سينما

مشاهدة فيلم سكر بنات من اخراج نادين لبكي Caramel, Nadine Labaki, 2007

, بقلم محمد بكري


 مقال جريدة القس العربي اللندنية


جريدة القدس العربي


«سكر بنات» اللبناني يثير أزمة ثقافية في مصر !


جريدة القدس العربي
السنة السادسة والعشرون ـ العدد 8109 الثلاثاء 19 أيار (مايو) ـ 1 شعبان 1436هـ
القاهرة - كمال القاضي


في الأفلام العربية الفرنسية ذات الإنتاج المشترك هناك دائما أطر وسياقات تحكم المسألة الإبداعية وتتحكم فيها إلى حد كبير، فغالبا ما يكون التعاون في الإنتاج بين ثقافتين مختلفتين مدعاة للخلاف حول ما يتم إنتاجه، حيث لا يرون للمشاهد العربي اختيار القضايا التي تتحمس لها المؤسسات السينمائية الغربية، ويساوره الشك في نزاهتها وموضوعاتها، ويربط بينها وبين محاولات التسلل إلى العقل الجمعي العربي، لتغيير النمط التفكيري للثقافة العربية السائدة، خاصة ما يتصل منها بالثوابت والقناعات الاجتماعية التي تحسبها بعض الاتجاهات في الغرب محض رجعية. وكثير من الأفلام التي أنتجت بالشراكة العربية الأوروبية أحدثت صدمات ورفضها أو تحفظ عليها الجمهور، وربما من بينها فيلم «سكر بنات» أو «كراميل» الذي أنتج عام 2007 وما زال يحدث ضجة عند عرضه في أي من الاحتفاليات الرسمية أو غير الرسمية.

الفيلم لمجرد أنه مختلف وجريء في طرح ما تتبناه الكاتبة والمخرجة نادين لبكي يتصوره البعض خروجا فنيا وثقافيا على الأخلاق، ودعوة للتحرر والانفلات، ولأنه يعكس أفكار المخرجة اللبنانية وممول إنتاجيا من مؤسسة فرنسية، فهو يطابق في أهدافه ومراميه بقية الأفلام الأخرى، التي يتشكك فيها الجمهور ويراها نواة لثقافة غربية تسعى للهيمنة والتغيير واللعب في الدماغ.

وقد يكون ذلك واردا في بعض التجارب ذات الخصوصية السياسية، ولكن ليس هذا مبررا لرفض كل الفنون الوافدة، فما نعتقد في بطلانه يحتمل أن يكون تطورا في الرؤية الفنية لقضايانا الأساسية، ولا يمكن أن يكون التطور في الرؤية وإعادة النظر سببا خلافيا يحتم علينا معه مقاطعة المنتج الجديد، حتى إن اختلفنا معه من الناحية الشكلية، وتحفظنا على طريقة المعالجة، فنحن هنا نكون قد أوصدنا نافذة نطل منها على العالم ونتأمل من خلالها المثير والمختلف، وهي بالطبع ليست الطريقة المثلى في التعامل مع الوافد من الإبداع، ولنقرأ أحداث الفيلم المثير للجدل، الذي منع عرضه في احتفالية خاصة في أحد قصور الثقافة في مدن الأقاليم، علي خلفية ما أثير حوله من لغط جراء سوء الفهم والاعتقاد الخاطئ بأنه يصدر أفكارا تحررية تسيء لمجتمعاتنا الشرقية المحافظة، وهو الزعم الذي كان بمثابة طعم ابتلعه الرافضون باسم الأخلاق، فيما أن الحقيقة تشي بعكس ذلك، لا سيما في ظل تركيز نادين لبكي على فصامية المجتمع المحافظ، الذي يضع عذرية الفتاة مقياسا رئيسيا للعفة والشرف، ولا يتسامح مع من يثبت فقدانها لتلك الخصوصية، وتقبل بالتحاليل والخديعة ويمارس التدليس على نفسه، بينما هناك مئات المآسي والجرائم ترتكب يوميا على الملأ، من دون أن يحرك المجتمع المحافظ ساكنا، وقد دللت الكاتبة والمخرجة وبطلة الفيلم على هذا التناقض بالحرب الإسرائيلية على لبنان، التي جرت أحداثها ووقائعها المأساوية عام 2006 قبل تصوير الفيلم بنحو ثمانية شهور فقط.

وليس مشهد الشرطي الذي يتربص بالبطل والبطلة ويتلصص عليهما في سيارتهما الخاصة ببعيد عن إشكالية التعامي عن القضايا الكبرى والانشغال بالتفاصيل الحياتية الصغيرة، تغطية أو توطئة، حيث الأشياء كلها متصلة منفصلة لا يفرق بينها سوى النظرة الأحادية للظواهر الشكلية والاعتناء بتنظيف السطح الخارجي فقط، ليبدو براقا وجاذبا وعلى ما يرام. وفي السياق نفسه تطرح لبكي قضية إنسانية أخرى تراها ذات صلة بالموضوع، ألا وهي العنوسة ومأساة سن اليأس التي تؤرق المرأة وتقض مضجعها وتوصلها إلى الهلاوس جراء حرمانها من ممارسة حقها الطبيعي في الحياة باكتمال علاقتها بالرجل.

تلعب الكاتبة والمخرجة في فيلمها «سكر بنات» على الفراغات الواسعة في محيط المرأة وواقعها الخاص جدا، فترسم صورا لتشوهات قائمة وآمال مفقودة وأحلام مجهضة يتم التعويض عنها بلحظات سعادة افتراضية مصطنعة تلخصها المخرجة في مشهد الزفاف، حيث تلجأ البطلات «ليال» نادين لبكي ونسرين «ياسمين المصري» و»ريما» «جوانا مكرزل» وجيزيل عواد «جمال» وسهام حداد «روز» إلى اختلاس الفرح كسرا لطوق التعاسة وتحايلا على ظروفهن المريرة التي جعلت منهن مجرد «ماشطات» لصبايا ينقصهن الجمال والجاذبية .

تترك نادين الإحساس التراجيدي بقصص الفتيات يتداعي بهدوء، من دون انفعالات متصاعدة من خلال أدوات التأثير الطبيعية المتمثلة في الموسيقى والصورة وفنية المونتاج فضلا عن الأداء الاحترافي في التمثيل والإخراج، وهو ما شكل عوامل الإقناع وسهل لغة التعبير ووضع النقاط على الحروف في الرؤية الإنسانية التي ظلمها السياق الحسي وجعلها من وجهة نظر البعض فضحا لمشاعر المرأة وخدشا لحياء الرجل المحافظ .

عن موقع جريدة القدس العربي الجديد

عن موقع جريدة القدس العربي

المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.



 مشاهدة فيلم سكر بنات


فيلم سكر بنات


الفيلم على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)