مسيرة الفنان المصري الراحل شكري سرحان مع بعض أفلامه شكري سرحان (1925-1997)

, بقلم محمد بكري


 الحلقة الأولى


إيلاف


2017 الجمعة 15 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/1)

أول أدوار شكري سرحان في عمارة قيد الإنشاء


شكري سرحان


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



في رحاب الست طاهرة

كانت البداية في حي السيدة زينب في رحاب الست الطاهرة، وإن كان شكري سرحان قد ولد في قرية الغار بمحافظة الشرقية وعاش طفولته وجزءاً من شبابه هناك، إلا أن إقامتة في ذلك الحي الشعبي المعروف بـ"السيدة زينب"، قد صبغت حياته بصبغة دينية جعلته يؤمن إيماناً صادقاً مخلصاً بأن كل شيء في الحياة بإذن الله، كما أن السنوات الطويلة التي عاشها بين أهل البلد بكل نقائهم وبساطتهم جعلته بعد ذلك يعبِّر عن الحياة المصرية الأصلية بصدقٍ وعمق وواقعية، وأن يجسد الشخصيات المصرية في أعماله كما هي في الواقع. حيث أننا نسمع على لسان شكري سرحان كلمات المسلم قوي الإيمان المتوكل على ربه دوما، وهو كان يردد عبارة “وكان هذا من فضل ربي على” باستمرار.

وفي حي السيدة زينب يتذكر شكري سرحان أول بيت أقام فيه مع عائلته الصغيرة، ميدان صغير هو ميدان السادات يتوسطه قصر أثري يطلقون عليه بيت السادات، وفي هذا الجو التاريخي، التقى بعشرات الأطفال والشباب ومعهم كانت بدايته الرياضية فلعب كرة القدم، واشتبك معهم في معارك مشروعة، كانت بداية تعلمه فنون الملاكمة والمصارعة. فكانت متعة هؤلاء الصغار عندما يلتفون حول من يتشاجر منهم ليستكمل هو وزميلة الخناقة في جوٍ رياضي، أما الفائز فإنهم يسارعون بحمله على الأعناق ثم يحملون الإثنين على عقد معاهدة الصلح وحسن الحوار، فكانت هذه الخطوات الأولى التي تعلّم منها الرياضة ومارسها.

في ميدان السادات

وفي ميدان السادت وهو ميدان له قصة تاريخية تضرب في أعماق الحياة المصرية وفيه قصص الكفاح والبطولة والنضال. علماً أن صاحب هذا الإسم التاريخي يبعد عن تاريخ الرئيس الراحل أنور السادات حوالي 150 سنة. ولقد تعلم أيضا خطواته الأولى في الفن الذي جعل له بعد ذلك اسمه وشخصيته وشهرته في التمثيل والإلقاء. حيث أنهم كانوا يعدون بعض المشاهد التمثيلية السريعة الساذجة، وكان معظمها مرتجلاً، وإن كان به رائحة مما كان يقدمه عمالقة التمثيل في ذلك الوقت من أمثال يوسف وهبي، زكي رستم، حسين رياض، نجيب الريحاني، وغيرهم من الرواد العظام للفن المصري.
ولقد كانت كل خطوة يخطوها وكل كلمة ينطق بها في ذلك الفن الجميل تدفعه دون أن يدري خطوة على طريق حب فن التمثيل. حيث أنه كان يشعر بنشوةٍ عجيبة، وعشقٍ عميق، لهذه الفنون وهؤلاء الفنانين، مع أنه لم يكن قد شاهدهم لا من قريب ولا من بعيد.



بين الوالد والشقيق

أما والده، فكان نموذجاً للاباء الذين تمتلئ بهم الحياة المصرية، لا يقرّ بالتمثيل ولا يعترف به كمهنة أو حتى هواية ولا بالممثلين كشخصيات اعتبارية. ولم يكن يتكلم عن التمثيل، فقد جاء من قرية لا تعرف هذا الفن، ومع هذا تكونت عند شكري سرحان البذرة الأولى أو الحاسة الفنية التي نبتت في أعماقه. علماً أنه يقول بأنها نمت بداخله بعد أن وجدها تنمو أيضاً في وجدان شقيقه الذي يكبره بعامين والذي كان يحبه بعمق، وهو الفنان الراحل صلاح سرحان.

وهو يقرّ ويعترف بهذا ويقولها بصراحةٍ تامة في أحد لقاءاته الصحافية: “وللحق أقول وأحب أن أسجل لشقيقي رحمة الله عليه أنه كان قد سبقني في التعبير عن هذه الحاسة الفنية، وأول الأشكال الفنية التي شاهدتها في حياتي كانت على يدي شقيقي صلاح سرحان أو بالتحديد كانت على أطراف اصابعه عندما كان ياتي بالورق المقوي الكرتون ويجعل منه اشكالا مختلفة في صورة إنسان اوميدان ثم يضع في منتصف هذه الأوراق أعداداَ من الجريد أو قطع صغيرة من الخشب على طريقة مسرح العرائس الماريونيت ثم ياتي بمصباح الغاز ويقوم بتحريك هذه الاشكال امامه ويستغل ظلالها في التعبير عن مشاهد مختلفة على طريقة خيال الظل. ولقد كان بارعاً في هذا الفن، وكنا نضحك منها كثيراً ونمرح كثيراً، وانتقلت حركات”الماريونيت" التي كان يحركها صلاح إلي أجسامنا وعشنا لحظات من عمر الطفولة نمرح ونلعب ولكننا في ذلك الوقت لم نكن نعلم أنها بذرة الفن وأنها الخطوات الأولى على طريق طويل ومستقبل واسع".

السينما والعمارة

وكانت أول انفعالاته بالأداء التمثيلي وهو في سن الثانية عشرة، فقد أقيمت في حي السيدة زينب داراً للسينما صيفية اسمها سينما الهلال، وفي نفس الوقت أقيمت عمارة سكنية خلف السينما تُطل على شاشتها الفضية الكبيرة وكانت فرصة لكل أولاد المنطقة لمشاهدة الأفلام السينمائية المعروضة بالمكان وفي بلكون العمارة التي لم تكن قد تمت بالفعل، وإن كان مالكها قد قام بتأجير بعض الطوابق الأولى. وكان الأولاد يتسللون الى الأدوار العليا على السلالم الخرسانية وفي الشرفات التي لم تكن حواجزها قد بنيت. فيجلسون في سعادة غامرة ليشاهدوا الأفلام واستمرت هذه المغامرات الصبيانية عدة ليال وامتدت لعدة أسابيع حتي انكشفت. وربما أبلغ سكان الطوابق في المبنى وبعض أصحاب المحلات التجارية الشرطة عما يفعله الأولاد خوفاً عليهم من السقوط من أعلى العمارة. فأعد رجال نقطة السيدة زينب الكمين المناسب وفي سرية تامة أطبقوا على الأولاد وهم في قمة النشوة وروعة الإندماج وفي غلظة وفي عنف أمسكوا بهم وكان الصراخ ومحاولات الهرب والتوسل بالكلمات والحركات والبكاء والعويل.

ولقد شاهد سكان العمارة هذا الموقف التراجيدي أو المأساوي التي يحيط بأولاد منطقتهم، فتحركت قلوب النساء ورقت ألسنة الرجال، ودارت المفاوضات بين السكان ورجال الشرطة وطال الكلام وزاد الجدل واستمر الحوار لبعض الوقت. وعن هذا المشهد يقول أنه شعر آنذاك أن هناك شيئاً ما كان يدور بداخله ويحرّكه.



أول دور تمثيلي

ويحكي الفنان الراحل هذه الواقعة قائلاً “وجدتني أقوم بأول دور تمثيلي في حياتي متأثراً بالمشاهد التي رأيتها في السينما، فقد ارتميت على الأرض كالمغشي عليه تماماً ويبدو أنني أجدت حركة الإغماء وحركات التشنج والعصبية، فصرخت الأمهات في وجه رجال الشرطة حرام عليكم اتقوا الله أليس لكم أولاد صغاراً وأسرعت بعضهن بإحضار المياه البادرة والقوها على وجهي وجسمي وتأزم الموقف تماماً.

ويتذكر”سرحان" هذا الموقف وكأنه حدث بالأمس وهو يقول: “كان بإمكاني أن أنهي الموقف على هذا الوضع وأفوز بعطف الناس وسماحة رجال الشرطة وينتهي كل شيء. ولكنني صممت بيني وبين نفسي أن أثبت للجميع أنني ممثل وأنني أتقنت الأداء التمثيلي، فأسرعت بالجري قفزاً على السلالم وهربت بسرعة البرق ولا بد أن هذا الموقف أذهل كل من شاهده وكانت مفاجأة لهم جميعاً. وعندما أفاقوا من الصدمة كنت قد اقتربت من باب بيتي القريب من السينما وأنا في قمة سعادتي لنجاحي بتمثيل أول دور في حياتي.

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة الثانية


إيلاف


2017 السبت 16 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


”إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/2)

شكري سرحان يتألق على مسرح المدرسة الثانوية


شكري سرحان


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



على مسرح الأزبكية

وتمر الأيام ويكبر الأولاد الصغار وتتحرك أقدام شكري سرحان إلى المسرح ليشاهد شقيقه صلاح سرحان وهو يقف على الخشبة ويؤدي واحداً من أدواره الأولى، وكان يشترك في ذلك الوقت مع فرقة التمثيل في مدرسته بتمثيل مسرحية باسم “عزة بنت الخليفة” وكانت الفرقة المدرسية تعرض على مسرح حقيقي وكبير على مسرح الأزبكية.

