ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

مغارات لبنان وكهوفه.. ثروة طبيعية وسياحية كبرى Liban - Grottes et cavernes

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الجمعـة 29 ذو الحجـة 1432 هـ 25 نوفمبر 2011 العدد 12050
الصفحة : عين الشرق
لندن: « الشرق الأوسط »


أشهرها جعيتا وقاديشا وأفقا وكفرحيم


منظر داخل مغارة جعيتا .. أشهر مغارات لبنان (رويترز)

سلط ترشيح مغارة جعيتا، أشهر المغارات والكهوف في لبنان، أخيرا لدخول قائمة عجائب الدنيا الطبيعية السبع، الضوء على ظاهرة المغارات والكهوف في منطقة شرق المتوسط المعروفة أيضا بـ«بلاد الشام»، والأمر الأكيد أن الطبيعة الجبلية والصخرية لهذه المنطقة الممتدة من لواء الإسكندرونة بجنوب تركيا وشمال غربي سوريا شمالا، إلى جبال الخليل بفلسطين جنوبا، طبيعة مواتية جدا لوجود المغارات والكهوف.

والمغارة عبارة عن فجوة أو تجويف في طرف مرتفع صخري، وفي العادة يكثر وجود المغارات في البلاد الصخرية وذات الأراضي الكلسية. ولقد عرفت حضارات الشرق الأدنى منذ الأزمنة المغارات والكهوف التي غدت جزءا من التراث الديني والأساطير الثقافية، لا سيما أنها كانت توفر للناس المأوى والأمن. ولعل إحدى أشهر المغارات في العصور السحيقة بأرض فلسطين مغارة المكفيلة في الخليل، حيث حل النبي إبراهيم (عليه السلام) في حبرون، التي حملت في ما بعد اسمه فباتت «الخليل» أو «خليل الرحمن» وهو لقبه. وفي فلسطين أيضا اكتشفت آثار من العصر الحجري في مغاور عند جبل الكرمل، وبين قصص اللجوء إلى المغارات قصة لوط وابنتيه، وإيليا وداود. والواقع أن أقواما كثيرة سكنت المغارات إذ كانت فسيحة لدرجة كافية كي تصلح للسكنى. ومع تبلور التجمعات الدينية لجأت الأقليات الدينية والعرقية إلى المغارات الجبلية المنيعة، والأمثلة على ذلك كثيرة خصوصا في لبنان وسوريا، وتشير المراجع التاريخية منها إلى إقامة الآلاف من النساك المسيحيين في مغاور وديان شمال لبنان، وعلى رأسها وادي قنوبين أو وادي قاديشا (التي تعني «الوادي المقدس»).

ولكن عودة إلى لبنان، بالذات، حيث أعلى جبال ساحل شرق المتوسط، فيوجد به اليوم عدد من المغارات الشهيرة بعضها غدا مواقع سياحية مستثمرة، كما أسست في لبنان جمعية متخصصة هي «الجمعية اللبنانية لدراسة المغارات» مهتمة بهذا الموضوع.

أشهر المغارات اللبنانية على الإطلاق هي مغارة جعيتا، التي تقع في وادي نهر الكلب على مسافة تقرب من 20 كم من بيروت، وترتفع 100 متر عن سطح البحر، إلى الشمال الشرقي من العاصمة اللبنانية قرب مدينة جونية. يتجاوز طول هذه المغارة - التي تبعد عن شاطئ البحر نحو 5 كم - في باطن الجبل 9 آلاف متر (أي 9 كم)، مع الإشارة إلى أن ثمة أجزاء منها ما زالت غير مكتشفة. وبالتالي، فهي تعد أكبر المغارات اللبنانية بجانب كونها الأجمل والأشهر بفضل تشكيلاتها الكلسية المميزة كالصواعد Stalagmites والنوازل Stalactites التي تلعب المياه عاملا رئيسا في تكوينها. وللعلم، مثل هذه التشكيلات موجودة أيضا في مغاور مشابهة لها، كمغارة قاديشا في شمال لبنان ومغارة كفرحيم في منطقة الشوف جنوب شرقي بيروت.

حسب الخبراء تتكون مغارة جعيتا من طبقتين عليا وسفلى. الطبقة السفلى، وهي الأقدم اكتشافا، اكتشفها المنصّر الأميركي ويليام تومسون في ثلاثينات القرن الميلادي التاسع عشر، ويقال إنه في حينه توغل فيها نحو خمسين مترا، ثم أطلق النار من بندقية صيد كان يحملها وأدرك من الصدى الذي أحدثه الطلق الناري أن للمغارة عمقا جوفيا كبيرا. وفي عام 1873 استكشفها فريق من المهندسين البريطانيين كان يعمل في شركة مياه بيروت. أما الطبقة العليا فقد اكتشفت عام 1958، وهي تتيح للزائر السير على الأقدام بعد عبور نفق يبلغ نحو 120 مترا، ليطل من الممرات على عالم من الأقبية الشاهقة الارتفاع، وقد توزعت بداخلها الأغوار والصواعد والنوازل والأعمدة وما إليها من الأشكال البديعة التي نحتتها يد الطبيعة. وراهنا تقتصر زيارة مغارة جعيتا السفلى على عبور نحو 600 متر في المياه من أصل نحو 6910 أمتار، في قوارب صغيرة تنقل الزائر عبر مسطح مائي متعرج يقطع سكونه هدير المياه الجوفية.

