يعقوب صنوع على خشبة المسرح في موليير مصر وما يقاسيه المسرحية في الأدب العربي الحديث : ١٨٤٧-١٩١٤ للدكتور محمد يوسف نجم

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ٦ يونيو/ حزيران ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«موليير مصر وما يقاسيه» ليعقوب صنوع : تاريخ فنان على الخشبة


هي من دون أدنى شك فكرة بالغة الطرافة والجرأة، تلك التي يقترحها مؤرخ المسرح العربي د. محمد يوسف نجم في كتابه الرائد «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، حين يقول في الصفحات التي يخصصها ليعقوب صنوع، أن الخديوي إسماعيل إنما أطلق على صنوع لقب «موليير مصر» لمجرد الإشارة الى دعم الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الى موليير الفرنسي، وبالتالي تشبيه نفسه بالملك - الشمس من ناحية دعمه هو الآخر للمسرحيّ المصريّ. ومهما يكن في الأمر، فإن صنوع كما نعرف، أخذ المسألة على محمل الجد الى درجة أنه كتب ومثّل في العام 1912 تلك المسرحية التي قد لا نجد لها شبيهاً في الأدب المسرحي العربي من ناحية كونها «مسرحية أوتوبيوغرافية» أي تسرد على الخشبة سيرة الفنان وتاريخه المسرحي ومعاناة الحركة المسرحية في مصر نفسها، ناهيك بأوضاع فرقته داعياً الى مسرح ملتزم سياسياً ووطنياً، والدولة الى دعم الحركة المسرحية، كما سوف نرى.

> فصنوع يقول في تقديمه للعرض موجهاً حديثه الى الجمهور: «.... فالآن رخّصوا لي يا سادة يا كرام أن أقص عليكم ما قاسيته في إنشاء التياترو الذي أسسته منذ أربعين عاماً، على أيام إسماعيل اللي في ذلك الزمان، كنت عنده من أعز الخلان. تارة تضحكوا وتارة تبكوا. وتارة تشكروا وتارة تشكوا. ومن الرواية الآتي شرحها يا حضرة القاري، ترسو على حقيقة التياترو العربي، وكيفية أفكاري...». والحقيقة أن نجم يقارب بين هذه المسرحية ومسرحية لموليير هي «ارتجال فرساي» لكنه يوضح كم أن مسرحية صنوع تبدو في الوقت نفسه مرتبطة بواقعه المحلي والفني أيضاً. حيث إن صنوع يسرد هنا تاريخه المسرحي ويتحدث عن فرقته بالأسماء الحقيقية كواقع تاريخي وكشخصيات مسرحية، حيث يقدمها على الخشبة تباعاً: جمس (وهو يعقوب صنوع نفسه)، منشئ وممثل التياترو العربي عام 1870 ميلادي. ثم متري (لعيب مشهور في تقليد الفلاحين)، وحبيب (لعيب مشهور في تقليد التجار)، وأسطفان (لعيب شاطر في تقليد العيّاق)، وحنين (مقلد الإفرنج...)...».

> وإذ يسرد صنوع تاريخ رفاقه في الفرقة شاكياً منهم ومن دلالهم عليه متذمراً من مطالبهم، لا يفوته أن يدعو، على لسان إحدى شخصياته الى أن تكون «الكوميدية تشتمل على ما يحصل ويتأتى بين الناس»، وذلك كصدى كما يقول نجم لما كان موليير يراه من أن مسرحياته «هي مرآة صادقة صافية لحياة الناس، وما يكون لهم من أخلاق وما يصدر عنهم من الأقوال والأعمال». ومن ناحية ثانية، في سياق آخر، تلوح في حوارات مسرحية صنوع «تلك الروح التي كانت سائدة بين الممثلين من حيث رغبتهم في أن تتدخل الدولة في شؤونهم المعاشية تدخلاً مجدياً». ولكن شرط ألا يكون التدخل على الشكل الذي دفع صنوع لأن يقول في جملة حوارية من أنه حين أنشأ «التياترو العربي، الناظر المكار علي باشا مبارك مني غار» مؤكداً مع هذا أنه إذا لم تُكتب روايات «تُذكر فيها لفظة حرية وحب ووطن ومحاربات - يقصد أنواع النضالات الوطنية والاجتماعية طبعاً -، وإلا قل على التياترو العربي يا رحمن يا رحيم...». ويرى نجم في هذا السياق أن هذه الملهاة الغريبة إنما تعتبر «مرجعاً تاريخياً لمسرح صنوع الذي ذهبت أخباره ولم يصلنا منها إلا القليل، فمنها نعلم أسماء تسع من مسرحياته ونقرأ مشاهد بعضها، وكذلك نعرف أسماء ممثليه. وهي فضلاً عن هذا، وثيقة مهمة لكاتب مسرحي من رجال الطليعة، يشرح فيها تفاصيل دقيقة عن ممارسته هذا الفن...».

