مذكرات الراحل سمير خفاجي تروي تاريخ المسرح المصري 1930-2018

, بقلم محمد بكري


 الحلقة الأولى


إيلاف


السبت 27 أكتوبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يؤرِّخ المسرح المصري في أربعينات القرن الماضي


الراحل سمير خفاجي


يعتبر المسرحي الراحل سمير خفاجي أحد رواد ومؤسسي المسرح ليس فقط بأعماله الإنتاجية ولكن بمعاشرته ورصده الدقيق لأحوال المسرح على مدار عقود والتي وثقها في كتابه “أوراق من عمري” الذي اصدره قبل رحيله بمساعدة الفنان القدير محمد أبو داود.

وتنشر إيلاف بدءاً من اليوم وعبر عدة أجزاء حكايات المسرح المصري كما رواها “خفاجي” في مذكراته، ليسجل تأريخاً لمرحلة مهمة في مسيرة المسرح المصري ويتحدث فيها عن علاقته بالنجوم والمواقف التي حدثت وأغربها، ذاكراً لوقائع بأسماء أصحابها.

طفولة هادئة

ويسرد الكاتب قائلاً: في بداية الاربعينات كنت أقيم مع أسرتي المكونة من والدي محمد محمد خفاجي، ووالدتي فاطمة المرقي، وشقيقتين أصغر مني، في شارع هادئ من الشوارع المتفرعة من شارع قصر العيني، كانت العمارة التي نسكنها تُطل علي قصر الأميرة شويكار (مجلس الوزارء حالياً). وكان اسم الشارع “الداخلية”. ولقد تحول إلى شارع محمد سعيد. كنا نصعد فوق السطوح لمشاهدة حفلات الأميرة شويكار حيث كانت تقيم استعراضات في حديقة القصر يحضرها الملك كل عام. وكان أمام القصر قطعة أرض كبيرة تابعة له وفيها مبني استأجره شخص يدعي عبدالملك أقام عليه متحفاً للشمع على غرار متحف الشمع في لندن (مدام توسو) مع فارق الحجم طبعا والإمكانيات. أما بقية الأرض فكانت تستعمل لرياضة الكباتيناج. وكانت هذه الرياضة منتشرة في مصر في هذه الفترة، فكانت أغلب السينمات الصيفية تتحول في فصل الشتاء الي باتيناجات وكنت احد المشتركين في هذا الباتيناج مع عدد من الأطفال ساكني العمارة معي، فقد كانت هذه تقريبا الرياضة الوحيدة التي أمارسها.

وكان يوجد بشارعنا عدد كبير من دور الصحف، فبعد ثلاث عمارات من عمارتنا كان مبني دار روز اليوسف، وعلي بعد خطوا كانت جريدة العمال وقرب نهاية الشارع كانت مجلة الصباح، وفي نهاية الشارع كانت توجد مطابع جريدة البلاغ، ومن ناحية شارع القصر العيني كانت توجد روضة اطفال الدوبارة التي قضيت فيها السنوات الأولى من عمري، والتي تحولت بعد ذلك الي جريدة المصري.

كانت الشوارع هادئة ونظيفة تمر عليها عربات الرش يوميا، لغسلها بالماء والصابون، ويوجد موقف للتاكسي علي نواصي الشوارع، لا تستطيع أن تستقل أحدها إلا الذي عليه الدور (البرنجي)، الجيران تتزاور ويودون بعضهم البعض، يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، فإذا حدث لأحدهم مكروهاً التفوا حوله يخففون عنه، واذا مات أحد الجيران وجدت باقي الجيران وقد ظهر الحزن عليهم جميعاً، بل أن الجيران كانوا يمتنعون عن فتح المذياع حرصا علي شعور جيرانهم، وكانت هذه سمة الحي الذي نشأت به.

ولكن اذا مشيت قليلا حتي بداية شارع القصر العيني كان هناك ميدان الإسماعيلية “التحرير حاليا”. فتجد الأمر مختلفاً بوجود العساكر من جميع الجنسيات، بريطاني، استرالي، هندي، إفريقي، حيث كان بالقرب من الميدان ثكنات الجيش البريطاني بجوار كوبري القصر النيل. في المساحة التي يشغلها الآن مبنى جامعة الدول العربية وفندق هيلتون والمناطق المحيطة به. بداية من ميدان الاسماعيلية كان هولاء الجنود يعيثون في الأرض فساداً، يشربون الخمر ويضربون النساء، ويضربون من يتصدي لهم، وهم يطاردون بنات الليل، وما أكثرهن في تلك الفترة، التي صاحبت الاحتلال والحرب العالمية الثانية، وكلما توغلت في وسط البلد تجد البارات انتشرت في كل مكان خصوصا شارع عماد الدين وشارع فؤاد والألفي والازبكية، خمارات من كل نوع ومن كل المستويات، تبيع أسوأ أنواع الخمور وأرقاها في هذه الفترة. في هذه الفترة كانت الاسر تتجنب هذه المناطق، كان الخبز الفينو يوزع فقط للإنجليز، أما الخبز الأسمر فكان لأهل مصر فقط.



سي نجيب الريحاني..

من حسن حظي إني نشأت في أسرة محبة لمسرح نجيب الريحاني، فقد كان أبي ياخذني إلى مسرح الريحاني على الأقل مرةً كل شهر، سواء كانت المسرحية جديدة أم قديمة. وبذلك أكون شاهدت أغلب مسرحيات نجيب الريحاني أكثر من مرة.

في البداية لم أكن مبهوراً بنجيب الريحاني شخصياً. لقد كنت معجبا بشرفنطح (محمد كمال المصري)، وبشارة واكيم، وماري منيب، ومع تقدم سني بدأت أشعر بالقيمة الحقيقة لنجيب الريحاني. لقد كان الريحاني مقلاً في عمله، فلم يكن موسمه بمسرح ريتس (الريحاني) يتعدى الأربعة شهور ثم يقدِّم أسبوعاً في مسرح محمد علي (سيد درويش حالياً) في الاسكندرية، يسافر بعدها للخارج ليمضي شهور الصيف في أوروبا ويطلع على أحدث المسرحيات.

كان موسم الريحاني الشتوي يبدأ عادة بمسرحية 30 يوم في السجن، لست أدري إن كان هذا من باب التفاؤل ام لا، إلا إذا كان يقدّم مسرحية جديدة فإنه يفتح بها الموسم، وكان عادة إذا قدم مسرحية جديدة يقدمها أولا لمدة شهر على مسرح دار الأوبرا الملكية. ولقد شاهدته بمسرحيتين في الأوبرا. الأولى (حسن ومرقص وكوهين) والثانية (إلا خمسة).

وكانت أسرتي تمنعني في هذه الفترة من النزول إلى وسط البلد وحدي، غير أن الأسرة كانت تصطحبني أحيانا إلي دور السينما وكثيرا ًما كنا نذهب قبل مشاهدة عروض الريحاني لأخذ بعض “الساندوتشات من محل الاكسيليسيور”، الذي كان موقعه عند تقاطع شارع فؤاد مع شارع عماد الدين (مكان عمارة الطرابيشي الآن)، فكنت أرى هذه المنطقة مليئة بالسكارى من جنود الإحتلال.

كان نجيب الريحاني مقلاً في تقديم المسرحيات فقد تمضي سنتين أو أكثر كي يقدم مسرحية جديدة ورغم ذلك كان مسرحه كامل العدد، وكان رده على الذين انتقدوا قلة إنتاجه أنه لو وجد في أي يوم كرسي واحد خال فهو مستعد لتقديم مسرحية جديدة في اليوم التالي. فقد كان مسرحه أنيقا جداً ونظيفاً يرتاده صفوف المجتمع.حيث كنت أرى النساء في قمة أناقتهن والرجال بالملابس الرسمية الكاملة، حتى إذا شاهدت رجلاً لا يرتدي الجاكيت أحسست كانه نغمة النشاز.

كان الإعلان عن مسرحيات الريحاني في الجرائد بسيط وصغير جداً في صفحة للإجتماعيات، الاعلان يقول فرقة نجيب الريحاني علي مسرح ريتس يقدم مسرحية كذا، تأليف الاستاذين نجيب الريحاني وبديع خيري يوم كذا، في بضعة سطور قليلة. ولم يكن يذكر اسم اي من الممثلين رغم ان فرقته تضم فطاحل نجوم الكوميديا. فكانت تضم بشارة واكيم، حسن فايق، محمد كمال المصري (شرفنطح) عبدالفتاح القصري، استيفان روستي، محمد الديب والسيدات ماري منيب، ميمي شكيب، زوزو شكيب، زينات صدقي، نجوي سالم، وفكتوريا حبيقة.

وكانت غالببة أعماله مقتبسة عن الفرنسية. بدليل أن أمين صدقي كان يقتبس بعض المسرحيات. وهو من كبار المسرحيين وكان يعمل مع نجيب الريحاني في فترة سابقة قبل أن يعمل الريحاني مع الأستاذ بديع خيري. ما دفع “صدقي” ليعمل مع الفنان الكبير علي الكسار. وأعتقد أنه لم يؤلف مسرحية هو وشريكه الأستاذ بديع خيري إلا مسرحية (حكاية كل يوم)، وقد كانت ملخص بصورة كاريكاتيرية عن قصة حياة نجيب الريحاني مع بديعة مصابني، كما قال لي الأستاذ بديع في فترة لاحقة.

ووكان الريحاني ملتزما في عمله، ويعتمد في مسرحياته علي الحبكة المسرحية وسوء التفاهم وسخونة الموقف. فلم يكن يسمح بأي إضافة على النص لأي من الممثلين، فالمسرحية تكاد تكون كشريط السينما اللهم إلا تجويد في الأداء. ولقد قال لي فيما بعد الأستاذ محمد الديب أنهم اثناء التمثيل أضاف جملة أثارت ضحك الجمهور، وكان الريحاني معه على المسرح. فنظر إليه غاضباً وقال له بصوتٍ منخفض (طب أرد عليك اقولك إيه؟)، وخصم له من مرتبه خمسين قرشًا.

ولقد كان “الريحاني” مخرج مسرحياته بالإضافة إلى كونه شريكاً في كتابتها، ولم يكن يعتمد في إخراجه على الإبهار أو المؤثرات الضوئية. إلا فيما ندر ولم يكن يعتمد على ألحان وموسيقة تصويرية اللهم إلا بعض الألحان في مسرحية(الدنيا علي كف عفريت)، ولحن واحد في مسرحية (حكم قراقوش)، هذا طبعاً في فترة الأربعينيات. أما فترة (الميوزك هول) والتي كان يقدم فيها (كشكش بيه) فقد كانت في فترة سابقة لم أعاصرها. رغم أنه كان يقدم (الدنيا علي كف عفريت) في الأربعينيات وظل يقدمها حتي نهاية عمره، لا بل كانت آخر عرض قدمه في حياته، وهو كان يقدم فيها شخصية كشكش بيه، ولقد كما كان الديكور بسيطاً في كل مسرحياته وأغلبها كانت صالونات (فيرميه) أي مناظر داخلية مقفولة. حيث كان من الممكن استخدام الديكور في أكثر من مسرحية، ولم تكن إمكانيات مسرحه متقدمة، ولذلك حينما قدّم مسرحية (سلاح اليوم) لم تنجح النجاح المطلوب لانها تحمل 7 مشاهد مختلفة، فكان الجمهور ينتظر فترة طويلة في ظلام المسرح كي يغير المنظر مما أصاب الجمهور بالملل.



