مسرحيون عرب يناقشون تحدياتهم

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الإثنين 01-04-2019
المدن - ثقافة
منى مرعي


مسرحيون شباب عرب لـ"المدن": البحث عن التمويل والنقّاد والجمهور


ماذا نعرف عن الممارسات المسرحية في الخليج العربي


في عرضٍ غير شامل لإشكاليات العمل المسرحي في المنطقة العربية، يأتي هذا المقال، لينقل وجهة نظر مسرحيين شباب، يسعون إلى بناء تجربتهم الخاصة، بكل ما تحمل من أدوات مختلفة ومفاهيم مغايرة، وإلى بحث لإكتساب لغة وخطاب جديدين يحاكيان اللحظة الآنية وفي ظل إنخراط أو تعايش مع منظومة إجتماعية إقتصادية إنتاجية، تحتكم الى منطق السوق والسلعة وثقافة الرقم التي تتأتى عنهما. وكما استضفنا رواد وأرباب جيل الستينيات والثمانينات في المسرح العربي في المقال السابق، تستقبل السطور التالية أسماء شابة من فلسطين، تونس، مصر، لبنان وسوريا. وفي هذا السياق تواصلنا مع نبيل الراعي-المدير الفني لمسرح الحرية في مخيم جنين والذي تأسس العام 2006، الطاهر عيسى بن العربي-مخرج ومؤلف ومكوّن مسرحي تونسي، محمود جمال-كاتب ومخرج مسرحي من مصر، مايا زبيب وجنيد سري الدين-من مؤسسي فرقة زقاق اللبنانية، ومضر الحجي-كاتب مسرحي ودراماتورج ومخرج سوري مقيم حالياً في برلين.

الخشبة، منصة لتنوع المسارات والقِيَم

لكل من الفنانين المذكورين مساراته الفنية والإجتماعية المختلفة والمتنوعة: نبيل الراعي من مسرح الحرية لا ينفصل عن تَرِكة هذه المكان الذي أسسه جوليانو، مير خميس الذي قتلته الرصاصات الإسرائيلية العام 2011. حكاية هذا المسرح طويلة وتختصرها كلمة الحرية. سُمّي كذلك لأن الحرية هي مسعى ومطلب كل فلسطيني. تنوعت عروض الراعي فاعتمد بعضها على جمالية المسرح الجسدي أو الجسماني، الذي يعتمد شاعرية جاك لوكوك كمسرحية “مروّح فلسطين”، وبعضها الآخر كان مسرحاً وثائقياً كما الحال في مسرحية “الحصار” التي نقلت على الخشبة حكاية حصار مجموعة من المقاومين في كنيسة المهد العام 2002. في سياق مغاير، تجمع تجربة الطاهر بن العربي بين الموسيقي والفرجوي والأنتروبولوجي والروحاني، وهو مهتم بكسر مفهوم الفضاء المسرحي التقليدي وكانت له أعمال عديدة آخرها عمر وجولييت. محمود جمال الحديني، عمل على حدّ سواء مع القطاع العام والقطاع المستقل، وكتب نصوصاً مسرحية عديدة وأخرج بعضها، ومنها “سينما 30”، “يوم أن قتلوا الغناء”، و"1980 وانت طالع" التي تحدثت عن الثورة في مصر ونالت استقطاباً جماهيرياً فريداً من نوعه. مايا وجنيد من فرقة زقاق وهي مجموعة مسرحية غير هرمية تأسست العام 2006، يلتزمان المسرح باعتباره ممارسة اجتماعية سياسية تسائل الخطاب المهيمن وهياكل السلطة على اختلاف أنواعها. ومضر الحجي، الذي ترك دمشق (2013) الى بيروت ومنها توجه

الى برلين (2015)، عمل لسنوات كمصمم لأنشطة تفاعلية، وكتب نصوصاً مسرحية عديدة، أهمها “عندما تبكي فرح”، “برونز”، “حبك نار”، “الدونجوان”، وغيرها. فكيف ينظر أصحاب هذه المسارات المختلفة الى المسرح كقيمة وكمهنة معاً؟ وأين يتقاطعون مع من سبقهم من رواد؟

عند سؤاله عن المسرح، يرى مضر الحجي أنه من أكثر الفنون الذي ما زال محافظاً، في ظل ثورة الإتصالات، على التواصل الحي والمباشر مع الناس، والذي ما زال قادراً على جمعهم للتحاور، وهذا مهم لأسباب إجتماعية أولاً، وسياسية ثانياً. اذ يبدو نظام العالم الحديث، كأنه قائم على ترسيخ عزلة الإنسان أكثر وهنا يتمظهر المسرح كأنه محفز أساسي يدفع الى التواصل في حالاته الحسية، الإنسانية، العاطفية والفكرية في الوقت نفسه. وهنا تكمن قيمة المسرح في عصرنا هذا. من ناحيتها، ترى مايا زبيب أن مسرح اليوم عليه أن يطرح مساحةً مشتركة للتفكير. لم يعد كافياً الإقتصار على مناقشة الأمور الشخصية أو نقل علاقة الفنان مع ذاته على الخشبة. من المهم طبعاً نقل هواجس الفنان الشخصية ورغباته ومخاوفه معاً، لكن على الهامش الشخصي أن يكون نقطة ينطلق منها العمل الى ما هو أكثر من الحيز الشخصي: “كيف يمكن لنقطة الإنطلاق الشخصية هذه أن تحاكي الجماعة وأن تبني أو أن تمهد إلى تفكير مشترك مع الجمهور ومع المدينة؟”. في سياقٍ متصل، يقول نبيل الراعي، في إحدى مقابلاته، أن المسرح الذي تشتغله الفرقة لا يجابه الإحتلال الإسرائيلي فحسب، بل يوسع الراعي مفهوم كلمة الإحتلال لتطاول “الإحتلال الذاتي والفكري واحتلال المجتمع لنفسه”. من ناحية أخرى، يركز ابن قرية عراق المنشية، على معنى إنتاج المسرح اليوم، ليغوص في الشأن التقني أو الإداري وما ترتبه كلمة إنتاج من مسؤوليات ومهام. إذ يرى أن مفهوم الإنتاج يُحصر دوماً في عنصر التمويل و"تأمين الفلوس" لتنفيذ عرضٍ ما، إلا أن هذا مفهوم يتعدى تلك النقطة ليطاول كل جوانب العمل الفني واختبار أدواته وحِرفيته، وصولاً الى عملية تسويق العمل وتوزيعه. واذا ما دققنا قليلاً، فإلى يومنا هذا، وفقاً للراعي، تُنتج أعمال مسرحية مهمة جداً من الناحية الفنية، لكنها تقدم 15 عرضاً كحدٍّ أقصى وينتهي أمرها، وهذه مصيبة كبرى تتعلق بعدم إدراك للحرفة وللصناعة التي تنطوي عليها كلمة إنتاج. والنقطة التي أثارها نبيل في مطلع كلامه تستدعي الخوض في اشكاليات العمل المسرحي اليوم.