ولم ينسَ كيف دخل إلى المسرح الكبير وكيف تنقلت عيناه بين الكراسي القطيفة المتراصة في نظامٍ بديع- على حد وصفه. ويستذكر المشهد واصفاً كيف دارت الستارة العملاقة الحمراء التي قال عنها “كان شكلها في غاية في الجمال وبعد قليل بدأت تنفتح بهدوء وثبات على أنغام الموسيقى، وبدأ العرض المسرحي وأنا مشدود تماماً مما أرى وأسمع، حتى ظهر شقيقي صلاح على المسرح وقد ارتدى ملابسه التاريخية الجميلة ووضع على رأسه عمامة ريشة نعام بيضاء ناصعة، وبدأ يتكلم بلهجةٍ عربية جميلة لا أذكر إن كانت شعراً أم نثراً. فكانت أحلى من الطرب في سمعي ووجداني”.
لقد كان الطلبة في ذلك الوقت وفي كل المدارس العربية يتنافسون في فن الالقاء وفن الخطابة وكانوا يتبارون في تقليد زعماء الحركة الوطنية. ولقد كانت هذه وسيلة نفوذهم إلى وجدان الجماهير عبر الكلمات الحماسية. وكانت المناسبات القومية كثيرة فكان أساتذنهم في فن الإلقاء والخطابة هم هؤلاء الزعماء الكبار.



مسرح المدرسة

وعاد سرحان إلى منزله في تلك الليلة ولكنه لم ينم بهدوء كالمعتاد. كانت النشوة الطاغية تسيطر على أحاسيسه ووجدانه وكان أول قرار جرئ يتخذه بينه وبين نفسه أن يبحث عن مسرحٍ يستمتع من خلاله بالظهور أمام المتفرجين. فقد استهواه تماماً طريق شقيقه صلاح وملك عليه كل وجدانه. وفعلاً، وبعد أول يوم من هذا الحدث الفني الهائل الذي زلزل كيانه كله، بدأ “سرحان” في محاولاته لتحقيق حلمه الكبير ومن خلال المسرح المدرسي الذي كان له شأن كبير في الحركة المسرحية وفي نشاط وزارة المعارف، فكانت الوزارة تشجع هذا الفن الراقي وتشرف على إقامة مسابقة في نهاية العام الدراسي كل سنة بين تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات وكان الكل يتنافسون للفوز بكاس الوزراء في التمثيل.

وانتقلت أسرة “سرحان” إلى منزلٍ جديد في شارع المبتديان بجوار واحدة من أعرق دور الصرف في مصر، دار الهلال وكان التمثيل قد ملك عليه كل وجدانه وسمع أن المدرسة الخديوية هي المدرسة التي فازت بكأس الوزارة وأنها تضم أحسن فريق للتمثيل في مدارس مصر وكانت المدرسة التي تمثل المركز الثاني هي مدرسة خاصة اسمها مدرسة الدواوين.

وتعود ذاكرته إلى تلك الأيام وهو يقول “لما كان والدي رحمه الله صديقاً لمدير هذه المدرسة الخاصة بحكم عمله في التعليم لأعوامٍ مضت، فقد تبلورت الفكرة برأسي. وطلبت من والدي أن يُلحقني بهذه المدرسة الثانوية باعتبارها قريبة من منزلنا. فرحب والدي بالفكرة.

والتحقت بالمدرسة وكانت فرصة لا تعوض وفرحة كبيرة وانا أجد نفسي بين أعضاء فريق التمثيل بالمدرسة وكان لقائي الأول مع أستاذي القدير المخرج أحمد البدوي رحمة الله عليه وكان من أبرز مخرجي المسرح. وكان فريق التمثيل في المدرسة يضم من الفنانين الذي اشتهروا بعد ذلك الأساتذة محمد عزمي ولطفي عبد الحميد الذي اشتهر بأداء الشخصية الكوميدية فتلة ببراعة شديدة”.

ويتذكر أول درس تلقاه في التمثيل من أول أستاذ له في الفن عندما أدى أول اختبار له على خشبة المسرح. حيث قال له أن الممثل كالصندوق المغلق لا تتعرف عليه، إلا حينما ينفتح الصندق وينطلق صوته.

ثم كانت أول أدوار شكري سرحان البطولية في مسرحية “صلاح الدين مملكة أورشليم” التي عُرِضَت على مسرح الأزبكية وحققت نجاحاً منقطع النظير، ولكن هذا النجاح لم يشفع عند وزارة التعليم فحصلت مدرسة شكري سرحان على المركز الثاني لأنها مدرسة خاصة واحتفظت المدرسة الأميرية بالكأس لعامٍ آخر.



كأس الوزارة

إهتزت طموحات شكري سرحان الفنية في ذلك الوقت وتطلع إلى أن يكون في مدرسة أميرية واستطاع أن يُقنع والده بأن ينقله إلى المدرسة الإبراهيمية بحجة أنها كانت تُعتبر أرقى مدرسة في مصر ونتائجها الدراسية أفضل النتائج ومديرها من أعظم رجال التعليم وأسرف شكري سرحان في استخدام صيغة أفعال التفضيل التي تعلمها في دروس اللغة العربية، وأن المدرسة قربية من بيتهم في جاردن سيتي، ثم أنها تهتم بالنشاط الرياضي وأن العقل السليم في الجسم السليم، واستمر حتى نجح بإقناع والده.
وكان له ما أراد. علماً أن مدير المدرسة في ذلك الوقت كان يحمل لقب بك رسمي وهو “حامد بك نبيه” ينطقونه بكل الإجلال والتقدير. وكان يهتم اهتماماً كبيراً بكل شؤون مدرسته ويشجع النشاط الفني الرياضي وعندما علم فريق التمثيل أن شكري سرحان انضم إلى مدرستهم وكانوا قد شاهدوه على المسرح من خلال حفلة الكأس التي لم تحصل عليها مدرسته الخاصة، التفوا حوله ورحبوا به وأقاموا له حفلة شاي “على الضيق” دعوا إليها مدير المدرسة حامد بك نبيه وبعض المدرسين. وبعد تناول الحلوى وشرب الشاي، طلبوا منه أن يلقي أمامهم جزءاً من مشهد تمثيلي واندفع شكري أمامهم يقول ويعيد ويجيد والتهبت الايدي بالتصفيق ودارت الألسنة بكلمات المديح والإستحسان.

ووجد نفسه في موقفٍ متميز وشعر أنه يستطيع أن يطلب فيُجاب. وفعلاً طلب منهم أن يتفقوا أولا مع أستاذه المخرج أحمد البدري على أن يتولى شؤون الفرقة المدرسية وثانياً أن يعملوا على إلحاق زميله محمود عزمي بالمدرسة الإبراهيمية للإستفادة من موهبته والملابس والديكور والنصوص. وتم كل شيء بسرعة واستمرت المدرسة الإبراهيمية ولمدة 3 سنوات تحصل على كأس الوزارة في التمثيل، لكونها مدرسة أميرية وفيها أقوى فريق تمثيل.



إنسحاب فعودة

واكتشف “سرحان” وهو يقترب من نهاية اتمام المرحلة الثانوية أن نشاطه الفني يستغرق الكثير من وقته وأن جانباً آخر منه يذوب في النشاط الرياضي. فقد كان بطلاً في كرة السلة وفي الملاكمة والمصارعة التي بدأها من سنوات في ميدان السادات. وفجأة قرر أن يضع حدا لكل نشاط غير الدارسة حتى يركز في دراسته لينهي المرحلة الثانوية. فقد كانت شهادة الثانوية العامة “بعبعاً” مخيفاً في ذلك الوقت. فطلب من والده أن ينقله إلى مدرسة بعيدة لا يعرفه فيها أحد، ولا يشير إليه فيها أحد على أنه الممثل شكري سرحان. فكان له ما أراد ونقل إلى مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالعباسية.

ودارت الأيام وكان سعيداً بمدرسته الجديدة وكان هادئاً لأنه لا يعرف أحد في هذه المدرسة. ولكن الصورة تغيّرت بسرعة عندما بدأ الطلبة يحملقون فيه. ينظرون إلى وجهه الطويل ثم يسألون عن اسمه وأصله وفصله. وكان يحاول الإفلات منهم، لكنه في النهاية قال لهم نعم أنا شكري سرحان الذي تعرفونه رئيس فريق التمثيل بالمدرسة الإبراهيمية سابقاً والتلميذ بمدرسة فؤاد الأول الثانوية حالياً. وقدموا له أنفسهم نحن فريق التمثيل بالمدرسة وطلبوا منه أن يؤكد انتمائه إلى مدرسته الجديدة وأن يشترك معهم في الفريق.

ويقول “سرحان” في هذا السياق: “كانوا قد شاهدوني في الحفلات التمثيلية مع فريق الإبراهيمية ولكني رفضت بشدة وصممت على الرفض فوافقوا على أن أقوم بزيارتهم ولو مرة أثناء إجراء التمرينات مع الأستاذ المخرج محمد يوسف، وحضرت التمرينات. وحاولت أن أكون متفرجاً فقط. وعندما هممت بالأنصراف أحاطوا بي وقالوا... ألست تنتمي لمدرسة فؤاد الأول التي تشارك أيضا في كاس الوزراة؟ أليس لانتمائك عليك حقاً؟.. وصممت ورفضت. وألحوا فخجلت من استمرار الرفض. وبدأت معهم التمرينات وكانت المسرحية من جزئين. جزءاً كبيراً من مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير الذي يشمل تبادل الخطابة في الشعب بين مارك أنطونيو وبروتس بعد مقتل يوليوس قيصر، والثاني مسرحية عالمية شهيرة باسم القضية المشهورة. وكنت بفضل الله أقوم ببطولتها.