> إذا كانت الحياة الثقافية في المشرق العربي، عموماً، وفي مصر خصوصاً، قد حفلت بالعديد من الشخصيات الغريبة والمثيرة لأكثر من تساؤل، فمردّ ذلك الى أن المرحلة نفسها كانت مرحلة مخاض وانعطاف. وفي مراحل من هذا النوع يدلي كل واحد بدلوه وتتنوع الأفكار وتختلط المواقف وتتشابك التفسيرات بحيث يترك كل ذلك للأجيال اللاحقة مهمات عسيرة، ليس أقلها الكشف عن أسرار تشبه الطلاسم، بخاصة أن الوثائق التي يمكن أن يعتمد عليها في سبيل ذلك كله تكون عادة أحادية الجانب مغرقة في الذاتية. ولئن كان لمثل هذا الكلام أن ينطبق على فرد ويتلخص به، فإن هذا الفرد عند منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين سيكون يعقوب صنوع، الذي اشتهر بلقب «أبو نضارة»، وكان واحداً من مؤسسي المسرح العربي ومن أقطاب الصحافة الساخرة، في الوقت الذي كان فيه ركناً من أركان الفكر النهضوي ولو من خلال سيره في ركاب جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد عبده، كما من خلال الدور السياسي الذي حاول أن يلعبه، عبر ذلك كله. ويفترض البعض أن دوره كان دوراً مشبوهاً، بينما يرى البعض أنه كان يلعبه لحساب الأمير حليم المطالب بالعرش المصري والذي كان يقيم في الآستانة ويعزو اليه عدد من الباحثين المؤرخين - ومن بينهم الراحل لويس عوض - الوقوف طويلاً موقف الدعم لجانب عريض من جوانب نشاطات الفكر النهضوي في ذلك الحين.

> ولكن هذا كله يظل مجرد تخمينات في حاجة الى تأكيد، كما يظل تخميناً في حاجة الى تأكيد أكثر ما يفترضه أصحاب نظرية التشكيك في شخصية يعقوب صنوع من الذين يرون أن صنوع «كان يُعدّ لأدوار سياسية في المنطقة على جانب كبير من الخطورة». بيد أن هذا كله لا يمنعنا من اعتبار صنوع، علماً من أعلام النهضة المسرحية العربية، وعلماً من أعلام الصحافة، وذلك بفضل نحو من ثلاثين مسرحية كتبها ومثّل معظمها مع فرقة أسسها في مصر، بعد أن درس المسرح في ايطاليا على حساب المستشار أحمد يكن، حفيد محمد علي، الذي كان قد لاحظ عليه، باكراً، أمارات الذكاء والنبوغ. وصنوع نفسه حدثنا كثيراً في ذكرياته كما في متون مسرحياته عن شخصيته وذكائه بشكل مضخم يكشف عن عقدة عظمة يبدو انها كانت هي ما يقود خطاه. فهو يقول لنا مثلاً كيف انه، وهو اليهودي الأصل، نُذر قبل ولادته ليكون مسلماً، وكيف انه قرأ الكتب السماوية الثلاثة وحفظها. والحال انه لئن كان صنوع قد بالغ كثيراً في الهالة التي رسمها لنفسه، فإن نشاطه وجهوده في مصر، ثم في المنفى بعد ان تخلص منه الخديوي اسماعيل بنفيه الى فرنسا، تكشف عن شخصية في منتهى الغرابة.

> في المسرح أسس صنوع لنوع من المسرح الساخر الذي رعاه الخديوي، أول الأمر ثم أغضبه بسبب عنف انتقاداته الاجتماعية وتلميحاته التي كانت تطاوله هو شخصياً. وهذا الغضب دفع صنوع الى أحضان التنوير بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فدفعاه الى إصدار صحيفة «ابو نضارة زرقا» في 1877، فكانت أول صحيفة عربية هزلية، وانتشرت بسرعة مما زاد من غضب السلطات. وهكذا بين الصحافة والمسرح والمشاكسة السياسية، أمضى يعقوب صنوع حياته الغريبة التي انتهت في منفاه الباريسي عام 1912. وفي باريس، كانت له تأملاته في مجريات حياته واتصالاته السياسية والثقافية التي واصلها «خدمة لمصر وللإسلام» كما كان يقول، بخاصة لإيزابيل ابرهاردت التي التقاها أواخر القرن التاسع عشر وتوطدت بينهما صداقة عززتها الحكايات المضخمة التي كان يحكيها لها فتصغي اليه بدهشة هي الشابة المولعة بكل ما هو مسلم وشرقي وغريب في ذلك الحين. وإضافة الى ذلك كله كتب صنوع سيرة لذاته تحدث فيها عن مسرحياته ونضاله السياسي والصحافة، مستعرضاً إنشاءه أول مسرح مصري حقيقي وكتابته رواياته الهزلية والغرامية، وإصداره الصحيفة التي واصل إصدارها بعد ان نفي الى بايس، حتى وان غير اسمها احياناً من «ابو نضارة» الى «الحاوي» أو الى «الوطني المصري». ولقد خلف يعقوب صنوع وراءه العديد من الكتب إضافة الى سيرته الذاتية بالفرنسية، ومنها «من الإشارة في مسامرات ابي نظارة» و «رحلة ابي نظارة الى الآستانة» و «محامد الفرنسي ووصف باريس».

> أما مسرحياته التي لم تصلنا نصوص اكثرها، فإنها كانت في معظمها هزليات قصيرة يمتزج فيها الحوار العربي بالفرنسي وتتقاطع الشخصيات، لكنها تحمل خلف مظهرها الهزلي والمجاني دلالات سياسية واجتماعية ستبدو عميقة لمن يدرسها بدقة. ومن ابرز تلك المسرحيات «موليير مصر وما يقاسيه» و «ليلى» و «زوجة الأب» و «الضرتان» و «آنسة على الموضة» و «غندور مصر» و «راس تور وشيخ البلد والقواص» التي ركز فيها سخريته على الإنكليز واحتلالهم مصر.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)