إشكاليات صريحة وغير خاضعة للتجميل

بالنسبة إلى نبيل ولمايا زبيب، هناك ثغرة في ما يتعلق بالمهنية، وفقاً لصاحبة عمل صندوق الموسيقى، تطاول تلك الثغرة كل المجالات والإختصاصات المسرحية، من التمثيل وصولاً الى مساعدة الإخراج وتصميم الأزياء. ذلك أن المهنية تأتي من فعل التراكم: “نواجه غالباً صعوبات في هذا الصدد.. أن نستطيع ايجاد أفراد يعتبرون أنهم أصحاب مهنة مستمرة ودائمة... المهنية تأتي من الممارسة ومن التراكم، وللأسف معظم مَن يشتغل في مجال المسرح لديه وظائف أخرى، وبالتالي لا يبني التراكم المطلوب”. لكن الإشكالية الأهم بالنسبة إلى مايا، تبدو في أزمة الوصول إلى الجمهور: “كيف يمكن جعل المواطن يأتي الى المسرح بشكل دوري ودائم وشبه يومي، عوضاً عن أن يكون هذا السلوك فعل استثناء؟”. اشتغلت فرقة زقاق على استقطاب جماهير جديدة، وقدمت عروضاً كثيرة في المناطق، وترى أن على كل الفنانين العمل على الوصول الى جماهير مبعدة من المسرح، وهذا صعب ويحتاج إلى كثيرٍ من الوقت. في السياق نفسه، يرى مضر الحجي أن هناك دائماً حديثاً عن منتَج مسرحي عربي، ولا يُحكى عن مشهد مسرحي عربي. وهذا يحيل الى تساؤل حول مدى تواجد الطرفين الأساسيين عندما يحكى عن منتَج مسرحي، وهما المرسِل والمتلقي لأن هذين الطرفين يبنيان المشهد. وفقاً للحجي، هناك مرسِل، لكن لا متلقٍّ فاعلاً، كما يلمس في برلين. ويعزو ذلك لأسباب سياسية اقتصادية اجتماعية لها علاقة بالأنظمة في المجتمعات التي لا تشجع أي نشاط مدني وتنويري. بالنسبة إلى مضر، المسرح نشاط أهلي ومدني بالدرجة الأولى، وطبعاً هنالك العامل الإقتصادي، بالإضافة إلى انه مع الزمن، تصبح هذه الفجوة بين المتلقي والمنتَج الفني، أعمق، وتجعَل المنتَج المسرحي منفصلاً تماماً عن المتلقي. من ناحيته، يرى الكاتب المسرحي محمد جمال، أن لا شيء مستحيلاً: من الممكن أن نقدّم أعمالاً مسرحية، واستقطاب الجمهور أمرٌ ممكن. قد يكون صعباً، لكن عندما تزيد الصعاب وترتفع روح التحدي والحاجة إلى النجاح، من الممكن إنتاج عرض مبدع: “هناك 2000 مسرحية تقدم فى السنة في مصر، بينها على الأقل، 30 مسرحية مهمة.. أعتقد أنه يجب تسليط الضوء عليها، وهذا هو الأمر الأصعب على الاطلاق مع الإعتراف بوجود تجارب أخرى مهمة لم يُكتَب لها الإستمرار”.

ينظر جنيد سري الدين الى المسرح كفعل تسامح، وهنا إشكاليته ودوره في الوقت نفسه. بعيداً من استهلاك مصطلح التسامح، غالباً ما تصطدم عملية التلقي مع إسقاطات ومعايير يضعها المتلقي نفسه، والذي وجب أن يضع جهداً كي ينظر الى الأمور من منظار الآخر، وهنا فكرة التسامح. اذا لم يكن هناك من تسامح، فالفعل المسرحي لا أفق له. الإشكالية الثانية التي يشير اليها جنيد سري الدين، هي الإشكالية الإقتصادية، أي صعوبات التمويل والدعم. وهنا يسهب الراعي متحدثاً أن الأرضية العامة التي تسمح بتقبل فكرة المسرح في فلسطين وفي العالم العربي، ترى هذا الفن كأكسسوار أو كأمر ثانوي وليس كحاجة ضرورية. وهذا يضعف العمل المسرحي وفرص دعمه، مما يؤدي إلى نتيجة أن معظم الأعمال مبنية على المنظمات غير الحكومية وعلى التمويل الخارجي. لكن يبقى سؤال الأجندات الذي أحياناً يحد من الإبداع ويحصر القائمين على الأعمال بنمط معين وشكل معيّن من الإنتاج: “نحن نواجه رومانسية العالم في النظر الى موضوع المقاومة الثقافية على سبيل المثال. المنظمات يطلبون منا أن نطبق مفهوم المقاومة، لكن بشكل رومانسي، على الطريقة التي يريدون، وليس كما هي في الواقع أو على الطريقة التي نريد. مثلاً، بدلاً من أن نحكي عن ثقافة المقاومة، يطلبون منا أن نقول المقاومة اللاعنفية.. وقس على ذلك في ما يتعلق بموضوع الإرهاب.. حسناً فلنعرّف معاً ما هو مفهوم الإرهاب...”. تذكر زبيب أن الأهم هو كيف تتعامل مع التمويل وأجندات التمويل من دون أن تتنازل عن مبادئك. في كثيرٍ من المطارح، رفضت فرقة “زقاق” الكثير من فرص الدعم والتمويل لأنها لا تتوافق مع أجندات الجهات الممولة. واليوم يبدو واضحاً أن عدداً كبيراً من الأعمال المسرحية البديلة أو غير التجارية، لن تستطيع أن تخرج الى حيز التنفيذ بعيداً من منظومة المنح والتمويل. الأزمان والظروف باتت مختلفة كثيراً عما كانت عليه في السابق. فرقة “زقاق” بدأت أعمالها الأولى من دون أن تلجأ الى التمويل، لكن بعد عشر سنوات أو 12 سنة، يصبح عدم الإعتماد على التمويل أصعب بكثير، لأن متطلبات الحياة تصبح مختلفة ومتطلبات الفنان تختلف، ولن تستطيع الفرقة العمل بمستوى معين. ولضمان الإستمرارية، من المؤكد أنه سيكون هناك اعتماد على تمويل وعلى المِنح، لأن الحكومات لن تقدم شيئاً وهناك أزمة في الوصول الى الجمهور كي يتم الإكتفاء بالإعتماد على شباك التذاكر..

حرية التعبير هي واحدة من الإشكاليات المهمة التي ركز عليها الطاهر بن العربي، لكن من منظور مختلف: “عندما تكون في مسار تاريخي يعتمد أساساً على قمع التعبير، وفجأة تتاح أمامك كل الحريات ولك الحق في أن تتحدث حول ما تريد على المسرح، هناك أزمة أخرى تولد: ماذا ستقول؟ عندما كنتَ في وضعية القمع الفكري أو الجمالي كنت تبحثَ عن أساليب إيحائية أو رمزية لتنقد أو تصوّب الواقع أو تتساءل حوله، اليوم عندما تكون كل الحريات متاحة، ماذا ستفعل؟ هل ستسقط في فخ النضالية والمباشراتية.... في تونس بعد”الثورة"، الدولة لا تقمع الفنان، لكن هنا أتساءل: أين موقع الفرد من حرية التعبير وكيف يتعاطى معها: كيف من الممكن أن أمارس حريتي؟ وهل يكفي القانون لأمارس حريتي؟ أم أن هناك صفة أخرى وهي الصفة الإجتماعية أو الإرث الإجتماعي وهو سلطة مقنّعة تفرض حدوداً؟ والى أي مدى أستطيع أن أتجاوز تلك الحدود، وكيف؟". يعطي العربي مثالاً على مسرحية قدمها بعنوان “مملكة الحب”. في هذا العمل تساءل عن مفهوم الجنسانية. يقول إن بعض المتفرجين غادروا القاعة وهناك آخرون استمتعوا كثيراً: “الى أي مدى وكيف يمكن أن أتحدث عما يسمى بالتابوهات أو أن أرجّ المجتمع التقليدي الذي يحمل إرثه الإجتماعي معه، الى أي مدى وكيف يمكن أن أتصارع مع هذه الأفكار الجامدة لكي أحركها؟... هذا سيتطلب عشرات السنوات كي تُمارس الحريات الفنية التامة في العمل الفني”، وكي نصل إلى ما ذكره جنيد سري الدين، عن التعاطي مع المسرح والفكر والفنون والأفكار كأفعال فيها قدرٌ عالي من التسامح.