مسارح محدودة

في هذه الفترة كان عدد المسارح التي تعمل قليلاً. فلم يكن يوجد إلا مسرح الريحاني ومسرح دار الأوبرا ومسرح الأزبكية، ومسرح صغير كان اسمه أوبرا ملك الذي كانت تقدم عليه المطربة ملك أوبريت (مدام باترفلاي) و(سفينة الغرق). كم كان يوجد مسرح (ليلاس) بروض الفرج وكان يعمل به على الكسار الذي لم أشاهده مع الأسف إلا في فترة متاخرة حينما كان يعمل بالمسرح الشعبي (شاهدت له رائعة موليير البخيل باسم سراقوا الصندوق).
أما مسرح الأزبكية فقد كانت تعمل به الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي. وهي الفرقة الحكومية التي تضم أساطير التمثيل في العالم العربي، أمثال أحمد علاّم ونجمة ابراهيم، فاخر فاخر، زوزو حمدي الحكيم، أمينة رزق، جورج أبيض، فردوس حسن وحسن يوسف، وقدموا روايات منها (مجنون ليلى) و(عطيل شارك فيها جورج ابيض ويوسف بك وهبي وحسين رياض وفارخر فاخر وحسن البارودي وأمينة رزق وفردوس حسن) و(لويس الحادي عشر) وروايات من المسرح العالمي لعزيز أباظة (العباسية) و(غروب الأندلس) و(قيس ولبني).

وكانت دار الأوبرا تُقدم الفرق الأجنبية وفرق الأوبرا الإيطالية وباليهات البولشو، وفي الفترات الخالية من المواسم الأجنبية، كانت تعمل الفرقة المصرية فتقدم روائع المسرح العالمي، وكبار المؤلفين المصريين، واحيانا مواسم قصيرة مع فرقة جمعية أنصارالتمثيل الجمعية التي كانت تحصل على إعانة من الدولة وتقدم مواسم قصيرة، وكان مديرها سليمان نجيب بالإضافة لرئاسته للأوبرا، وكانت تضم النجوم الكبار منهم أمينة نورالدين، ومحمد توفيق وعدد آخرمن المشاهير.

أما يوسف وهبي في هذه الفترة فلم يكن له مسرحاً ثابتاً، بل اعتاد أن يستأجر سينما إيزيس في السيدة زينب. وينضم أحيانا للفرقة المصرية، فيقدم بها معظم مسرحياته، وللعلم فالفرقة المصرية تحولت بعد ذلك إلى الفرقة القومية للفنون المسرحية أو ما يُعرف اليوم باسم المسرح القومي.

وعلي عكس قلة المسارح، كانت الملاهي الليلة الصاخبة (الكباريهات) ودور اللهو كثيرةً جدا. فكان في وسط المدينة عدداً كبيراً منها مثل كازينو بديعة بميدان الأوبرا قبل أن تشتريه الراقصة الشهيرة ببا عز الدين ثم اشترته منها صفية حلمي عندما كانت تملك كازينو كوبانا بميدان مصطفى كامل. وهو الكازينو الذي قدم عليه الفنان محمد صبحي مسرحية تخاريف بميدان الأوبرا قبل هدمه وتحوله إلى عمارة سكنية.



ومن الطرائف أن يوسف بك وهبي ذهب لصفية حلمي ليستأجر منها الكازينو ويقدّم عليه أحد عروضه المسرحية. فاشترطت عليه القيام بدور البطولة أمامه فقال لها: (يعني تقومي بدور غادة الكاميليا؟) فردت عليه أن الدور ينطبق عليها فضحك يوسف بك وهبي وانصرف.
وكان يوجد أيضاً كازينو فتحية محمود بشارع الألفي وخلف سينما ستديو مصر حيث كانت تدير مكان اسمه “اوبرج الترف”، وكان يتبع مقهى فوقه على مستوي اسمه الاسكرابيه، وعدد كبير جدا من الملاهي الأخرى فكان هناك الكيت كات والنيوسونال في سليمان باشا والحلمية بالاس، بالإضافة إلى كباريهات شارع الهرم قبل حريق القاهرة (كل هذه الكباريهات احترقت في حريق القاهرة ولم تفتح أبوابها بعد ذلك).
وكانت بديعة مصابني تقدّم برنامجاً حافلاً. وهناك الكثير من نجوم الغناء والرقص تخرجوا من مدرستها. فكانت منهم تحية كاريوكا وسامية جمال وفريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمد عبد المطلب وعبد الغني السيد وكثيرين. كما كان يعمل بها عدد كبير من كبار الممثلين أمثال بشارة واكيم وفهمي أمان. فهي كانت تقدم فاصلاً تمثيليا في كل ليلة وغالباً ما كان يكتبه أبوالسعود الأيباري وكانت تقدم حفلة أسبوعية ماتينيه للعائلات، تنقل في الصيف إلى كازينو بديعة الصيفي وكان يقع مكان شيراتون الجيزة، فيما كان الكوبري المؤدي له كان يطلق عليه اسم كوبري بديعة (كوبري الجلاء حالياً)، وفي حديقة هذا الكازينو كان يجتمع كبار نجوم الفن والأدب وكبار الصحفيين والأعيان في مصر.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.


 الحلقة الثانية


إيلاف


الأحد 28 أكتوبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي العاشق لصوت “أم كلثوم” : هكذا رحل نجيب الريحاني !


المسرحي سمير خفاجي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.



أحببت أم كلثوم..

ويتابع الراحل سرده: كانت المقاهي منتشرة في أنحاء القاهرة بشكلٍ لافت للنظر وكان أغلبها مقاه كبيرة تحتل أماكن مميزة ولكنها تحمل اسماء أجنبية (اغلب مديريها جريك) وكانت ذات مستوى عال، وتضع طاولات على الشارع كالمقاهي الفرنسية، وأحيانا كان يسمح فيها لعب القمار، فكان يوجد بالقهوة مفصول ببرافان به بعض الموائد الخضراء الصغيرة لطلاب اللعب وكان الجرسونات اغلبهم من الجريك يرتدون البدل السوداء بمنتهى النظافة ويضعون فوطة بيضاء مكوية وبها جيب ليضعون فيه النقود عند محاسبة الزبائن.

وقليلاً ما كان والدي يصطحبني معه إلى القهوة فكنت استمتع بطبق الخشاف الذي يقدمونه، كما كانوا يقدمون معه قطعا صغيرة من الملبن، كنت صغير السن حينما تعرفت على صوت أم كلثوم فقد كان سني لا يتجاوز العشر سنوات حينما كان فرح ابن عمتي، وكانت تحييه أم كلثوم في منزل عائلة العريس ولم يكن مألوفًا في ذلك الحين إقامة الأفراح في الفنادق فكانت كلها تقام في المنازل غالبا ما تكون فيلا أو سرايا، طبعا هذا في أفراح الطبقة التي يسمح دخلها بالتعاقد مع مطربة كأم كلثوم، في هذه السن انبهرت بصوتها رغم صغري. وأذكر أنني في فترة الاستراحة بين وصلة وأخرى، عندما كنت أقف مع ابن عمتي وقريب لنا كان يقف في وسطنا فاقتربت منا ام كلثوم وسألت ابن عمتي عن اسمه، واغتاظت والدة قريبنا وسألت أم كلثوم لماذا تخطت ابنها فأجابتها ام كلثوم التي كانت سريعة النكتة “لقد سألت الجنبتين” (هما ما يحملهما الحمار اي ابنها في الوسط هو الحمار).

بعدها بعدة شهور أصرّ جدي لأمي ان يزوج خالي. وكان سنه في ذلك الوقت لا تتعدي ثمانية عشر عاما وبرر ذلك بأنه يشعر بأنه سيموت قريبا ويريد أن يزوجه قبل أن يرحل وكان جدي يقيم في مدينة طنطا (الفرح تم في عام 1940) في شارع مسمي باسم العائلة شارع المرقبي، كان بيتنا مؤلف من ثلاثة أدوار وأصر أن يقيم فرحًا كبيرًا فتعاقد مع أم كلثوم أن تحييه في طنطا واشتري لي بدلة (ايتون) وهي تشبه الفراك لكن بدون ديل من محل شيكوريل واذكر أن ثمنها كان 22 جنيه وهذا مبلغ خرافي في ذلك الحين، فقد كان ثمن اغلي بدلة للكبار في هذه الفترة ثلاثة أو أربع جنيهات على الأكثر واشتري لي حذاء بجنيهين (من محل بول فافر)، المهم قام جدي بتجهيز كل ما يلزم الفرح فكانت الزفة لعالمة مشهورة في هذه الفترة تدعي (سكينة حسن) تبدأ من الدور الثاني نزولا إلى الدور الارضي، حيث ان الدور الاخير يقيم فيه العروسين مع جدي وجدتي، ولا يجب أن يزعجهم أحد، وأقام الوليمة في الدور الارضي الذي كان يطل على حديقة صغيرة وكان يستأجره كعيادة دكتور اسمه حسني، ولكي يمانع الرج في أن تستعمل عيادته، كما استأجر جدي لوكاندة الأقصر من بابها ليقيم فيها المعازيم القادمين من القاهرة والأقاليم الآخرى. كما استخدم مسرح سينما البلدية وهو أمام لوكاندة الأقصر مباشرة، حتى تغني فيه أم كلثوم التي تقاضت مع فرقتها مئة جنيه، وهو مبلغ كبير في حينه. لكنها أصرت بأن تنقط العريس بمبلغ 20 جنيها أي أن ما وصلها هي والفرقة لا يتعدى 80 جنيهاً. وغنت في هذه الليلة ثلاث وصلات. في الأولى كل الأحبة اتنين اتنين وهي من كلمات الشاعر أحمد رامي وتلحين الموسيقار رياض السنباطي. وهذه الأغنية ليس لها تسجيل في الإذاعة.

وفي التانية غنت الآهات كلمات بيرم التونسي وتلحين الشيخ زكريا.

أما في الوصلة الآخيرة فغنت سيمفونية القصبجي الخالدة رق الحبيب وكانت في هذه الفترة أغنية جديدة، فهذا اللحن الخالد تخطي عمره الآن. سبعون عاما ولا يزال يعيش في وجداننا.

ولقد غنت فابدعت وعشت معها رغم صغر سني ولم أنم كغيري من هم في سني في تلك الليلة التي بدأت غيها رحلة تعلقي بصوت أم كلثوم.. كنت أنتظر الخميس الأول من كل شهر وأجلس بجوار الراديو واذني ملتصقة به وكنت اظل ساهرًا حتى نهاية الحفل وكثيرا ما كان كل اهل المنزل ينامون بعد الوصلة الأولى أو الثانية وأظل أنا ساهراً مع أم كلثوم.

وغالباً ما كان يقدم حفلاتها محمد بك فتحي المعروف بلقب “كروان الإذاعة” في ذلك الحين. فكان يصف ما ترتديه من ملابس ويقدّم أفراد الفرقة فردا فردا ويصف الستارة القرمزية التي ستنفرج بعد قليل عن أم كلثوم وفرقتها وما تتحلى به من مجوهرات ولون المنديل الذي اعتادت أن تمسكه بيديها أثناء الغناء. أما إذا كانت ستغني أغنية جديدة، فيقرأ كلماتها بصوته الساحر.

