موسوعة الشاشة الكبيرة، إسماعيل بهاء الدين سليمان (مصر)، موسوعة مكتبة لبنان ناشرون - 2012

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ١٢ أغسطس/ آب ٢٠١٦
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


مغامرة فردية لعمل نادر في المكتبات العربية


هذا الكتاب مغامرة. ومغامرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وأكثر من هذا، مغامرة فردية، يصعب على من يتفرس في الكتاب، او يحاول نقله على الأقل من مكان الى آخر، أن يتصوّر كيف خطر في بال مؤلفه، عند البداية، أن ينجزه. ويتساءل المرء: هل كان المؤلف يتصور عندما خطّ الصفحات الأولى منه، أولاً، انه سينتهي على تلك الشاكلة؟ وعلى هذا العدد من الصفحات؟... ولمن وضعه؟ من سيقرأه؟ وفي أي مجتمع سيتم تداوله؟

أسئلة قد يكون من السهل على إسماعيل بهاء الدين سليمان، الكاتب والإعلامي المصري، أن يجيب عنها بكل ثقة وبراءة، اليوم، وهو يتأمل هذا العمل الضخم (نحو 1800 صفحة من الحجم الموسوعي، لما يزيد على أربعة كيلوغرامات وزناً) بعد سنوات من إنجازه، وزمن من طرحه في السوق، متسائلاً عما كان من أمر هذا الكتاب و «مساهمته» في تطوير الثقافة السينمائية في العالم العربي. فنحن هنا، في الحقيقة، نتحدث عن «موسوعة الشاشة الكبيرة»، عن عمل من النوع الذي لا يسمع به الناس إلا بالصدفة، ولسنا ندري ما اذا كانوا يهتمون به، إن سمعوا، ثم ان يتوجهوا الى شرائه إن هم حقاً اهتموا. مثل هذه الأعمال تمولها عادة مؤسسات حكومية غير ربحية، وجامعات. أما هنا فالتمويل خاص، والناشر دار لبنانية هي «مكتبة لبنان – ناشرون» من الصعب سؤالها عن الحركة الحقيقية لبيع هذا الكتاب.

ولكن هل يهم هذا السؤال الأخير حقاً؟ هل يهم طالما ان مثل هذا الكتاب كان يجب ان يوجد في المكتبة العربية مهما كان مصيره، فقاده حسّ المغامرة لدى مؤلفه، الى هذا الوجود مشتغلاً عليه أكثر من أربع سنوات، يقول اليوم انه في الحقيقة، لم يطرح على نفسه خلالها أي سؤال حول مصير الكتاب؟

«عروبة» غير كافية

ما كان يوجب إنجاز هذا العمل هو بالتأكيد غياب هذا النوع من المؤلفات عن المكتبات العربية. فحتى وإن دخل العرب عصر الصورة منذ زمن بعيد، وعصر الفصاحة السينمائية منذ زمن أقرب نسبياً، لا يزال زمن التعامل العلمي مع السينما وتقنياتها وتاريخها وفنونها، هامشياً، بحيث أن أي مشتغل على تأليف كتب سينمائية، ولا سيما نظرية او تقنية، سوف يعجز بالتأكيد عن الوصول الى متن مرجعي اصطلاحي يمكنه الاعتماد عليه. اما آخر المحاولات في هذا المجال فهو بالطبع الكتاب، الضخم نسبياً، الذي وضعه أحمد كامل مرسي ود. مجدي وهبة بعنوان «معجم الفن السينمائي» وصدر عام 1973 – ما يعني انه وُضع استناداً الى معلومات ومصطلحات، صيغت حتى سنوات الستين -. اي منذ ما يزيد على اربعة عقود. ويعرف المهتمون بالسينما أن مياهاً كثيرة جرت تحت جسور تاريخ السينما ونظرياتها منذ ذلك الحين، ما يجعل ذلك «المعجم» تراثاً تاريخياً غير مفيد في أيامنا هذه على الاطلاق.