وجاء يوم الحفل الكبير على مسرح الأزبكية وكتب الله لي توفيقاً كبيراً مما جعل وزير التعليم في ذلك الوقت وكان اسمه العشماوي باشا يمنحني جائزة الوزارة وكانت الجائزة مجانية التعليم في جميع مراحله.

وكان التعليم في ذلك الوقت بالمصروفات أما المفاجأة الكبرى فتمثلت بقرار الوزارة الذي اتخذته بمنح كأس التفوق في التمثيل مناصفةً بين مدرسة فؤاد الأول ومدرستي السابقة الإبراهيمية”.

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة الثالثة


إيلاف


2017 الأحد 17 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/3)

شكري سرحان يُنقذ فرقة مسرح كلية الحقوق


شكري سرحان


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



في معهد التمثيل

في نفس السنة التي فاز فيها شكري سرحان بجائزة التمثيل، أنشات وزارة التعليم المعهد العالي للفنون المسرحية ويقول شكري سرحان في أحد تصريحاته: “انتزعت موافقة والدي على الإلتحاق بالمعهد بصعوبة بالغة بعد أن وعدته هو والاستاذ زكي طليمات رحمه الله بالانتهاء من دراستي الثانوية أثناء دراسة المعهد ولم يكن بيني وبين شهادة اتمام الدراسة الثانوية غير عامٍ واحد”.

إلتحق بمعهد الفنون المسرحية مع شقيقه صلاح سرحان وكانت الدفعة الأولى في المعهد تضم صفوة شباب الممثلين وخيرة المواهب التي ملأت الساحة الفنية بالعطاء والإبداع الفني.

ويتذكر موقفاً تعرّض له خلال دراسته بالمعهد قائلاً: “قام بزيارتي في منزلنا بعض الطلبة من فريق التمثيل بكلية الحقوق ومعهم المشرف على فريق التمثيل. وبعد السلام والتحية اخبروني ان زميلهم الطالب حمدي غيث أصيب فجأة بمرض يستحيل معه الجلوس وأنه يعاني من فرط الألم والحفلة التمثيلية موعدها بعد يومين ولا يمكن تأجيلها ولقد اختارني الزميل حمدي غيث لانقاذ الموقف الصعب وأكد لهم أنه يثق تماماً في قدرتي على إتمام هذه المهمة، واتفقت معهم على أن نلتقي في نادي نقاية المحامين في أول شارع عبد الخالق ثروت حيث تجري التمرينات وتسلمت نسختي من المسرحية وهي رواية عالمية باسم الوطن. وأجريت بروفة خاصة مع الملقن وكان يقوم بعمله بتمكن واجادة. ثم طلبت من المسؤولين في الكلية أن يكتبوا هذه الواقعة في البرنامج المطبوع الذي يذاع في الحفلة وان يلتمسوا لي العذر اذا توقفت لحظة بسبب النسيان أثناء الأداء على المسرح، لأنني أحاول أن أنقذ موقفاً صعباً للغاية. بل وأضافوا من عندهم موقفاً آخر عندما وقف سكرتير عام الكلية على خشبة المسرح قبل العرض وقدم شكر الكلية وعرفانها بالجميل لقبولي هذه المسئولية الكبيرة بالرغم من أنه لا توجد بيني وبينهم أي صلة. وبفضل من الله وتوفيقه، اندمجت تماما مع الملقن وأديت دور البطولة في المسرحية في تجانس تام مع باقي أبطال العرض ونجحت مع الآخرين في العبور بالعمل كله إلى برّ الأمان والنجاح بما يشبه المعجزة الآلهية وكان امتحاناً بالغ الصعوبة”.



كانت دراسة شكري سرحان بالمعهد هي أعظم هدية يتلقاها أي طالب عاشق للفن ناشئ في محاربه. والهدية كانت مجموعة عظيمة من أساتذة الأدب والفن والثقافة الفنية والنقد الفني والفلسفة وعلم النفس والتذوق الفني. ويضرب “شكري” الأمثال بهؤلاء الأساتذة، فيذكر منهم زكي طليمات، د.محمد مندور، د.زكي مبارك، د. إبراهيم سلامة، د. مظهر سعيد، والفنان جورج أبيض، والمخرج فتوح نشاطي، والكثير من العمالقة الذين عاش معهم رحلته الطويلة في عالم الثقافة الواسع.

ولقد عرف حينذاك قيمة الفن وتأكدت عنده أهميته وحجمه ووزنه، إذ كان الممثلون هم كبار رجال الدين في أرض الفراعنة، وعرف عظمة الفن الذي يعكف على دراسته حجم المسئولية الملقاة على عاتق الفنان تجاه المجتمع كله على مرّ العصور، وتابع تطور العمل المسرحي منذ كان يعرض في الشوارع والميادين والسهول والجبال حتى أصبحت تقام له أعظم المسارح وأفخم وأروع دور الأوبرا في العالم، وكيف تطورت الحركة المسرحية نفسها من إخراج وفن الكتابة للمسرح والاضاءة والديكورات. كما تعرّف على أهم وأعظم الشخصيات المسرحية على الخشبة وخلفها من كتاب إلى مخرجين وممثلين.

وفي السنة الثانية للدراسة في المعهد كوّن زكي طليمات بعض المجموعات الصغيرة من الطلبة تشترك معا في تمثيل بعض المسرحيات العالمية. ويحكي “سرحان” عن هذه الخطوة فيقول: “كانت إحدى هذه المجموعات تتكون من صلاح منصور وحمدي غيث وأنا معهم وكنا نقدم مشهداً كبيراً من مسرحية عالمية، بعد أن قام أستاذتنا بتوجيهنا إلى أداء هذا المشهد مرات عديدة. واستطاع هذا الثلاثي الناجح أن يتفوق على نفسه وبعد عدة أسابيع زارت الفرقة الكوميدي فرانسيز المعهد بدعوة من أستاذنا زكي طليمات فقدمنا لهم نحن الثلاثة، المشهد الذي تدربنا عليه طويلاً، وكانوا يعرفونه ويحفظونه جيداً.

فهو المشهد الرئيسي للرواية التي كانوا يعرضونها على دار الاوبرا المصرية في ذلك الوقت، وبعد أن انتهينا من العرض فوجئنا باعضاء الفرقة الفرنسية جميعا يثنون ويصفقون لنا تصفيقاً حاراً، وطلبوا من الفنان زكي طليمات أن يسمح لنا بالذهاب إلى دار الأوبرا كل ليلة لنشاهد هذا العمل معهم في الكواليس وكانوا ينادوننا بأسماء الأدوار التي قمنا بتمثيلها أمامهم”.

ويواصل السرد: “أعتبر هذه المرحلة أحلى وأغنى مراحل حياتي الفنية فقبل التخرج من المعهد قام استاذنا بإخراج المسرحية الفرنسية العالمية”البخيل" ومعها في نفس العرض المسرحية العالمية “الجلف”. وكانت فرصة فريدة ليقدمنا جميعا طلبة المعهد وطالباته من خلال هذا العرض الكبير على دار الأوبرا حيث نال نجاحاً فاق كل وصف، وكان الفضل الأكبر لهذا النجاح الساحق لله سبحانه وتعالى ولأستاذنا المخرج المبدع زكي طليمات رحمه الله وكانت وصاياه لنا دائما بالإلتزام التام وعشق المسرح وتفضيله على أي شئ اخر فكان نعم الاستاذ ونعم المعلم".



إخفاق مؤلم في السينما

كان العرض المسرحي الذي قدمه شكري سرحان ورفاقه سبباً في قيام صاحب شركة إنتاج سينمائي بطلب التعاقد معه، وهو المنتج جورج منصور، الذي رغب أيضا بالإتفاق معهم لإبرام عقد احتكار لمدة 3 سنوات للقيام بأعمال سينمائية في شركته، ومنهم فاتن حمامة وسميحة أيوب، براتبٍ شهري، لكن والد الفنانة فاتن حمامة رفض توقيع العقد.

ونص التعاقد على أن يبدأ الراتب الشهري بـ20 جنيه في السنة الأولى، ثم 30 جنيهاً في السنة الثانية ثم 40 جنيهاً في الثالثة، وكانت فرحته وفرحة سميحة أيوب بهذا الإتفاق تفوق الوصف لأنه سوف يفتح الباب لهما ولأول مرة للدخول إلى الساحة السينمائية كوجوهٍ جديدة تحلم بالشهرة. لكن، الشركة فشلت وأغُلِقت وأرسل المنتج لهما خطابين مؤثرين جداً يحمل كل منهما بلاغاً بإلغاء عقد الاحتكار واختفى من الساحة الفنية.

إحباط وشهرة

كان زكي طليمات قد ألحق عدداً من زملائه بعد التخرج من المعهد وشكري سرحان منهم بالفرقة القومية التي تحمل اسم المسرح القومي حالياً وكانوا يقومون ببعض الأدوار الصغيرة، وفي يومٍ مشرق وجميل جاءته أول فرصة للقيام بدور الفتى الأول بفيلم اسمه “هارب من السجن” وكان اختياره لهذا الدور قد تم بناء على توصية خاصة من المنتج الذي فضل اعطاء الفرصة لوجه جديد من خريجي المعهد، وبدأ التصوير مع شئ من التوتر في جو العمل ولم يعرف سبباً لكل ما كان يصل اليه من بعض الهمس الذي كان يدور بين المخرج واحد الممثلين المعروفين بالثرثرة والرغي الكثير وبدون توقف وبعد يومين من التصوير فوجئ بالمساعد الاول للمخرج يحضر إلى غرفته في الاستوديو ويخبربه بانه تم استبداله بممثل معروف في ذلك الوقت وذلك لظروف انتاجية.