ولقد كانت أمنيتي في ذلك الحين أن أذهب لاستمع إلى أم كلثوم في مسرح الأزبكية حيث كانت تقيم حفلاتها رغم أن والدي كانا يذهبان أحيانا لحضور حفلاتها ولكنهم لم يسمحا لي بالذهاب معهما لصغر سني. وفي يوم من الأيام بعد مفاوضات وتوسلات قبلا أن يأخذاني معهما. وفي اليوم الموعود الذي ظللت انتظره طويلا واعد له مات ابن عم لي في حادثة. فلم نستطع الذهاب. وبحسب التقاليد لم يكن مسموحا أن نفتح الراديو وقتها، فدخلت الحمام ومن شباكه ظللت أستمع إلى صوت أم كلثوم من خلال راديو الجيران.
ومرت سنوات ولم تتحق أمنيتي في سماع أم كلثوم في إحدي حفلاتها، إلى أن علمت ذات يوم وكان سني في ذلك الوقت 16 عامًا أن أم كلثوم ستُحيي حفلة النادي الأهلي. فظللت أوفر من مصروفي إلى أن وصل جنيهًا، وكان هذا هو سعر التذكرة في ذلك الحين في الدرجة الثانية وظللت أحاول إقناع والدي بشتى الطرق وهو يرفض. لكن والدتي استطاعت اقناعه.

ذهبت إلى النادي الأهلي وكان معي اوتوجرافا صغيراً واستمعت لأم كلثوم وهي تشدو، إن رؤية أم كلثوم وهي تغني على المسرح متعة لا تفوقها متعة. فهي تعبر بكل خلجة من خلجاتها، إنها مدرسة في التعبير وهي تقترب من الميكرفون وتبتعد عنه وتعبر بيديها وكل عضلة من عضلاتها.
في الاستراحة استعملت كل الحيل حتى وصلت إليها وقدمت لها الأوتوجراف، ومضت عليه في طرف الصفحة باسمها فقط، ولم تكتب شيئًا آخر.

كانت تغنّي في الوصلة الأخيرة أغنية “غنيلي شوي شوي” وظلت تردد أكثر من ساعتين ونصف، وانتهت الحفلة مع تباشير الصباح وخرجت من النادي الأهلي مسحورًا وطبعا ذهبت إلى منزلي سيرًا على الأقدام فعبرت كوبري قصر النيل ونفحات الهواء تلفحني وأنا أردد مقاطع مما سمعت، وصلت إلى المنزل وكانت الساعة تجاوزت السادسة صباحا فوجدت والدي مستيقظا في انتظاري ولم يصدق أني كنت إلى هذه الساعة في النادي الأهلي وضربني لأول مرة في حياتي، فقد كانت أول مرة في حياتي أعود متأخرًا إلى هذه الساعة لمنزلنا ولآخر مرة.

في عام 1945 وضعت الحرب أوزارها وكنت في هذه الفترة في مدرسة الإبراهيمية الثانوية وكانت قريبة من منزلنا ولم يكن لي أصدقاء كثيرين فقد كان لي عالمي الخاص. كان للمدرسة فريقها للتمثيل وكم راودتني نفسي لأن أنضم إليها. لكن شيئا ما كان يمنعني. فانضممت لفريق الموسيقى واشتري لي والدي كمان (كمنجة) لكني لم أتعلم شيئا وظللت أحمل الكمان معي كلما ذهبت للمدرسة دون جدوى.



سينما ومسرح وملصقات

في هذه الفترة كانت تصدر مجموعة كبيرة من المجلات الفنية مثل دنيا الفن، الفن، الاستوديو، السينما، والكواكب، فكنت حريص على اقتنائها بل كنت أجلد مجموعات، وكانت هذه المجلات تمدني بمعلومات عن كل ما يدور في السينما والمسرح.

فكان يكتب فيها كبار الكتاب، وبعض هولاء يلخص كثيرًا من المسرحيات العالمية وأيضاً، ما يصور من أفلام، بالإضافة لنقد الأفلام والمسرحيات المعروضة، وبعضها يكتب عن نجوم هذه الفترة وحياتهم.

وبدأت أعشق القراءة فكنت أتجول في المكتبات واشتري الإصدارات الجديدة حتى كونت مكتبة وكنت أقرأ توفيق الحكيم ومسرحياته وطه حسين وعباس العقاد ويوسف السباعي ومسرحيات شوفي الشعرية، ومسرحيات عزيز أباظة وكتب المنفلوطي وأحمد الصاوي محمد، كونت مكتبة صغيرة في حجرتي فقد كانت لي حجرة مستلقة ولم أكن أسمح أن يعبث أحداً بكتبي.

كانت متعتي يوم الخميس أتجول في شارع فؤاد وعماد الدين استعرض جميع السينمات والمسارح، واتفرج على صور الأفلام المعروض وانتقي احدهم، واحجز تذكرة في الحفلة الصباحية يوم الجمعة، لقد بدأت السينما والمسرح تسيطر على كل حياتي، وكنت أحلم بمستقبل في هذا المجال، فكنت كلما شاهدت بناء ضخما، كدار القضاء العالي بعواميده الضخمة ودرجه الكبير الممتد حتى يحوله خيالي إلى مسرح أنا صاحبه. فكان هذا حلمي الذي بدأ يتضخم يوماً بعد يوم.

ورسبت في السنة الثالثة الثانوية في اللغة الإنجليزية وكان علي أن أتقدم للملحق ولما كان لي عم مدرس لغة إنجليزية وناظر في مدرسة بورسعيد، فقد أرسلني والدي لمدة شهر أقيم عنده حتى يعطيني دورسا تساعدني على اجتياز الامتحان.

كان عمي على خفاجي متزوجا من سيدة إنجليزية، ذهبت إلى بورسعيد وأقمت عند عمي فأحسست بغربة شديدة، فقد كان ابنهما الوحيد الذي يكبرني بعامين مسافرًا عند أقارب والدته فكنت وحدي مع عمي وزوجته، ولهم نظامهما المختلف تماماً عما تعودت عليه في منزلنا، فكل شي بميعاد، النوم، الإستيقاظ، الأكل، حتى نوعية الأكل مختلفة تماما، وكانت زوجة عمي بعد شرب شاي العصر تذهب مع عمي إلى النادي وأظل وحيدا بالمنزل، كانت سلوتي الوحيدة أن أذهب إلى حي العرب لشراء المجلات والتجول على السينمات فلم يكن هناك من أكلمه، وفي يوم شعرت بالجوع فتجرأت واشتريت من الخارج ساندويتشات فول وطعمية، وشعرت زوجة عمي بذلك فثارت ثورة عارمة، وقالي لي: (عايز تموت مش عندي موت عند أبوك)، ما ان انتهى الشهر وركبت القطار حتى تنفست الصعداء وأنا أقول: يسقط الإستعمار.. طبعا ما قصدته من استعمار لم يكن سوى عمي وزوجته الإنجليزية!
في سنة 1946 قدم نجيب الريحاني فيلما من أفلامه هو لعبة الست المأخوذ عن مسرحية حكاية كل يوم، وقامت بالبطولة السيدة تحية كاريوكا. فاتفق معها على أن تكون بطلة مسرحياته. وظلت تتدرب معه فترة طويلة، لكنها لم تظهر معه على المسرح أبداً. واعتقد ان الريحاني لم تكن عنده النية لهذا التغيير بل هو نوع من التهديد لبطلتيه الدائمتين ميمي وزوز شكيب. فعلى مدار سنين طويلة لم يحدث أي تغيير في فرقة نجيب الريحاني بل ظل أعضائها ثابتون.



الريحاني يعتزل

في سنة 1945 كان الملك قد أنعم على يوسف وهبي برتبة الباكوية بعد أن قدّم فيلمه غرام وانتقام مع أسمهان التي ماتت في حادثة وهي في طريقها إلى رأس البر قبل أن تكمل بعض لقطات منه. وترددت شائعات بأن الملكة الأم نازلي هي التي تقف وراء حادث مقتل أسمهان بسبب علاقة الأخيرة بحسنين باشا.

وكان الفيلم يحمل استعراضاً كبيراً عن الأسرة العلوية - بعد ثورة52 تم حذف الاستعراض من الفيلم- ، وحضر الملك حفلة العرض الأول وأنعم على يوسف وهبي بالباكوية، بعد ذلك أنعم الملك بالباكوية على كل من سليمان نجيب وجورج أبيض، بل إنه أنعم بها لمحمد البكار وكان يقوم ببعض الأدوار الصغيرة في عدد من الأفلام وأنتج فيلما اسمه (قلبي وسيفي) وكان يؤدي فيه نشيداً عن الجهادية يشيد به الفاروق الذي حضر حفل عرضه الأول وأنعم عليه هو الآخر بالباكوية.

أحس الريحاني أنه لم يُقدّر، لكونه لم ينل أي نوع من أنواع التكريم، رغم أنه كان النجم الأثير لدى الملك فاروق. فهو الفنان الوحيد الذي قدّم عروضه بشكلٍ متواصل، والسبب هو أن الملك كان غاضباً من الريحاني لأنه في فترة التوتر بين القصر والوفد ورئيسه النحاس باشا، زار نجيب الريحاني النحاس باشا حينما أصابته وعكة صحية.

وكان نجيب الريحاني معتزا بنفسه وبفنه، وأحس بإهانة بالغة فأعلن اعتزاله المسرح وأجّر مسرحه ليوسف بك وهبي.

قام يوسف وهبي بإعادة تشكيل فرقته وضم إليها عدداً ضخماً من الممثلين بينهم أمينة رزق، علوية جميل، محمود المليجي، بشارة واكيم، سراج منير، ميمي شكيب، زوزو ماضي، مختار عثمان، رفيعة الشال، فاخر فاخر، حسن البارودي، وآخرين مما لا تعيهم الذاكرة، وقدم ريبورتوارا ضخما من مسرحياته بمعدل كل يوم مسرحية مختلفة (أي أنه أعاد تقديم مسرحياته القديمة مجدداً) ومنها كرسي الاعتراف، راسبوتين، الطاغية، أولاد الفقرا، أولاد الشوارع، بنات الريف، الولدان الشريدان.

وقد صادفني الحظ أنني شاهدت عدداً كبيراً منها. ولم أكن شاهدت يوسف وهبي على المسرح قبل ذلك.

وفي إحدى هذه المرات التي كنت أشاهد فيها مسرحيات يوسف وهبي من أحد الالواج التي تقع في الدور الثاني وفي فترة الإستراحة رأيت نجيب الريحاني خارجاً من مكتبه في المسرح وكان يقع خلف هذه الألواج وهذه هي المرة الأولى والأخيرة في حياتي التي رأيت فيها نجيب الريحاني وجهاً لوجه، وأخرجت بسرعة الأتوجراف الذي لم يكن يفارقني، وقدمته له مبهورًا فكتب فيه وهو يبتسم بخط كبير جدا، دائما الصدق سر النجاح.. هذه الجملة ظلت تطن في أذني، فهذه الجملة الصغيرة تحوي معانٍ كثيرة جداً.

ورحل سي نجيب..