على عكسه إذاً، هذا المؤلَّف المدهش، والمتوسع والمسهب، الذي وضعه اسماعيل بهاء الدين سليمان بمفرده. بمفرده؟ ليس تماماً. فالنزاهة تتطلب الإشارة منذ البداية، ان ما خفّف عن كاهل المؤلف ثقل الجهود التي يتطلبها تأليف «موسوعة» عن فن جديد، - له مصطلحاته الجديدة المنحوتة من لغات عديدة، ليس بينها العربية، وغالباً مستعارة من آداب وفنون نقدية أخرى، في شكل لم يثبت لها، بعد، مكانتها، حتى في اللغتين الرئيستين اللتين لهما علامة مباشرة بنظريات السينما وتاريخها وتقنياتها، الانكليزية والفرنسية -، ما خفّف عن المؤلف هو لجوؤه الى الترجمة في أحيان كثيرة، مباشرة او مواربة، عن قواميس وموسوعات أميركية وإنكليزية، يشير اليها بكل وضوح – فهو لا يدّعي ما ليس عنده، ومن الواضح أن مبدأ المنفعة هو الذي يحكمه، حيث إن ما يهمه، من دون ريب هو مصلحة القارئ -. ومن هنا اشتغل على عدد كبير من القواميس والكتب النظرية ملخّصاً مترجماً، مُوَلّفاً، ولكن دائماً، معرّباً، بمعنى انه حين أراد ضرب أمثلة، لتعميم فائدة نصوص هذه «الموسوعة»، استقى امثلته من السينما العربية، او لنقل بالأحرى، من السينما المصرية وحدها، ما شكل هنة «محلية» في هذا العمل الضخم، الذي إن كان يكشف عن ثقافة واسعة لدى سليمان، وعن معرفة دقيقة باللغة التي «عرّب» انطلاقاً منها، ومن حب للسينما واندماج تام تقريباً، في السينما المصرية وأهلها ونقادها وتاريخها، فإن من الواضح ان ثقافته السينمائية العربية غير كافية، وهكذا مثلاً حين يضرب المثل بافلام عربية، لتعزيز نظريات ومعلومات جمعها من عدد كبير من المصادر الغربية، يعجز عن إيراد اي مثل غير مصري. وواضح هذا بخاصة في مجال الحديث عن مادة «نقد» حيث يذكر كتاباً وصحافيين مصريين، في الوقت الذي يتجاهل مجموعات كبيرة من نقاد – باحثين وأساتذة تعليم سينمائي ونقدي عرب غير مصريين، موجودين ويعملون، وبعضهم معروف عالمياً، خارج مصر لا سيما في بلدان المغرب العربي.

لغة روائية

مهما يكن، الأكيد أن ليس في إمكاننا أن نطلب كل شيء من فرد غامر بوقته وجهده ليطلع بعمل لا بد من القول عنه، رغم بعض التحفظات، انه فريد من نوعه في المكتبات العربية، عمل يحتوي كل ما قد يود القارئ الذكي والفضولي والمهتم، والمنصف، أن يعرفه (مرتباً على الأبجدية الإنكليزية) حول المصطلحات السينمائية (ترجمة وتعريفاً)، والمدارس السينمائية (وصولاً الى أحدثها) وتقنيات السينما (بما فيها تلك التي تسمى ما – بعد – السينما)، وتاريخ السينما (نقاصاً تواريخ السينمات العربية للأسف)، وأهل السينما ونظرياتها (وهنا يبدو العمل غير متكامل، انطلاقاً من أن المؤلف اعتمد فقط، في هذا المجال، على المراجع الإنكليزية والأميركية، غير ملتفت كما يبدو الى المراجع الفرنسية التي يقرّ كل أهل نظريات السينما في العالم بكونها فائقة الأهمية والحسم، في تاريخ الفكر السينمائي).

وتبقى أخيراً بعض الكلمات حول لغة سليمان وأسلوبه. فالحقيقة انه، مقابل الجفاف الذي يطغى عادة على هذا النوع من الكتب العلمية، يقدم لنا مؤلف هذا السفر، مواضيعه، التي يصل عددها الى 8866 موضوعاً يرافقها نحو 700 صورة، إضافة الى ملحقين، في لغة جزلة ودقيقة – مع خلو كافٍ من الأخطاء المطبعية، ما يقترح أن المؤلف أشرف على تصحيح كتابه بنفسه -، بحيث أن المجموع يُقرأ وكأنه رواية سلسلة بلغة جميلة، تفرض نفسها حتى على النصوص التقنية التي لا يخفي عنا الكاتب كونها مترجمة عن نصوص انكليزية.«موسوعة الشاشة الكبيرة» لإسماعيل بهاء الدين، عمل فذ وبالغ الأهمية، من الظلم إننا لم نقرأ عنه كثيراً، ولا نجد نسخاً منه في المكتبات الجامعية، او في مكتبات المهتمين الخاصة، الى درجة نخجل معها أن نسأل المؤلف الطموح، والمتواضع، في الوقت نفسه، عما كان عليه مردود الكتاب!

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)