إستسلم شكري سرحان للأمر الواقع ولكنه شعر بأن قدميه على وشك الإنهيار، وغادر الاستوديو وهو في حالةٍ يُرثي لها، ولازم منزله وأقعده الاكتئاب واليأس المميت حتى خرج من من هذه الأزمة بعد قراءة عدة كتب في أيام قليلة.

وبينما كان في دار الأوبرا، أثناء الإستراحة، أقبل عليه رجل أنيق وسيم وقدّم له نفسه. قائلاً: أنا صلاح ذهني الكاتب في مجلة آخر ساعة. فرحب به “سرحان”، ثم سأله" ذهني": لماذا لا تعمل في السينما؟ إنك تصلح لهذا تماماً بفضل صورتك، أناقتك وصوتك. فابتسم له وقال: “أنا خريج المعهد العالي للتمثيل وأقوم بأدوارٍ صغيرة مع زملائي في الفرقة القومية والحمدلله”.

فطلب منه أن يذهب إليه في مكتبه في مجلة آخر ساعة، ومعه صورة معبّرة لكي يقوم بنشرها، فذهب إليه ونفذ ما طلبه منه وفي الأسبوع التالي رأى صورته في المجلة في صفحة الأستاذ ذهني، ووضعها تحت عنوان يقول “فتى أول ينقصه مخرج” وبعد عدة أيام اتصل به من دار الهلال الأستاذ حسن مظهر وطلب مقابلته في مكتبه، وعرض عليه تصويره على صفحتين في مجلة أهل الفن على أن تحمل كل صورة تعبيراً مختلفاً عن الآخرى، وتم تصوير هذه المجموعة التي لم تقل عن 20 صورة قدّم فيها تعبيرات مختلفة وكان لصورة المرحوم صلاح ذهني وما تلاها من المجموعة الأخرى من الصور، فكان أول الغيث بالنسبة له مع الكاميرا.

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة الرابعة


إيلاف


2017 الإثنين 18 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/4)

شكري سرحان يُتقِن الرومانسية بعد “العجلاتي وصبي الفرن”


شكري سرحان بدور العجلاتي


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



إنطلاقة باللهجة الصعيدية

كانت الصور العديدة التي نشرت في دار الهلال، والمقال الذي نُشِرَ في مجلة المصور سبباً في قيام المخرج حسين فوزي بالإتصال به وأخضعه لاختبار له بالكاميرات في استوديو نحاس. ثم أسند له دور البطولة بفيلم “لهاليبو” أمام نعيمة عاكف، وبعد نجاح الفيلم المدوي، أُسنِدَ له الدور الأول بفيلمٍ آخر اسمه “بابا عريس”. وكان فيلم “لهاليبو” بالألوان أما المصورين فكانوا فرنسيين وكان شكري سرحان يقوم بأدوارٍ خفيفة الظل في أفلامٍ استعراضية مرحة وهو الذي اعتاد منذ كان طالباً في المعهد وقبله في المدرسة على أداء الأدوار الكلاسيكية، وباللغةِ العربية الفصحى ومن خلال أدوار تراجيدية مأساوية عالمية. ولكنها كانت توجيهات المخرج حسين فوزي الذي وضع قدميه على أول الطريق السينمائي الذي نجح فيه بعد ذلك نجاحاً كبيراً وأمام مجموعة من عمالقة التمثيل المسرح على رأسهم الفنانة الموهوبة “اللهلوبة” نعيمة عاكف. ثم جاء المخرج يوسف شاهين الذي قدمه بفيلم “إبن النيل”.

ولأن الدور كان باللهجة الصعيدية التي لابد أن يتكلم بها البطل فقد استعان المخرج بصعيدي من أساتذة المعهد يتحدث هذه اللهجة بطلاقة وكانت المجموعة التي تجلس أمامه في فصلٍ واحد مكونة من السيدة فاتن حمامة والفنان يحيى شاهين، وفردوس محمد التي أصبحت أشهر أم في السينما بعد ذلك، وكانوا يجلسون مع مدرس اللهجة الصعدية لساعاتٍ طويلة.

واتقن “سرحان” الحديث بهذه اللهجة الصعيدية ونجح الفيلم نجاحاً منقطع النظير. وهو يعتبر من نقاط التحول الحقيقية أو من النقط المضيئة في حياة شكري سرحان السينمائية. فقد تجمعت له عناصر النجاح من إخراج يوسف شاهين وانتاج الرائدة ماري كويني، ومجموعة من عمالقة الممثلين.



في درب المهابيل

واشترك بعد ذلك مع الأستاذ حسين فوزي في سلسلة من الأفلام المرحة الإستعراضية التي كانت بطلتها الفنانة نعيمة عاكف، إلى أن التقى بالأستاذ نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار، والمخرج توفيق صالح بفيلم واقعي تجري أٍحداثه في حارة مصرية.

والفيلم اسمه “درب المهابيل” وكان يقوم فيه بدور صبي عجلاتي. ويحكي “سرحان” قصته مع هذا الفيلم، فيقول “كانت قصة عجيبة. فبعد أن وقعت العقد استلمت 50 جنيها كدفعة أولى. ذهبت مع المخرج توفيق صالح ومدير التصوير الأستاذ عبد العزيز فهمي، ومهندس الديكور الفنان عبد المنعم شكري. وترافقنا إلى استوديو الأهرام لنشاهد ديكور الحارة التي سوف تقع فيها أحداث الفيلم. ففوجِئت بديكور للحارة في غاية الإتقان وفي قمة الواقعية، مما أصابني بحالة من الخوف والقلق. واشفقت على نفسي من عدم القدرة على أداء دور الصبي العجلاتي كجزء من أهل الحارة المصرية الخالصة يضاف إلى هذا مجموعة العمالقة التي تمثل أمامي أو بالتحديد الدقيق أمثل انا أمامهم، وهم شفيق نور الدين وحسن البارودي وتوفيق الدقن وعبد الغني قمر وعبد العزيز احمد واحمد الجزيري”.

ويستطرد “عدت إلى منزلي وقد تملكني خوف شديد من عدم القدرة على إقناع المتفرجين من خلال هذا الدور بأنني فعلاً من أبناء هذه الحارة، وأن أكون في قمة الصدق وعمق الواقعية مع هذه المجموعة العظيمة من أبناء حارة درب المهابيل، وقررت أن أضع حداً لهذا الخوف وهذا القلق. فذهبت إلى مقر الشركة المنتجة وأخبرت الأساتذة الكبار المخرج توفيق صالح ونجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار، بأنني أخشى أن أخذلهم في اختيارهم لي لأداء هذا الدور، والتزم الجميع الصمت وأنا معهم. ثم بدأ كل واحد منهم يحاول اقناعي بالعدول عن هذا القرار، حتى أحاطوا بي ووجدت نفسي وقد رضخت لإلحاحهم”.

يواصل سرد تفاصيل تحضيرات هذا الفيلم قائلا: “بدأت أطلب منهم نوع الملابس التي سوف أرتديها في الفيلم، وأدخلنا عليها التعديلات اللازمة من تمزق وترقيع وتوسيخ بالشحم الأسود، وقمت بقص شعري على طريقة أولاد العجلاتية، واستعنت بالله لكي يوفقني”.



رنة الخلخال

بعد أن انتهى من فيلم “درب المهابيل” دخل بفيلم “رنة الخلخال”. فانتهى من دور صبي العجلاتي، وبدأ بدور صبي الفرن، وهكذا أحاط به القلق والخوف مجدداً. وسأل نفسه: هل يستطع فعلاً، أن يؤدي هذا الدور بالشكل الذي يقتنع به الناس؟ فلم يكن أمامه إلا أن يتردد من وقتٍ لآخر على أحد الأفران البلدية القربية من السيدة زينب، وكان في هذه الفترة قد أصبح نجما مشهوراً فكان من الضروري أن يبدأ زيارته بعد منتصف الليل حتى لا يلتف الناس حوله في الفرن، فلن يسطتع أن يمارس حياة الفرن بالحرية المطلوبة، فطلب من المخرج محمود ذو الفقار، أن يتفق مع ادارة الانتاج على أن يزوده بكاميرا حتى يستطع أن يقوم بتصوير الفرن بعد منتصف الليل وأخذ في تصوير الرجل وهو يلبس الخيشة يغطي بها الجزء الأسفل من جسده بينما النصف العلوي عارياً وهو غارق في عرقه وانهمك مع الفرن والكاميرا في يده والفران سعيد جدا حوالي ربع ساعة، وكان الرجل في أثناء تصويره لاهيا تماماً عن الخبز في داخل الفرن حتي فوجِئ باحتراقه، وبدأت بوادر الأزمة بين صاحب الفرن والفران، وبدات الاصوات تعلو، ولم يكن أمامه إلا أن يدفع ثمن الخبز المحترق.