طلعت الصحف في يوم من الأيام (الأهرام- الأخبار- المصري) وبها مناشدة من جلال باشا فهيم وزير الشؤون الإجتماعية وكان المسرح يتبعها في ذلك الحين كي يعود نجيب الريحاني لفنه وجمهوره، أحس الريحاني أن في هذا ترضية له واستردادا لكرامته فعاد في الموسم التالي وكانت الإذاعة تنقل يوم الخميس من كل أسبوع إحدى مسرحياته على الهواء (وللأسف الشديد أن هذه المسرحيات التي كانت تسجل مسحت جميعا ولم يتبق من هذا التراث العظيم إلا فصلاً واحداً منقولاً حينما كان يقدّم حفلاً بإحدى الجمعيات الخيرية. وهو الفصل الأول من مسرحية 30 يوم في السجن).

وفي سنة 1948 بعد أن أنهى “الريحاني” موسمه الشتوي بالقاهرة، وذهب إلى الاسكندرية ليقدّم موسمه القصير بمدينة الأسكندرية ليسافر بعد ذلك إلى أوروبا، مات الريحاني في الأسكندرية وكانت آخر مسرحية قدمها هناك الدنيا على كف عفريت. فقد داهمه مرض التيفوئيد وكان البنسلين علاج هذا المرض جديدًا ولم يكن موجودًا بمصر فبعثوا يحضرونه من الخارج. ولكن المرض لم يمهله وتوفي الريحاني 8 يونيه سنة 1948. فشيعت مصر الريحاني وكانت الجنازة ضخمة جدا وسمعت أن الملك كان يقف في شرفة فندق شيبرد ليودع الريحاني الوداع الأخير وقد دمعت عيناه.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الثالثة


إيلاف


الإثنين 29 أكتوبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يوثٍّق انطلاقة فؤاد المهندس وعلاقته بـ"الريحاني"


سمير خفاجي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

إحياء فرقة الريحاني

في الأسابيع التالية لموت الريحاني ظهرت في الصحف والمجالات ترشيحات لمن يخلف عرش الكوميديا بعد نجيب الريحاني متناسين أن الفن لا يورث ويجب على من يمارسه أن يعتمد على شخصيته ولا يقلد أحدا.
في أكتوبر من نفس السنة أعلن الأستاذ بديع خيري أنه سيقوم بفتح مسرح الريحاني وسيكمل المشوار الذي بدأه مع شريك عمره بعد أن سوى الخلافات التي كانت قائمة مع شقيقه يوسف الريحاني، مشيراً إلى أن مسرحية الأفتتاح ستكون (أحب حماتي) آخر ما كتبه الريحاني مع بديع خيري وسيقوم بالبطولة شاب جامعي هو عادل خيري نجل الاستاذ بديع، وما هي الا أيام وظهر في الصحف الاعلان عن المسرحية وهو نفس صيغة الإعلام الذي كان يعلن عنه أيام الريحاني (فرقة نجيب الريحاني تقدم المسرحية الجديدة أحب حماتي من تأليف الأستاذين نجيب الريحاني وبديع خيري على مسرح ريتس).
كان لدي شوق واصرار وفضول لحضور حفلة العرض الأولي. وما أن اعلن عن فتح الشباك حتى كنت على باب المسرح قبل أن تصل بائعة الشباك وكان معي صديقي ممدوح خيري، اتفقت ميولنا فكنا نذهب ونخرج سوياً. وما أن فتح الشباك حتى كنا أول من ابتاع تذاكر المسرحية في الصف الأول، وما أن دخلت المسرح أنا وصديقي وجلسنا على مقاعدنا وسلطت الأضواء على الستار حتى شعرت بدقات قلبي تسرع وأنفاس متلاحقة إذا لم أتصور أن أحضر عرض لفرقة الريحاني ولا أراه بطلاً للعرض، خاصةً أنني حضرت أغلبية عروضه.

ما انفرجت الستار ظهر الاستاذ بديع خيري والحزن باد عليه وقال لجمهور الصالة لقد مات نجيب الريحاني ولكن فنه يجب أن يبقى، مسرحه يجب أن يعيش وسيبقى المسرح خالياً لمدة دقيقتين بعد رفع الستار تحية لذكرى الفقيد وإشعاراً بالفراغ الذي تركه هذا الفنان الذي لن يعوض وبعد ذلك بدأت المسرحية.

وكان جميع أبطال الفرقة يمثلون في المسرحية ما عدا الاستاذ بشارة واكيم، كما كان يمثل باقي أدوار المسرحية السيدتين ميمي وزوز شكيب والسيدة ماري منيب ونجوى سالم وزينات صدقي والاساتذة حسن فايق، عبد الفتاح القصري، واستيفان روستي علاوة عن الأستاذ سارح منير الذي قام بإخراج العرض، وظهر عادل خيري لأول مرة وبذل مجهودًا كبيرًا، حاول أن يسد به فراغ نجيب الريحاني وهو الممثل الجديد الذي يمثل لأول مرة على مسرح الإحتراف إذ أن تجربته المسرحية لم تكن تتعدَ التمثيل في مسرح الجامعة وبعض فرق الهواة مثل جمعية الشبان المسيحيين فبدا كثير الحركة ولم تنجح المسرحية النجاح المطلوب رغم ما بذله أعضاء الفرقة من مجهود، وهم يحاولون مساعدة الممثل الشاب.

كان الفراغ الذي تركه نجيب الريحاني كبيرا فهو عملاق كوميديا الذي عاش في وجدان الجمهور عشرات السنين، فكيف بهذا الشاب أن يملأ هذا الفراغ، كان الأستاذ بديع خيري عاشقا للمسرح ومقاتلا عنيدا، لا يقبل بالهزيمة مطلقا وبسرعة أزاح ابنه مؤقتا حرصاً على مسرحه، وحرصا على مستقبل ابنه الذي اختار التمثيل مهنة، بالرغم من أنه خريج كلية الحقوق ومحام.

كان الريحاني له مسرحيات يقدمها دائما ريبورتوار وكان اغلب الجمهور يعرفها معرفة جيدة، وكان هناك بعض مسرحيات لم يقدمها لفترة طويلة مثل (الشاب لما يتدلع) و(عباسية) و(مين يعاند ست) فاختار الاستاذ بديع أن يقدم هذه المسرحيات على اعتبار ان اجيال من الجمهور لم تكن قد شاهدتها وتعاقد مع الممثل القدير عباس فارس لتقديم هذه المسرحيات، ونجحت خطة الاستاذ بديع وبدأت الفرقة تستقر.



عشق المسرح..

بدأ حب المسرح يستولي علي بالرغم من أني لم أفكر في أي لحظة أن أكون ممثلاً. فكل مصروفي كنت أدخره لحضور المسرحيات في الفرق الموجودة وكان الاستاذ زكي طليمات قد أنشأ فرقة مسرحية جديدة من خريجي معهد التمثيل كانت تضم سميحة أيوب ونعيمة وصفي وسناء جميل وعبدالمنعم إبراهيم وأحمد الجزيري، وانشراح الألفي وحمدي غيث، وقدمت في افتتاحه مسرحية ابن جلا، التي قام بإخراجها واضطلع بدور الحجاج فيها الاستاذ زكي طليمات، وقدمت بعد ذلك عددا من المسرحيات العالمية والمصرية مثل مدرسة الاشاعات وشروع في جواز ومسمار جحا التي قدم فيها عبدالمنعم ابراهيم دورا من أعظم الأدوار.

من التمثيل للحقوق !

انتهيت من التعليم الثانوي وكانت امنيتي أن التحق بمعهد التمثيل، ولأني كنت أعرف أن أمنيتي هذه لا يمكن أن تتحقق لأني أعلم مسبقًا رأي والدي في هذا الموضوع فلم أحاول حتى طرح رغبتي هذه، واخترت كلية الآداب باعتبار أن الدراسات الأدبية في كلية الآداب ستفيدني في دراسة المسرح والدراما لكن والدي عارض هذه الرغبة وأصر على التحاقي بكلية الحقوق على أساس أن عمي يوسف محام كبير في الاسكندرية، وله مكتب معروف وعمي ليس له أبناء فكانت وجهة نظر والدي وعمي أنه بمجرد أن انتهي من دراستي بكلية الحقوق أنتقل إلى الاسكندرية وأٌقيم مع عمي وأتمرن بمكتبة حتى أصبح المحامي الكبير مثله، أساعده في كبره ورضخت لطلب والدي والتحقت بكلية الحقوق رغم عدم ميلي لها.

في أول أيام الدراسة ما أن دخلت الحرم الجامعي وعبرت إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة فوجدت في ردهة الكلية إعلانا ضخما لفريق التمثيل في الكلية عن مسرحية عطيل تحفة شكسبير بطولة فوزي درويش، وفي مقابل كلية الحقوق توجد كلية الادب وكلية الآداب لها بوفيه له شهرة كبيرة، كنا نتردد عليه حينما لا يكون عندنا محاضرات، وتعرفت في البوفيه على شخصية جذابة لها سحرها هو المأمون أبو شوشة الذي كان يقضي معظم وقته في بوفيه الآداب، على الرغم من أنه ينتمي لكلية العلوم ولا أحد يدري كم عدد السنين التي كان فيها المأمون طالبًا في كلية العلوم.

المهم انني في اتجاهي للبوفيه أمر بردهة كلية الآداب فوجدت إعلانا ضخمًا يعلن عن تقديم على بدران لرائعة شكسبير هاميلت، وأيضا كان النشاط الاجتماعي والفني والرياضي من أهم أهتمامات الاساتذة في الجامعة فكل الكليات لها فريق تمثيل وفريق رياضي وكلها تتفانس على بطولة كأس الجامعة.



فؤاد المهندس موظف مبدع..

تعرفت على فؤاد المهندس في الجامعة، وكان قد انتهى من دراسته في كلية التجارة وأصبح موظفا بالمدينة الجامعية وهو عاشق مسرح، فقد كان أحد نجوم كلية التجارة بالمسرح، وكان يفضل أن يقدم مسرحيات نجيب الريحاني مع مجموعة ممن احترفوا التمثيل بعد ذلك كفؤاد راتب (الخواجة بيجو)، ومنهم من اتجه اتجاهات أخري في الحياة، وكان في كلية التجارة فريق التجارة آخر يفضل تقديم مسرحيات مترجمة، يتزعم هذا هذا الفريق حسين عبدالنبي وأحمد حلمي، والأول أصبح موظفا في شركة مصر للتأمين وهذا لم يمنعه من التمثيل، رغم انه لم يصادف نجاحا ملحوظا،رغم كثرة الفرص التي أتيحت له، أما الثاني فأصبح موظفا في الرقابة على المصنفات الفنية وفي نفس الوقت ظل يترجم ويقتبس المسرحيات ويقوم بالإخراج أحيانا، حينما كان فؤادالمهندس في السنة النهائية ذهب فؤاد المهندس إلى نجيب الريحاني ورجاه رجاء حارا أن يقبل أن يقوم بإخراج مسرحية لفريق التجارة، قبل الريحاني أن يخرج فصلا واحد من مسرحية حكاية كل يوم، رغم أنه قال لأعضاء الفريق كنت أتمني ان تطلبوا مني إخراج احدى مسرحيات موليير، وفي أثناء التدريب على المسرحية كان الريحاني معجبا بأداء فؤاد المهندس وتنبأ له بأنه سيكون له شأن في المسرح، انتهت التدريبات وجاء يوم العرض في دار الأوبرا الملكية، اليوم الذي طال انتظار فؤاد المهندس بشوق ولهفة، فقد كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي يقوم فيها نجيب الريحاني بالإخراج لإحدى فرق الجامعة.
صباح يوم العرض تحطمت آمال فؤاد المهندس إذ توفت والدته وهو يستعد للقيام بدوره فلم يتمكن من الذهاب للمسرح للتمثيل بل اتجه لسرادق العزاء لتقبل العزاء برحيل والدته.
علم نجيب الريحاني بالخبر فحزن حزنا شديدا إذ انه كان يريد أن يرى ثمرة مجهوده مع هذا الشاب المتحمس وأصيب بإحباط. فلم يذهب إلى دار الأوبرا ليرى ماذا سيفعل الفريق.