ويشير العربي الى إشكالية أخرى يعتبرها بالغة الأهمية، وهي أن نقّاد الفن المسرحي الكبار في تونس أو في العالم العربي، لا يهتمون ولا يتحدثون عن التجارب الشابة... في تونس معظم النقاد لا يكتبون الا عن “أعمال الفاضل الجعايبي أو عن توفيق الجبالي، كما لو أن هؤلاء النقاد يبحثون عن اكتساب قيمةٍ ما عبر هؤلاء الفنانين الكبار... هناك شباب مثل وليد الداغسني، جعفر القاسمي، ومخرجين آخرين أثبتوا أنفسهم بعد سنوات من العمل الشاق”، وبإمكانات متقشفة جداً على المستوى المحلي والعربي ويستحقون التفاتة من النقاد. ويشدد العربي على اشكالية النقد المسرحي، ويعتبر أنه يبقى للتاريخ. وعند سؤاله عما إذا كانت إشكالية النقد التي تحدّث عنها، مرتبطة أيضاً بضعف الحركة النقدية المسرحية من الناحية العددية والنوعية، وعدم اتاحة المساحات الكافية لها والحاجة عموماً الى تمتينها، يوافق على أن هذه النقطة تؤثر نوعاً ما في مقولته، لكن ليس تماماً. وينتقل الى اشكاليةٍ أخرى وهي محاولة “السيطرة أو الهيمنة السياسية من قبل أطراف معينة على المشهد المسرحي العربي”، وهنا يتحدث عن “الهيئة العربية للمسرح التي تحاول فرض مشهدٍ مسرحيٍ معين عبر المهرجانات... مع كامل احتراماتي الكبرى للهواة، لأن وجودها أساسي في التكوين المسرحي، لكن علينا أن نميز: ما معنى فرقة هاوية وما معنى فرقة محترفة. هناك لخبطة بين المجالين لدى الهيئة العربية للمسرح... بعض الأعمال الهاوية تحصد جوائز من قبل الهيئة، رغم أنها لا تتخطى الحد الأدنى للفرجة المسرحية، أو لا تتمتع بالقيمة الفنية نفسها الموجودة في أعمال أخرى، وهناك لخبطة كبيرة في مفهوم القيمة الجمالية... وهذه السيطرة للهيئة العربية على المهرجانات الفنية تبدو وكأنها لصالح مصالح سياسية”. ويرى الطاهر أن “عمل الهيئة العربية مخل في وضع المسرح، وإن تطوّرت رؤيتها سأكون من المساندين”. وعلى النقيض من رأي الطاهر بن العربي، يذكر نبيل الراعي أن مِن البوادر الإيجابية جداً والواعدة في العام الماضي في فلسطين، كان المهرجان المسرح الفلسطيني الوطني الذي تمّ بالتحفيز من وبالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح. ومن الإشكاليات الأخرى المرتبطة التي ذُكرت، ملاحظة نبيل الراعي بأن الشباب اليوم، لا يجدون المكان الحقيقي الذي يحتويهم ويحتوي إبداعهم.

حتى الآن، تبدو غالبية الإشكاليات المحلية المذكورة، متقاطعة بشكل كبير مع إشكاليات عامة تطاول المنطقة العربية... وبالعودة الى اشكالية النص في المسرح العربي، ومن دون الوقوف عندها كثيراً، يبدو لافتاً ما ورد على لسان نبيل الراعي عن أن هناك أزمة، وليس هناك أزمة في الوقت نفسه. وفقاً للراعي، قد لا نجد أزمة لأن في هذه المنطقة بحراً من الحكايا، هناك قصص لامتناهية بفعل المآسي الولّادة للحكايا للأسف. لكن من ناحية تقنيات الكتابة، هناك مشكلة. الأزمة بالضرورة كامنة حين لا نصنع متخصصاً في الكتابة، وبشكلٍ عام نخجل “أن نقول لا نعرف” في مجتمعاتنا. ويختم قائلاً “لكن لو أجمعنا، لمدى عشر سنوات أننا سننتج وسنركز على مهارات الكتّاب المسرحيين والنقاد المسرحيين، فقد نصل الى نتيجة جيدة جداً”. كذلك يرى محمود جمال، أن المشكلة تتلخص في: أولاً وجود مؤلفين ممتازين لكن غير متواجدين فى الوسط المسرحى، وهذا يجعل فرصة التلاقى بين النص الجيد والمخرج ضعيفة... وثانياً، أن شكل المسرح ولغته تغيرا بشكل كبير.. وعلى كتّاب المسرح استيعاب أشكال وصياغات وتطوّر المسرح وفهم آلياته الجديدة ورؤاه المختلفة". ويرى مضر الحجي أن إشكالية النص مرتبطة أيضاً بعجلة الإنتاج. اذا كانت عجلة الإنتاج مستمرة وتأخذ مسارها الطبيعي مع الجمهور، والتي قد تحث على تحوّلٍ في الذائقة من فترة إلى أخرى، حينها سيختلف أيضاً توجه المسرحيين ولغتهم ونصوصهم.

عن حدود بني القربى: نفسي أتعرف على العالم العربي!

أما عن خصوصية المسرحي العربي الذي ينتقل الى العيش في أوروبا أو في بلاد المهجر بشكل عام، فيصبح للإشكاليات طابع مختلف. كمسرحي سوري موجود في ألمانيا، يتحدث مضر عن صعوبات تطاول جوانب معيشية للفنان: “أن أرتب أوراقي وأن أؤمّن إقامة ومكان سكن، كلُّها تفاصيل حياتية مرّ بها جميع من هاجر، ولهذه العوامل وقعٌ ليس بقليلٍ على الإطلاق. ثم اقتناص الفرصة لممارسة العمل الفني وقد يأخذ هذا الكثير من الوقت...”. كل هذه الإشكاليات قد تدفع بعض الفنانين للإبتعاد عن مهنتهم وممارساتهم. ينتقل مضر ليطرح إشكاليات أخرى على مستوى فني: “عليّ أن أعمل وأن أقدم عملاً مسرحياً لجمهورٍ لا أعرفه، ولست مدركاً لإحتياجاته الفنية الجمالية... هذا امتحانٌ جديد يتطلب مني كمسرحيّ هامشاً من المرونه وهامشاً من قبول الخطأ”. إشكاليةٌ أخرى هي أثر السوق: “ما هو هامش الحرية الذي يمتلكه الفنان السوري في انتقاء الموضوعة التي يود طرحها من خلال عمله؟ نظرياً هو حر لكن عملياً، عندما أريد أن أكتب نصاً، سأتأثر بمتطلبات السوق”، وهنا يطرح تساؤلاً: “هل يستطيع الفنان السوري أن يقدّم عملاً فنياً لا علاقة له بالثورة أو باللجوء، وأن يجد فرصاً لتمويل وتقديم عمله في الوقت نفسه؟”.

