نظرة أخرى : الروائي والمخيلة والسرد للكاتبة لنا عبدالرحمن سلسلة كتابات نقدية - القاهرة - 2018

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ١٩ أبريل/ نيسان ٢٠١٨
جريدة الحياة
القاهرة – علي عطا


لنا عبد الرحمن تبحث في الفن الروائي


اعتمدت الكاتبة والناقدة لنا عبدالرحمن في كتابها «نظرة أخرى: الروائي والمخيلة والسرد» (سلسلة كتابات نقدية - القاهرة) المنهج التحليلي النفسي والاجتماعي في تناول الدلالات الزمانية والمكانية، وفي الإضاءة على اختيارات الأبطال ومصائرهم؛ لأنّ التداخل بين الزمان والمكان في الروايات التي تتناولها هنا، أسفر عن «وجودٍ متجاورٍ للحكايا يكشف عن عالم ناقص في كل عمل روائي يبدأ السعي السردي من أجله».

وتقدم الأبحاث التي يضمها الكتاب رؤية عبدالرحمن لمجموعة من الأعمال الروائية لنجيب محفوظ ومحمد المنسي قنديل وعزت القمحاوي وعبد الفتاح كيليطو وعبده وازن وأمجد ناصر وجوخة الحارثي، وغيرهم، يتداخل فيها الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد بحيث يمضون في مصائرهم واختياراتهم التي تنسجم مع طبيعة المرحلة الزمنية في كل رواية. وفي الوقت نفسه لا يمكن منح تأويلات نهائية لأيّ نص إبداعي؛ لأنّ الكتابة الجيدة والمتجددة تستمدّ حياتها من تنوّع الرؤى والتأويلات بين باحث وآخر، وفق لنا عبدالرحمن.

يحتوى الكتاب على مقدمة وثمانية فصول: «دلالات فعل الثورة والهزيمة لدى نجيب محفوظ»، «قمر على سمرقند» لمحمد المنسي قنديل وتوق الرحيل في مواجهة الأسئلة، الذاكرة والتاريخ في رواية «بيت الديب» لعزت القمحاوي، التخييل الحكائي في رواية «أنبئوني بالرؤيا»، «غرفة أبي» لعبده وازن والبحث عن زمن غائب، ثنائية الأنا والزمن في رواية «حيث لا تسقط الأمطار»، روايات في مواجهة العنف».

وترى لنا عبدالرحمن في المقدمة ما رآه من قبل جابر عصفور من أننا نعيش زمن الرواية، «فالرواية تمكّنت من بناء تواجدها الأدبي متجاوزة الفنون النثرية الأخرى، من خلال تقديم انعكاس التفاعل الفني والمعرفي والحدثي، والثقافي والاجتماعي الذي برعت في تسجيله عبر صفحاتها».

وتذهب لنا عبدالرحمن في هذا الصدد إلى أن الكاتب ليس عالم اجتماع أو سياسياً أو رجل منطق، كي يكتب من أرض ثابتة؛ لأن عمله الحقيقي هو التماس مع لحظة إنسانية فريدة في زمن حدوثها، وفي علاقتها مع الواقع، يقتنصها ويمضي كاشفاً عنها في تحدٍّ سافر للمسلّمات الراكدة، وللغياب الذي يفرضه النسيان. ويحسب لصاحبة هذا الكتاب أنها وضعت الروايات التي تناولتها بالنقد في سياقات محكمة وفق منهج محدد سلفاً، لتخلص إلى نتائج مبررة على نحو أكاديمي، وليس نتائج متعسفة أو مفتعلة نراها بين الحين والآخر في كتب «نقدية»، ليست في النهاية سوى مجرد تجميع لمقالات سبق أن نشرها «الناقد» في صحف سيّارة، ثم يضع لها مقدمة توحي بجهد بحثي عميق، من دون أن يكون لذلك أي صدقية.

في روايات نجيب محفوظ التي تناولها الكتاب، وهي: «الكرنك»، «ميرامار»، «يوم قتل الزعيم»، ثمة رؤية واضحة للثورة، للتمرد، لانهيار القيم في المجتمع المصري؛ فتكتب عبدالرحمن: «ربما تُمكّننا قراءة هذه الموضوعات أيضاً في كتب التاريخ، لكنّ محفوظ لا يسجّل التاريخ بل يقدم روح المرحلة الزمنية من خلال إدراكه الخاص لها».