وعد الريحاني..

كان العرض سيقدّم في حفلة ماتينيه الساعة الخامسة وكان الريحاني يقدم في مسرحه حفلة السواريه فسأل محمود لطفي (ملقن مسرح الريحاني) وكان هو أيضا ملقن فريق التجارة: (ماذا فعل الشباب؟) وكان يتوقع إلغاء العرض، لكن محمود لطفي أخبره أن العرض قد تم وسأله عمن قام بدوره في المسرحية، فأجابه بأنه هو من قام بدوره (أي محمود لطفي)، ثار الريحاني ثورة عارمة، إذ كيف يجرؤ على أن يقوم بدوره وهو الملقن ومكانه كمبوشة المسرح، وقد كان محمود لطفي يضطلع ببعض الأدوار كبديل في مسرح الريحاني حينما يعتذر أصحابها القيام بها، لطارئ ألم بهم، لكن تبلغ به الجرأة القيام بدور نجيب الريحاني شخصيا فذلك لم يقبله نجيب الريحاني.

في هذا العام فاز فريق التجارة الذي يتزعمه أحمد حلمي بكأس الجامعة عن مسرحية ترجمها أحمد حلمي وهي مسرحية (كرايتون العجيب) التي قدمها سيد بدير بعد ذلك بربع قرن لفرقة الريحاني واسمها سنة مع الشغل اللذيذ والتي لاقت نجاحاً ملحوظاً واستمر عرضها ما يقارب العامين.
حينما قام الريحاني بواجب العزاء لفؤاد المهندس وعده أن يقوم بالإخراج له مجدداً، ولكنه سيقدم له في هذه المرة مسرحية كاملة وليس فصلاً واحداً. واختار أن يقدم له مسرحية (ياما كان في نفسي) ولكن القدر لم يمهل الريحاني لتحقيق وعده إذ وافته المنية قبل أن ينجزه.

كان وقتي في أثناء فترة الدراسة مقسما بين بوفيه كلية الآداب حيث ألتقي مع المأمون أبوشوشة والدكتور فوزي حسين وهو معيد في كلية العلوم ومهتم بالمسرح، والدكتور يوسف شوقي الدارس موسيقي والملحن بعد ذلك، وفرحات عمر الذي أًصبح الدكتور شديد بعد ذلك، وبين المدينة الجامعية حيث يعمل فؤاد المهندس وكان فؤاد في هذه الفترة لا يمارس أي نشاط مسرحي، فكان موظفا فقط وكان يقوم ببعض الأدوار في تمثيليات الإذاعة المصرية، وأحيانا يقوم في حفلات السمر التي تقيمها الجامعة في أسبوع شباب الجامعات بتقليد الممثلة الراقصة البرازيلية التي كانت مشهورة جدا في هذه الفترة كارمن ميرندا.

كان فؤاد حينما يقلدها في إحدى أغانيها المعروفة في الأفلام وكانت لها أفلاماً كثيرة يقلدها في كل شي، طريقة أدائها وحركتها السريعة جداً، حتى ملابسها الغريبة فقد كان يرتدي جونلة برازيلية طويلة مفتوحة من الجنب، فتظهر ساقه التي كانت رفيعة جدا، وجزمة كعب عال جدا نعلها سميك جدا كانوا يسمونها جزمة دبابة، كذلك كان يرتدي بلوزة قصيرة، تكشف عن خصره محاطا بورود كثيرة، وكمية من العقود الضخمة وفي يديه أساور كثيرة جدا ويضع على رأسه عمامة كانت مشهورة بها، مثبت في أعلاها سلة ضخمة جدا مليئة بالفواكه، ثمارأناناس، عنب، برتقال، موز، كل أنواع الفواكه وكانت غالية جداً.

حين كان فؤاد المهندس يظهر على المسرح بهذه الصورة تضج صالة العرض بالتصفيق والتهليل والضحك، كان فؤاد يقلدها تقليداً مطلقا وكان بهذا الفصل سحرا خاصاً حتى أن فؤاد بعد ذلك بفترة طويلة قدّم هذا “الاسكتش”(لفصل المسرحي) في أول بطولة سينمائية له بفيلم (بنت الجيران).



كواليس مسرح الريحاني..

لم يمضِ على عرض مسرحية “أحب حماتي” غير أسابيع قليلة حيث كنت أسبر في شارع عماد الدين يوم الأجازة الاسبوعية اتفرج على معروضات صور السينمات حتى رأيت الأستاذ بديع خيري يدلف إلى مسرح الريحاني ولم أدري كيف واتتني الشجاعة أن اتجه إليه وأعرفه بنفسي، فأنا طالب في كلية الحقوق يهوى المسرح ولي أمنية أرجو أن يحققها لي، فلما سألني عن هذه الأمنية أن أحضر بروفات مسرحية الفرقة، وقدر الرجل حبي للمسرح وأعلن قبوله حتى شعرت بأني في أولى خطواتي لأن أكون رجل مسرح.

وأخبرني أن البروفات تبدأ في السابعة مساء قبل حفل السواريه الذي يبدأ في التاسعة والنصف وأنه يمكنني الحضور بدءا من الغد.

بدأت أعد الساعات انتظارا للسابعة من الغد، والساعات تمر طويلة، ولم أشعر بالقلق في حياتي قدر شعوري به في هذه الليلة، حتى أن ذهبت إلى سريري لم استطع النوم. ففي كل ربع ساعة كنت أضيء نور الغرفة وانظر إلى الساعة، فأشعر بأنها لا تكاد تتحرك حتى طلع نور الفجر وبدأ النهار ثقيلا مملاً.

وما أن حلت الساعة الخامسة حتى كنت أرتدي أحسن ما عندي، وتوجهت لشارع عماد الدين اتسكع حتى اقتربت من الساعة السابعة، ودخلت لأول مرة من الباب الخشبي الضيق الذي يؤدي لكواليس المسرح، انتابني شعور غريب بأن أجد المسرح خالياً ولقد فُتحت الستار ووضِعَت كراسي في مقدمة المسرح، وجلست على أحد المقاعد وخلفي صالة العرض خالية من الحضور مظلمة، وبدأ الممثلون يتوافدون ويحتلون المقاعد.

ولقد انتابني شعور فريداً وأنا أجلس بجوار من تعودت على رؤيتهم وهم يمثلون فقط، أما الآن فأنا اجلس إلى جوارهم وتجري بينهم أحاديث جانبية ليس لها علاقة بالمسرحية، هنا يجلس الأستاذ بديع، ماري منيب، عباس فارس، حسن فايق وزينات صدقي وجميع أبطال الفرقة، معقول أنا أجلس مع ميمي شكيب وزوز شكيب وأراهم على سجيتهم بدون مكياج أو رتوش.. وبدأت البروفة وهذه أول بروفة مسرحية أشاهدها في حياتي.

لم يكن الإخراج كالذي رأيته بعد ذلك بل كان إخراجا بسيطا لم يكن هناك مخرج فالاستاذ سراج منير المفروض أنه المخرج لكن الملحوظات التي كان يبديها قليلة جدا.. كان محمود لطفي الملقن هو الذي يعطي التوجيهات، باعتباره حافظا لهذه المسرحيات، فكان يقول سي نجيب الريحاني كان يقف هنا، وتجلس على أحد الآرائك ماري منيب، هذا مثلا.. ويدخل من كالوس الجنب فلان، وفلانة تتحدث من الخارج قبل أن تدخل، واستمرت البروفة بهذا الشكل حتى اقترب من الساعة التاسعة فبدأ الممثلون يتجهون إلى غرفهم التي تقع جميعها تحت خشبة المسرح فيما عدا غرفة الاستاذ التي تقع أعلى المسرح ولها سلم يؤدي إليها وهي مغلقة، لم يستعملها أحد إحتراما للأستاذ، ولاحظت أنه إذا ذكر اسم الاستاذ بديع أو الاستاذ نجيب من أحد أفراد الفرقة لا بد أن يسبقه (سي) فكانوا يقولون: سي نجيب أو سي بديع إحتراما وتقديرا منهم بمكانة الاستاذين الكبيرين.

كانت مشكلتي في المنزل كيف أحافظ على معاد البروفة اليومي، وكيف أخرج من المنزل يوميا من السادسة إلى العاشرة خصوصا في الموسم الدراسي، فبدأت أكذب إذ أنني سأذاكر عند صديقي ممدوح خيري، أو فلان صديقي مريض ويجب أن أعوده.. إلى ذلك من الحجج.

ظللت منتظما في حضور البروفات ملتزما بمواعيدها ربما أكثر من الممثلين أنفسهم، وبدأت تنشأ بيني وبين بعض الممثلين والممثلات صدقات كزينات صدقي والاستاذ عباس فارس وفي نفس الوقت قامت بيني وبين بعضا من صغار الممثلين عداوة ليست من طرفي على أي حال، لكنهم كانوا يتساءلون عن هذا الدخيل الذي أقتحم مسرحهم ومنهم، اسكندر منسي فهمي.
في نفس الوقت بدأت صلتي بالأستاذ بديع تزداد، فما أن تنتهي البروفة حتى أهرع إلى مكتبه، والأستاذ بديع كان له أكبر الفضل في تشجيعي وتعليمي، إن الإستاذ بديع له مكانة كبيرة في المسرح المصري ومع الأسف لم ينل حظه من التكريم على مستوى ما قدم.. كان الاستاذ بديع خيري صلبا عنيدا، متحديا، حافظ على فرقته رغم كل الضغوط التي كانت تمارس ضده ورغم مرضه، الذي لم يستطع قهره نهائيا فظل فارسا نبيلا يحارب من أجل مسرحه إلى النهاية. كنت إذا جلست أمامه وهو على مكتبه يحكي ذكرياته عن المسرح وكيف كانت صلته بالاستاذ الريحاني، وكيف كانوا يكتبون رواياتهم. وكان الرجل متحدثا بارعًا ما أن يبدأ في الكلام فلا تحس بالوقت وما تدري إلا أنه قد مر ساعتين أو ثلاث وأن تظنهم دقائق، كان الاستاذ بديع متحدثا بارعا وكنت مستمعا جيدا، أحاول أن احفظ من الاستاذ الدرس، فكل كلمة ينطق بها كتاب غزيز المعلومات، لم تكن له علاقة الا بالمسرح وكانت زوجته مسؤولة عن كل شيء لدرجة أنه في إحدى المرات أخذته من يده وأشارت على إحدى العمارات وسألته: إيه رأيك في العمارة دي، فأجابها: فخمة قوي، فقالت له: دي بتاعتنا، وهو لا يدري عنها شيئاً..!

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الرابعة


إيلاف


الخميس 01 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي : بشارة واكيم مات حزناً من الجمهور!


الفنان الراحل بشارة واكيم


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها

الجمهور عاوز كده..

