مشاهدة مسرحية المحروسة من تأليف سعد الدين وهبة 1962

, بقلم محمد بكري


مسرحية المحروسة


ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ المحروسة 1962

ﺇﺧﺮاﺝ : كمال ياسين ومحمود مرسي

ﺗﺄﻟﻴﻒ : سعد الدين وهبة

تمثيل : محمد سالم وفاخر فاخر وصلاح سرحان وتوفيق الدقن ومحمد السبع وشفيق نور الدين ورجاء حسين وملك الجمل وفردوس محمد وفردوس حسن وغيرهم.





جريدة الحياة


الخميس، ٢٩ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«المحروسة» لسعد الدين وهبة : أصوات مبكرة لانتقاد انحرافات الثورة


«حتى ولو كان الكاتب المصري سعد الدين وهبة، طوال العقود الأخيرة من حياته، ابناً لثورة 1952، وواحداً من الرجالات الأساسيين فيها، مع أنه لم يصل أبداً إلى منصب سياسي يوازي حجمه، فإنه حين أشار بالنسبة إلى مسرحيته الأولى «المحروسة» التي كتبها في العام 1962، إلى أن أحداثها جرت في العام 1949، كان واضحاً أنه «لا يخدع أحداً»، وأن «الفساد» الذي راحت مسرحيته تندد به، لم يكن منتمياً إلى الماضي، بل يرتبط بالحاضر، وأن الغاية الأساسية من ذلك التنديد الفني، إنما كانت المساهمة في إنقاذ النظام من أزماته الداخلية وانحرافه عن خطه المستقيم الذي كان له أول الأمر. وبهذا كان سعد الدين وهبة، بالتأكيد، واحداً من أولئك المفكرين والكتّاب الذين أمهلوا الرئيس عبد الناصر وحكمه «الثوري» عقداً كاملاً من الزمن قبل أن يبدأوا بتوجيه أسهم النقد إليه، بعضهم علانية ما جعله يدفع الثمن، والبعض الآخر ضمنياً ما جعله يتفادى الوقوع «في شرّ عمله» فيقول كلمته ولا تكون الكلفة غالية. وكان وهبة من هذا النوع الأخير. ومع هذا ضمّن مجموعة أعماله الكاملة التي طُبعت لاحقاً، ثلاث مسرحيات تبيّن أنها منعت من العرض والنشر، على رغم مكانة صاحبها، يوم كتبت. واللافت أنها كلها كانت أقل حدة من «المحروسة». فهذه الأخيرة كان تبديل في التاريخ كافياً لإنقاذها.

إذاً ما يحدث في مسرحية «المحروسة» (التي نفاد بسرعة بأنها أحداث تدور تحديداً في العام 1949 أي قبل الثورة بسنوات على أية حال) هو صراع بين جيلين، كما يقول الناقد عبد العزيز حمودة في «قاموس الأدب العربي الحديث»: الجيل القديم الذي يمثله مأمور المركز في إحدى محافظات الوجه البحري بمصر، والجيل الجديد الذي يمثله الضابط الشاب سعيد». أما الصراع فإنه يدور تحديداً من حول أسلوب العمل في قسم الشرطة، الذي من الواضح أنه يمتّل هنا عالماً صغيراً يرمز إلى العالم الكبير أي إلى البلد كلها - علماً أن اختيار وهبة قسم الشرطة مكاناً لمسرحيته الأولى لم يأت اعتباطاً فالرجل كان أصلاً ضابط شرطة - وذلك لمناسبة اكتشاف جريمة قتل يتوجب التحقيق فيها. فالضابط الأكبر سناً، يريد أن ينتهي من التحقيق في شكل بيرقراطي وبأسرع ما يكون، وعلى هذا النحو لا يتورع عن إلصاق التهمة برجل كان من الواضح أنه بريء ولا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. فالاتهام والبراءة هنا ليسا أكثر من قضية تتعلق بساعات العمل بالنسبة إلى الضابط القديم. لكن الضابط الجديد، لا يمكنه أن يرضى بمثل تلك «الخاتمة». فهو من جيل يتمسك بفكرة أن العدل أساس الملك وأن كل متهم يكون بريئاً حتى تثبت تهمته. وفي سبيل تحقيق هذا المبدأ، لا يهم مقدار الوقت الذي يستغرقه التحقيق. ليس وقت الدوام ما يهم هنا، ولكن الوصول إلى الحقيقة، وبالتالي تحقيق العدالة. وهو ما يتحقق بالفعل إذ ينتصر منطق الضابط الشاب في الفصل الأخير من المسرحة، إذ يعتمد على العلم والذكاء لا على الفهلوة. فيما يُنقل الضابط القديم في نهاية الأمر، إلى مركز آخر.

لقد حققت «المحروسة» نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً حين قدمت للمرة الأولى على مسرح الأزبكية أواخر العام 1961، واعتبر عرضها في حد ذاته، انتصاراً لحرية النقد في بلد كان في ذلك الحين قد بدأ يعيش أزمات الحرية وكمّ الأفواه في شكل بادي الخطر. كما سجلت ولادة كاتب مسرحي جديد، سوف يكون له شأن لاحقاً، ولكن ليس تحديداً وفقط في مجال الكتابة المسرحية.

