نهاية دوبلاج مسلسلات الأطفال في الأردن ؟

, بقلم محمد بكري


مجلة حبر الإلكترونية


مجلة حبر الإلكترونية
الثلاثاء 17 كانون الأول 2019
رحمة حسين


دوبلاج مسلسلات الأطفال في الأردن : لماذا شارفت القصة على الانتهاء ؟



أربعون عامًا مضت منذ أول تجربة أردنية لدبلجة مسلسل كرتوني عالمي باللغة العربية الفُصحى. كان ذلك المسلسل «الغواصة الزرقاء»، وهو من أوائل المسلسلات التي تُدبلج عربيًا، بعد مسلسل «سندباد» الذي دُبلج في لبنان عام 1976. قبل ذلك التاريخ كانت الترجمة هي النظام السائد، وكانت غالبًا تتم في مصر، لكن بعد دخول الدبلجة إلى المشهد انتشر وساد، وكانت حتى فترة قريبة لبنان والأردن الدول الأكثر إنتاجًا للدبلجة.

في البداية، أخذَت فكرة إدخال الدوبلاج إلى الأردن طابعًا فرديًا، إذ أتت كتجربةٍ من قبل المنتج الأردني بسام حجاوي الذي كان وكيلًا لبعض شركات الإنتاج العالمية في الشرق الأوسط، وكانت العديد من مسلسلات الكرتون تُباع عن طريقه. جاءت الفكرة بحسب حجاوي من عدم جدوى وضع الترجمة للأطفال في حين كانت الدول الأوروبية تُدبلج الأعمال الأمريكية واليابانية لِلُغاتها. يقول حجّاوي: «فكرت باقتناء حقوق برامج الكرتون بدلًا من أن أكون موزعًا لها، فذهبت لسوق كان [في فرنسا] في عام 1979 ووجدت أعمالًا مناسبة جدًا، ورجعتُ لعمّان بمسلسل «الغواصة الزرقاء» للدبلجة، وفوجئت المحطات باللغة العربية وبدأوا يتجهون صوبنا لشراء الأفلام الكرتونية، وبالتحديد السوق الخليجي، فكانت 20 محطة أرضية تشتري منا وقتها، وبعدها أصبح لدينا منافسين».

بعد ذلك عمل حجاوي مع المخرج الأردني سهيل إلياس، وكان من أوائل مخرجي الدوبلاج في الأردن وقتها، وهو الذي سيقتني بعض الأعمال الكرتونية مستقبلًا وسينتجها لصالحه. وفي منتصف الثمانينات، دخلت مجموعة المركز العربي الإعلامية بتعاون وشراكة فنية مع شركة حجاوي لمدة عشرين عامًا تقريبًا. خلال هذه الفترة ظهرت شركات إنتاج أخرى لدبلجة الرسوم المتحركة في الأردن، واحترف العديد من الممثلين والمخرجين العمل في هذا المجال مثل نصر عناني وموسى عمار ومحمد حلمي وسهير فهد وإيمان هايل وعبير عيسى وأمل الدباس، ومجموعة كبيرة أخرى. وظل هذا الوضع تقريبًا حتى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. اليوم أصبح إيجاد شركة إنتاج أردنية تعتمد على دوبلاج الأطفال بشكل أساسي، أمرًا يكاد يكون مستحيلًا.

البدايات: «أقرب للسينما من التلفزيون»

يقول كلٌ من حجاوي وإلياس إن عملية الدوبلاج في بداية الثمانينات كانت تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين مقارنةً بالوضع الحالي، فقد كانت الأعمال تُشحن إلى الأردن وتبقى مدة أسبوع في الجمارك، ثم يتم العمل في استديوهات إذاعية. وكانت المسلسلات تأتيهم على أفلام 16 ملم، وكان لا بد من أن يجتمع الممثلون في الاستديو لتسجيل المشهد ذاته، ثم يُنتَج المقطع الصوتي بأصوات الممثلين على فيلم مماثل الحجم، ويُمازج الصوت مع الصورة ويتم إجراء التعديلات اللازمة لتشذيب الإنتاج، ويُنسخ العمل نهاية في التلفزيون الأردني على الفيديو ويتم توزيعه على القنوات الفضائية.