في أحد الأيام ألح علي سؤال لم أجد بدا من طرحه، وهو كيف أن الفرقة في تكوينها الجديد بعد وفاة نجيب الريحاني استغنت عن الأستاذ بشارة واكيم وهو الذي عمل مع نجيب الريحاني قرابة 20 عاماً. فقد كان كل أعضاء الفرقة القدامى موجودين عدا شرفنطح الذي اعتذر لأسباب صحية وقام بأدواره محمود لطفي الملقن والأستاذ بشارة واكيم الذي تم الاستغناء عنه، وكان مع بداية افتتاح مسرح الريحاني سنة 1949 قد تم الإعلان عن افتتاح فرقة تسمى الكوميدي المصرية وكانت تضم بشارة واكيم.

وشكلت إجابة الاستاذ بديع خيري بالنسبة لي صدمة قاسية. حيث قال: “بشارة ما عدش ينفع!” فسألته تلقائياً: “.. كيف هل هذا معقول؟” وظهرت الدهشة علي وجهي..! فقال لي، ولماذا تندهش؟، الجمهور ليس له إلا ما أمامه، فالجمهور سريع النسيان، الجمهور ليس له إلا ما يمتعه ويضحكه، وبشارة أصبح غير قادر علي ذلك!

خرجت من عند الاستاذ بديع وانا حزين، عقلي في ذلك الوقت لم يستوعب تلك القسوة، ما هذا القانون الجائر، هل الفنان إذا توعك كالخيل يضرب بالرصاص!.. لقد كان بشارة واكيم فناناً كبيراً ملئ السمع والبصر، سواء في المسرح أو السينما، فكان في المسرح متألقاً دائماً في فرقة الريحاني وفي السينما لا يكاد ينجح فيلماً بدون بشارة واكيم.



صممت أن أرى بشارة واكيم في الفرقة التي يعمل بها وهي فرقة كونها ممثل اسمه نعيم مصطفى كان والده متعهدًا للحفلات المسرحية. وما أن مات الريحاني حتى توهم أنه يمكن أن يملأ الفراغ الذي تركه الريحاني، فكون فرقة وأسند بطولتها النسائية لنجمة صغيرة توهجت لفترة قصيرة كنجمة إغراء، وهي كاميليا.. وهي فتاة يهودية اسمها ليليان كوهين اكتشفها يوسف وهبي واسند لها البطولة في فيلم القناع الأحمر، وما أن ظهرت في هذا الفيلم حتى أصبحت نجمة الإغراء الاولى في السينما المصرية، فكان الجمهور يتهافت علي رؤيتها، ولم تستمر طويلاً. إذا ماتت وهي في أوائل العشرينات من عمرها واحترقت في حادثة طائرة. وكان نعيم مصطفى قد أسند البطولة النسائية إليها، واستعان بالاستاذ بشارة وقدّم في مسرح كازينو أوبرا مسرحية اسمها خطف مراتي، وكتب اسم بشارة واكيم قبل اسمه وهو صاحب الفرقة، وقبل اسم كاميليا رغم ما لها من شهرة.



ذهبت إلى مسرح أوبرا وما أن ظهر بشارة واكيم حتى قوبل بعاصفة من التصفيق، فبشارة له رصيد جماهيري كبير جداً.. وبدأ التمثيل فكان صوته واهناً جدا، لا يكاد يسمعه الجمهور، وفمه معوجاً قليلاً فقد كان به أثر الشلل، وما هي إلا دقائق علي ظهور الفنان الكبير حتى تعالت أصوات الجماهير، صوت.. صوت.. مش سامعين حاجة.. ظهر التأثر علي الفنان الكبير وتجمدت الدموع في عينه، وهو يحاول أن يرفع صوته، وقال بعد ذلك: لقد أضحكت الجماهير ربع قرن ومع ذلك لم تستطع أن تتحملني ربع ساعة في ضعفي.. فتذكرت كلمات الاستاذ بديع، ووجدت فيها الرحمة والحب رغم قسوتها.. وأن علي الفنان أن يعتزل في قمة مجده إذا شعر أن لياقته قد قلت، حتى يظل محتفظا بصورته الجميلة عند الجمهور.. لم يحتمل الفنان العظيم هذه الهزيمة وهذه النهاية المؤلمة، ولم تنقضي إلا أيام قليلة إلا ومات الفنان الكبير قهرا وكمدا لما وصل إليه..!

وكتبت الصحف والمجلات خبر موته بصورة عابرة ولم تحدث الضجة الكبيرة بموته، كالضجة التي صاحبت موت الريحاني، سألت السيدة ماري منيب عن أن الاستاذ بشارة واكيم لم ياخذ حقه فقالت لي: لو أن بشارة مات قبل الريحاني لاختلف الوضع، الكبير مات!



كنت صحفيا..

في هذه الأثناء توطدت علاقتي بفؤاد المهندس وكنت أٌقضي أكثر الوقت في المدينة الجامعية وكنا نبحث تكوين فرقة جامعية، وحينما كنت أتحمس لتكوين الفرقة كان فؤاد يسألني: هل تريد أن تمثل؟ لم تخطر في بالي هذه الفكرة نهائيًا، كنت أعشق المسرح، لماذا.. لست أدري.. كان الأستاذ ضياء الدين بيبرس في الجامعة يصدر مجلة صوت الجامعة والتقيت بنبيل عصمت الذي كان زميلي في كلية الحقوق وفكرنا في إصدار مجلة جامعية مع مجموعة من طلبة الجامعة واسميناها أحد أسماء مسرحيات الريحاني واخترنا اسم (إلا خمسة) وصدر العدد الأول من المجلة وكتبت فيها تمثيلية قصيرة وكانت باسم غادة الكاميليا القرن العشرين، وأخذت المشهد الذي كان فيه والد أرمان يقنع الغانية بأن تترك ولده في نظير مبلغ، فذعرت وقالت أنها تضحية كبيرة منها لأن أرمان هو كل حياتها فيشكرها الوالد فتحضر مجموعة كبيرة من الصورة وتقول له: أي من هؤلاء ولدك؟

عن طريق هذه المجلة تعرفت بالصحفي الكبير أحمد الصاوي محمد وكان ذلك من خلال مقابلة أجريتها معه، هاجم فيها طلبة الجامعة وذهبت إلى الاستاذ إحسان عبد القدوس الذي رد علي هجوم الأستاذ الصاوي.

ومن خلال المجلة تعرفت علي جميع مديري الشركات الأجنبية مثل متر جولدن ماير.. وبارامونت.. وفوكس.. وكلها كان لها مكاتب في القاهرة، وكانت هناك نشرات دورية لكل نشاطاتهم في مدينة السينما هوليود.. فقد كنت أحصل علي تلك النشرات، كما كنت أحصل علي صور لجميع نجوم السينما في العالم، فألممت إلماما كاملا بكل نشاطات مدينة السينما قبل أن تعرض علي الشاشات.

كما بدأت اتعرف علي عدد كبير من نجوم السينما والمسرح وأذكر أنني أقنعت الأستاذ أنور وجدي وكان قد أنتج وأخرج فيم ياسمين للطفلة فيروز الطفلة المعجزة كما كان يطلق عليها في ذلك الحين، اقنعته بإقامة ندوة مع الطلبة في أحد مدرجات الجامعة ورحب بالفكرة وحضر إلى الجامعة بصحبة الطفلة النجمة واستمرت الندوة لأكثر من ساعتين يجيب فيها علي أسئلة الطلبة.

لكن المجلة لم تكن شغلي الشاغل، فقد كان كل تفكيري مع فؤاد المهندس عن كيفية تقديم عمل مسرحي وأخيرًا تفتق ذهننا علي إنشاء جمعية (النهضة الجامعية) وكنا تعرفنا علي الاستاذ رجاء العزبي وهو أستاذ بكلية الآداب قسم الصحافة، وكان من المهتمين بالمسرح وشؤونه وكنا عن طريق قيمة الاشتراكات كنا نذهب إلى مسرح الريحاني ونقابل طلعت حسن مدير الفرقة الإداري، نشتري حفلة من حفلات الفرقة التي كانت تقدم ماتينيه بمبلغ 50 جنيه، ونطبع تذاكر مخفضة للطلبة ونقوم بتوزيعها علي الطلبة باسعار مخفضة وعن طريق الجنيهات القليلة التي كانت تربحها هذه الحفلات كنا نقوم باستئجار مسرح الأزبكية بمبلغ 10جنيهات ونقوم بعمل بروفات لإحدى مسرحيات الريحاني، وكان فؤاد المهندس يقوم بدور البطولة ومعه فريق من طلبة الجامعة، منهم من تخرج ومنهم من لا يزال طالبا بالجامعة، وكنا نستعين بممثلات محترفات فكنا نستعين بسميحة توفيق ولولا صدقي وزينات صديقي ورفيعة الشال، وغالبا ما كانت النقود التي جمعناها لا تكفي فكنا نكملها من جيوبنا.

كانت لفؤاد شعبية في الجامعة فكان من السهل علينا بيع هذه التذاكر وقدمنا مسرحيتين بهذه الطريقة “الدلوعة” و"30يوم في السجن"، ولكن حلمنا كان أكبر من ذلك، حلمنا كيف نقدم مسرحاً دائماً، ونحن لا نملك شيئاً. فأنا مازالت طالباً في الجامعة وفؤاد المهندس موظف بالجامعة ويقدمِّ أحيانا برامج في الإذاعة، من أين لنا بالامكانيات؟! لقد كان حلمي في الليل والنهار بأن يكون لنا مسرح وكنت كلما مررت بمبنى كبير في القاهرة كدار القضاء العالي أتخيله مسرحاً بمبناه الضخم وسلالمه الرخامية.

كنت مواظبا علي تمرينات مسرح الريحاني بل استعطت ان أدلف إلى كواليس الفرقة المصرية التي كانت تقوم بتمريناتها علي مسرح الأزبكية عن طريق الحج وحيد الشناوي (كان مدير دار العرض بمسرح الأزبكية) الذي توطدت صلتي به حينما كنت أستأجر منه المسرح. وأذكر أني حضرت تمرينات مسرحية (الناصر) وهي العمل المسرحي الثالث للشاعر عزيز أباظة بعد (قيس ولبنى) و(العباسة) وكان يقوم بالإخراج الاستاذ زكي طليمات (كان في هذا الوقت متزوجاً من الفنانة إحسان شريف)، وطبعا كان هناك فرقاً كبيراً بين التمرينات التي أشاهدها هنا في مسرح الأزبكية والتمرينات التي أحضرها في مسرح الريحاني.. فهنا مناظر ضخمة صُممت خصيصاً للمسرحية وإضاءة متقدمة ومجاميع كبيرة تتحرك علي المسرح، وزكي طليمات يلقي بتعليماته ويعترض علي أداء ممثل ويقوم بأداء مشهد أمام الممثل ليرشده علي كيفية التمثيل.. ورغم ذلك كنت مرتبطاً بمسرح الريحاني وكانت أمنيتي الجمع بين هذه التقنية العالية وبين ما يُقدّم علي مسرح الريحاني.

