نزوح مريم، محمود حسن الجاسم (سورية)، رواية التنوير - 2015

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ١١ مايو/ أيار ٢٠١٦
جريدة الحياة
القاهرة - بسمة علاء الدين


«نزوح مريم» ... حكاية مأساة لا تنتهي


في رواية «نزوح مريم» للسوري محمود حسن الجاسم، يقع القارئ على خطاب طويل، أقرب إلى المونولوغ. تتولى سارة طوني جبور كتابة ما حدث لابنتها «مريم» التي يحتل اسمها واجهة الرواية التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الأخيرة.

«إليك يا مريم أدوّن الحكاية… ستقرأين الحكاية حتى تعرفي وتنقلي ما جرى لنا بصدق»؛ بهذا المفتتح تبدأ الحكاية وفيها يتناول الكاتب تفاصيل ما يتعرض له الشعب السوري في مدينة الرقة على أيدي الشبيحة والسلفيين. «نزوح مريم»؛ رواية تحكي عن مأساة سورية التي تحولت إلى مستنقع تعيث فيه دول العالم فساداً وإفساداً، ما بين نظام بائس قمعي لا يتردد عن قتل نصف الشعب ليحكم النصف الآخر، وتنظيم الدولة الذي ثبَّت أركان حكمه الرجعي في أجزاء عديدة من سورية وتنظيمات أخرى مثل «الشبيحة»، و»جبهة النصرة»، لا همَّ لها إلا القتل والترويع ولا رادَّ لديها عن حرمة الدم والعِرض.

كأنما هو سباق بين الحبر والدم في سورية، يسيل الحبر محاولاً وقف سيلان الدم. يكاد ينحصر موضوع الكتابة في تلك المأساة التي يعيشها السوريون اليوم. «إليك يا مريم أدوّن الحكاية... تركت لكِ مفتاح البيت. ستعودين يا مريم وتغتسلين بياسمين الوطن لتدفني ذلّ النزوح والضياع». تكتب سارة لتنجو أو بالأحرى، لتنجو ابنتها. التدوين هو الوسيلة الوحيدة للبقاء، ولكن العلم الأسود هو الغالب عليها. يحسّ الأهالي بتغيّر جذري في كل شيء. تغيّر بدا مهيناً يختلف عن عادات أهل المدينة. يستهدف قِيَمهم. ينخرطون بعملهم مترقّبين قلقين. بدأ الكثير منهم يعيد حساباته، ويندم على الساعة التي خرج فيها، وصرخ بوجه الحكومة. لم تفلح الطائفية في الحيلولة دون أن تتزوج سارة المسيحية من حبيبها المسلم المهندس هاشم، لتبقى في الرقة، التي ذهبت إليها مدرّسة للغة الإنكليزية، لفترة موقتة، تطول بإتمام الزواج. وبعد ذلك تُختطف الرقة على أيدي جماعة «داعش»، ويختطف معها الزوج ليغيب تاركاً الأم والطفلة تواجهان مصيرهما المجهول. مصير سارة المسيحية معروف سلفاً، فدمُها مباح، لذا تبدأ الأم، برفقة الطفلة المريضة، رحلة لن تنتهي، رحيل يعقبه آخر. فمحردة، مسقط رأس سارة، ومحطتها الأولى المتوقعة بعد الهرب من الرقة، تحولت إلى جحيم يسيطر عليه «الشبيحة»، وهكذا يصبح النزوح باتجاه أرض أخرى لتواجه سارة طائفة ثالثة هي المهربون، بينما تتمزق باحثةً عن مهرب. لا تتحدث هذه الرواية فقط عن المصائب والكوارث التي حلّت بعائلة سارة طوني جبّور، بل عن معظم العائلات السورية بدايةً من الاختلافات السياسية التي نشبت بين أفراد العائلة في بداية الأحداث، ثم المعارك بين المعارضة والنظام، والتصفيات التي تحدث وفق الطائفة والانتماء السياسي؛ «إن كان معارضاً أو موالياً». والقهر والظلم الذي يتعرض لهُ المدنيون. هروبهم من ظلم إلى ظلم آخر ومن موت إلى موت، ومحاولاتهم الشاقة للهجرة، وأشياء كثيرة عما تعرض له الشعب السوري كُتِبت في هذه الرواية، التي ليست فقط مذكرات سارة طوني جبّور، وإنما هي مذكرات كل السوريين.

هل وصل الخطاب إلى متلقيه؟ وهل تنجح «مريم» في إيصاله أم أنه سيصل إلى المكان الخطأ حيث لا صندوق بريد لشخص يقطن بالكاد تخوم مقبرته؟

محمود حسن الجاسم (1966) أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب سابقاً، والتحق بالعمل في كلية الآداب والعلوم في جامعة قطر في العام 2012. أمضى أكثر من أربع عشرة سنة في تدريس النحو والصرف واللغة العربية لغير الناطقين بها. صدرت له ثلاث روايات «غفرانك يا أمي» 2014، و»نظرات لا تعرف الحياء» 2015، و»نزوح مريم» 2015.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)