وخرج من تجربة الفرن في “رنة الخلخال” ليدخل في تجربة جديدة مع الاستاذ صلاح ابو سيف وكان دوره في هذه المرة متعهد تقديم الضحايا من النساء بفيلم “ريا وسكينة” حيث كان يعمل بالنهار صبي جزار في المذبح بالإسكندرية، وفي الليل يلبس بدلة ، ويبدو وكأنه “زير نساء” ولكنه أداة لسفك الدماء يعمل لحساب ريا وسكينة، ولما كان دوره باللهجة الإسكندرانية، أسرع بالسفر إلى الإسكندرية قبل التصوير بعدة أيام وأخذ يتردد على المذبح واختلط بصبيان الجزارين والتقط لهجتهم وتدرب عليها حتى تمكن من اتقانها تماماً.



موعد مع القمة

كانت هذه واحدة من مراحل شكري سرحان عندما كان صبياً في السينما، صبي عجلاتي، صبي فرن، صبي جزار، لكنها مرحلة انتهت بسرعة ليبدأ رحلة جديدة طويلة مختلفة تماماً عن سابقتها. وكان منعطف الطريق أو حجر الزاوية عندما التقى بمخرج الرومانسية عز الدين ذو الفقار، وأسند له دوراً رومانسياً حالماً بفيلم “موعد مع الحياة” أمام فاتن حمامة التي التقى معها للمرةِ الثانية بفيلم “طريق الأمل”.

ويقول “سرحان” عن هذه المرحلة: “كنت أشعر في هذه المرحلة أنني أعيش أحلام وردية جميلة لا تجدها إلا في القصص الرقيقة التي تخاطب الوجدان وتلونها عذرية الشباب”.



شباب إمرأة

وكانت القفزة العظيمة له عندما أسند إليه الأستاذ صلاح أبو سيف دور البطولة أو الفتى الأول بفيلم “شباب إمراة” فكان الدور فرصةً ذهبية أجاد فيه وأدى أداءً متميزاً أعجب الناس والنقاد والعاملين في الحقل السينمائي.

نجح “سرحان” بفيلم “شباب إمراة”، وصاحب نجاحه في هذا الفيلم فرصةً أخرى على يد الدولة، عندما قررت في نفس العام الذي عُرِضَ فيه الفيلم منح جوائز للمتفوقين في صناعة السينما فكان لفيلم “شباب إمراة” النصيب الأوفر في جوائز السينما، فنال جائزة الإنتاج وجائزة الإخراج وجائزة التمثيل. وكانت كلها الأولى. مما جعله بعد ذلك يدقق في اختيار الأفلام ليحافظ على المستوى الكبير الذي وصل إليه.

رد قلبي

وعاد مجدداً إلى الأدوار الرومانسية على يدي عز الدين ذو الفقار في واحدٍ من العلامات المميزة في السينما المصرية وهو فيلم “رد قلبي” الذي كتب قصته يوسف السباعي ومزج فيه الرومانسية من خلال قصة حب كبيرة مع واقعية صريحة ومن خلاله عرض لفترة هامة وحساسة من تاريخ مصر الحديثة سياسياً ووطنياً واجتماعياً. وكان عرض هذا الفيلم يستمر لمدة ثلاث ساعات. علماً أنه أول فيلم بالألوان الطبيعية يحمل توقيع المصور السينمائي الكبير وحيد فريد الذي أنجزه بإتقانٍ كبير وبراعة شديدة وإبداع عظيم شهد به الجميع. مع الإشارة إلى أن “فيلم”باباعريس" كان هو أول فيلم بالألوان الطبيعية، لكن المصورين فيه كانوا فرنسين.



عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة الخامسة


إيلاف


2017 الثلائاء 19 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/5)

عبد الناصر يُبكي شكري سرحان بتكريمه


شكري سرحان


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



رد قلبي والثورة

كان فيلم “رد قلبي” من إنتاج رائدة السينما المصرية السيدة اسيا التي أنفقت كل ما لديها من أموال حتي العمارة التي تملكها في مصر الجديدة رهنتها حتي تستطيع أن تستكمل إنتاج الفيلم بالشكل اللائق بأهميته وقيمته وتألق المخرج عز الدين في هذا الفيلم تألقا كبيراً مع فريق العمل. ولقد جاء ثمرة هذا الإخلاص الذي استمر ستة أشهر نجاحاً باهراً لدرجة أن عرضه استمر ثلاثة عشر شهراً، في الوقت الذي كان الفيلم المصري الناجح لا يستمر عرضه أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع على الأكثر. فتوِّج هذا النجاح الكبير بأن منحته الدولة الجائزة الاولي في الإنتاج والإخراج والجائزة الأولى في التمثيل.

أما لقاء شكري سرحان الثاني بالمخرج الكبير توفيق صالح بعد فيلم “درب المهابيل” فكان بفيلم متميز كبير أيضا يحكي عن قرية مصرية عاشت في كرب وغم كبيرين اذ ابتلاها الله، بوباء الكوليرا القاتلة. وقام بأداء دورٍ جديد هو طبيب القرية الذي يحارب في جهتين الجهل والشعوذة والتحيز لهما بجهالة شديدة ثم محاربة الوباء القاتل بكل الاصرار والعناد والصبر. وتألق في هذا الفيلم المخرج الكبير توفيق صالح ومعه فنانين وفنيين كانوا في قمة أدائهم، الأمر الذي جعل الدولة تمنحهم الجائزة الأولي للإخراج والتصوير، ليحصد جائزة الدولة للمرة الثالثة.



واستمر عطاؤه بعد لقائه بالمخرج الكبير عاطف سالم بفيلم مميز أيضاً، والذي لم ينسه الناس. وهو فيلم “إحنا التلامذة” الذي تقابل فيه مع الفنان عمر الشريف الذي أصبح فناناً عالمياً بعد ذلك. وكانت بينهما منافسةً شريفة في فن الأداء التمثيلي مع عمر، في جوٍ من الحب والمثالية والتألق من جانب المخرج الكبير عاطف سالم. ما أعطى هذا الفيلم حيوية نادرة وابداعا كبيراً. ولكن في هذه السنة لم تقدم الدولة جوائز للسينما، رغم أن النقاد أشادوا بالفيلم وأجاد فيه “سرحان” حتي بلغ القمة، فكان لقاؤه مع صلاح ابو سيف بفيلمي “انا حرة” و"الطريق المسدود" وكان هو اللقاء الثاني مع الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذي سبق والتقي معه في أول مراحل الثورة بفيلم “الله معنا”. وكان اللقاء الثالث له مع احسان عبد القدوس وصلاح ابوسيف من خلال فيلم كبير وهو “لا تطفئ الشمس”. ويحكي “سرحان” قصة اختياره ليمثل هذا الفيلم ويصفها بأنها قصة قدرية شيقة. وكان الفيلم من إنتاج عمر الشريف وأحمد رمزي. حيث أن عمر إختارهذه القصة ليقوم بدور البطولة فيها مع الفنانة فاتن حمامة التي كانت زوجته في ذلك الوقت. وكان من أبطاله أيضاً الفنانين عماد حمدي، نادية لطفي، وأحمد رمزي وليلي طاهر والعظيمة عقيلة راتب وحشد هائل من الفنانين.



ويقول “سرحان” "بدأت قصة اختياري لبطولة هذا الفيلم بمكالمة تليفونية من الزميل الصديق عمر الشريف طلب فيها لقائي له في منزله لنشرب الشاي معا، فرحبت به وقال انه اختارني للقيام بدور البطولة بفيلم سبيشترك بإنتاجه. وأنه كان من المقرر أن يقوم بالدور الأول فيه إلا أنه سوف يسافر للخارج لإجراء اختيار لأحد الأدوار في فيلم “لورانس العرب” وأنه يطمع في قبولي لهذا العرض ليقوم بدوره. فشكرته جداً لثقته بي كفنان وعاهدته على التفاني وبذل العطاء الصادق لإبراز هذا الدور بالشكل اللائق. وبعد أن عاد عمر من السفر وكنا قد انتهينا من تصوير الفيلم زارني مرةً ثانية. وقال لي لقد شاهدت الفيلم في عرضٍ خاص وأحب أن أقدم لك تهنئتي الحارة علي أدائك المتميز وأشكرك جداً على مساهمتك الصادقة في إنجاح الفيلم".

وكان اللقاء الثاني له مع العملاق نجيب محفوظ في الفيلم الكبير الذي هزّ وجدان الجماهير من أعماقها بفيلم “اللص والكلاب”، ومع المخرج الكبير كمال الشيخ وشادية والفتى الأول دائماً كمال الشناوي وصلاح منصور. فكان أول ما قام به عندما رُشِّحَ لدور البطولة أن توجّه إلى أقرب مكتبة وعاد منها وهو يحمل في يده قصة نجيب محفوظ “اللص والكلاب”. وجلس في منزله وأغلق عليه باب حجرته وجمع كل حواسه وركز بشدة ليقرأ القصة، وانتهي من القراءة مرة ومرات ثم وضع الكتاب جانبه وأطلق لخياله العنان ولتفكيره الحرية الكاملة في استعارة الحوادث والأحداث التي مر بها البطل الحقيقي لهذه المأساه الدامية.



ويصف شكري سرحان حالته بعدما قرأ القصة قائلاً “لقد تغلغلت هذه المأساة في أعماقي، مأساة محمود أمين سليمان حيث شاء الله سبحان وتعالي أن أتعايش معها حينما كان لي في ذلك الوقت صديقين ألتقي بهما يوميا وكانا من رجال الشرطة هما الصاغ الرائد فاروق عبد الوهاب وقد أصبح اللواء فاروق عبد الوهاب بعد ذلك وتقلد عدة مناصب في الداخلية وكان أيامها من خيرة رجال المباحث في مصر واليوزباشي النقيب عبد الحميد بدوي وكان أيضاً حينذاك من أكفأ رجال الشرطة. فكان لكلٍ منهما دوره في مطاردة هذا الشاب الذي منحته البلد منصب السفاح ومن لقائي بهما كل ليلة وكل يوم كنت أعيش أحداث القصة المتلاحقة يوماً بعد يوم فادرك مدى الظلم والغدر الذي تعرّض له حتي أصبحت أنام على مأساته وأصحو على بلوته حتي نهاية السفاح”.

