نذير، إياد الجلاد (السودان)، رواية هاشيت أنطوان (نوفل) - بيروت - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الأيام الفلسطينية


موقع جريدة الأيام الفلسطينية
الثلاثاء 15-01-2019
الأيام - أدب وفن
كتبت بديعة زيدان


"نذير" لإياد الجلاد .. رواية مجتمع بأكمله من الهامشيّين والمهمّشين !


يمكن وصف رواية “نذير” للسوداني إياد الجلاد، بأنها رواية مجتمع بأكمله، بل لربما مجتمعات باتت تلهث وراء الوهم الذي صنعه لها أسيادها، أو صنعوه لأنفسهم كي يصمدوا على قيد الحياة .. “هذه رواية عن نفس بشرية لا عن الأحداث التي تتعرض لها فحسب. ثمة جريمة. قتل وسرقة. لكنّ القارئ لن يهتم بهما بقدر اهتمامه بالاسترسال في عالم المؤلف .. عالم منسيّ، في قرية نائية، يسكنها بشر هامشيّون ومهمّشون تفتك بهم أمراض القاع”.

وهؤلاء الهامشيّون والمهمشّون هم من يقودون ما بات يسمى “ثورة الخبز” العفوية، كما يصفها البعض، والتي خرجت، نهاية العام الماضي، نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي أصبحت تطبق الخناق على البسطاء، لدرجة أن أحد المتظاهرين السودانيين صرح لوكالة عالمية “لم أتمكّن من شراء الخبز منذ أربعة أيام”، ما يعكس رسالة واضحة تدلل على حجم المعاناة التي يمرّ بها السودانيون، وهو ما عبّرت عنه الرواية بعبارة “يغدو الحيوان خطراً حين يجوع، أما الإنسان فيغدو أكثر خطورة حين يشبع”، فنجد الجلاد هنا يعرض ويصور جشعاً بات وكأنه وباءً جماعي.

و"نذير" هو الشخصية المحورية في الرواية التي تحمل اسمه، والصادرة حديثا عن “هاشيت أنطوان” (نوفل) في بيروت، هو أيضاً، سائق سيارة عمومية (تاكسي) سوداني، يقل من المطار سبعة من العائدين إلى وطنهم بعد طول غربة، محمّلين بالهدايا إلى عائلاتهم، بينما كان الوقت تجاوز منتصف الليل.

تدور أحاديث عدة في السيارة، من بينها مفاخرة أحدهم بذلك الخاتم الذهبي الكبير والفاخر الذي أتى به هدية لزوجته .. بعد وقت من المسير، يضطر “نذير” إلى سلوك طريق مختصرة، لكنها وعرة، لتبدأ الحكاية حين هبط من المركبة لقضاء حاجته، وهي الفترة الزمنية التي كانت كافية لانقضاض قطاع طرق على “التاكسي” المتوقف في طريق مظلمة، ومن فيه، فيقتلون الركاب أو العائدين.

في هذه الأثناء، ومن فوّهة مسدسه الصغير خاصته، يطلق “نذير” النار على قطاع الطرق فيرديهم قتلى .. بعد استيعابه للكارثة، وتفقده الجثث السبع يقرر تسليم نفسه والجثث إلى الشرطة، لكنه قبلها يبحث عن الخاتم الثمين في الحقائب ويسرقه، قبل أن يتصل بزوجته ليخبرها أنه ذاهب إلى الصحراء في جولة تنقيب عن الذهب، وكانت هذه عادة دارجة في السودان، حيث لقي العديد من الباحثين عن الذهب في الصحارى حتفهم.

واستخدم جلاد في سرده مصطلحات سودانية خالصة، ومسميات لبعض الأدوات كما هي في الدارجة السودانية تاركا مساحة هامشية أسفل بعض الصفحات لشرح معانيها، فيما كان السرد كعادة الكثير من الروائيين والكتاب السودانيين بلغة جزلة قادرة على جذب القارئ، وإثارة إعجابه.

وبالعودة إلى الرواية، يخفي “نذير” الخاتم في مكان آمن قبل تسليم نفسه إلى الشرطة .. بعد فترة طويلة من التحقيق والبحث تقرر الشرطة إخلاء سبيله إثر تأكد عناصرها ومحققيها أن لا دلائل تدينه، لكنها تقرر وضعه تحت المراقبة.

بعد خروجه من السجن يذهب إلى خاتمه الذي حفر له ودفنه قبل سجنه، ومن ثم يعود إلى بلدته النائية الفقيرة، حيث زوجته “علوية” وطفلته “عزيزة”.

لا يستطيع “نذير” كتم سرّه، فيعرف الكثيرون أنه خرج في رحلة للتنقيب عن الذهب في الصحراء ورجع بشيء منه، فيصبح محط الأنظار في البلدة، ومنهم جارته “سعدية” وزوجها، والكثير من شبان القرية.

“سعدية” تراقبه من على سُور بيتها، والشبان يلاحقونه في كل مكان علهم يهتدون إلى المخبأ الذي يخفي فيه الخاتم، في وقت بدأ يشعر فيه “نذير” بأن تحقيق أحلامه بات قاب قوسين أو أدنى، مع أنه يحتفظ بالخاتم بانتظار ارتفاع سعر الذهب ليجني أرباحاً أكثر.

تتفق “سعدية” مع بعض الشبان على خطف الطفلة “عزيزة” ابنة “نذير”، مستغلة غيابه ومرض زوجته “علوية”، إلا أن شغفه الزائد بخاتمه يحول دون بيعه أو التصرف فيه لإنقاذ طفلته من الاختطاف، أو إنقاذ زوجته من المرض، هو الذي يستذكر على الدوام، طفولته الفقيرة البائسة كبائع للفول السوداني والذرة للعابرين أو المارّة، وهو أيضاً من فقد الخاتم الذي كان “النيل” مستقره المؤقت.

ويمزج الجلاد في الرواية ما بين الكتابة الروائية بنمطها الشرقي الذي لا ينّحي اللغة بجماليّاتها جانباً ويبدي فيها اهتماماً معقولاً لتخرج سلسلة جذابة، وما بين النمط الغربي في الكتابة ذي الإيقاع المتسارع والعمق الفكري، كما أن تسارع الأحداث يجعل من الرواية تحط رحالها في عالم سينمائي، وكأن القارئ أمام فيلم من نوع خاص.

جدير بالذكر أن إياد الجلّاد كاتب سوداني من مواليد العام 1981، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في مجال الدراسات الشرعية والقانونية، وسبق له أن عمل في مجالات التدريس، والبحث العلمي، وخاصة في حقل اللغويات.

عن موقع جريدة الأيام الفلسطينية

شروط الاستخدام

يشير البند السادس من شروط الاستخدام بأنه لا يحق للمستخدم نسخ المادة الموجودة على الموقع أو إعادة إنتاجها أو نشرها أو إذاعتها أو استغلالها بأي طريقة مهما كانت من دون ذكر الموقع والاشارة الى الموقع كمصدر لهذه المواد بوضوح، وفي حال تم التعديل بالحذف والإضافة والتحليل يجب الإشارة إلى موقع “الأيام” كمرجع للمادة التحليلية، ويستثنى من ذلك أغراض الاستعمال الشخصي غير التجاري. لقراءة المزيد عن شروط الاستخدام.

جريدة الأيام يومية سياسية تصدر عن شركة مؤسسة الأيام للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)