ملف - Dossier

هل أفسدت السينما العربية الأعمال الأدبية ؟ Le Cinéma arabe a-t-il gâché les Oeuvres littéraires

, بقلم محمد بكري

جريدة النهار اللبنانية
الخميس 15 أيلول/سبتمبر 2011 - السنة 78 - العدد 24507
ملف
محمد عبد الستار

بدأت السينما بالاعتماد على الأدب منذ انطلاقتها الاولى. وكان الاعتماد بصفة اساسية على المسرحيات. استمر ذلك مدة طويلة في العالم كله. وكانت السينما العربية في بدايتها...

عام 1918 اخرج المصور الإيطالي لاريتش فيلما قصيرا أدى بطولته الممثل المسرحي فوزي الجزائرلي، ثم فيلماً آخر مثّله علي الكسار، ثم فيلم “ليلى” عام 1927 بطولة عزيزة امير، وكذلك فيلم “زينب” للمخرج محمد كريم، وانتجه المسرحي الكبير يوسف وهبي. توالت الاعمال التي قام بها سليمان نجيب واستيفان روستي وفاطمة رشدي، وكلهم نجوم للمسرح. لم يقتصر تأثر السينما بالأدب على النصوص والممثلين المسرحيين، بل تعدّى ذلك الى طريقة التصوير وحركة الكاميرا وكثرة الحوار...

كانت السينما تعتمد على المسرح لتستمد منه الحياة. فقد كانت فناً بغير قواعد، تريد ان تضمن جمهور المسرح وتفيد من تراثه الذي يرجع الى آلاف السنين. لكن ذلك لم يستمر طويلا، اذ استقلت السينما بأدواتها وظهر ما يسمّى اللغة السينمائية التي تعتمد على مفردات مختلفة، ابرزها المونتاج والصوت الذي يتضمن الكلمة والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وكذلك الصمت. هناك زاوية الكاميرا والديكور والملابس... ساعدت هذه العوامل مجتمعة على ولادة السينما المعاصرة التي تنفصل عن المسرح والأدب، واصبح الاقتراب الشديد من العمل الأصلي كما هو، سبباً لفشل الفيلم، مثلما حدث مع فيلم “هاملت” للورنس اوليفيه المأخوذ من مسرحية شكسبير الشهيرة. فقد فشل تماما لالتزامه الشديد النص المسرحي، في حين نجح الفيلم نفسه في السينما الروسية مع المخرج غريغوري كوزيمتز لالتزامه اللغة السينمائية واستلهامه روح النص فحسب.

كانت المرحلة الثانية التي ميّزت العلاقة بين السينما والأدب، مرحلة الاعتماد على الرواية التي مثّلت نبعاً ثرياً للافلام، مطلع الخمسينات حتى وصل عدد الافلام من اصل روائي الى 40 في المئة من مجموع الافلام في بعض المواسم في مصر.

تفاوتت قيمة تلك الافلام. حظي نجيب محفوظ بالنصيب الاكبر منها. وزادت الاعمال المأخوذة من ادبه على 45 فيلما، اولها “بداية ونهاية” عام 1964. صوّر الفيلم معاناة شريحة دنيا من الطبقة الوسطى من خلال أسرة تتكون من ارملة هي أمينة رزق وابن متمرد على اوضاعه الاجتماعية (عمر الشريف) وآخر يندرج في القاع مع المجرمين (فريد شوقي) وشقيقتهما (سناء جميل). كان الناجي الوحيد من المصير الضائع هو الشقيق الاوسط الذي أدى دوره حسن يوسف واستطاع ان يتكيف مع واقعه الجديد، وإن كان قاسيا. نجح كاتب السيناريو صلاح عز الدين والمخرج صلاح ابو سيف في نقل روح الأديب بكل دقة، وإن لم يتبعا النص حرفياً، بخاصة ان الاحداث في الاصل الادبي تتحرك ببطء، كما ان الرواية من اكبر اعمال نجيب محفوظ بعد الثلاثية حجماً (382 صفحة)، وهذا ما وضع صنّاع الفيلم في تحدٍّ حقيقي لتلخيص الاحداث. وقد نجح المخرج نجاحا باهرا في اختياره الممثلين على نحو جسّد به جيدا شخصيات الرواية.

كذلك عبّرت الملابس بدقة عن سمات الشخصية. فمثلاً الطربوش الذي نراه على رأس اكثر من شخصية، ساعد على تحديد زمن الاحداث. بساطة ملبس الأسرة تكشف هي ايضا عن مستواها المادي المتدني، وكذلك ملابس نفيسة السوداء التي تضفي جوا من الكآبة. وفّق الفيلم في استخدامه المؤثرات الصوتية وحركة الكاميرا والإضاءة للتعبير عن الجو النفسي. وكانت التجربة الناجحة الثانية لمحفوظ هي “القاهرة 30” لصلاح ابو سيف ايضا، وهو مأخوذ من رواية “القاهرة الجديدة” وقد كتب السيناريو علي الزرقاوي. نجح الفيلم في الحفاظ على روح النص وإن تصرف في الاحداث، فركّز على شخصية الاشتراكي الثوري (علي طه) الذي يفقد حبيبته (سعاد حسني). كذلك جعل الفيلم شخصية محفوظ عبد الدايم نفعية لا تتردد في التفريط بشرفها سبيلاً للصعود الاجتماعي وتجاهل شخصية مأمون الإخواني ذي الميول الدينية نظرا الى حساسية العلاقة بين التيار الديني والسلطة الناصرية وقتذاك، فاضطر الفيلم لإهمالها. التجربة على رغم نجاحها، لم ترتق الى سابقتها نظرا الى عدم قدرتها على تجسيد الصراع الايديولوجي بصدق على غرار الرواية.

