منمنمات غزوة بدر الكبرى التي وقعت في العام الثاني من الهجرة

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الثلاثاء 12-05-2020
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


منمنمات غزوة بدر


<article5635|cycle|docs=6806,6807,6808,6809,6810>


شهد شهر رمضان العديد من الحوادث في العهد الإسلامي المبكر، ومنها غزوة بدر الكبرى التي وقعت في العام الثاني من الهجرة بين المسلمين بقيادة الرسول، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي الشهير بأبي جهل. تُعدّ هذه الغزوة أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد استعاد الرواة مراحلها، وتناقلوا احداثها من عصر إلى عصر، ونقع على سلسلة من المنمنمات تصوّر بعضا من هذه الأحداث بأساليب مبتكرة.

جرت هذه المعركة الفاصلة قرب محلّة بدر، الواقعة على مقربة من ريف الحجاز، جنوب غربي المدينة المنوّرة، على الطريق التي تسلكه القوافل بين مكة والشام، وذلك حين اعترض المسلمون قافلة متوجهة إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، زعيم عشيرة أمية. بعث قائد القافلة برسول إلى قريش يطلب العون، فاستجابت وأرسلت فرقة من مكة لملاقاة القافلة بغية حماية حمولتها، ثم خرجت لقتال المسلمين. وفقاً للروايات العديدة، كان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس، وكان تعداد جيش المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، لكن المعركة انتهت بهزيمة المكيين، ومما جعل كفة المعادلة ترجح لصالح المسلمين “مشاركة الملائكة” في القتال في صفوفهم، بحسب ما جاء في القرآن: “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملآئكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملآئكة مسومين” (آل عمران 123-125).

أقدم ما وصلنا من المنمنمات الخاصة بهذه الغزوة منمنمة تعود إلى مخطوط “جامع التواريخ” الذي أُنجز في تبريز العام 1314، في عهد دولة الإيلخانات في إيران والعراق. تمثل هذه المنمنمة حادثة المبارزة التي سبقت المعركة كما يشهد النص المرافق، وفيها يظهر سبعة أشخاص معمّمين يمتطون أحصنتهم. في الطرف الأيمن، يظهر الرسول بثوب أبيض طويل، ويظهر إلى جانبه مرافق من صحبه يصعب تحديد هويته. في الجزء الأوسط من التأليف، يظهر رجلان يديران بظهريهما نحو الأفق، ويظهر أحدهما وهو يشير بأصبعه نحو ثلاثة رجال يحتلون الجزء الأيسر من التأليف. ويتضّح أن هذه الصورة تمثّل عُتبة بن ربيعة العبشمي القرشي الكناني، مخاطباً حمزة بن عبد المطلب وعلي بن ابي طالب وعبيدة بن الحارث.

بحسب الرواية التي نقلها الطبري في “تاريخ الأمم والملوك”، خرج عتبة بن ربيعة مع أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد، ودعا المسلمين إلى المبارزة، فقال الرسول: “قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي ابن أبى طالب”، “فبارز عبيدة بن الحارث، وكان أسن القوم، عتبة بن ربيعة. وبارز حمزة شيبة بن ربيعة. وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأمّا علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه. وكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة، فذففا عليه، فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه”.

إلى جانب هذه المنمنمة، نقع على منمنمتين تصوّران معركة بدر في نسخة مزوقة من “تاريخ بلعمي” تعود للنصف الأول مطلع القرن الرابع عشر، ويُعتبر هذا الكتاب ترجمة فارسية لتاريخ الطبري أنجزها محمد بن محمد بلعمي في زمن الدولة السامانية، في القرن العاشر. تمثّل المنمنمة الأولى المعركة التي دارت بين المسلمين والمشركين، ويظهر في القسم الأعلى منها الملائكة الذين ناصروا المسلمين في قتالهم، كما تقول الآية القرآنية: “إذ يوحي ربك إلى الملآئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان” (الأنفال 12). وتفسيرها كما نقل الطبري “إن تثبيت الملائكة الـمؤمنـين كان حضورهم حربهم معهم، وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم”.

