نجمة، كاتب ياسين (الجزائر)، رواية Nedjma, Kateb Yacine (1929 - 1989) - Algérie

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٥ يونيو/ حزيران ٢٠١٥
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«نجمة» لكاتب ياسين: الجزائر يوم كانت بعيدة المنال


يحاول مهرجان وهران للفيلم العربي الذي بدأ فاعلياته في مدينة الغرب الجزائرية قبل يومين، أن يساهم في إعادة الحياة إلى السينما الجزائرية التي عرفت خلال العقود الثلاثة الأخيرة تراجعاً بعدما كانت في السبعينات من أنشط سينمات البلدان النامية. ولهذه المناسبة الوهرانية، عادت إلى التداول مسألة تحويل رواية كاتب ياسين «نجمة» إلى فيلم سينمائي كبير تستحقه، بعد محاولات سابقة لم تأت على قياس هذا النص الكبير... ويشكل هذا مناسبة للعودة إلى هذه الرواية التي كانت يوماً من أول نصوص الأدب الجزائري التي عرفها قراء المشرق مترجمة إلى العربية.

«بادئ ذي بدء وجدتني على احتكاك مع جمهرة من الشخصيات. وبدا لي أن لكل من هذه الشخصيات متطلباتها الخاصة. كانت كلها، بالنسبة لي، تمثل وجوه الجزائر المجهولة، لا جزائر الأخبار المتداولة. كانت تمثل وجه الأسطورة والحياة كما هي في عفويتها الأولى. وعندذاك، راح وجه معيّن، شخصية معينة، تبرز شيئاً فشيئاً من بين الجمع. وكما لو بفعل المصادفة كان هذا الوجه وجه امرأة، أو بالأحرى طيف امرأة. وعلى هذا النحو راحت شخصياتي واحدة بعد الأخرى، ورحت أنا أيضاً أقع تحت سحر نجمة وفتنتها. ونجمة ليست سوى روح الجزائر الممزقة منذ البدايات. الجزائر التي مزقتها الأهواء الفردية الفائضة عن حاجتها...». بهذه الكلمات تحدث ذات يوم كاتب ياسين عن تلك الشخصية الأساسية التي أتت يومذاك، في كتاب أساسي له، معبرة ليس فقط عن روح أدبه الخاص، بل عما سماه هو نفسه «الهوية الجزائرية» في شكل عام. فـ «نجمة» الكتاب، والنص المكمل له «الفضاء المكوكب»، ومنذ صدور أولهما عام 1956، وثانيهما عام 1966، اعتبرا على الفور تعبيراً عن روح ذلك البلد الذي كان، خلال الفترة بين صدور الأول والثاني يخوض، أولاً مرحلة استقلاله، ثم مرحلة التساؤل عما ينبغي فعله بذلك الاستقلال. صحيح أن كاتب ياسين لم يكن الأديب الجزائري الأول - باللغة الفرنسية - الذي أعطى أدب هذا البلد ونتاجات مبدعيه تلك المكانة العالمية المميزة التي كانت وتظل لها، حتى الآن، لكنه كان المبدع الذي عرف كيف يوصل الصوت الجزائري إلى أبعد كثيراً وأعمق كثيراً.

من هنا، اعتبرت رواية «نجمة» رواية الجزائر بامتياز، حتى وإن كان الصخب الإعلامي العربي العام، منذ ترجمت إلى العربية، واستقبالها على الفور كجزء من النضال الثوري الجزائري وشعاراته، قد غطيا دائماً على قيمتها الأدبية. بل حتى على رنة الاحتجاج التي ميزتها وأكدت أنها لم تكن فقط رواية «تفضح» الاحتلال وتقارعه. «نجمة» كانت منذ البداية أكثر كثيراً من مجرد رواية شعارات وطنية، حتى وإن ربطت، وربطها صاحبها، بروح الوطن المناضل. ذلك أن نجمة في عمق أعماقها هي عمل شاعري عن الكرامة الإنسانية، عن كل ما يحفظ هذه الكرامة، عدواً كان أم صديقاً، وعن كل من يمزق هذه الكرامة. بالتالي، فإن شخصيتها المحورية هي رمز لهذه الكرامة حين تقاوم. غير أن المقاومة عند كاتب ياسين، ليست فعل عنف وقتال وأصوات عالية، بل هي فعل روحي ينبع من الداخل أكثر مما ينبع من الخارج. ولأن «نجمة» رواية تتحدث عن هذا النضال الداخلي، من طريق امرأة، بدت وتبدو دائماً رواية أكثر تعقيداً وتركيبية من المعتاد. من هنا، ما كان كاتب ياسين يرويه من أنه حين عرض الرواية على الناشر الباريسي للمرة الأولى أواسط خمسينات القرن العشرين، قال له هذا بعد أن قرأها: «إنها عمل شديد التعقيد. لديكم يا عزيزي خرفان كثيرة في الجزائر، فلماذا لا تكتب رواية تتحدث عن هذه الخرفان؟». طبعاً، سيغير هذا الناشر رأيه لاحقاً، لا سيما حين سيتبنى كبار كتاب فرنسا ونقادها في ذلك الحين، الرواية معلنين عبرها ليس ولادة أدب جزائري جديد فقط، بل ولادة لغة فرنسية جديدة أيضاً. ولكن من هي نجمة؟