جاء فيلم “خان الخليلي” لعاطف سالم، ليقدم ميلودراما ناجحة لرواية محفوظ، يحكي عن حب كهل (عماد حمدي) لشابة صغيرة من الجيران (سميرة احمد). لكنه يفاجأ بتعلق اخيه (حسن يوسف) بها، فيصرف نظره عنها ثم يموت اخوه فيتلقى صدمة ثانية من القدر.

تتوالى الاعمال السينمائية الناجحة المأخوذة من ادب نجيب محفوظ كــ"اللص والكلاب" لكمال الشيخ و"السكرية" لحسن الإمام. ثم كان الفيلم الاكثر نضجا، “الكرنك”، وقد حفلت الستينات بتجارب سينمائية مأخوذة من اعمال روائيين آخرين : “الارض” عن نص عبد الرحمن الشرقاوي، اخراج يوسف شاهين، عن الصراع بين اقطاعي في القرية يريد الاستيلاء على ارض الفلاحين لشق طريق الى قصره. وقد بلغ شاهين فيه قمته السينمائية وبخاصة في مشهد النهاية الذي جسّد عملية سحل لمحمود ابو سويلم (محمود الميلجي)، وهو يحتضن تراب ارضه على الرغم من ان الفيلم أهمل العديد من الاحداث الموجودة في الرواية، مثل فشله في رصد تحوّل الشيخ حسونه وتخلّيه عن الفلاحين طمعا في منصب العمدة الشاغر في القرية.

كانت اعمال احسان عبد القدوس السينمائية علامة بارزة لتزاوج السينما والأدب. وبلغت في مجموعها 14 عملا منها: “انا حرة”، “النظارة السوداء”، “الوسادة الخالية”. وركز في غالبيتها على قضايا المرأة وحقها في كسر تقاليد المجتمع البالية. وكان يوسف السباعي اديبا سينمائيا هو الآخر، فبلغت اعماله 15 فيلما ابرزها “رد قلبي” و"اني راحلة" و"السقا مات". من الافلام الناجحة، معظم اعمال الاديب يحيى حقي وابرزها: “قنديل ام هاشم” و"البوسطجي". وكان “دعاء الكروان” لطه حسين من الاعمال التي حققت نجاحا سينمائيا، ربما ساعده على ذلك السيناريو الذي كتبه يوسف جوهر بحرفية كبيرة حافظت على روح النص ولم تهمل اللغة السينمائية.

مثّل فيلم “الحرام” ليوسف ادريس درة اعماله الروائية في السينما، وقد بات من كلاسيكيات السينما المصرية، بسبب قدرته على تصوير الريف المصري المغرق في التخلف في تلك الفترة. وجاءت موجة من الافلام المقتبسة من الروايات في السبعينات والثمانينات، قاطفة نجاحا نسبيا ابرزها “المواطن مصري” لصلاح ابو سيف عن رواية يوسف القعيد “الحرب في بر مصر”، و"الطوق والأسوارة" عن رواية يحيى الطاهر عبدالله، ويرصد فيها واقعا ذا طبيعة خاصة، وهو مجتمع الصعيد من خلال حياة ثلاثة اجيال في احدى القرى، يقضي عليها الفقر.

لا شك ان الرواية اضافت الى السينما ايجابيات كثيرة، اهمّها رقي لغة الحوار وتطرقها الى موضوعات مختلفة بعدما كانت مقتصرة على الاستعراض والميلودراما المسرحية.

لكن الأمر لا يخلو من الوجه الآخر للنجاح، وهو فشل السينما في التعامل مع الرواية على نحو افسد العمل الأدبي، ولم يساعد على نجاح الفيلم.

كذلك ان تعدد مستوى الفهم ميزة كبيرة في الرواية لا تتوافر في الفيلم، لتوحد جمهوره، فيضطر صانعوه الى استخدام لغة بسيطة يضيع معها العمق الروائي .

عن موقع جريدة النهار اللبنانية


النهار هي صحيفة لبنانية سياسية مستقلّة رائدة. وقد صدر العدد الأوّل في 4 أغسطس/آب 1933 في أربع صفحات. بدأت الصحيفة التي كان عدد موظّفيها خمسة بينهم المؤسّس جبران تويني، مع رأسمال من 50 قطعة ذهبية جُمِعَت من الأصدقاء، وكانت تُوزِّع 500 نسخة فقط. ولاحقاً تولّى ابن جبران، غسان تويني، وحفيده الذي يحمل الاسم نفسه، جبران تويني، رئاسة التحرير والنشر. حالياً تشغل نايلة تويني منصب رئيسة التحرير ورئيسة مجلس الإدارة.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)