Etude - دراسة

مقدمة في علم نفس المرأة، ريكان إبراهيم (العراق)، دراسة Introduction à la psychologie de la femme, Rikan Ibrahim (Irak), Etude

, بقلم محمد بكري

هل يكون الرجل أجدر في معرفة بعض الجوانب ؟

جريدة النهار اللبنانية

الثلاثاء 28 حزيران/يونيو 2011
النهار - عواد علي

مَن الأجدر أن يكتب عن طبيعة المرأة وخصوصية تفكيرها وعواطفها وسلوكها، الرجل أم المرأة نفسها ؟ هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ عنوان كتاب “مقدمة في علم نفس المرأة” للشاعر ومستشار الطب النفسي العراقي الدكتور ريكان إبراهيم، الصادر حديثاً عن “دار فضاءات للنشر” في عمّان.

حين انتهيت من قراءته اقتنعت بأن الرجل أجدر في معرفة بعض جوانب شخصية المرأة وتحليلها، في حين أن المرأة أجدر منه في تفهم جوانب أخرى وتحليلها. زادت في اقتناعي هذا، قراءتي لكتاب مماثل كتبته الباحثة الإيرانية شكوه نوابي نزاد، عنوانه “علم نفس المرأة”، صدرت ترجمته العربية عن “دار الهادي للنشر” في لبنان قبل عشر سنين.

يحاول ريكان إبراهيم فهم سيكولوجيا المرأة، “هذا الكائن العجيب” بحسب وصفه، من دون أن ينفي احتمال وقوع بحثه في فخ سحرها فتزيده غموضاً، وهو احتمال يشير إلى تسلل روح الشاعر إلى أدوات العالِم أو المحلل النفسي، وهذا ما يكشف عنه قوله في مقدمة الكتاب “إنني لا استطيع أن أحب امرأةً لأنني أحب كلّ النساء”، وكذلك قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة “أنا لا أمدح الرجال إنما أمدح النساء”.

يقسم المؤلف كتابه أربعة أقسام، ويختمه بثلاثة ملاحق. يحمل القسم الأول عنوان “المرأة من الداخل”، يتناول فيه دورة حياة المرأة، اختلاف المرأة عن الرجل من ناحية المشاعر أو العواطف، أثر الرجل في المرأة وبالعكس، والمرأة ومسائل العمر والخوف والقيم.

في ما يتعلق بالمشاعر يذهب المؤلف إلى أن المرأة مركز ثقل العواطف بحكم ما تملكه من قدرة على تقديم الحنان إلى غيرها بقلب يتسع لحب الجميع. هذه الغزارة في العواطف هي التي صبغت حياة المرأة بالتفكير الوجداني الذي يطغى على المنحى العقلي المجرد الجاف. ويتمثل أثر الرجل في المرأة في أربعة جوانب : الرجل في أثره الارتباطي (الرجل أباً لها، الرجل أخاً لها، الرجل ابناً لها، الرجل زوجاً لها)، الرجل في أثره الجنسي، الرجل في أثره المرضي، والرجل في أثره الاجتماعي. أما أثر المرأة في الرجل فإما أن يكون موجباً وإما سالباً، ويتمثّل في الجوانب النفسية والاجتماعية والجنسية والأسرية. وعلى رغم الاضطراب السلوكي الذي قد يحصل للرجل على يد زوجته، وما ينتج من ذلك من أمراض نفسية قد تطول، تظل للمرأة مكانتها في حياة الرجل، ويظل هو في حاجة دائمة إليها.