«وقتها أنا شفت العملية كيف بتصير، كانوا بستعملوا أجهزة كتير متطورة برا للدوبلاج، إحنا ما كنا راح نقدر نوفرها»، يوضح إلياس، ويشير إلى أنه بعد التفكير اكتشف أن هنالك طريقة أكثر سهولة للعمل، وهي أن ترسل شركات الإنتاج الأصلية المسلسل على أشرطة فيديو بدلًا من أفلام 16 ملم، وذلك لأن أجهزة الفيديو كانت متوفرة أكثر آنذاك. ويقول إن الآلة التي كانت تشغّل أفلام 16 ملم لم تكن متوفّرة إلّا في التلفزيون الأردني، ولذا كان هو مضطرًّا أن يذهب لاستديوهات التلفزيون، وهناك يحفظ الحوار، ويقيس حديث الشخصية بالكلمة، «وبعدين أحمل النص وأروح فيه للاستديو». وبعد أن يأتي المخرج للاستديو حاملًا نصوص حلقةٍ أو اثنتين، يحفظ الممثلون أدوارهم ويشاهدون الحلقة قبل البدء بالتسجيل، من أجل فهم الشخصيات، ثم يسجلون أدوارهم دون أن يروا الشاشة.

يقول الممثل بكر قباني إن التمثيل الإلكتروني في تلك الفترة كان يأخذ وقتًا طويلًا، ويتطلّب من الممثّل أن يكون لمّاحًا؛ إذ كان الممثلون يتقمّصون الشخصيات دون النظر إلى الصورة، و«كان علينا أنه نطبق الكلام على الفترة الزمنية الموجودة بالمسلسل الكرتوني، وبتكون العملية صعبةً أكثر إذا كانت الشخصيات الكرتونية بشرية». وحتى يستطيع الممثل معرفة أطوال الجمل التي يجب أن يؤديها، كان لابد للمخرج أن يتابع مدى إتقان العملية، ويوضّح إلياس «كنا نخبّر الممثلين بالتعديلات وهم بالاستديو، إنهم يمدّوا الكلمات أكثر، وأحيانًا نخبرهم بأنه يقصروا مداها، حتى تتناسب مع حركة شفاه الرسوم».

وقتها، كان تسجيل حلقة يقلّ طولها عن نصف ساعة يستهلك من الممثلين نصف يوم، بحسب ما يذكره إلياس. ومع الزمن تطورت العملية. وفي العام 1983 دخل مجال الدوبلاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي، وسمحت الحكومة بشراء معدات الفيديو، فأنشأ المركز استديو خاص للدوبلاج. يقول عدنان العواملة رئيس هيئة مدراء المركز بأن الاستديوهات ساهمت بتسريع العملية، وأن اليوم الواحد كان يحمل إنتاجًا لأكثر من حلقة، ويتابع: «لما بلشنا باستديوهات الفيديو صرنا نقدر نعمل (shift) فالخطأ رأسًا ينمحي، وخلانا نتعدى كتير مشاكل من غياب الممثلين وصارت العملية أسهل فنيًا. صار الممثلين يقعدوا بالاستديو ويشوفوا الصورة ويسجلو الكلمات عليها».

محطّة حرب الخليج

عام 1990، كان إنتاج دوبلاج الرسوم المتحركة في أوجه، ودخلت في هذه الفترة عدة شركات أردنية مجال الدوبلاج مثل «الشرق الأوسط» و«صوت وصورة» و«العنود» إضافة للشركات السابقة، وصارت هذه الشركات تشتري حقوق المسلسلات وتعمل لصالحها، وزاد الإنتاج تدريجيًا.

لكن الإنتاج الأردني الفني دخل، في نفس السنة، حالةً من الركود بسبب حرب الخليج والمواقف التي ترتبت عليها من قبل السوق الخليجية تجاه الأردن؛ فكانت هنالك حالة من المقاطعة للأعمال الدرامية الأردنية. لكن هذه المقاطعة لم تؤثر سلبًا على أفلام الكرتون، يوضح بسام حجاوي «علاقتنا لم تنقطع أبدًا مع المحطات الخليجية، كما أن الحاجة لبرامج الكرتون المُدبلج في الأردن لم تتوقف في حينها».