ويواصل حديثه قائلا “وكان لهذه الصدفة التي جعلتني أهتز لمحنته أثراً كبيراً ورد فعل مباشر عميق لازمني طوال القيام بالدور الذي يرمز إليه باسم سعيد مهران. الأمر الذي ساعدني علي التعبير عن شخصيته بانفعالات تلقائية واحساسات فورية، مما كان له أبعد الأثر في التوفيق الذي أكرمني به الله في أداء هذا الدور. وقد تجمعت كل هذه العناصر من قصة جيدة وسيناريو وحوار رفيع المستوى، ومجموعة هائلة من الممثلين، لتجعل من فيلم اللص والكلاب من أروع الأفلام المصرية التي لا ينساها الناس. وكانت قوة هذا النجاح الكبير سبباً أن اختارته الدولة للفوز بالجائزة الأولى إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً ثم اختير ليمثل السينما المصرية في مهرجان برلين السينمائي، وسافرت مع كمال الشناوي، وكان ثناء النقاد علي هذا الفيلم عظيماً ويعد بحق مفخرة للسينما المصرية”.



ومن القصص الخالدة التي كان يحلم بأن يقوم بأدوارها القصة العربية القديمة التي خلدها الكتاب والشعراء “مجنون ليلى” ومن أشهر ما صاغه أمير الشعراء في مسرحيته الشعرية وابداعه الأدبي وكانت تدرس في جميع المعاهد الفنية في العالم العربي، وقام “سرحان” وهو طالب بدور قيس بن الملوح.

يذكر شكري أنه قام وحده في المدرسة الإبراهيمية بدورين متناقضين في سهرةٍ واحدة على مسرح قيس في رواية أحمد شوقي وشخصيته شيلوك اليهودي السفاح في مسرحية شكسبير تاجر البندقية. وكان التناقض بين الشخصيتين كبيراً جداً. فأشفق عليه أستاذه زكي طليمات وصاح في المخرج بلهجته المسرحية ونبراتها العالية وكان المخرج أحمد البدوي، وقال له: ألا يوجد طالب آخر ليمثل إحدى الشخصيتين؟ فرد المخرج بهدوء: فعلا لا يوجد!

وكان أن قدم قصة “قيس وليلى” مع المخرج المتعدد المواهب سيد زيادة الذي أعدها للسينما نثراً وشعراً، وتولى إخراجها أحمد ضياء. ويشاء القدر أن يختاروا أمامه الفنانة ماجدة للمرة الثانية في دور ليلى العامرية. أما دور ورد وزوج ليلى، فكان من نصيب الفنان عمر الحريري، وتلاحمت كل هذه العناصر في الانتاج والإخراج والسيناريو والحوار والممثلين، فجاء فيلم “قيس وليلى” بالوانه الطبيعية والذي صوره واحداً من عمالقة التصوير السينمائي، وديد سري.

وجاء الفيلم قمة بكل المقاييس الفنية، ونجح نجاحاً كبيراً في مصر وفي البلاد العربية، فكان من الأفلام التي استمر عرضها لشهور طويلة، وفي نفس السنة شهدت مصر مهرجاناً ثقافياً، وهو المهرجان الآسيوي الافريقي الذي كانت تتنباه وزارة الثقافة. وقد عرض فيلم “قيس وليلى” في المهرجان عن الأفلام المصرية في سينما ريفولي. فكانت الجائزة الأولي من نصيب “قيس وليلى”، وقد حصل فيه “سرحان وماجدة” جائزة أحسن ممثل وممثلة.



وكان عام 1965 من الأعوام السعيدة في حياة شكري سرحان عندما كرمته الدولة في عيد العلم في قاعة الاحتفالات بجامعه القاهرة. ونودي عليه وسار في القاعة يلبس وسام العلم حتي وصل الي المنصة ووقف أمام الرئيس جمال عبد الناصر الذي سلمه وسام الجمهورية، وشد على يده مهنئاً وكانت فرحة شكري سرحان الكبيرة وهو يسمع جمال عبد الناصر يقول له أنني لن انسي لك فيلم “رد قلبي” الذي عبّرت فيه عن أحد رجال الثورة، وخرجت ثورة الدموع تندفع من عيون شكري سرحان وهو يقف في خشوع مع هذه اللحظة المباركة وكأنه في معبد الفن وأمام محراب التمثيل.

ويقول “سرحان”: “لقد اذهلني هذا التصفيق الحاد من كل أنحاء قاعة الإحتفالات الكبرى، ولكني تمالكت نفسي وأخذت أرد التحية الحارة وكأنني في حلم نوراني سماري حتي عدت الي مقعدي وكأني أطير بلا أجنحة مسبحاً بحمد الله ذي الفضل وقلبي وروحي يرددان في خشوع وكان فضل الله عليك عظيما”.



عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة السادسة


إيلاف


2017 الأربعاء 20 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/6)

شكري سرحان إلى العالمية بعد مظاهرات النكسة


شكري سرحان


ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.

ركود سينمائي

أصيبت صناعة السينما بأزمة شديدة وتوقفت عن الإنتاج لاسباب إقتصادية وظروف إنتاجية صعبة كانت تمر بها البلاد، وهاجر الفنانون والفنيون إلى بيروت في محاولة لخلق نوع من الأعمال السينمائية هناك وفي هذه الظروف الصعبة حضر إلى منزل شكري سرحان منتج اسمه ابراهيم والي وقال له أنه مبعوث الاستاذ حسن الامام للاتفاق معه على الاشتراك في فيلمين من إخراجه هناك في بيروت وعرض عليه مبلغا كبيراً من المال لكي يوافق، وسأله شكري سرحان وهل في بيروت صناعة سينما؟ وهل يوجد بها استديوهات؟ وكان رد المخرج، لا، لا يوجد، ولكننا نحاول أن نخلق هذه الأعمال بأي طريقة وتحت أي ظروف حتي لا تتوقف عجلة الانتاج وتسوء أحوالنا المعيشية وكان موقفه شجاعاً، وقال له رغم المبلغ الكبير الذي تعرضه علي أرجو أن تبلغ الأستاذ حسن الأمام أن الفلوس لن تستدرجني إلى الإشتراك في أعمالٍ سينمائية قد تهبط بي إلى مستوي لا أرضاه لنفسي أبداً. ومهما كان للحال أهمية قصوى عندي، إلا انني لا أضعه في حسابي أبدا بالنسبة لاحترامي لنفسي كفنان ملتزم يضع أمام عينيه القيمة التي يجب ان يكون عليها الفن والفنان مهما كانت الظروف.



في المظاهرات

ثم جاءت النكبة، وفي اليوم الأول للنكسة خرج مع زملاؤه حمدي غيث وعزت العلايلي ليقودوا جموع الشعب في مظاهرات عارمة تهتف بسقوط إنجلترا وأمريكا حيث كان الرئيس عبد الناصر قد ذكر في خطاب التنحي أننا كنا على أبواب النصر لولا تدخل أمريكا وإنجلترا إلى جانب إسرائيل. وتمر الأيام ويسافر شكري سرحان إلى المانيا مع المخرج كمال عطية لاستكمال تصوير فيلم “قنديل أم هاشم” رائعة الكاتب يحيي حقي وعندما عاد إلى القاهرة بعد 25 يوماً من التصوير المتواصل وجد في انتظاره رسالة من المخرج جلال الشرقاوي ومعها نصاً مسرحياً للكاتب الشاعر نجيب سرور كان اسمها “أه يا ليل يا قمر” وأن هيئة المسرح سوف تقوم بالإشراف على تنفيذها، وقرأ “سرحان” النص فأعجبه، وقال عنه “هايل.” ووافق على الفور على الإشتراك في العمل الذي كان ملحمةً واقعية تجري أحداثها في جوٍ سياسي وطني. وبدأ التمرينات، وكان معه سهير البابلي ونجحت المسرحية واستمر عرضها شهوراً طويلة.

بين المسرح والسينما

عاد شكري سرحان مرة ثانية إلى المسرح ولكن بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عندما كتب فايز حلاوة مسرحية غنائية استعراضية أخرجها كرم مطاوع، وغنت فيها عفاف راضي من ألحان بليغ حمدي وكانت البطولة النسائية للقديرة تحية كاريوكا وكان من أبطالها عبد الغني قمر وأحمد عبد الحليم وسعاد نصر وأحمد عبد الوارث وكان “سرحان” يؤدي دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واسم المسرحية “ياسين ولدي”.

وفي السينما، إستمر مشوار شكري سرحان قوياً متمكناً. والتقى فيه بالمخرج حسن الإمام في فيلم “الحلوة عزيزة” مع المبدعة هند رستم وكان هو اللقاء الثاني بعد “رد قلبي” الذي أدت فيه دوراً صغيراً. ولكنه ظل محفوراً في وجدان الناس حتي اليوم. وكذلك كان أداؤها بفيلم “الحلوة عزيزة” في قمة الإبداع الفني. كما اشتركت هند رستم معه في طريق الأبطال وكان لقاؤه بعد ذلك مع “الامام” في مجموعة من أفلام الميلودراما التي كان يشتهر بها منها “أنا بنت ناس” و"قلوب الناس" و"أسرار الناس" و"زمن العجائب" و"صائد الرجال" و"إغراء". ثم كان آخر لقاء “الإمام” في المسلسل التليفزيوني “صاحب الجلالة الحب” قصة الكاتب الكبير مصطفي أمين. وفيه أدى الشخصية الحقيقية للاستاذ مصطفى أمين، وجسد فيه كل ما عاناه في السجن السياسي.



