نفسها التي يحملما جمال وخديجة تجاه بعضهما بعضاً، وهي توترات لا تسعى إلى إفشال العلاقة أو توطيدها، لكنها –ربما- تتمثل ما قاله جمال في إحدى الحوارات “ميزان الحب يشبه ميزان العدالة، من النادر أن يستقيم”.

في الموروث الهندي، هناك حكاية عن حامل ماء، كانت لديه جرتان كبيرتان معلقتان على طَرفي عصا يحملها على رقبته، وكان في إحدى الجرتين صدع يسرب نصف نصيبها من الماء، وذات يوم أعربت الجرة المعيبة عن خجلها من الشق الموجود في جنبها، فقال لها الحمال “هل لاحظت الأزهار الموجودة في جانبك من الممر، وغيابها عن الجانب الذي تمر فوقه الجرة الأخرى؟ ذلك لأني كنت أعرف دائماً عن صدعك، لذا زرعت بذور الأزهار في جهتك من الممر، وعند رجوعي يومياً من النبع كُنتِ تعملين على سقيها، ولمدة عامين كنت أقطف هذه الأزهار الجميلة لتزيين المائدة، ولو لم تَكوني كما أنت لما كان هنالك جمال يُزيِّن هذا المنزل”.

ومثل الجرة التي لا يمكن لها أن تحافظ على الماء كاملًا من دون أن تسقي الورود، لا يمكن ليد واحدة أن تحمل بطيختين، لكن عزت القمحاوي يستطيع أن يعلن عن رأيه –صراحة- في الحياة والجمال من دون أن يخل بمقتضيات الفن الروائي أو يقع في فخ المباشرة.

(*) صدرت الرواية عن “الدار المصرية اللبنانية” في القاهرة.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)