بدا الاستاذ بديع خيري في تقديم مسرحيات جديدة كتبها هو بدون نجيب الريحاني وكان يقدم في الموسم مسرحيتين أو ثلاث مسرحيات جديدة، وكان هذا يشكل عبئاً عليه، فاضطر إلى أن يلجا لشراء مسرحيات مترجمة، لأشخاص يترجمون له المسرحيات الكوميدية، ويقوم هو بصياغتها بما يتناسب مع جمهوره المصري. كما بدأ يسند في هذه المسرحيات لعادل خيري أدواراً ليست بالبطولة، لكنها أدوار مميزة لفتت نظر الجمهور إليه فقام في بعض هذه المسرحيات بدور إمراة أو شاب مخنث. وما أن تعود الجمهور عليه وأحبه حتى أسند إليه بطولة بعض المسرحيات. وازداد قربي من الاستاذ بديع. فلا يمرّ يوماً دون أن أجلس معه في مكتبه، واستمتع بحديثه الممتع عن ذكرياته في المسرح مع نجيب الريحاني. وكان في ذهني موضوع أريد طرحه عليه، لكني كنت متردداً بسبب خوفي من رفضه، وفي ليلة وقبيل العرض بدقائق اكتشفت ادارة المسرح أن احد الممثلين المهمين قد تغيب، فطلب الاستاذ بديع من الملقن محمود لطفي أن يقوم بتمثيل الدور انقاذاً للموقف.

شعرت أن هذا الوقت المناسب لعرض طلبي، وفي اليوم التالي ذهبت إلى المسرح قبل موعد التمرينات وسألت عن الأستاذ بديع. فعلمت أنه في مكتبه. صعدت إليه ولم أكن معتادا ان اقابله في هذا الموعد، اذ اني كنت اقابله بعد انتهاء البروفة وبعد أن يبدا العرض، وجلست امامه مرتبكا، فسألني: (في إيه؟ مالك)، فقلت له أريد أن أعرض عليك موضوعا يشغلني من فترة، وانا متردد.. فسأل: أي موضوع.. قلت له أن شباب بالجامعة متعطش للتمثيل ويريد أن يقف على أبواب الإحتراف ولا يعرف كيف.. إي رأيك لو أنشانا فرقة جديدة من طلبة وشباب الجامعة تسمي فرقة الريحاني علي أن تقدّم حفلاتها كالعادة في المساء.. ويوجد كثير من الممثلات مستعدات لمعاونتنا في هذا المشروع خصوصا وأنهم يعملون في الحفلات التي نقدمها في الجامعة منهم لولا صدقي وسميحة توفيق، وبذلك تكون كونت جيلاً جديداً من الممثلين. بحيث إذا تعرضت لموقف كالبارحة تجد البديل، وبذلك يتجدد شباب الفرقة.. أُعجِبَ الرجل بالإقتراح. وقال أنه موافق مبدئيا لكنه موضوع يحتاج إلى دراسة وتفكير، ووعد بأنه سيفكر كيف يصبح هذا الموضوع حيّز التنفيذ. لم أصدق نفسي وشعرت أننا على بداية الطريق الصحيح.

وعن طريق هذه المجلة أيضا وهي التي لم يصدر عنها سوى ثلاث أعداد اعتبرت نفسي صحفياً وبدأت اتصل بالممثلين الكبار الذين كنت أحلم برؤيتهم لإجراء أحاديث معهم وكان الكثير من النجوم في هذه الفترة يحرصون علي أن يكون لهم صلة بالجامعة. وبدأت في نفس الوقت أُقنع بعض الممثلات الكبيرات بالعمل في الفرقة المسرحية التي نحلم بها أنا وفؤاد المهندس. فتحمست لولا صدقي إبنة المؤلف الكبير أمين صدقي من أم إيطالية، وكانت والدة أمين صدقي فرنسية، فأخذت من مصريتها سمرتها ومن الفرنسية رقتها ومن الإيطالية عنفها.

ذهبت إلى لولا صدقي فقد كانت تسكن في عمارة الشمس بشارع القصر العيني، وطلبت منها أن تعمل معنا وبدأت ألتقي بها كثيراً. وكانت تأمل في عمل فرقة تخلد ذكرى والدها. فقد كان بداية نجيب الريحاني مع أمين صدقي وكانت شخصية كشكش بيه من إبداع تفكير أمين صدقي، ولما اختلف القضبان بدأ أمين صدقي مؤلف غزير الانتاج، فثقافته الفرنسية ساعدته كثيراً في هذا المجال وكان يقتبس كثيراً من أعماله بعد أن يصبغها بالطابع المصري. ويقال أنه في إحدى مسرحياته لم يستطع كتابة الفصل الثالث حتى يوم افتتاح المسرحية. فنزل إلى كمبوشة الملقن ومعه النص الفرنسي فكان يترجم ويلقن الممثلين ويوجههم ويمليهم حركة الميزانسين في نفس الوقت، وباعتبار لولا صدقي وريثة أمين صدقي الوحيدة ذهبنا إلى دار المصنفات الفنية وكانت تتبع وزارة الداخلية في هذا الوقت، وطلبنا الاطلاع على مسرحيات أمين صدقي فرصدنا ما يقرب من 300 مسرحية، ما بين مسرحيات ثلاثة فصول ومسرحيات الفصل الواحد، فبدأنا نستعير هذه المسرحيات وكنا نرجو أن نطبعها على الآلة الكاتبة. فوجدنا أن ميزانيتي لا تسمح، فقد كانت المسرحية تكتب علي الآلية الكاتبة بما يقرب من جنيهين. فمن أين لما ب600 جنيهاً؟

المهم بدأنا نستعير هذه المسرحيات وكنت أنقل منها بخط اليد والغريب أن هذه النصوص كلها كانت مكتوبة بخط اليد، إما خط يد المؤلف وجزء كبير منها بخط الملقن، في النهاية لم نستطع كتابتها والاحتفاظ بها لكن استطعت ان أقرأ أغلب هذه الثروة في ظروف أفضل. حاولنا أن نكتب هذه النصوص على الآلة الكاتبة، ولكن بعد فوات الآوان لقد اقترحت هذه الثروة عن آخرها.



أزمة ممثلين..

لم تنقطع صلتي بمسرح الريحاني فكنت مواظباً علي حضور التمرينات. وفي يوم ما كانت الفرقة تجري تمرينات مسرحية (محدش واخد منها حاجة) وكان الأستاذ سراج منير يقوم بدور الكودية، وكان لا بد أن يرتدي اكسسوارا كثيراً من العقود والشخاليل والأحجبة، فذهبت إلى منزلي وكانت أمي عندها شنطة كبيرة في الصندرة بها كمية مهولة من هذه الأشياء، وأغلبها من الفضة وبعضها من الخرز الملون، فاخذت جميع هذه الاشياء دون أن تعلم امي وقدمتها هدية للفرقة، وبينما الفرقة تستعد لتقديم مسرحية حكم قراقوش وكان يضطلع ببطولتها بدلاً من نجيب الريحاني الأستاذ حسن فايق، في هذه المسرحية يوجد عدد كبير جداً من الممثلين لم يتوافر في الفرقة فقدمت للاستاذ بديع 4 ممثلين من الجامعة منهم فؤاد راتب (الخواجة بيجو) ليقوموا بالأدوار المساعدة، فأُعجِبَ بهم الاستاذ بديع ولم يكونوا يتقاضون أجراً. ولكن وجود هؤلاء، أقلق بعض الممثلين الصغار في الفرقة، وبدأو يهبطون من عزيمتهم.

كان فؤاد راتب يقوم بدور أمين الصندوق في الفصل الثاني، ولم يكن ينطق إلا جملة واحدة (مولاي قرة زادة أرندلي أوغلي أغا) وكانت المرة الأولى الذي يذكر فيها الإسم في المسرحية، فكانت تثير عاصفة من الضحك بسبب صوت فؤاد راتب القرار، ومع ذلك يقوله له اسكندر منسي فهمي: إنت مالك ومال التمثيل ما تخليك في الجامعة بتاعتك إنت لا هتطول تبقي ممثل ولا طالب.. لكن الشباب كان مصر علي الاستمرار...

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الخامسة


إيلاف


الجمعة 02 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي : بديع خيري رفض التعاون مع فؤاد المهندس!



تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

رفض لفؤاد المهندس

نعود الي العرض الذي اقترحته على الأستاذ بديع خيري بتكوين فرقة من شباب الجامعة، على أساس أن يربّي جيلاً من الممثلين يمكن أن يحلّ مكان الجيل الرائد في حال غاب أو اعتذر أحدهم. علماً أنهم كانوا مستعدين للعمل في سبيل الهواية، ولا تهمهم المادة. وقلت أيضاً أن السيدات تحية كاريوكا ولولا صدقي على استعداد للتعاون معنا.

وقيل في هذا أن السيدتين ميمي وزوز شكيب قد اعترضتا على الاستعانة بسيدات من خارج الفرقة خصوصا أنهن نجمات وأسمائهن لامعة. وسألت السيدة أمينة شكيب وقلت لها: سمعت أنك من معارضي تكوين فرقة من الشباب.. فقالت: بالعكس، أنا في مصلحتي كده، هو أنا عندي ابن عاوزة اعمله بطل للفرقة!


فؤاد المهندس في شبابه


المهم أنني بعد الموافقة المبدئية من الأستاذ بديع، لم أصدق نفسي وشعرت أننا على بداية الطريق الصحيح وطرت أزف الخبر لفؤاد المهندس وبقية الفريق وأن حلما على وشك التحقيق. فقريبا سنعمل في “فرقة دائة واي فرقة”!.. كبرى الفرق التي تقدم الكوميديا في مصر. وبتنا جميعا نحلم ونرسم مشاريع المستقبل الباسم، وبعد عدة أيام فاجأني الاستاذ بديع بالموافقة على المشروع. فقلت بثقة وفخر: طبعا في مقدمتهم فؤاد المهندس.. ما كدت أنطق بالإسم حتى انتفض الرجل واقفاً كأن أصابته حية أو لدغته عقرب! وقال إلا هذا.. لا يمكن مستحيل أن أوافق..! فتعجبت وأجبت في ذهول: ليه؟ ده فؤاد ممثل جيد جدا.. فقال: أعلم ولا اعتراض لدي على موهبته. وقال جملة مازالت في الذاكرة محفورة ولم أدري لماذا قالها وما معناها.. (ده زي أنور وجدي الإيد اللي هتتمدله هيعضها)..! قلت له يا استاذ بديع فؤاد المهندس رجل طيب جداً ومن أصل كريم.. وقال هذا الموضوع ليس له مجال في المناقشة.. وأنا ارشح حسين عبدالنبي ولأول مرة في حياتي أكون فيلن (شرير)، وتأتيني الشجاعة فأقول للأستاذ بديع: حسين عبدالنبي بيقول عليك حرامي.. خرجت الكلمة من شفتاي وكيف أواجه الاستاذ بهذه الوقاحة؟.. امتقع وجه الرجل وقال: بتقول ايه.. بقول إنك أخدت رواية (ابن مين بسلامته) من أحمد حلمي وكتبت عليها اسمك، وبالأمارة دفعتله فيها 30 جنيه.. فقال: “يا بني أنا ليس عندي متسع من الوقت كي اترجم مسرحيات. إن الذين يعرفون لغات قادرون على أن يترجمون مسرحيات كثيرون.. فهذه مقدرة لغوية.. ولكن أن تعيد صياغتها وتصبها في قالب مصري دون أن يشعر المتفرج بأي غرابة فتلك الصعوبة، أنا لا أغير الأسماء بحيث يكون جون هو برعي إنني أعيد صياغة المسرحية وأخلق مواقف جديدة وأضع الإيفيه الحراق.. أنا ممكن أترجم الرواية في 48 ساعة ولكن أظل أعمل شهوراً حتى تظهر للجمهور بالصورة التي ترضيني”.