الشاب المدلل

واجتمع مجدداً بلقائه الأخير مع المخرج عزالدين ذو الفقار ومع رشدي أباظة وهدي سلطان وزكي رستم بفيلم “امراة في الطريق” وفي هذا الفيلم رفض أن يقوم بدور الشاب الطيب أي الدور التقليدي. وطلب من المخرج ومن كاتب القصة والسيناريو عبد الحي أديب أن يمنحاه الفرصة للقيام بدور الزوج الشاب الضعيف الشخصية المعقد الذي يدلله والده تدليلا كبيراً مما أصابة بالسلبية واللامبالاة، وعدم الجدية. ووافقاه على ما طلب وهما في غاية الدهشة- كما يقول “سرحان” لأنهما تعودا عليه في أدوارٍ كلها جد ورجولة والتزام بالتقاليد واحترام المثل العليا. ولكنه أقنعهما بأنه شغوف ومشتاق إلى التغيير، ثم أن في هذه الشخصية فرصة واسعة للتغيير والتبديل في أدائه التمثيلي.

ويقول عن هذا: “وبقدر ما كنت مشفقاً على نفسي من هذه التجربة الفنية ينتابني قلق شديد من رد الفعل عند الجماهير إلا ان الله سبحانة وتعالى منحني قبولاً وتقديراً كبيراً عند المتفرجين للإداء”.

ثم كان الحدث التاريخي الهائل وعبور القوات المصرية المسلحة خط بارليف واستطاعت أن تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وتنافس الكتاب والمؤلفون في التعبير عن رد فعل هذا النصر المبين بأشكالٍ مختلفة من كتاباتهم. وكان من نصيب “سرحان” في هذا الإنتاج الهائل مسرحيتين الأولى بإسم “أيوب الجديد” من تاليف الكاتب الإذاعي يوسف الحطاب ومن اخراج كمال حسين، واشترك في البطولة كريمة مختار وزوز ماضي، والمسرحية الثانية كانت من تأليف الأستاذ سعد الدين وهبة كانت باسم “رأس العش” وقامت بالبطولة فيها سميحة أيوب.



السينما العالمية

يقول “سرحان”: “كانت لي تجربتين لا أًنساهما أولاهما حين اتصل بي فتحي ابراهيم وكان رئيسا لشركة الإنتاج العالمي كوبرو فيلم وأخبرني أن شركة سينمائية إيطالية سوف تشترك مع مصر في إنتاج فيلم باسم إبن كليوباترا وأنهم اختاروني للقيام بدور البطولة الثانية في هذا الفيلم الذي كان يقوم بدور البطولة الأولى فيه الممثل الأميركي كارك ديومزن ما. وكان يشترك فيه أيضا بعض الفنانين والفنانات الإيطاليين. ومن مصر اشترك فيه العملاق يحيي شاهين وسميرة أحمد وحسن يوسف. وقام بإخراجه أستاذ في جامعة روما. وهو في نفس الوقت مخرج سينمائي. وكانت فرصة فريدة لي أن اشاهد بعيني عملاً سينمائياً يلتزم بالمثالية في كل نواحيه إنتاجاً وإخراجاً وتصويراً. فمواعيد التصوير مثلاً تسير بدقةٍ شديدة. لا تاخير ولا تعطيل ولا تأجيل، ولا شئ من هذا القبيل على الإطلاق”.

ةيواصل: “بالمناسبة أذكر أنه كان هناك موعداً للتصوير في منطقة صحراوية اسمها بني سويف، وكان موعد اللقاء هناك في الساعة السادسة صباحاً اخذت سيارتي وذهبت في الموعد المتفق عليه بالضبط ولم أجد أحداً قد وصل وبعد عشر دقائق فقط وصلت عربات التصوير وبها الفنانين والفنيين الأجانب ومعهم المخرج ومساعديه وحينما راني المخرج وقد وقفت في انتظارهم خرج من السيارة وأسرع إلى معتذرا في خجلٍ شديد لدرجة أنني لاحظت أن وجهه قد شحب وهو يعدني بأن هذا لن يتكرر أبدأ. فابتسمت وطيبت خاطره بكلماتٍ رقيقة وأنا في شدة العجب. فهذا الرجل هو مخرج الفيلم أي الرجل الأول في كل شيء. ثم هو أستاذ في جامعة روما والتأخير لم يزد عن عشرة دقائق والأعجب من هذا أننا حينما بدأنا التصوير وذهبت إلى هناك لأبدأ المشهد الأول، فإنه بمجرد أن شاهدني أمامه أسرع بتكرار الإعتذار لي أمام الجميع. تذكرت هذه الواقعة وأدركت لماذا يصل هؤلاء الناس إلى هذه المكانة الفنية”.



الحضارة الفرعونية

قصة الحضارة الفرعونية أحد نوافذ شكري سرحان على السينما العالمية، فالتجربة الثانية كما يرويها كانت حينما اتصل به للمرةٍ الثانية فتحي إبراهيم وأخبره أنهم سوف يعملون مع المخرج العالمي روسيلليني لإنتاج ثلاثة أجزاء بإسم قصة الحضارة تحكي عن ثلاثة مراحل للحضارة على مر العصور. وبالطبع فإن المرحلة الأولى سوف تصوّر الحضارة الفرعونية في مصر القديمة. وأن المخرج روسيلليني شاهد بعض الصور لشكري فاختاره كي يؤدي شخصية المهندس الفرعوني الذي قام بتصميم هرم خوفو الأكبر.

ويقول شكري: “اجتاحتني فرحة عارمة وأنا أسأل نفسي: هل أنا في حلم أم علم المخرج العالمي روسيلليني في مصر وسوف يقوم بنفسه باخراج قصة الحضارة الفرعونية على رمال منطقة الاهرامات عندنا؟ وهل صحيح أنه اختارني للقيام بدور رئيس في هذا العمل؟ تحسستُ رأسي بيدي حتى أتاكد أنني لست في حلم! ومن العجيب أنه في أول يوم للتصوير حينما ذهبت إلى منطقة العمل بجوار الهرم، تركت سيارتي في مكان انتظار السيارات وركبت سيارة يسهل قيادتها في المناطق الرملية وحينما اقترب السائق من مكان التصوير ونزلت من السيارة وجدت على بعد امتار المخرج العالمي روسيلليني يجلس وسط مجموعة من الأجانب ومعهم بعض رجال الصحافة الأجنبية يجلسون جميعاً والى جوارهم ثلاجة ضخمة مملوءة بزجاجات العصير والمياه المعدنية”.



يضيف: “حينما اقتربت منهم وشاهدني المخرج الكبير أسرع بالوقوف والاقتراب مني قائلاً بالإنجليزية: أهلا وسهلاً بك تفضل واجلس. واشار إلى مقعده لأجلس عليه انتابتني لحظات من الخجل والحرج، ورفضت بشدة شاكراً له كرم أخلاقه ولكنه ازداد تصميماً على أن أجلس وصممت أيضا على الإعتذار وقلت له أنت ضيفنا هنا في مصر ولقد تعودنا على أن نكرّم ضيفنا. ثم أنت مخرج عالمي كبير تستحق كل التكريم. فضحك وقال لي دعك من كلمة كبير هذه إنما أنا أؤدي عملي بإخلاص وصدق فقط. فقلت له للمرةِ الثانية أنت ضيفنا هنا. فابتسم وقال نحن أبناء مهنة واحدة، وإن اختلف المكان. لقد شاهدت صورك في شركة كوبرو فيلم وقالوا لي إنك أحد النجوم الكبار في الساحة السينمائية في هذه المنطقة، لهذا يسعدني أن أحييك. فأنا أعلم تماما ًكيف يتعرّض النجوم في بدء حياتهم الفنية لشتى أنواع المعاناه والصعوبة حتي يصلوا إلى هذه النجومية. وقفت أمامه مذهولاً لا انطق بكلمة. وكانت إدارة الإنتاج قد أحضرت مقعداً آخر جلست عليه وشكرته كثيراً. وقلت له أنا أفضل الذهاب لعمل الماكياج ثم ارتداء الملابس الخاصة بي، فقال لي لا مانع ولكن بعد أن تشرب بعض العصير المثلج فما أحوجنا اليه ونحن في قلب الصحراء والجو شديد الحرارة كما ترى. وتذكرت مرةً ثانية قول الشاعر العربي الكبير”إنما الأمم الاخلاق ما بقيت..فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة السابعة


إيلاف


2017 الخميس 21 سبتمبر
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة


"إيلاف" تُلقي الضوء على مسيرة حياته عبر حلقات (7/7)

شكري سرحان يتخطى ركود السينما في التلفزيون والمسرح



ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تُسلِّط من خلالها الضوء على سيرة حياة وقصص مشاهير نجوم الفن والغناء، تُلقي “إيلاف” الضوء على مسيرة حياة الفنان شكري سرحان الذي أثرى الحياة السينمائية بعشرات الأفلام المتميزة. حيث ستطرق لذكرياته منذ نعومة أظافره مروراً بأهم أفلامه في السينما المصرية التي نالت إشادات جماهيرية ونقدية، وذلك عبر مقطفات مأخوذة من تصريحاته في لقاءات نشرها الراحل وتناولت سيرته الذاتية خلال محطات تكريمه داخل مصر التي نال فيها عشرات الجوائز الفنية.