خلال الحديث عن الإشكاليات على صعيد المنطقة العربية، بدت لافتة جداً علاقة كل من الفنانين، مع المنطقة العربية، كفضاء إبداع وتلاقٍ، بدءاً من الحديث عن صعوبة الوصول الى المهرجانات العربية من ناحية، وصعوبة إستضافة فنانين عرب في فعاليات أخرى، وصولاً الى أبسط الأمور وهي بناء تماس أو تقارب ما أو معرفة بتجارب مسرحية من بلاد عربية. يتفق كل من الطاهر بن العربي ومايا زبيب على أنه “من الأسهل عليهما أن يتعاملا مع أوروبا في المهرجانات”. يرى الطاهر أن هناك “لخبطة كبيرة في مهرجانات العالم العربي لأنها لا تتعدى كونها لقاءات فنية”، ونوع من واجبات اجتماعية تحكمها العلاقات و"الاحتفائيات"، عوضاً عن أن تكون محفزاً فكرياً فاعلاً ومؤثراً في تشكيل المشهد المسرحي العربي بكل ما فيه من تنوع. وقد تكون جملة نبيل الراعي الأكثر تعبيراً عن صعوبة تخطي حدود المنطقة العربية: “نفسي أتعرف على العالم العربي... أنا ما بعرفوش للعالم العربي، أنا بعرف أميركا وأوروبا أكثر من العالم العربي. لي أصدقاء في أوروبا أكثر من العالم العربي. أنا نفسي أشوف المسرحيين بلبنان وأعرف شو عم بيعملوا ونحكي عن تجاربنا وهمومنا ومشاكلنا وطموحاتنا. أنا نفسي أروح على مصر أحمل باسبوري من دون ما أفكر لثانيتين، هل سأدخل أم سأٌحتجز في غرفة المدخنين لمدة 24 ساعة كما حصل معي”.

أزمة الحدود هذه وحرية التنقل والتواصل، لا تنحصر في الفلسطينيين والسوريين، اذ ترى مايا زبيب أنه لا تواصل حقيقياً بين البلدان: “نحن لا نعلم ماذا يجري على صعيد المسرح في مصر بين الشباب، أو في تونس”، مع أنه لدى الفرقة إهتمام كبير بالموضوع. وهذا الأمر له علاقة بالتمويل الذي يأتي من الشمال الى الجنوب"، لأنه سيحتّم علاقة وسهولة تنقل ومشاريع تنحصر جغرافياً في أوروبا ولبنان. سيكون على على سبيل المثال “من الصعب استضافة فنان من مصر في استديو زقاق”، كما أنه لا شبكات في المنطقة تجمع المسرحيين الذي يمارسون المسرح في العالم العربي، والتواصل مع المهرجانات صعبٌ جداً، وتبدو كل الظروف مؤاتية ومتاحة أكثر في أوروبا. ويقترح العربي، بدوره، تشكيل شبكة توزيع عربية، تُؤمَّن لها الإمكانات لتقديم دعم لوجستي ومادي، وتعطى الدعاية الكافية لإعادة تقديم العروض المسرحية في البلدان العربية. ولربما من هنا تنشأ علاقة ما بين المسرحيين العرب.

جوانب مضيئة وخلاصات

طبعاً حصل نقاش حول إشكاليات أخرى، كمفهوم الهوية والوطن التي وجدها معظم المتحدثين مكوّناً سلبياً أكثر منه إيجابياً. اذ بدأ الطاهر بن العربي حديثه، من دون أن أسأل أي سؤال متعلق بالهوية، بأنه لا يؤمن بمفهوم الوطن وأنه يتوجه الى الإنسان أينما حل، مع الأخذ في الإعتبار التباين بين الهوية والمسرح المتأصل. وحين سُئِل عن الهوية، قال نبيل الراعي إن الهوية “هي ما نريد أن أكون، وليس ما أنا عليه الآن. أنا أحارب لأجل القضية الفلسطينية وأنا فلسطيني لأني لم آخذ الإمتياز بعد لأن أكون، لكن في حال وُجدت حلول، أنا في نهاية المطاف إنسان، أمارس إنسانيتي في هذه الكرة الأرضية ولا أنتمي إلى علَم أو جواز سفر، ولا أنتمي لأي شيء من هذا القبيل، وأكره ما يُسمى الوطنية لأنها صلب العنصرية. أن يكون هناك مسرح يحمل هوية وحدوداً وأوطاناً هو أمر مقلق”. كما تحدث جنيد عن أمن الفنان كإحدى الإشكاليات المهمة. واذا ما دخلنا في الومضات المضيئة التي عايشها الفنانون، فتلمس مايا زبيب التبدل في طبيعة الجمهور اللبناني: في التسعينات ومنتصف الألفين، كان جمهور المسرح يقتصر على المسرحيين وأهل الفن. اليوم هناك أفراد لا علاقة لهم بالمسرح والفنون، يأتون من خلفيات وأجيال متنوعة ويحضرون أعمال فرقة “زقاق”. ولدى سؤالها عن أثر إزدهار تجربة مسرح الكاباريه والمسرح التجاري نوعاً ما، ودورهما في استقطاب وتلاقح جماهير جديدة للمشهد المسرحي اللبناني ككل، أشارت إلى أن تجربة “مترو المدينة”، أو أي عمل مسرحي “تجاري”، تشجع بشكل غير مباشر على ارتياد أعمالٍ أخرى بالضرورة، وقد لا تكون ترفيهية. من ناحيته، ركز مضر الحجي على المرحلة التي تلت 2011، حينما بدأ البحث عن لغته وخطابه كفنان مسرحي. الجانب المضيء بالنسبة إليه كان حين تبدلت علاقته مع هامش الخطأ واعتباره جزءاً من مسار تطوّر الفنان وسيرورته، من دون جَلد الذات، وحين أحس أنه قادر على كسر القوالب الجاهزة والبحث عن بنى جديدة ولغة جديدة من دون الشعور بالخوف. كان ذلك بسبب التجارب التي خاضها مع شركاء أوروبيين: “دائماً عنا رعب أن يكون منتجنا ما عندو سوية فنية”. ولم ينس العام 2007، حينما عمل مع مجموعة شباب في “ورشة الشارع للكتابة المسرحية” في سوريا، في حين كان النص المحلي شبه غائب، حيث حاول مع بعض الأصدقاء كتابة نص يخاطب المدينة. وتحدث محمود جمال عن فرحته لما يقدمه شباب مسرح الجامعة من أفكار غير تقليدية، وركز الراعي على تجربته مع المسرح الهواة حيث اكتشف لحظات فيها من النقي ما يستدعي الإستذكار. وتحدث العربي عن ومضات مضيئة في المسرح التونسي مركزاً على تجارب أساتذته كالفاضلين الجعايبي والجزيري.