وبين السيرة والرواية، يمضي عبده وازن في «غرفة أبي، ليستكمل ما بدأه في «قلب مفتوح» 2010، وفي كلا النصين، تلاحظ الكاتبة أنّ ثمة مواجهة مع الذاكرة عبر فكرة الغياب الحاضرة في مراجعة الوعي. ففي «قلب مفتوح» يحضر هاجس الموت والغياب جرّاء جراحة دقيقة خضع لها الكاتب، تؤدي به إلى التفكير في العلاقة الثنائية بين الموت والحياة. هكذا يمضي النص؛ بحسب لنا عبدالرحمن؛ في تقديم رؤيته بين خطى القص-السير ذاتي- والسرد الروائي، بحيث نجد أنّ ثمة دمجاً مراوغا يكتنفه الغموض واللبس، وينحاز إلى البوح الحميم في شأن الماضي واللحظة الراهنة. أما في رواية «حيث لا تسقط الأمطار» لأمجد ناصر، فتميل قراءة لنا عبدالرحمن إلى كشف الدلالة الجمالية في بناء الزمن، بما يرادفه من انقسام «الأنا» بين زمنين يشكلان الفضاء الروائي للنص. ولاحظت الناقدة أن المكان في رواية جوخة الحارثي يستمد أهميته من تقديمه حركة التاريخ عبر المكان وتحولاته؛ فمن جانب هناك حديث عن عُمان الأمس والتقسيمات التي كانت موجودة، ثم ما أعقب ذلك من طفرة اكتشاف النفط، وما تلاها من مستجدات اجتماعية.

وتكشف الروايات التي تناولتها الناقدة في الفصل الأخير أن النسخة الحالية التي تتراءى من مشاهد الإرهاب، هي النسخة الأكثر نزقاً وتطرفاً في منظور الإبداع؛ لأنها مصنّعة على غير قياس، وليست وليدة مصادفة أو نتاج ظروف فقر وجهل فقط، بل الجهل والفقر وكل موبقات المجتمعات ما هي إلا المادة الخام التي استحضرت ليعدّ منها هذا المزيج المُرّ لما يسمى بالإرهاب. ومن هذه الروايات: «الأفيال» لفتحي غانم، و «الحفيدة الأميركية» لأنعام كجه جي، و «فرانكشتاين في بغداد» لأحمد السعداوي، و «أساطير رجل الثلثاء» لصبحي موسى، و «الزلزال» لطاهر وطار و «مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج، و «الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي، و «تاء الخجل» لفضيلة الفاروق، و «مغلق للصلاة» لمصطفى سعيد.

وترى لنا عبدالرحمن في نهاية هذا الفصل أن الروايات العربية ظلت في تناولها لظاهرة الإرهاب- وتكاد تنتهي جميعها- عند نقطة واحدة تتقاطع مع غياب الأفق التنويري الذي يؤدي إلى تحجيم عوامل نشوء العنف. فالروايات تجمع على النهايات المهزومة، في مواجهة الإرهاب، بحيث ينكسر الأبطال الذين يمتلكون الوعي، وينهزمون في طرق شتى؛ إما بالموت، وإما بالسفر أو بالمرض النفسي. كما أنهم ينهزمون بالانفصام عن المجتمع، ويضاف إلى ذلك أن الروايات في معالجتها لشخصية الإرهابي من حيث مصيره، وعلاقته بالشخصيات المحيطة به، وأثره عليها، ظلت مفتوحة على النهايات الضبابية التي تؤكد عمق الفاجعة مع القصور عن رؤية أي أفق تفاؤلي جديد، بحيث تحاكي الروايات الواقع إلى حد كبير، وتمضي بالتوازي معه، لتكشف وتحلل وتستعرض وتناقش ما حدث ويحدث ضمن الحفاظ على مسافة حاضنة للتساؤلات التي يقاربها الفن من دون أن يمتلك أجوبة عنها.

وهنا، تلاحظ لنا عبدالرحمن مثلاً، أن الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق تواجه في روايتها «تاء الخجل» مأساة أكثر عمقاً وتشعباً، فهي من خلال شخصية «خالدة» التي تعد تحقيقاً صحافياً يتناول قضية النساء اللواتي تعرضن للإرهاب عبر خطفهن من «جيش الإنقاذ» واغتصابهن، ومن خلال شخصية «يمينة» التي تروي تجربتها في هذا الصدد، تعرِّي المجتمع، كاشفة عن تخاذل الدولة في مساندة النساء المغتصبات، وفي أن محنة الإرهاب آذت المرأة إلى حد لا يحتمل في وقت لا يتم الاعتراف بحجم هذا الإيذاء. وفي ما يخص «أساطير رجل الثلثاء»، ترى عبدالرحمن أن صبحي موسى يعتمد في كتابة هذا العمل على تفاصيل ووقائع تاريخية، ومع ذلك فإنه تمكّن من نسج الجانب التخييلي الفني، مع الجزء الواقعي في إيقاع منسجم مع السرد، الذي ابتعد عن الجفاف الذي يفرضه موضوع الرواية التي تتبع صعود أسامة بن لادن وسقوطه.

وفي المقدمة، تؤكد عبدالرحمن ملاحظتها أن بعض الأعمال الإبداعية تبدو منفتحة على احتمالات تتزاحم في النص الواحد وتتفرع في اتجاهات شتى، وتحمل أكثر من تأويل، موضحة أنه ليس بإمكان الفنان سوى طرح أسئلته، وتقديم نبوءاته عما يرى ببصيرته أنه محتمل الحدوث، لكنّه يظلّ عاجزاً عن منح أجوبة نهائية حول تساؤلات كبرى ترتبط بالكينونة، الهوية، بالثورة، بالحرب، بالحب، بالتحولات الاجتماعية المتزامنة مع الهزائم الفردية.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)