عتعاون مع يوسف شاهين

وكان له عودة للسينما المحلية، حيث إلتقى بالمخرج يوسف شاهين بفيلم من أهم أفلامه وهو “عودة الإبن الضال”. وكان اللقاء في منزل المخرج الذي قال له أننا سوف نلتقي معاً هذه المرة ليسبالأمر التقليدي. ولهذا سوف يكون دورك فيه غير تقليدي أيضاً. وأرجو أن تقرأ السيناريو بعناية حتى تستوعب أحداثه وتتفهم نوعية الدور الذي استدعيتك للقيام به.

وقرأ شكري السيناريو ووجد أن الدور الذي سوف يؤديه هو شخصية معقدة تماماً اسمها طلبة، مما يجعله في تناقضٍ شديد مع نفسه ومع من حوله في البيت وفي المصنع الصغير، وأُعجِبَ بالسيناريو واندفع للدور عندما وجد فيه عطاءً جديداً خاصةً وهو يعمل مع مخرج كبير مثل يوسف شاهين ومدير للتصوير يتميّز بحاسة فنية عميقة هو عبد العزيز فهمي.



صراع تحت الشمس

ولم يلتقِ بالمخرج يحيى العلمي إلا لقاءً واحد بفيلم كبيرهو “صراع العشاق”. وهو اقتباس وتمصير للقصة العالمية “صراع تحت الشمس”، وقبل الدور لأن معه حمدي غيث وزهرة العلا ولأول مرة الفنان حسين فهمي.

ويقول “سرحان”: “لكن مع كل هذا الإبداع الفني، حدثت قصة لا أنساها أبدا في ليلة افتتاح الفيلم، حينما ذهبت إلى دار السينما، وقابلني منتج الفيلم وموزعه، شاكراً حضوري فقلت له أنا الذي أحب أن أشكرك أن أتحت لي هذه الفرصة للقيام بهذا العمل الفني العظيم ولكل العاملين فيه. فرأيت المعاناة على وجهه. فسألته في تعجب لماذا أنت واجم هكذا؟! قال بعد لحظة من الصمت وبصوتٍ منهك أخشى أن لا ينجح الفيلم جماهيرياً. فذهلت تماماً وأصابتني غصة، واحتوتني فجيعة ثم تماسكت وسألته ما هذا الكلام العجيب! ماذا تقول؟ أجابني وهو ينتفض يا أستاذ شكري إن الجمهور في هذه الفترة لا يُقبِل على هذه الأفلام. فالناس تريد العنف والعصابات والمخدرات.. ربنا يستر”.

ويواصل حديثه، قائلاً: “إنقلبت الموازين أمام عيني وأحسست أن صناعة السينما في طريقها إلى فقدان مصداقيتها وأهدافها الإجتماعية ورسالتها وجمالياتها اجتاحت البدع كل ما أمامها من القيم والتقاليد. ليس شباب مصر وحده بل شباب العالم كله أصبحت الأعين تُخطِئ في معرفة من أمامها. فهل هم شباب أم بنات.. الشعر الطويل يخفي حقيقة الوجوه هل هي ناعمة أم خشنة؟ الملابس الفاقعة ألوانها ومقاسها علي الجسد بمقاس اللحم. فأدركت أن جيلنا سوف يضيع الطريق من تحت أقدامه، عاجلاً أم آجلاً. فطوفان المادة سوف يجرف أمامه كل معنى جميل أو أصيل في الوقت الذي أيقنت فيه أنني سوف أعطي ظهري للعمل السينمائي ولو إلى حين إتصل بي المخرج حمادة عبدالوهاب. الذي اتجه للإخراج التليفزيوني وصار مخرجاً تليفزيونيا سينمائياً، أي يعمل بكاميرا السينما من خلال إدارة السينما بالتليفزيون. فأخبرني أنه سوف يقوم باخراج القصة المعروفة باسم”الدخان". وهي من تأليف الكاتب الكبير ميخائيل رومان وأعطاني السيناريو كي أقرأه، فوجدته في سبع حلقات سينمائية. وقد أعدت إعدادا جميلاً. رحبت بالقيام ببطولة في هذا العمل الجيد، وكان اسمه “بيار الملح”. وهذا هو العمل الثاني لي في التليفزيون، وهو قصة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عن كتاب على هامش السيرة. وكان إعداد الحلقات جيداً ومن إخراج الكبير الأستاذ أحمد طنطاوي".



ويتذكر “سرحان” هذه المرحلة قائلاً: “أديت في هذه الحلقات شخصية أبو طالب عم النبي، فكانت تجربة روحية مضيئة بنور ظهور الإسلام على يدي البشير الهادي محمد بن عبدالله رسول الله إلى البشرية في كل زمان أحسست وأنا أعيش في هذه الحلقات الدينية أن بابا للغفران قد فُتِحَ أمامي، وأمام جميع العاملين فيها وخاصةً أنها عُرضَت في شهر رمضان. فكانت وجبة روحانية مضيئة يلتف على مائدتها الكبار والصغار يتعلمون ويتأملون ويتعرفون على الأحداث الكبيرة التي عاشها الرسول وأصحابه، ممن بشروا برسالته وتعرضوا معه لشتى أنواع القهر والإضطهاد. وهم صابرون مجاهدون لا يزيدهم هذا العناء والبلاء إلا تمسكاً بدعوتهم وإيماناً بالله. وما أعظمها رسالة يقوم بها الفن والفنان من أجل تعميق الدين القيم في قلوب الناس. ولقد قدمت عدة أعمال في هذا السياق”.

العودة إلى المسرح

ويعود “سرحان” إلى بيته الكبير والى المسرح من خلال نصٍ مسرحي عالمي بعنوان “هو الذي لايصنع” وكانت السينما العالمية قد قدمتها في فيلم “الملاك الأزرق”. وكانت المرة الثانية التي يعمل فيها “سرحان” على المسرح “قطاع خاص” والمسرحية والفيلم تدور أحداثها حول أستاذ جامعي كان له موقفاً سياسياً ضد حكومة بلده، مما عرضه للإضطهاد الشديد. وعندما استحكمت حوله حلقات البطش من القوة الغاشمة الظالمة ولم يجد أمامه سوى الهروب في سرية تامة. وساقته الظروف إلى الإختفاء. فانتحل شخصية المهرّج في سيرك متنقل لا يعرفه فيه أحد ولا يعلم أنه استاذ جامعي. وكان عليه أن يتعايش مع هذه الشخصية الجديدة البعيدة عن حقيقته وطبيعته. وظل يعاني من النشل كلما واجه الجمهور في السيرك ولكنه يحاول ويحاول حتى وجد لنفسه مكانا بين أفراد السيرك وانغمس في شاكلهم وحياتهم.

ويبدو أن التليفزيون في هذه الفترة من حياته كان سيد الموقف. فبدأ عملاً جديداً فيه وإن كانت في هذه المرة حلقات سينمائية وكانت القصة للروائي الحاصل علي جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ بعنوان “الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين”. واشترك معه فيها الفنان أحمد زكي وهالة فؤاد، ونجحت الحلقات وكانت الجائزة وكان التكريم شهادات تقدير.

ولكن المسرح له بريقه دائماً وله قدره ووزنه وجاذبيته. وكان شكري سرحان يعود إليه كثيراً ويفضّله على كل ألوان الفن الأخرى. فكان يعتبر عودته اليه بمثابة عودة الروح والحركة والفاعلية. واشترك مع عبد الغفار عودة في مسرحية “أزمة شرف” وكانت تتعرض لما وصلت إليه الأخلاق والقيم من انهيارٍ في مشاهد ساخرة يضحك فيها الناس على أنفسهم وعلى سلوكهم وحياتهم أو كما يقولون “شر البلية ما يضحك”.



وكانت تشده السينما أحيانا فيستجيب لها. وخاصة إذا كانت تشاركه البطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي شارك معها بفيلم “ليلة القبض على فاطمة”. وكان من إنتاجها ومن تأليف الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد ومن إخراج بركات. وكتب له السيناريو والحوار عبدالرحمن فهمي وأذيعت القصة الرائعة من خلال ميكرفون البرنامج العام من إخراج المخرج الإذاعي الكبير علي عيسى. ولاقت نجاحاً منقطع النظير، واشترك فيها الفنان صلاح قابيل. أما في السينما، فكان الفيلم من تصوير المبدع وحيد فريد ونال الجائزة الأولى من الجمعية المصرية للسينما في عام 1984.

وفي النهاية لا بد من القول أن شكري سرحان بقي حريصاً على التواجد بأعمالٍ تناسب تاريخه الفني، حتى رحل عن عالمنا في 19 مارس 1997 بعد أزمةٍ صحية، محتفظاً بصورة الممثل الذي سعى لتقديم الأعمال الهادفة.

عن موقع ايلاف على الإنترنت

حقوق النشر

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 أفلام شكري سرحان


أفلام شكري سرحان على صفحة يوتيوب


مشاهدة أفلام صفحة اليوتيوب


فيلم بنت الحتة



فيلم شباب امراه




فيلم احلام البنات



فيلم فيلم زنوبة



فيلم رجل فى حياتى



فيلم شريك حياتي



فيلم عودى يا امى


رابط لمشاهدة الفيلم


فيلم المجرم



فيلم سنوات الحب


خطأ في التنفيذ plugins/oembed/modeles/oembed.html


فيلم قبلنى فى الظلام




عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)