هي امرأة غامضة لا يكاد أحد يعرف عنها شيئاً، ولكن من حولها يحوم بحث ورغبات عدد من الرجال: مراد، الأخضر، مصطفى ورشيد. أما هي فتبدو على الدوام غير مبالية كثيراً بما يحدث لها. وربما لأنها تحمل في علبة المسحوق الخاصة بها صورة جندي فرنسي لن نعرف أبداً علاقتها به. ونجمة التي تعبر الأيام بفتنتها ولا مبالاتها، سينتهي بها الأمر سجينة تحت رقابة زنجي عينته القبيلة حارساً. غير أن نجمة، حتى في صمتها الأسطوري، وربما خصوصاً في صمتها الأسطوري تبدو أكثر حضوراً من الشخصيات الأخرى كلها. إذ، بعد كل شيء، هي التي تحدد، بنظرة الآخرين إليها، وعدم اهتمامها هي بالنظر إلى الآخرين، بنية الرواية وسياقها. هذا السياق الذي تبدو لعبته مرايا وأضواء وظلال تعبر حتى اللانهاية في سياق يبدو شبيهاً إلى حد كبير بأسلوب تيار الوعي، ولكن في أصوات متعددة. حيث إن تعدد الأصوات هذا هو الذي يكون، وبالتدريج، صورة نجمة ذات الحضور الكلي من الصفحة الأولى إلى آخر الصفحات. ولعل العنصر الأقوى هنا هو أن هذه اللعبة إنما تأتي لتنم عن خيالية نظرة الذكور إلى أنوثة نجمة، ومن خلالها الأنوثة التي تبدو، من خلال هذه النظرات، أنوثة شديدة الالتباس. ولعل هذا الجانب هو الأساس والأقوى تعبيراً، في رواية غفل مستقبلوها حين صدرت بالعربية، عن هذا الجانب، خصوصاً عن جانب في الرواية أعطى نجمة هالة هلامية جاعلاً إياها أشبه بنجم بعيد المنال، وذلك بالتناقض مع شخصيات أنثوية أخرى، تذرع الرواية بين الحين والآخر، مثل شخصية سوزي التي تطالعنا أول الرواية، أو فتاة المقهى القريبة التي نراها من خلال السطور التي يكتبها مصطفى عنها في دفاتره. مع هذا كله، من الصعب على القارئ أن يعثر في أي صفحة من صفحات الرواية على وصف يسبغه الكاتب على شخصيته المحورية، إذ حتى الرجال الذين يحومون حولها، بمن فيهم كامل الذي تتزوجه بأمر من أمها لا أكثر، لا يبدون قادرين على تحديد أوصافها. بل لعلنا لا نبتعد من غاية كاتب ياسين كثيراً إن نحن لاحظنا أن غالبية الفقرات التي «تحاول» أن تقدم صورة ما لنجمة، تقدمها عبر حركة ما، عبر التفاتة، ما يحيل الوصف وصفاً للحركة أو للالتفاتة، فتصبح نجمة مجموع هذه الحركات والالتفاتات.

من هنا، يصبح من المنطقي النظر إلى نجمة، الشخصية المحورية، ليس بصفتها كائناً في ذاته، بل انطلاقاً مما تفعله بالآخرين، لا سيما أبناء عمومتها منهم، هؤلاء الذين سيبدو لنا، بين حين وآخر، أنهم ليسوا موجودين إلا من أجلها. بل هي التي في صمتها تملي عليهم مسارهم ورغباتهم، وصولاً إلى رشيد، مثلاً، الذي يقوده «ولهه» بنجمة إلى السعي للوصول إلى جذوره، لكنه بدلاً منها يصل إلى المخدرات والعزلة في فندقه النائي. غير أن نجمة لا تبدو لنا أبداً، راغبة في أن تحدث هذا التأثير في الذكور الذين يحيطون بها. إن فعلها غير إرادي، وربما هو نابع من شخصيتها وحضورها المشع وحده. ومن هنا، فإن «دفع الآخرين إلى الفعل» هو جزء عضوي مكون من «رسالة» نجمة في وجودها. من هنا، كل أولئك النقاد والباحثين الذين وجدوا في «نجمة...» «اللغز الذي لا تحله الرواية أبداً»، «امرأة تخفي خلف قناعها النوراني وجهاً آخر هو وجه الجزائر» لم يكونوا مخطئين.

حتى وإن كان قد سبق لكاتب ياسين (1929 - 1989)، أن نشر كتباً عدة قبل أن يصدر «نجمة»، فإن هذه الرواية التي صدرت عن منشورات «لوساي» الباريسية، عام 1956، كانت العمل الأول الذي أطلقه في فضاء الحياة الأدبية، ثم أثر ذلك في فضاء الحياة المسرحية، ذلك أن كاتب ياسين، وبفضل النجاح الفوري الذي حققته «نجمة»، وضع تباعاً مسرحيات ظلت لها شاعرية «نجمة» لكنها أتت في معظمها جزءاً من رغبة في بعث مسرح نضالي، ليس على صعيد القضية الجزائرية وحدها، بل كذلك على صعيد نضالات العالم الثالث ككل. ومن أبرز مسرحياته التي كتبت بين 1959 والسنوات الأخيرة من حياته: «حلقة القمع» و «الجثة المطوقة» و «مسحوق الذكاء» و «الأجداد يزدادون ضراوة»، خصوصاً «الرجل ذو الصندل الكاوتشوك». ونذكر أن كاتب ياسين كتب معظم أعماله الأولى بالفرنسية، حتى وصل إلى التجريب في كتابة نصوص ومسرحيات باللغة الجزائرية المحكية، وكذلك بلغة الأمازيغ، هو الذي كان ينتمي إلى هذه الهوية، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته مناضلاً في سبيل وجودها وهويتها ولغتها.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)