تشكّل المنمنمة الثانية تكملة لهذا المشهد القتالي، وتصوّر مقتل قائد المشركين عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، الشهير بأبي جهل. بحسب الرواية المتناقلة، كان الصحابي معاذ بن عمرو بن الجموح أول من ضرب أبا جهل ضربة أصابت ساقه، ثم مرّ الصحابي معوذ بن الحارث بأبي جهل، وهو عقير، “فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق”. بعدها مر به الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود، ووجده بآخر رمق، فوضع رجله على عنقه، ثم احترز رأسه، وجاء به إلى الرسول، وقال له: “هذا رأس عدو الله”، وألقى به بين يديه، فحمد الله.

يعود مشهد المبارزة التي سبقت معركة بدر ليظهر في منمنمة عثمانية مصدرها موسوعة “سير النبي” التي أُنجزت بطلب من السلطان مراد الثالث في نهاية القرن السادس عشر. في هذه المنمنمة، يحتلّ المسلمون الطرف الأيمن من التأليف، ويحتلّ جيش المشركين الطرف الأيسر، ويفصل بين الفريقين هضبة خضراء تتوسّطها نخلة بلح. في القسم الأعلى، يظهر الرسول وسط هالة نارية جاثياً على عرش مذهب، ماداً يديه باتجاه النخلة. وتحت هذه النخلة، يظهر علي ابن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وهما يشهران سيفيهما في وجه العدو، وتظهر عند قدميهما جثة مقطوعة الرأس، هي جثة عتبة بن ربيعة كما تشير الكتابة المرفقة.

كذلك، يعود مشهد معركة بدر الكبرى في منمنمة أخرى من “سير النبي” تتميّز بتأليفها المبتكر. في الجزء الأعلى، يقف الرسول وسط هالته النارية عند منصة عرشه رافعاً يده اليمنى باتجاه صدره، ويحلّق باتجاهه ملاك عظيم الشأن يعتمر تاجاً ذهبياً. خلف هذا الملاك، تخرج من وراء السحب كوكبة من الفتيان المعمّمين تتوجه بأنظارها كذلك باتجاه الرسول. في القسم الأسفل، نرى أربعة فرسان يلاحقون بسيافهم المرفوعة رتلاً كبيراً من الجنود. وفي حركة جامعة، يرفع هؤلاء الجنود أيديهم ليحجبوا بها عيونهم وهم يفرّون إلى الأمام. بحسب الرواية التي تناقلها المفسّرون والإخباريون، أوحى الله إلى الرسول: “أني ممدكم بألف من الملآئكة مردفين” (الأنفال 9)، وتفسيرها بحسب الطبري: “يُردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا”. وأوحى إلى الملائكة: “أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب” (الأنفال 12)، وتفسيرها: “قوّوا عزمهم، وصححوا نـياتهم فـي قتال عدوّهم من الـمشركين. وقد قـيـل: إن تثبيت الملائكة الـمؤمنـين كان حضورهم حربهم معهم، وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم”.

الملاك الذي يحلّق باتجاه الرسول هو قطعاً جبريل كما تشير الروايات والأحاديث المتعدّدة، والفتيان المعمّمون الذين يطلون من خلف السحب هم الملائكة الذين ناصروا المسلمين، كما تقول هذه الأحاديث. يعتمر جبريل تاجاً عثمانياً مذهباً، ويعتجر الملائكة من خلفه بالعمامات البيضاء، والاعتجار لفّ العمامة دون التلحّي كما يقول العلماء. جاء في حديث يُنسب إلى علي بن أبي طالب: “كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرخوها على ظهورهم. إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء”. وفي حديث يُنسب لابن عباس: “لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون”.

يرفع جبريل يديه باتجاه الرسول وكأنه يخاطبه، ويرفع الرسول يده اليمنى نحو صدره وكأنه يبتهل. جاء في حديث نقله الطبري في تفسيره ان الرسول “رفع يده يوم بدر”، وقال: “يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض أبداً”، “فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها فـي وجوههم فما من المشركين من أحد إلاّ أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين”. وفي ذلك قول الآية: “وما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى” (الأنفال 17).

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)