وبعد الخوض في نقاشات وحوارات فردية مع جيلَين من المسرحيين العرب، الذين طرحوا هواجس وتحديات تحيط بالمشهد المسرحي في المنطقة العربية، من المهم التفكير في إشكالياتٍ أخرى في بلدان يُعرف عن ممارساتها المسرحية القليل جداً: ماذا نعرف عن الممارسات المسرحية في الخليج العربي؟ أو في موريتانيا أو ليبيا مثلاً؟ ماذا نعرف عن مسرح عبد القادر علّولة في الجزائر؟ هل من المنطقي، أو هناك من ضرورة أن يكون المشهد المسرحي متجانساً أو ذا معايير جمالية واحدة؟ وكيف تُقاس السوية الفنية في بلاد تُعتبر الممارسة المسرحية فيها ناشئة جداً وخاضعة لرقابة إجتماعية لا ترى في المسرح سوى مكوّن تربوي توجيهي لتصويب أخلاق الإنسان؟ وكيف الوصول الى حرية التعبير، والتعبير الحر، من دون تحصيل تغيير سياسي اجتماعي جذري في المجتمعات العربية؟

تلك التساؤلات تحيل أيضاً الى تساؤل حول توثيق التجارب المسرحية في المنطقة العربية، ومدى تواجد المنشورات والأبحاث ومدى انتشارها وتداولها بين صانعي المسرح أو مريديه ومرتاديه. والتوثيق لن يكون ناجعاً إذا لم يُستكمل بنقدٍ حقيقي للتجربة- أكانت محلية أو إقليمية- مبني جزئياً على أبحاث علمية، تتعدى وضعية توصيف المشكلة بجملة مفتاحية: كيف يمكن الحديث عن أزمة جمهور على سبيل المثال، من دون القيام بدراسة حول أحوال الأزمة وتبدلها بحد ذاتها؟ طبعاً هناك أزمة عامة في الوصول الى جمهور، لكن لربما ارتفعت نسبة هذا الجمهور بنسبة قليلة جداً كل عام في بيروت من دون أن ندري. هل هناك دراسة واحدة، لتفنيد أزمة الجمهور في هذه البقعة من العالم؟ ومسؤولية مَن القيام بذلك؟ عندما نتحدث عن أزمة نص، عن أي نصٍ مسرحي نتحدث وعن أي بلد: النص الأرسطي المبني على حبكة وعلى بناء شخصيات؟ النص السردي المبنى على موروث الحكي و/أو الحكواتي؟ النص الما بعد درامي أو نص ما بعد الحداثة؟ ولماذا غالباً - اللهم بعض الإستثناءات- ما نكون غيرَ قادرين على بناء شخصية معقدّة في النص المسرح العربي؟... مجرد تساؤلات لا تفترض إجابات محددة، أقّله حتى تاريخ الانتهاء من كتابة هذا المقال.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.



جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الأربعاء 27-03-2019
المدن - ثقافة
منى مرعي


مسرحيون عرب يناقشون تحدياتهم: الهوية، الإنتاج.. وشياطين أخرى


روجيه عساف


في رسالة اليوم العالمي للمسرح 2019، كتب المخرج والكاتب الكوبي كارلوس سيلدران “أن المسرح هو موطنٌ بحد ذاته”. الأستاذ الجامعي، الآتي من هافانا وقد أسس مسرح آرغوس العام 1996، ليكوّن مختبر بحث حول لغة مشتركة للممثلين والطلاب، يختم رسالته مشدداً على الإنطلاق من حيث يوجد الفنان: “لا تبتعد عن المكان الذي أنت فيه... حيث ما كنت يكون الجمهور”. بالنسبة إليه، المسرح ينتشر حسب جغرافيا غير مرئية، ويختلط مع حياة الذين يمارسونه. بالتزامن مع احتفائية اليوم العالمي للمسرح، وبعيداً من الإكتفاء بالتركيز على الرسائل العالمية أو بنقل الإحتفاليات، لربما يكون مجدياً التفكير في هذا اليوم واعتباره فرصة تبتعد عن مركزيات الرسائل، للبحث في المشهد المسرحي في بعض بلدان العالم العربي، والإضاءة على بعض إشكالياته، على أمل أن تكوّن القراءة نقطة انطلاق نحو نقاش مستمر يفتقده العاملون في المسرح أينما حلّوا. ويبدو مهماً في هذا السياق، أن يتحاور الجيل القديم الذي أرسى أسساً، دعمّت المتن المسرحي لفترة طويلة من الزمن، وجيل الشباب الحالي، الذي يحاول أن يبني تجربته الخاصة.

أدنا،ه المقالة الأولى من مقالتين (*) ستقدمهما “المدن” للغوص في معنى أن نصنع أو ننتج مسرحاً في هذا الزمن وفي هذه البقعة من العالم. ستستضيف السطور التالية، غيض من فيض أفكار ونقاشات، أخذ بعضها مدىً تخطى موضوعة المقالة وجمعت كل من: جليلة بكار- ممثلة وكاتبة ومخرجة تونسية، ميسون علي- باحثة وأستاذة مسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ايمان عزالدين- أستاذة الدراما والنقد المسرحي في جامعة عين شمس في مصر، روجيه عساف- المخرج والممثل والأستاذ الجامعي ومؤسس فرقة الحكواتي في لبنان، عامر خليل- مدير المسرح الوطني الفلسطيني وممثل ومخرج وعضو بارز في فرقة الحكواتي الفلسطينية.

معنى أن ننتج مسرحاً اليوم

في العام 1996 ذكر سعدالله ونوس في رسالته أن المسرح يتقهقر، وأن المدن تضيق بمسارحها. لم تكن آنذاك الأزمات تتتالى تباعاً لتقضم كل بلدٍ من البلاد العربية وتزيدها هشاشةً حتى عجزت المصطلحات عن توصيف القعر الحالي المهيمن. لحسن حظه، لم يشهد ونوس زمن الكارثة الآني، لكننا ما زلنا هنا، ليس مؤكد بعد أن المسرح “سيدربنا على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة” كما قال. كيف يتمّ رأب الصدوع والتمزقات إن كانت حالة الإستثناء هي الثابت الوحيد والمتمادي في مجتمعاتنا؟

ليست الصورة وردية أو مضيئة تماماً، اذ أصبح المسرح كفعل، مهمةً قاسية جداً في أيامنا هذه، كما يقول المخرج الفلسطيني عامر خليل. الجهد الملقى على عاتق الفنان أصبح مضاعفاً، لأنّ على هذا الأخير أن يجابه بخشبته شتى المغريات الموجودة في عوالم التكنولوجيا والسوشيال ميديا والتلفزيون. اليوم، يستطيع أي شاب أو شابة وهما مستلقيان في السرير، أن يشاهدا فيلماً افتتح عرضه البارحة. على المسرح أن يقاوم سرعة تلك الإستقطابات “الفورية”، التي لا تتطلب جهداً على الإطلاق، الأمر الذي يصعب مهمة اختيار نصوص وموضوعات تكون جذابة للمتلقي.

وعلى تماس من الصعوبات التي ذكرها خليل، ترى ميسون علي أن “العرض المسرحي ونحن على تخوم الألفية الثالثة، يمتلك وحده تلك القدرة على إعادة العالم إلى ألفة الجسد الحي، وعلى إخراج الإنسان من غربة الرموز ومنفى الشاشات ومنحه فرصة العودة إلى فضاء التواصل الحي مع الواقع. المسرح ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي ليتأمل شرطه الإنساني والوجودي معاً....”. من ناحيتها، ترى ايمان عز الدين أن عملية الإنتاج المسرحي يتحكم فيها الزمان والمكان والصانع والمتلقي المباشر، ونظراً لأن الظروف ليست دائماً مؤاتية، تفقد الكثير من الأعمال الجيدة اليوم التي، لم تتوفر لها أسباب الرعاية وبالتالي الخروج الى النور. الفعل المسرحي اليوم يبدو بالغ التعقيد.