فالواقع أن انشغالات واهتمامات سعدالدين وهبه العديدة ربما جعلته الأقل شهرة، من ناحية كونه كاتباً مسرحياً، بين ذلك الجيل الذي صنع للثقافة المصرية تياراً يعرف باسم «مسرح الستينات» والذي كان الأكثر خصوبة وثراء في تاريخ المسرح المصري ككل. لكن هذه «الشهرة القليلة» لم تمنع صاحب «السبنسة» و «سكة السلامة» من أن يكون الأكثر مواظبة على الكتابة، ناهيك عن أن كتابته الدرامية شملت سيناريوات سينمائية لبعض أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية (وحسبنا، هنا، أن نذكر «الحرام» عن رواية يوسف إدريس ومن إخراج هنري بركات، حتى نضع سعدالدين وهبه في مكانته الصحيحة، بين مبدعي السينما المصرية). في الكتابة المسرحية، هو، من دون مناقشة، تلميذ توفيق الحكيم ونعمان عاشور مجتمعين، وإن كان قصد الريف والأوساط الشعبية أكثر منهما، وكان أقل منهما اهتماماً بمسرح الواقع لمصلحة مسرح القضية. وهذا الأمر لم يكن صدفة، إذ إن محمد سعدالدين وهبه، الذي سيعرف بسعد الدين وهبه، لم يأت إلى عالم المسرح والكتابة، من الصفوف الجامعية، أو من حلقات المثقفين ومفاهيمهم، بل من صفوف رجال الشرطة. ومن تلك الحلقات الوطنية التي أحاطت، باكراً، بالضباط الأحرار.

من هنا كان سعدالدين وهبه ابن ثورة 1952. ولئن كان، في بعض كتاباته اللاحقة، قد قسا في انتقاده على بعض مظاهر الثورة وممارساتها حين أصبحت دولة، فإنه أبداً لم يعتبر نفسه منتقداً من الخارج، بل من الداخل... بمعنى أنه لم يكن من أولئك الذين غايتهم توجيه الاتهامات «المثقفة» وكيل «الضربات « إلى «الثورة»، بل من الذين يريدون لها حقاً أن تستقيم وأن تصلح من أخطائها.

ولد وهبه العام 1925 في محافظة الدقهلية، وحصل على ديبلوم كلية الشرطة في العام 1948، وانتسب إلى سلك الشرطة بالفعل حيث عمل كضابط، لكن العملين، السياسي والأدبي شغلاه، وهكذا حين قامت الثورة وأحس أن بإمكانه أن يعبر عن قضايا الشعب والتغييرات الاجتماعية، بالقلم، أكثر منه بالمسدس والنجوم على الكتف، استأنف دراسته الجامعية حيث حصل في العام 1956 على ليسانس الآداب قسم الفلسفة. ومنذ ذلك الحين خاض الكتابة كصحافي وككاتب مسرحي، وعيّن مديراً لتحرير صحيفة «الجمهورية» الناطقة باسم الدولة الثورية الجديدة بين 1958 و1964، ثم تحول اهتمامه إلى السينما، حيث تولى، بعد تأميم القطاع السينمائي وبروز القطاع العام في مصر، رئاسة مجلس إدارة شركات «الدار القومية للسينما» حيث شجع، لفترة من الزمن، إنتاج مجموعة كبيرة من تلك الأفلام الجيدة التي صنعت لمصر تاريخاً سينمائياً أيام القطاع العام. خلال ذلك كله، لم يتوقف سعدالدين وهبه عن كتابة المسرحيات من «السبنسة» و «سكة السلامة» إلى «كفر البطيخ» و «كوبري الناموس» و «رأس العش» و «بير السلّم» وغيرها. ومعظم مسرحياته مثّل من جانب الفرق المختلفة، وبعضها منع من العرض في بعض الفترات كما أشرنا.

في العام 1975 عُين سعدالدين وهبه وكيلاً لوزارة الثقافة، وهو منصب تركه في العام 1980، بعد أن كاد يصبح وزيراً للثقافة. وهو منذ ذلك الحين، وإضافة إلى عضويته في مجلس الشعب المصري في دورتين (1984 و1987) عمّا يمكن تسميته بـ «التيار القومي الناصري» في الحزب الوطني الحاكم، اهتم وهبه اهتماماً خاصاً بالعمل النقابي والمؤسساتي، حيث أصبح في العام 1979 رئيساً لاتحاد النقابات الفنية في مصر، ثم رئيساً لاتحاد الفنانين العرب. غير أن إنجازه الأخير والأهم كان إحياؤه مهرجان القاهرة السينمائي الذي لم يكف منذ تسلم دفتّه في بداية سنوات الثمانين عن تدعيمه وتعزيزه، حتى جعله واحداً من المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم، على رغم المعارك التي ثارت في وجهه بسبب رفضه الدائم مشاركة الإسرائيليين، رسميين أو غير رسميين، في المهرجان. ولقد وصل الأمر باحتدام تلك المعركة أن أثارت الإسرائيليين ضده، ولا سيما على الصعيد الرسمي، حيث راحت الصحافة الإسرائيلية تهاجمه وراح المسؤولون الإسرائيليون يطالبون بإزاحته.

لكن سعدالدين وهبه لم يلن ولم يهادن، حتى أيامه الأخيرة، حين أصيب بسرطان عنيف قضى عليه، محاطاً بأصدقائه وزوجته الفنانة سميحة أيوب. ولقد قدر له الشعب المصري والعربي هذا الموقف، حيث أن جنازته التي تلت وفاته، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1997 كانت جنازة حافلة ووطنية تليق بكبار الزعماء الذين عرفهم تاريخ الحركة الشعبية في مصر.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)