من يصنع صورة فتاة الأحلام

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٧ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٥
جريدة الحياة
القاهرة – أمينة خيري


صورة «فتاة الأحلام» يصنعها الإعلام الديني والتجاري... ومجتمع «يحقر المرأة»


ملاك بجناحين، أم فتاة متفجرة أنوثة؟ فتاة لا تبرح سجادة الصلاة أم نموذج مستنسخ من نجمات السينما؟ صوت هادئ ونبرة حالمة ونعومة تلين لها الجبال أم امرأة قوية لها من الشخصية ما يخيف الرجال؟ وربما تكون «كتكوتة» «بطبوطة» أو فرساً جامحاً يبحث عمن يروضه. أو هي «كوبي بيست» عن ماما و»طنط» وتقف في الوقت نفسه على طرف النقيض منهما. اثنان فقط من مجموع نحو 30 شاباً ذكروا مواصفات مثل «واثقة في نفسها» «قادرة على التفكير باستقلالية» «خفيفة الظل» أو «تتواءم شخصيتها مع شخصيتي»، وذلك حين سئلوا عن صورة فتاة الأحلام.

وعلى رغم إحالة مفهوم «الأحلام» إلى التقاعد في العام الـ 15 من الألفية الثالثة، حيث الواقع غلب الخيال وما يبدو في المجتمع المحافظ أنه ممنوع لي إلا تمويهاً ظاهراً، إلا أن صورة «فتاة الأحلام» لا تزال جزءاً لا يتجزأ من أحاديث الشباب ومخيلاتهم وتصوراتهم، حتى وإن كانت دوائر معارفهم تضم عشرات الشابات من زميلات وصديقات دراسة وعمل ورياضة ومقاهي.

في المقهى، تجلس مجموعة كبيرة من الشباب والشابات. السؤال الذي أضحكهم جميعاً للوهلة الأولى شغلهم للوهلة الثانية. «ما صورة فتاة أحلامك؟» وبعد مقدمات متراوحة حول تحلل هذا المفهوم وقدمه وسطحية السؤال وانقضاء الزمن عليه، أسهب الشباب في الشرح والتفسير والتفنيد والتعضيد. خالد (22 سنة) قال إنه يحبها «صافية ناعمة هادئة ساكنة تشع سكينة وسلاماً وتكون له المخبأ والملاذ من العالم المتوحش». نائل (21 سنة) أطاح بالملاك ذي الجناحين، وقال إنها امرأة متفجرة بالأنوثة مفخخة بالجمال ومفعمة بالإثارة، وحبذا لو كانت خليطاً من نانسي وهيفاء وقليل من كيم كاردشيان وكثير من تشارليز ثيرون. الامتعاض البادي على وجه يوسف (25 سنة) بانت أسبابه ووضحت أبعاده. فقد بادر إلى القول بأن فتاة الأحلام يجب أن «تعرف ربنا» و»تحب دينها» و»تراعي ثقافتها الإسلامية». فهي تصلي وتصوم، ولا تخرج من البيت إلا لدواع ضرورية. وحتى لو كانت مضطرة للعمل، فهي لا تتحدث مع الشباب وتعود إلى بيتها فور انتهاء ساعات الدوام، وتعرف أصول التربية وتتقن المهام المنزلية، وتحترم زوجها، وتحافظ على أولادها. ويضيف: «ولو كانت جميلة فهذه قيمة مضافة حبذا لو كانت موجودة».

ويثمن على الجزء الأخير من الكلام كريم (23 سنة) الذي يمسك بتلابيب الجمال ويضيف إليه مقاييس خاصة. «جمال هادئ فاتن. صوتها لا يرتفع. ناعمة في كلامها ونبرتها. قادرة على التحكم في غضبها. لا تشعر بوجودها إلا من خلال عبير جميل يفوح منها ومشاعر حب فياضة تنضح من حديثها».

لكن العطر الفواح والحب الفياض لا يردان كثيراً في مواصفات مصطفى (25 سنة). فهو يريدها امرأة قوية وجميلة. تعرف كيف توازن بين الجمال والقوة بحيث لا ينال أحدهما من الآخر. شخصيتها قوية، تفرضها على كل من حولها ولكن من دون إقحام. تثبت وجودها لكنها تبقى في برج عاجي بعيد المنال.