ولا يرى روجيه عساف نفسه معنياً بالمسرح كقيمة منعزلة عن السياسة: “المسرح هو أداة. السياسة هي التي تهمني... لا أعتبر نفسي أعمل في المسرح، ولم أكن أنوي القيام بذلك من الأساس. كنت أجيد التمثيل، ووظفت ما أجيد لأجل ما هو أبعد، وهو الفعل السياسي”. أجمل تجربة عاشها روجيه عساف، هي تجربة تأسيسه اللجان الشعبية في المريجة خلال الحرب الأهلية، وهذا ليس له علاقة بالمسرح.. يكمل قائلاً إنها مقولة سهلة، اعتبار أن كل مسرح هو حُكماً سياسي. المسرح الذي يتحدث أو الذي يشير الى السياسة، ليس بالضرورة سياسياً. المسرح السياسي يقصد أن يكون سياسياً وفي تركيبته، تحضر السياسة كمسار وكهدف أساسيين. حين يتأمل في السنوات الأخيرة التي مضت، تحديداً تلك التي تلت الربيع العربي، يبوح بأن رهانه لم يكن في مكانه.

ويتلاقى عساف هنا مع جليلة بكار التي ترى أن ظن البعض بأن الإبداع السياسي سيأخذ شكلاً جديداً مع الربيع العربي، لم يتمّ. بعيداً من التعميم والإستثناءات، الوجه الجديد الإبداعي للمسرح التونسي، لم يأتِ بعد، وهذا له تفسير أيضاً. وفقاً لبكار، يحتاج المبدع لبناء مسافة مع الحدث. من وجهة نظره، فكرّ روجيه بأن وجود الوزن السوري في لبنان، مع وجود الفلسطينيين، مع الوجود اللبناني، كان يمكن أن يخلق مناخاً سياسياً ثقافياً إستثنائياً عظيماً، لكن هذا أيضاً لم يحصل. لم يكن لهذه العلاقة أن تنوجد حتى أنها كانت مرفوضة أحياناً.. ساهمت في هذا الأمر منظومة الإنتاج المبنية على الحصول على منحة من المؤسسات المانحة. كلٌ يدبّر أموره مع مؤسسة مانحة معينة. ليست هناك مشاركة في الإنتاج، وليس هناك من هَمٍّ مشترك. وهذا أمرٌ ينطبق على الفنانين اللبنانيين في ما بينهم: ليس هناك اختلاط، النقاش غير موجود، ولا لقاءات، حتى أنهم لا يختلفون.

المسرح في الستينيات والسبعينات: حديثٌ من زمنٍ آخر

خلال لقائنا، نظر روجيه الى الأسئلة التي اعتبرتُها أسئلة مفتاحية، قائلاً: “قد لا أكون الشخص المناسب لما تبحثين عنه”. لم أكن أبحث عن إجاباتٍ محددة. الأسئلة التي بحوزتي، كانت محاور وُضعَت ليتم تجاوزها، لتتحول معظم اللقاءات التي تمّت وجهاً لوجه، أو عبر الهاتف، الى سلسلة من الإستطرادات البالغة في أهميتها. ما من إشكاليات يُنظر إليها اليوم، من دون قراءة السياقات السابقة في دينامية الفعل المسرحي في ما مضى. يروي عامر خليل أن الحركة المسرحية الفلسطينية أتت كردّ فعل على نكسة 1967. قبل هذا العام، كانت هناك تجارب، لكن الحركة المسرحية التي تسمى اليوم بحركة مسرحية فلسطينية، بدأت مع مجموعة شباب مثقفين، سياسيين، فنانين، عمال قرروا إنشاء مسرح سياسي لتحرير فلسطين. من هنا انطلق هذا المسرح وامتد الى بداية السبعينات. لدى عودة المخرج فرانسوا ابو سالم، من الخارج، اشتغل مع فرقة هواة، سُميت “فرقة بَلالين”، ثم إثر خلاف، انشقّت عن هذه الفرقة، فرقة أخرى تدعى “بِلالين” وبعد “البَلالين والبِلالين”، وشُكلت عفوياً فرقة “دبابيس” كي تفقع “البلالين”. وفي العام 1975، تأسست فرقة صندوق العجب، وفي العام 1977 أسس فرنسوا أبو سالم فرقة الحكواتي، وفي العام 1983 تأسس المسرح الوطني الفلسطيني، وهو يُعرف أيضاً بمسرح “النزهة الحكواتي”. منذ السبعينات حتى العام 2011، عملت فرقة الحكواتي وغيرها من الفرق، على مئات الإنتاجات التي عرضت في أنحاء العالم، وكان الفنانون في فلسطين هم السفراء الحقيقيين والوحيدين لفلسطين قبل نشوء الحكومة الفلسطينية.

عن هذا الزمن، يشدّد روجيه عساف على بيئة العمل والمناخ، الذي يجمع الفنانين في ما بينهم. آنذاك، كان المناخ العام، أقلّه في بيروت الغربية، موحداً وجامعاً لشتى الممارسات الإنسانية والفكرية معاً. كان المسرحي يلتقي ويناقش ويجادل، الموسيقي والشاعر والفنان التشكيلي والسياسي، والعكس أيضاً... وكانت النقاشات تطاول كل شيء. لم يكن لدى معظم المشتغلين في المسرح أي إلمام حقيقي به... يقول روجيه عساف إنهم تعرفوا على بريخت وغيره شيئاً فشيئاً. تعلموا من أخطائهم ومن “تخبيصاتهم”، وما كان مهماً هو العمل معاً على خلق حياةٍ ثقافية جامعة. ولم يكن الإنتاج بحد ذاته مهماً... كان المسار هو الذي يؤدي الى خلق عملٍ فني. يذكر أن الحوارات كانت استمرت لسنة ونيف، قبل أن يخرج العمل الأول لفرقة الحكواتي الى النور. المهرجانات التي حضرها في العراق ومصر والأردن، في سبعينيات القرن الماضي، كانت فرصة للقاء الفنانين في ما بينهم، وليقدم كل منهم تجاربه وليتناقش حولها.

تحديات مشتركة عابرة للحدود والأزمان.. وإشكاليات محلية

اليوم يبدو كل شيء مختلفاً. منظومة الإنتاج كلها تغيرت وباتت مشروطة بتقديم الطلبات والمقترحات ومنح التمويل. تحوّلت فكرة المهرجان الى منصة لتقديم العروض فقط، وفق عساف. يُدعى المخرج (وممثلو المسرحية). يصل الى المهرجان، يقدم عرضه في اليوم التالي، وفي اليوم الذي يليه يغادر... هكذا أصبحت المهرجانات تركز على عدد المسرحيات التي تستضيفها: 60 مسرحية في مهرجان واحد، ولا منصات للقاء، ولا أحد يرى عمل الآخر. والندوات التي تُقدم هي ندوات فكرية لا علاقة للفنانين بها. والورشات التي تقدّم لا علاقة لها بالعروض والندوات. يختم قائلاً: “هذا ليس مهرجاناً. هذا بهرجان”. أكبر مصيبة يعانيها المجتمع العربي، هي التفتيت. تفتيت القضايا، يتيح مجالاً أكبر للفردية وهامش الإهتمام يضيق، بحسب قول روجيه: “كل مجالات الحياة صارت مقسمة ومفتتة، المدارس والجامعات مفتتة... كل شيء... هذا هو الموضوع الأساس والوحيد الذي ينبغي أن نهتم به: كيف نستطيع كسر الحدود وجمع الناس”، بعيداً من منظومة الإنتاج السائدة، التي تحتم تأمين تمويل قبل البدء بالعمل.