يرى المؤلف، من خلال خبرته العملية، أن اعتقاد الناس بأن المرأة أكثر تعرضاَ للخوف أو شعوراً به أمر خاطئ، والصحيح أنها لا تخاف، بالمعنى النسبي للخوف، لكن طريقتها في التعبير عن الخوف في المواقف الخطرة تختلف عن الرجل على نحو تبدو فيه كأنها شديدة الخوف؛ فبينما يفخر الرجل بأنه لا يخاف، تميل المرأة إلى القبول بصفة الخوف لأن ذلك ينسجم مع التعبير الضروري عن أنوثتها ورقّتها. تقرن المرأة عدم خوفها بصفة العناد الذي لا يُحبَّذ في سلوكها وهي تطمع في الظهور بأنها رقيقة حنونة مطواعة لا تركب رأسها في المواقف لتبدو بذلك امرأة مقبولة في نظر الرجل والمجتمع. أما وسائل التعبير عن الخوف عند المرأة فكثيرة، منها: البكاء في المواقف، إيذاء النفس، التمارض، واستغلال تعاطف المجتمع.

يقرر المؤلف في هذا المبحث أن الخوف، شأنه شأن القلق، مطلوب بدرجة من المعقول يجعله في حدود الحرص على الذات، ومرفوض بدرجة من الخشية أن يصبح محطِّماً للشخصية، فالخوف المفرط مرض، وانعدام الخوف تهوّر واستهجان بالقانون العام، وخلاص من الانضباط الذي يزيد السلوك حلاوةً.

في القسم المخصص لـ"المرأة في الميدان الثقافي" يبحث المؤلف في قضايا : المرأة والقراءة والكتابة الإبداعية والفن المرئي والمسموع، مؤكداً وجود فوارق أساسية بين الرجل والمرأة على نحو تتميز به سلباً وإيجاباً، فالمرأة انتقائية تختار ما يهمّها أولاً، ولا تعير ما لا يستقطب اهتمامها كثيراً من الوقت، في حين يميل الرجل إلى الكم، وأحياناً على حساب النوع. وتُعدّ القراءة المدرسية الهم الأول عند الفتاة في المرحلة التعليمية، بينما يميل التلميذ الفتى إلى ما هو غير مقرر للدراسة. وتميل الفتاة مبكراً إلى قراءة ما هو مألوف، بينما يميل الشاب إلى قراءة المختلف في المعتقد والسياسة والاجتماع والفلسفة.

يلمس المؤلف في مجال الكتابة الخلاّقة عند المرأة جملة خصائص أبرزها : حين يكون البطل امرأة تصف الكاتبة مفرداتها بقدرة تفوق غالباً قدرة الرجل الكاتب. حجم التمرد والعبث في كتابة المرأة أقل من حجمهما في كتابة الرجل. المرأة الكاتبة تناقش حاجات المرأة في الرجل على نحو أدقّ من النحو الذي يناقش الرجل الكاتب فيه تلك الحاجات. لا تميل المرأة الكاتبة إلى الخلق الساخر، ولا إلى الإطناب والإسهاب، لأن كتابة المرأة جزء من أسلوبها المبني أساساً على اللغة الإشارية والتقنين والبخل في إبداء الفائض الكتابي.

لم ينهج المؤلف نهجاً أكاديمياً تقليدياً في مقاربة فصول الكتاب ومباحثه، بل نهجاً يجمع بين المحلل الخبير المتمكن من أدواته وأسلوب الأديب المتشرب بروح البلاغة والحس الشعري، لذلك فإن قراءة الكتاب بقدر ما تكسب القارئ معرفةً علميةً تحقق له متعةً شبيهةً بمتعة قراءة الأعمال الخلاّقة.

عن موقع جريدة النهار اللبنانية


النهار هي صحيفة لبنانية سياسية مستقلّة رائدة. وقد صدر العدد الأوّل في 4 أغسطس/آب 1933 في أربع صفحات. بدأت الصحيفة التي كان عدد موظّفيها خمسة بينهم المؤسّس جبران تويني، مع رأسمال من 50 قطعة ذهبية جُمِعَت من الأصدقاء، وكانت تُوزِّع 500 نسخة فقط. ولاحقاً تولّى ابن جبران، غسان تويني، وحفيده الذي يحمل الاسم نفسه، جبران تويني، رئاسة التحرير والنشر. حالياً تشغل نايلة تويني منصب رئيسة التحرير ورئيسة مجلس الإدارة.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)