المغارة اللبنانية الثانية من حيث الشهرة هي مغارة قاديشا، القريبة من غابة الأرز، عند بلدة بشري بشمال لبنان، وتطل على وادي قاديشا الذي يخترقه النهر الذي يحمل اسمه قبل أن يعرف عند اقترابه من مصبه عند مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، بنهر أبو علي.

وعن قصة اكتشاف هذه المغارة فإن ثمة راهبا اسمه يوحنا بركات المزوق رحمة، كان يعيش حياة تقشفية ونسكية في دير مار يوسف بمحلة الضهر - بشري، حاول في أحد أيام الخريف من سنة 1903، اكتشاف مرشحات نهر قاديشا. وحين وقع نظره على عين الماء الواقعة أعلى مصب النهر، جرب الدخول من الفجوة التي كان يخرج منها الهواء باردا، غير أنه أخفق في مسعاه لشدة البرودة وصعوبة الوصول إلى الداخل. وعلى الرغم من محاولاته المتكررة واللاحقة فإنه لم يصل إلى نتيجة، وتوفي قبل أن يفلح في مسعاه. غير أن خبر وجود مغارة قرب نبع نهر قاديشا كان قد انتشر في بلدة بشري وجوارها، مما دفع إلى تشكيل لجنة محلية للكشف عن المغارة، وحقا تمكن أحد أعضاء اللجنة وهو الخوري مطانيوس جعجع من دخول المغارة مع قريب له، وبعد أيام تمكن أفراد اللجنة من دخولها، وهناك اكتشفوا مناظر ساحرة من نحت الطبيعة. ولاحقا أنيرت المغارة بالمصابيح، وبعد افتتاح معمل قاديشا الكهربائي أنيرت بالكهرباء، وتسلمتها بلدية بشري منذ عام 1935.

ثالث المغارات اللبنانية الشهيرة مغارة أفقا القديمة العهد، في جرود بلاد جبيل كسروان، على مسافة 80 كم شمال شرقي بيروت، في منطقة جبلية جميلة ترتفع عن سطح البحر 1100، وتضم شلالات كبيرة. وتتدفق من مغارة - أو مغارات - أفقا مياه نهر إبراهيم الذي كان يعرف قديما بنهر أدونيس. والمغارة مفتوحة على هاوية يزيد عمقها على 200 متر، وصفها باحثون ومؤرخون بأنها من أجمل الأماكن في العالم.

ونأتي إلى رابع أشهر المغارات، وهي مغارة كفرحيم في منطقة الشوف، التي اكتشفت يوم 30 مارس (آذار) من عام 1974، وقد شكل اكتشاف المغارة يومذاك حدثا إعلاميا وسياحيا كبيرا، لا سيما أن الخبراء الجيولوجيين قدروا أن العمر التكويني للمغارة يزيد على أربع ملايين سنة. أما كيفية اكتشاف هذا المَعلم البديع فقد جاء ذلك عن طريق المصادفة البحتة، إذ كان بعض الفتية يلعبون كرة القدم في أحد دروب بلدة كفرحيم، وانحرفت الكرة عن مسارها الطبيعي واستقرت في فجوة بين الصخور واختفت. وعلى الأثر حاول الفتية إخراج الكرة من الهوة، لكنهم وسط الظلام اضطروا لاستخدام الشموع والمصابيح، وعندها اكتشفوا أحد أروع المناظر التي شاهدوا في حياتهم. وهكذا اكتشفت مغارة كفرحيم، إحدى أجمل التحف الطبيعية في لبنان. والمغارة مكونة من عدة طبقات، وتضم بداخلها في كل جانب مشاهد متنوعة الأشكال والأحجام، ومياها متدفقة وشلالات، وتتدلى من سقوفها النوازل وتعلو من أرضها الصواعد البراقة.

هذه المغارات الأربع طبعا لا تختصر غنى لبنان بالمغارات والكهوف، لكنها الأجمل والأشهر. فالمتخصصون في «الجمعية اللبنانية لدراسة المغارات»، التي استكشفت عشرات المغارات والهوات في لبنان وخارجه، يذكرون أن في لبنان اليوم ما لا يقل عن 300 مغارة مكتشفة، ومنها هوة فوار دارة وهوة قطين عازار ببلدة مجدل ترشيش (جبل لبنان) ومغارة عين لبنة في خراج بلدة العاقورة بجبل لبنان أيضا عام 1962، ومغاور الريحان وعدلون (كلتاهما في جنوب لبنان) وانطلياس (شمال شرقي بيروت) وهوة اليود (عكار بأقصى شمال لبنان).

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)