من ناحية أخرى، ترى ميسون علي أن مصطلح “الأزمة” ما زال سائداً، وقد يبدو “الأمر أكثر تعقيداً، بسبب ارتباطه بانهيار مشاريع النهضة والتحديث الوطنية وصعود الأصوليات البديلة لخطاب الحداثة المأزومة. ويشكل المسرح العربي نموذجاً مهماً لهذه الحالة، فالمسرح العربي ولد في القرن التاسع عشر، كإبن شرعي للنهضة العربية، لكن لا ينبغي خداع الذات. المسرح اليوم يعاني، هناك فعاليات مسرحية وجيل الشباب موجود لدرجة توحي بأن المسرح معافى، لكن هذه التجربة في العالم العربي متقطعة بشكل لا يسمح لها بالتطور. كما أنها ترى تبدل وضعية المسرح في العالم، من كونه فناً رئيساً، الى كونه فناً هامشياً في عالم ما بعد الحداثة. في هذا الواقع، لم تصبح الصورة لغة وثقافة العصر فقط، بل أصبحت قدر الإنسان والفضاء الذي يتشكل فيه الوعي بالعالم. وربما اتسع هذا الفضاء بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، الى الحد الذي التبست وتداخلت فيه الحدود بين الواقع والصورة. وهذا ما دعا العديد من المفكرين الى وصف الوعي المعاصر بالإلتباس، وذلك لأنه وعي ينتج عن العلاقة بالصورة، لا بالواقع. فهل هو وعيٌ مزيف؟ وهنا برز السؤال حول قدرة المسرح على استعادة العلاقة بالواقع والحد من تأثير بلاغة الصورة”.

كذلك، مع واقع الأزمات المتكرّرة، يلمس عامر خليل أن صناع المسرح لم يتمكنوا حتى اليوم من بناء علاقة قوية مع الجمهور المحلي والجمهور العربي، ويعود ذلك الى حالة عدم الإستقرار الدائمة والضغوط التي يتعرض لها الفرد. لم يصبح المسرح بعد، جزءاً من حياة البيت الفلسطيني، أو البيت اللبناني أو التونسي. وفي سؤالٍ حول اشكاليات المسرح في العالم العربي التي لم تتبدل منذ أكثر من 40 عاماً، ويتلخص أهمها في أزمة النص، حرية التعبير وضعف البنى التحتية. يرى خليل أن ذلك ينمّ عن أننا لا ننتمي بشكل قوي وجيد لهذا النوع من الفن. اجتماعياً، المسرح مرفوض في العالم العربي ككل. المسرح يحتاج لحرية نقد ولحرية تعبير، وهذا غير موجود عند العرب. كذلك الأمر في ما يتعلق بالكتابة.

لا توافق جليلة بكار تماماً على حكاية أزمة النص، ولم توافق يوماً على هذه الإشكاليات التي تُذكر وتتكّرر في كل المهرجانات حول أزمة النص والجمهور، وبرأيها أنها توحي بأن من يطلقها لا يعرف شيئاً عن المسرح. المسرح ليس نَصّاً فقط: المسرح هو ممثل، جسد، ثم تقنيات... المسرح أولًا هو ممثل، ثم الشيء الآخر. ليس في الأمر انتقاصاً من قيمة النص المسرحي، لكن النص المسرحي جزء من كلّ، وليس الكلّ. ترى بكار أنه لا مسرح عربياً بالمعنى الحقيقي والموحد للكلمة، هناك مسارح عربية، وكذلك هناك تجارب مختلفة في البلد نفسه.
يفتح رأي بكار، الباب أمام سؤال معنى الهوية أو الهويات في هذا الزمن، وحول ضرورة ربط الهوية دائماً بالحدود والجغرافيا. لا تستغرب ميسون علي أن يظل سؤال الهوية هاجساً يعاد انتاجه مع كل محاولة نهوض، ومع كل هزيمة. ذلك لأن تاريخنا العربي المعاصر عبارة عن سلسلة من محاولات النهوض والهزائم. ومنذ الخمسينات طُرح تساؤل حول العناصر التي تعطي خصوصية للثقافة العربية، ومن ضمنها المسرح، وكان هناك توجهان: التوجه الأول الذي يجد أن تدعيم هذه النهضة يقتضي التمثّل بثقافة الغرب بصورة أعمق، ومحاكاة فنونها بكفاءة، والتوجه الثاني الذي يشدد على التخلص من كل أشكال التبعية. وهذان التوجهان، وفق علي، يعكسان انتماءات سياسية وطبقية واضحة، وليست مبنية على خيارات ثقافية. لم يتساءل أحدُ التوجهين، ما هو المسرح الذي نحتاجه، أو كيف نبني تجربة مسرحية يتفاعل معها جمهورنا؟ بل كان السؤال كيف أعرّف نفسي إزاء الغرب؟! ومثل هذا السؤال يزيّف المشكلة بدلاً من أن يساعد في حلّها.

يذكر روجيه عساف أنه في الأزمنة السابقة، كان ممكناً التحدث عن مسرح يوناني أو مسرح انكليزي أو مسرح فرنسي، ذلك لأن الأفكار والأعمال لم تكن تتجاوز الحدود وكانت الهوية تتشكل داخل الحدود. اليوم تبدلت الأمور، هنالك إنتماءات لا حدود لها: العمل السياسي الجماعي يجمع أفراداً من لبنان، من إيطاليا، من فرنسا، من أميركا الجنوبية، هؤلاء لهم هوية مسرحية، لا هوية وطنية. مسرح البولفار، أينما وُجد، له هويته... الهوية لم تعد الحدود، الحدود لا معنى لها في الثقافة اليوم. كما ترى إيمان عزالدين أن موضوعة الهوية أخذت أكثر من مداها. فمشاكل الهوية نابعة من الرغبة في الإختلاف، لكن الإختلاف عمّن تحديداً؟ ترى أن حكاية البحث الدائمة عن الهوية تسحب الكثير من “الأوكسيجين المتاح”، وتحبس الذات في قوقعة وحينها سنكون في أدراجٍ، تفرز الأبيض على حدة والأسود على حدة... الهوية مجموعة من المكونات المتجانسة والمتنافرة في آن، القديم والحديث، الأنا والآخر.. والإنخراط في مكوّن واحد لنبذ المكوّن الآخر لن يقدّم هوية. من جهته، يرى عامر خليل أن المسرح “هويته أن يكون مسرحاً جيداً، مسرحاً جميلاً، مسرحاً صادقاً، إن كان هندياً أو مصرياً أو لبنانياً أو فلسطينياً”. الهوية الوطنية أو الإقليمية ليست مهمة، لأن المسرح بحد ذاته هو هوية. التعبير الحر هو هوية.