ورغم استمرار الطلب على المسلسلات الكرتونية المبدلجة في الأردن، إلّا أنه وفي بعض الأحيان، وبحسب حجاوي، كانت المحطات تتحفّظ عن شراء مسلسلات عمل عليها بعض الممثلين، وخاصة من كانت لهم مواقف سياسية مخالفة لسياسات القنوات التلفزيونية. أمّا المخرج عمر حامد فيرى أن الأردن كان الوحيد الذي يعمل في الدوبلاج الكرتوني في حينها، لذا فلم يكُن هنالك بديل آخر للمحطات الخليجية آنذاك.

ويروي عدنان العواملة قصة مسلسل كرتوني تمت الموافقة على شرائه من محطة خليجية في أثناء فترة حرب الخليج، بشرط حذف واستبدال صوت إحدى الممثلات الأردنيات لظهورها في إحدى المسرحيات التي اتخذت موقفًا سياسيًا مغايرًا لسياسة تلك المحطة، وعملوا على حذف صوتها من أجل بيع العمل.

وفي حالة أخرى يروي عواملة وحجاوي أن أحد مدراء البرامج في واحدة من المحطات الخليجية أعجب بمسلسل «صاحب الظل الطويل» وهي قصة من الأدب العالمي. وقد أنتجاها قبل نهاية حرب الخليج، كانت نية القناة هي عرض المسلسل خلال شهر رمضان، ولكن لم يكن من الممكن إرسالها جوًا لأن الطيران لم يكن قد تم استئنافه بعد. لذا طلبت المحطة أن يتم بث الحلقات الخمس الأولى عبر القمر الصناعي من التلفزيون الأردني إلى محطتهم، يقول حجاوي: «بالفعل، وصلتهم الخمس حلقات من خلال القمر الصناعي، حتى يبثّوها برمضان، وشحنّالهم الحلقات الباقية بالطيران. تحملهم لهاي التكاليف بدِلّ على إنه كان في اهتمام كبير بالكرتون».

جمهور الكرتون المدبلج في الأردن لم يقتصر على المحطّات الخليجية، يقول عمر حامد إن المحطات الرسمية في المغرب العربي كانت تتوجه للأردن بكثرة لشراء مسلسلات الأطفال. ويقول حجاوي «المسلسلات الكرتونية المدبلجة في الأردن أثرت بشكل إيجابي على دول المغرب العربي؛ التي وجدت باللغة العربية الفصحى ملاذًا، لإنقاذ اللغة وتعليمها للأطفال، بدلًا من عرض المسلسلات باللغة الفرنسية، وتحديدًا أن الفصحى كانت تُدرس لهم في المدارس، كانوا مرحبين جدًا بإنتاجنا كنوع من التأثير الثقافي».

رقابة ذاتية ؟

أدّت الاختلافات الثقافية بين الرسوم المتحركة الأصلية وبين ما هو متعارف عليه في المنطقة العربية، إلى زيادة الحِمل على العاملين في مجال الدوبلاج، فيقول بكر قباني «المشكلة بالرسوم المتحركة إنها كانت تصلنا من الخارج، كان بعضها ما بلائم الأطفال، ولا العادات والتقاليد، وممكن إنها تأثّر سلبًا على تفكير الأطفال، فمثلًا في كرتون ألماني اضطرينا لحذف أحد أركان المسلسل، لأنه بخالف المعتقدات الدينية». ويضيف كنا نتحايل على الصورة بالكلام، ونفس الأمر بالنسبة للمشروبات وغيرها.

وعن هذه المسألة يقول أكرم المومني مدير شركة العنود للإنتاج الفني «لما كنا نختار المسلسلات، كنا نهتم للعنصر الجمالي، شكل الشخصيات والألوان، وكمان القصة»، ويقول إنهم عندما كانوا يشترون مسلسلًا ما من سوق «كان»، كانوا ينتبهون إلى المحاذير الخاصة بكل محطة من المحطات، كما كانوا يحرصون على خلوّ المسلسلات من العنف، ومن الألفاظ النابية، «وبالعادة كانت المسلسلات الكرتونية بتحتوي على هاي الأمور»، وبالتالي كان يُطلب من المترجمين استبدال هذه العبارات.