ومن القوة والجمال تدخل مصطلحات فريدة على لغة الشباب في وصف الفتيات، مثل الكتكوت والبطة والهرة. ففتاة الأحلام كما يصفها شريف (20 سنة) ليست «كتكوتة» فقط، بل هي «بطبوطة» و»قطقوطة» كذلك. «يجب أن تحمل براءة الأطفال في ملامحها وسلوكها، وأن تبقى تصرفاتها بعيدة عن مكر الكبار والتفافاتهم ونفاقهم». ويضيف بحزم شديد: «وألا تكون من هواة الدهانات. فأنا أكره البنات اللاتي يسرفن في وضع المكياج حتى تبدو وجوههن كحائط غرافيتي».

لكن للغرافيتي محبين. يحيي (26 سنة) يرى أن المكياج الموضوع بعناية جميل، لا سيما إذا كان مصحوباً بفستان مثير أو ما شابه. «الفتاة الأنيقة الجريئة في ملابسها تعني إنها تبحث عمن يروض هذه الجرأة، ولهذا أنا موجود». وجود يحيي الحيوي ورؤيته الكاشفة يثبطها ويخمدها حديث أمجد (24 سنة) الذي يقول أن «ماما» هي النموذج المثالي الذي يحلم به. «هادئة ومحافظة وذكية واجتماعية وست بيت شاطرة وتوازن الأمور بمهارة وتتخذ القرارات بحذاقة وكانت جميلة في شبابها». وبسؤاله لو صادف نماذج غير «ماما» تشبه «فتاة أحلامه»، رد سريعاً «نعم. طنط خالتي».

الخالات والعمات والأمهات نادراً ما يشكلن نماذج يحلم بها الشباب أو يرونها تطابق ما ينبغي أن تكون عليه فتاة الأحلام، على الأقل ظاهرياً. لكن يتضح كذلك أن هذه النماذج ليست وحدها ما يشكل وعي الشاب الشرقي بالفتاة التي يحب أن يرتبط بها. فتقف معها على قدم المساواة من حيث الندرة ما ذكره «كمال» و»نادر» (26 سنة). لم يتطرق كلاهما إلى مواصفات جسدية أو قدرات مطبخية أو ملكات التحكم في الغضب للحفاظ على الشكل الأنثوي. تحدثا عن «دماغ محترمة» بمعنى قدرة على التفكير في شكل ذكي وواقعي و»متكلفة» حيث عدم إسراف أو إهدار وقت في الأحاديث التافهة أو المشكلات السطحية، و»شخصية جذابة» حيث قدرة على التواصل الاجتماعي الناجح بلا مبالغات.

اللافت أن القنوات التجارية والدينية على السواء, ساهمت بقدر غير قليل في تنمية نموذج فتاة الأحلام الواقفة على طرفي نقيض، بين المثيرة من جهة والملتزمة دينياً من جهة أخرى. والغريب أن كلتيهما كثيراً ما تنصهران في نموذج واحد حيث إعلانات أعشاب الخير والبركة التي تؤجج القدرة الجنسية تملأ برامج فقه المرأة، واختيار المرأة الصالحة وترويض المرأة غير الصالحة وأحدث دواء وارد من أميركا للغرض نفسه تتخلل أفلام خارجة وأغنيات مسفة.

هذا وتعاني الإناث في مصر من تحقير وتنميط لصورتهن حيث ميل عام لاعتبارهن أدوات جنسية بالإضافة إلى تشبيهات بالحيوانات لا سيما إذا اعتبرن قليلات الجمال. وقبل أيام أصدرت مبادرة «فؤادة ووتش» بياناً تستنكر فيه رسماً كاريكاتيرياً للرسام في جريدة «الأخبار» الرسمية اليومية عمرو فهمي في ضوء الحملة الشعبية لمقاطعة اللحوم. رسم فهمي امرأة بوجه خروف تحاول الاقتراب من زوجها الذي ينهرها بقوله «باقولك مقاطع»! واعتبرت «فؤادة ووتش» الرسم تحقيراً وتمييزاً ضد المرأة وإصراراً على تشبيهها بالماشية.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)