في سياق حديثه، شدد روجيه عساف على الفارق بين حرية التعبير والتعبير الحر. ليست حرية التعبير هي المهمة، المهم هو التعبير عن الحرية. ليس الأخير – أي التعبير الحر، اختصاص الصحافيين والفنانين فقط. هذا اختصاص شعب أولاً: “عندما يكون الشعب حراً في تعبيره، فهذا لا يتطلب وزارات أو أنظمة رقابية. عندما يكون الشعب حراً، فلا رقابة. هل كانت هناك رقابة في ساحة التحرير في مصر؟”. ويسهب متحدثاً عن هذه الوحدة الجماعية التي تتشكل بكل عفوية وفطرية، لتنقل عن هذا التعبير الذي من واجبنا أن نستمع اليه جيداً وأن ننقله. هو التعبير الحر المرتبط أولاً بالحاجات، والمنبثق عن لغة الناس الذين لا يخترعون الحكايا انما يعيشونها.

وإذا انتقلنا من إشكاليات المشهد العام أو العربي، إلى خصوصية كل بلد، ترى جليلة بكار أن كل الإشكاليات في تونس مرتبطة ببعضها البعض، وليست مرتبطة بالمسرح فقط، وانما تتعلق بوضع الفنان في البلاد التونسية. وشددت بكار أولاً على ضرورة وجود ترسانة من القوانين التي تنظم المهن الفنية وترعى عمل الفنان. كذلك تعيش البلاد في أزمة كبيرة اقتصادية لكن ليست هنا المشكلة فقط كما تقول: “نعيش أزمة قيم وهنالك أزمة أساسية تهمني هي أزمة التعليم. تكوين أجيال من التوانسة المواطنين، وأيضاً الفنانين، كل هذه المشاكل سترتب انعكاساً على الإنتاج الفني. العلاقة عضوية مع كل ما هو اقتصادي، مع كل ما هو تربوي مع كل منظومة القيم. أنا أظن أن المسرح التونسي في أزمة كبيرة حالياً وأزمة مختلفة الوجوه”.

تختلف الإشكاليات الى حد كبير في فلسطين عن أي بلد عربي آخر، ولو وجدت بعض القواسم المشتركة. يتحدث عامر خليل عن الحاجة إلى تمتين الكوادر والمهارات الفنية، مشيراً الى عدم وجود أكاديميات أو جامعات تدرّس المسرح: تحدّث عن جيل من الممثلين بأكمله صعد الى الخشبة من دون أن يشاهد أي منهم مسرحية واحدة في حياته. اليوم، هناك برامج تدريب وورشات عمل وهذا ليس بالضرورة كافياً. كما أن هناك شحاً كبيراً في الكتّاب الفلسطينيين، اذ نادراً ما توجد أعمال مسرحية لكتّاب فلسطينيين، حتى طغى نموذجان من النصوص في فلسطين لا ثالث لهما: النموذج الأول يعتمد على ترجمة نصوص أوروبية، والنموذج الثاني يعتمد على البحث الجماعي وكتابة النص من قبل الممثلين. موضوعتا العزلة وصعوبة التواصل هما أكثر ما لفت إليهما خليل في مطلع حديثه. ويعزو خليل توجه المسرحيين الفلسطينيين لترجمة نصوص أوروبية، الى صعوبة التواصل مع العالم العربي. إذ فرض واقع الإحتلال عزلتين، داخلية أولاً، وخارجية تطاول العالم العربي ثانياً. يتحدث المسرحي المقدسي عن خمس فلسطينات: فلسطين القدس، فلسطين أراضي الـ48. فلسطين الضفة، فلسطين غزة وفلسطين الشتات. منذ وَُِضِع جدار الفصل وكثرت الحواجز، لا يذكر خليل أنه قدم عروضه لجمهور من الضفة الغربية، في حين جمهور المسرح الأساسي الذي كان يرتاد المسرح الوطني في القدس في حقبة الثمانينات، أتى من الضفة الغربية ومن قرى ومناطق أخرى. اليوم، القدس معزولة بشكل كامل. غزة معزولة الى أقصى الحدود. ينعكس هذا الأمر سلباً في خيارات الممثلين والفنيين العاملين في العمل المسرحي، اذ يتحكم عامل حرية التنقل بعملية اختيار الفنانين، وهذا يحدّ كثيراً من دينامية الحركة المسرحية: ألا تستطيع أن تتنقل بأعمالك خارج القدس وألا تتعرف الى التجارب المسرحية المهمة التي تتم في غزة... علينا أن نضيف صعوبة التواصل مع فلسطين الشتات، والعزلة عن العالم العربي. فلسطين مهمشة في العالم العربي لأن البعيد عن العين، بعيد من القلب.

أما في سوريا، حيث يجد المسرح هامشاً له تحت وقع قذائف الحرب التي بلغت عامها الثامن، فهنالك أثرٌ لن يُمحى في المحترف المسرحي للبلاد. تفيد ميسون علي بأن المسرح تحوّل نوعاً ما الى مسرح المنبر، والمسرح، رغم خصوصيته هو جزء من أزمة تشمل الثقافة عامةً، وترى أن “ما نحتاجه الآن هو إعادة هيكلة البنى الثقافية وتغيير البنية الداخلية الراكدة والتقليدية للمسرح، وأن يتوافر داخله مناخ ديموقراطي حقيقي، والشرطان متلازمان لا يمكن فصل واحدهما عن الآخر. فالمسرح ما زال يتحرك ضمن الأطر القديمة، وبالبيئة التحتية والصيغ المسرحية وأشكال الإنتاج ذاتها. وهي صيغ وأشكال، مارس فيها جيل الآباء تجربته، في ظروفٍ مختلفة تماماً عما نحن عليه اليوم”. تحدثت علي عن عامل التنوع في الجهات الداعمة، اذ لا يجوز أن تكون الجهة الداعمة واحدة، وهي الجهة الرسمية، لأن هذا بحد ذاته يقتل هامش الحرية والتنوّع. كما لا بدّ من خلق فضاءات مسرحية وثقافية لا تحصر وظيفتها في تقديم عروض. الفضاء هو أيضاً فضاء للحوار والإقامة المحترفات والتعارف وتبادل الخبرات الخ".

وأشارت ايمان عز الدين الى إشكالية أحادية الصوت في المشهد المسرحي، سواء كان الأمر مرتبطاً بالناحية الفكرية أو الفنية: “نحن بحاجة الى مسارح متعدّدة وليس إلى مسرح واحد. تيارات، ومذاهب، وتعدد أصوات وذائقة متدربة على الأشكال المتعددة”. ولا يفصل روجيه عساف الإشكاليات العامة عن الإشكاليات الخاصة في كل بلد فالكل متصلٌ ببعضه البعض.

هذا بعض مما ذُكر ونوقش في أحوال المسرح في العالم العربي، من قبل قدامى أرباب هذا الفن، والنقاش لا ينتهي بانتهاء هذه السطور، فهو فعلٌ مستمر وخلاصاته ليست ثابتة، ولا يمكن الوصول اليها الا بمزيدٍ من التشارك والتشابك...

(*) كيف ينظر صانعو وصانعات المسرح الشباب، إلى المسرح وتحدياته، في العالم العربي؟ ترقبوا المقال الثاني.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)