قصّة أخرى يرويها المخرج حامد عن مسلسل أخي العزيز، «للأسف المُنتِج اللي اشترى الفيلم انظلم فيه لأنه لما اشتراه لاقاه كله مشاهد وتعبيرات غير ملائمة». وبالتالي عمل حامد عليه و«نظفناه من كل المحتوى غير المرغوب»، وهو ما استغرق حوالي أربعة أشهر من العمل، وعرض المسلسل على معظم القنوات العربية، بحسب حامد. بقراءة التعليقات على صفحة أغنية المسلسل على يوتيوب ربما يكون لدى القارئ رأي مخالف لرأي حامد، إذ يعبّر العديد ممن شاهدوا المسلسل أنهم لم يفهموا قصّته، ربما بسبب الاقتطاعات التي حصلت عليه.

يقول بسام حجاوي إن اختلاف الثقافة العربية عن العالم الغربي أثّر على توزيع بعض المسلسلات الكرتونية، فمثلًا احتوى مسلسل كاليميرو على شخصية خنزير، مما أثر على انتشاره، «من وقت كاليميرو بطلنا نجيب كرتون فيه خنزير لإنه الكرتون انضرب في بعض المحطّات».

تحولات السوق وتوقف الإنتاج

بقي سوق الدوبلاج واسعًا ومُنتِجًا حتى 2006، أي بعد أن أصبحت المحطات العربية تشتري حقوق الكرتون وتعمل على دبلجته بنفسها، لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، كان السوق قد مرّ بمرحلة أخرى، وهي مرحلة شراء الخدمات. يذكر سهيل إلياس إن المحطات العربية اتجهت في فترة ما لشراء مسلسلات الكرتون والاستعانة بخدمات الدوبلاج عن طريق الأردن، وهو ما كان نافعًا للمنتج الأردني بتقليل مخاطر شراء الحقوق بأكملها.

مع العام 2006، باتت الأولوية في شراء حقوق الكرتون للمحطات الكبرى، وظهرت محطات بأكملها للكرتون، وأصبحت تنتج لحسابها الخاص. يقول حامد «المنتج الأردني بطّلت توفّي معه، لما يشتري كرتون بـ26 حلقة ممكن يوصل تكاليفه مع إنتاجه لـ50 ألف دولار، وبالوقت الحالي ما راح ينباع، يعني بالكتير ثلاث محطات ويا دوب يدفعو 13 ألف دولار وهو أمر مستحيل إنه المنتج يغامر فيه».

سبب أخر يشير إليه المومني، وهو أن بعض الأشخاص المتوغّلين في المحطات الكبيرة، سيطروا عليها للاستفادة من خدمات الدوبلاج في شركاتهم الخاصة وبأسعار مضاعفة، بحسبه.

يذكر المركز العربي أن عملهم في هذا المجال قد توقف بالفعل منذ أكثر من عشر سنوات، وأنهم انتقلوا من دوبلاج الكرتون إلى دوبلاج الدراما لأنه أصبح مجديًا أكثر، ولكن المركز لا يزال يسوّق بعض الأعمال القديمة، لأنها لا تزال مطلوبة، وهو ما يتفق معه حامد الذي يقول إنه بعض القنوات لا زالت تشتري أعمال قديمة مثل «القرية الأليفة» و«غراندايزر».

«أحسن عمل اشتغلته كان مخلص صديق الحيوان»، يقول حامد، «أنا كنت عامل دور مخلص، وتفاجأت السنة الماضية بأنه التلفزيون السعودي عمل معي مقابلة ومع زملائي، عشان يحكوا عن «مخلص صديق الحيوان»، وقالولي إنه عم ينعرض من جديد في السعودية، ومكسّر الدنيا، الغريب إنه الكرتون عملناه قبل حوالي 32 سنة، ولسا عم ينعرض».

عن موقع مجلة حبر الإلكترونية

شروط الاستخدام

محتوى حبر مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط (hyperlink)، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.

حبر مؤسسة إعلامية ومجلّة إلكترونية، انطلقت من الأردن في عام 2007 كمساحة لإعلام المواطن تدار بشكل تطوعي، وتحولّت في عام 2012 إلى مجلة صحفية احترافية تنتج صحافة معمّقة متعددة الوسائط، وتحليلات نقدية، وحوارات عامّة، حول قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية.


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)