حاولت بشتى الطرق إقناع الأستاذ بديع بتغيير رأيه.. لكن دون جدوى.. وانهارات الأحلام.. وضاع المشروع.. وعدنا لنقطة البداية. ظللت فترة طويلة عن سبب هذا الموقف المتشدد من الاستاذ بديع تجاه فؤاد المهندس.. وبعدها التقيت صدفة في الكواليس بالفنانة ميمي شكيب وقالت لي: طبعا مش عاوز فؤاد عشان ابنه.

بعدها عرفت أن السبب هو أن بعد وفاة نجيب الريحاني ذهب فؤاد مع مجموعة من أعضاء فريق التجارة إلى الأستاذ بديع وقالوا له أنه بما أن الفرقة لا تعمل في فصل الصيف حيث كان نجيب الريحاني معتاداً السفر خارج البلاد صيفاً، فهم يطلبون من الأستاذ بديع أن يؤجر لهم المسرح ويعطيهم مسرحيات الفرقة، وكذلك الممثلات كي يقوموا بتقديم الموسم. كان الاستاذ بديع يجلس في غرفة السيدة زوزو شكيب في المسرح حينما قدم له فؤاد المهندس هذا العرض.. صعق الرجل ولم يستطع النطق لدقائق ثم قال: (إنت عاوز تخطف اللقمة من بوقي).. في هذه اللحظة دخل الغرفة الاستاذ سراج منير.. فقال له الاستاذ بديع: تعالى شوف يا سراج الأساتذة بتقول إيه!..هنا تدارك فؤاد الخطأ الذي تسبب فيه زملاؤه وقال: (آسف يا أستاذ بديع أنا غلطان).. لكن سراج طردهم.. ولم يكن فؤاد قد اخبرني عن هذا الموقف مطلقا.



ورغم ذلك لم أيأس وحاولت مرات عديدة مع الأستاذ بديع لأصلح الموقف بلا جدوي حتى علمت من فؤاد انه يخرج لفريق التمثيل بجامعة عين شمس إحدى مسرحيات الريحاني التي يقوم ببطولتها محمد عوض، وكان من ضمن الفريق سعيد عبدالغني.. وقبل العرض قلت للاستاذ بديع إن فريق الجامعة يقدم إحدى مسرحياته فهل تمانع في أن تحضر وتشجعهم، ولم أقل له أن فؤاد المهندس هو مخرج العرض فرحب بالفكرة.. وفي يوم العرض ذهبت معه إلي مسرح جامعة عين شمس، وكان مرض السكر قد استحفل معه، حتى أن أصابع قدميه تآكلت.. فكان يتوكأ على عصا، وكان لا يستطيع ان يلبس حذاء فكان يلبس بنتوفلي (شبشب).. جلسنا في الصف الاول وبعد العرض سالته عن رأيه، فقال والله الأولاد هايلين، قلت له أنه إذا صعد إليهم وقال لهم هذا الكلام سيرفع من روحهم المعنوية.. فقال معنديش مانع.. ولما كان مرض السكر قد تمكن منه حتى انه تعذر عليه الخروج من المسرح للذهاب إلي الكواليس لأن المسرح كان به سلمين على جانب خشبة المسرح فاقترحت عليه أن يظل في معقده حتى يخرج الجمهور ويستطيع الصعود إلي المسرح من هذه السلالم الصغير.

خرج الجمهور وقبل أن يصعد إلي السلم فوجئت بالستار يرفع ويظهر فؤاد المهندس مهللا وقال اهلا اهلا سي بديع.. امتقع وجه الرجل ونظر لي وقال إنت جايبني هنا عشان تحرجني.. واستدر خارجا من المسرح وفؤاد مذهول لا يدري كيف يتصرف.
وكانت نتيجة هذا الحادث بالنسبة لي مؤلمة إذ أن الأستاذ بديع قاطعني ورفض مقابلتي واتخذ موقفا مني لمدة تزيد عن سنة.. تعرفت في هذه الفترة على الأستاذ أحمد شكري.. وكان يكتب للإذاعة برنامج ناجح جداً يسمي (يوميات أمشير).. فكتب لنا مسرحية اسمها (ما كان من الأول) وهي مسرحية كوميدية ترجمها عن الألمانية اسمها (كل المدينة تتحدث)، والي قدمتها فيما بعد في أول الاحتراف في فرقة ساعة لقلبك المسرحية وأعدت صياغتها مع الأستاذ أحمد شكري وقدمتها في مسارح التلفزيون باسم (حالة حب) واقتبستها السينما بعد ذلك باسم (إشاعة حب) واقتبسها الاستاذ بديع باسم (الرجالة ما يعرفوش يكدبوا).. استعنت في هذه المسرحية بالسيدات لولا صدقي وزوز ماضي ورفيعة الشال وقدمتها على مسرح الأزبكية لمدة ثلاث ليال في حفلات الماتينيه.. ولاقت من جمهور الجامعة إقبالا ملحوظا.

حريق القاهرة..

في 26 يناير 1952 حدث حريق القاهرة وحرقت أغلب المحلات وكذلك جميع الملاهي الليلية.. وكانت جثث القتلي تملأ الشوارع وأظلمت القاهرة وتكهرب الجو السياسي.. وكانت الوزارات تتغير كل شهر على الأكثر، والمسارح متوقفة وبالاختصار عاشت مصر فترة من أحلك الفترات، وفي 23 يوليو قامت الثورة وفي 26يوليو خرج الملك، مرت على الثورة 6 أشهر وفي يناير سنة 1953 أقيمت حفلات في المعرض احتفالا بهذه المناسبة.. كان يشترك فيها جميع الفنانين من مغنيات وراقصات.. حتى الممثلين كانوا يشتركون في هذه المهرجانات.. فيوسف وهبي يقدم فاصلا كوميديا، وكان الجميع يشتركون في نهاية العرض بنشيد.
انتهزت الفرصة وقدمنا إلى سكرتير عام الجامعة طلبا لكي نحتفل بإقامة مهرجانا فنيا في قاعة الإحتفالات الكبرى وكانت مغلقة لا تستعمل.. وأخذ الأستاذ رجاء العزبي الموافقة لهيئة النهضة الجامعية لإقامة مهرجان سينمائي، فقمت بالإتصال بالشركات الأجنبية التي كنت على صلة بها عبر المجلة وبنيت مع مديري هذه الشركات تربطني بهم صلة. وقررنا أن نصرف حصيلة هذه الحفلات على الفرقة المسرحية.. واستعطت الحصول على عدد من روائع الأفلام الأجنبية. وكان سعر التذكرة يتراوح بين قرشين ونصف وخمسة قروش. فاستطعنا أن نحصل على فيلم “لحن الخلود” من استوديو مصر عن طريق حسني بك نجيب. وكان يعرض في هذه الفترة بسينما استوديو مصر. وكان يحقق إيرادات خيالية وهو من بطولة فريد الأطرش وفاتن حمامة وماجدة ومديحة يسري وسراح منير...

عرضنا الفيلم في آخر أيام المهرجان وقدمناه في حفلتين وبيعت جميع التذاكر. لكننا فوجئنا في حفلة الماتينيه ولم تكن انتهت بالحرم الجامعي وليس به موضع لقدم، وخرجت حفلة الماتينيه وامتلأت حفلة السواريه بالجمهور.. ولكن الجمهور في الحرم الجامعي يتزايد،ما الذي حصل إن التذاكر المباعة قدر الكراسي.. امتلأت الطرقات بالجمهور ولا توجد أماكن لهم، والجمهور لا يزال في الحرم الجامعي والغريب أن كل هذا الجمهور معه تذاكر،بدأنا نرجع فلوس التذاكر للناس واتضح ان احد الطلبة قد زور التذاكر وزر ختم الضريبة وباع عدداً هائلاً من التذاكر وعرفنا أن الطالب قدم للمحاكمة وعليه حكم بالسجن وفصلاً نهائياً من الجامعة.



الدلوعة..

في سنة 1953 بعد قيام الثورة وفي ذكري نجيب الريحاني الرابعة استأجرنا مسرح الهوسابير لتقديم مسرحية الدلوعة تخليدًا لذكري الريحاني في 9 يونيه وكانت فرقة الريحاني قد احتفلت بذاكره 8 يونيه، وفوجئنا بحضور مندوب عن رئيس الجمهورية محمد نجيب في ذلك الوقت، وطلب الرجل أن يلقي كلمة بهذه المناسبة، على أن يقدمه الأستاذ بديع خيري، تحرج الموقف إذ ان الاستاذ بديع غير موجود، ذهبت جريًا إلى مسرح الريحاني وهو بالقرب من مسرح الهوسابير، وقابلت الاستاذ بديع ورفض الحضور، وقال: (لازم تعرف إن مندوب الرئاسة قد حضر إليكم عن طريق الخطأ إذ كان من المفروض حضور حفل التأبين الذي أقامته فرقة الريحاني أمس)، واضطررنا للاعتذار بأن الأستاذ بديع قد أصابته وعكة صحية وقدمنا العرض وعلمت أن عادل خيري حضر العرض دون أن يعرف أحد وكذلك حضر العرض الأستاذ محمود ذو الفقار المخرج المعروف في ذلك الحين وكانت تربط فؤاد بآل ذو الفقار علاقة صداقة قوية، وكان فؤاد في هذه الفترة يقوم بأدوار ثانوية في السينما فحينما حضر الأستاذ محمود ذو الفقار العرض أعجب بفؤاد، فعرض عليه القيام ببطولة فيلم بنت الجيران، وكان قد اعتذر عنه الاستاذ إسماعيل ياسين، مضى فؤاد عقداً مع أفلام ذو الفقار وكان بدايتها هذا الفيلم، ولم يلاق الفيلم نجاحاً ملحوظاً. فأسند إليه دوراً أصغر في الفيلم التالي، وكان باسم (الأرض الطيبة) وبعد ذلك دورين صغيرين جداً في فيلمي (غلطة العمر) و(عيون سهرانة) الذي قام ببطولته صلاح ذوالفقار أول عهده بالتمثيل.

كان في دفعتي في كلية الحقوق السيدة المطربة فايدة كامل والسيدة آمال بكيرالصحفية، وبرلنتي العشري التي تزوجت بعد ذلك المنتج حسن رمزي.. وأنجبا هدى رمزي الممثلة والمنتج محمد حسن رمزي، كذلك كان بليغ حمدي في الكلية أيضا، وكان يسبقنا في نفس الكلية الفنان الراحل عادل خيري نجل الكاتب الكبير بديع خيري.. بينما كان الكاتب الكبير يوف عوف مؤسس فرقة ساعة لقلبك معنا في الجامعة بكلية الزراعة.



نجيب الريحاني لم يكن يقدم موسما صيفيا في مدينة الأسكندرية اللهم إلا الأسبوع الذي يقدمه كل عام على مسرح محمد على (سيد درويش حاليا) لكن الاستاذ بديع قرر أن يقيم مواسم صيفية في مدينة الإسكندرية على مسرح كان يسمى مسرح النجمة بالشاطيء. وذلك قبل أن يبني مسرح الريحاني بكامب شيراز.. ولم أتمكن من مشاهدة أي عرض من هذه العروض التي قُدمت في الإسكندرية، وعادت الفرقة من الإسكندرية وقدمت موسماً صغيراً على مسرح الأزبكية الصيفي. ولما كانت هناك صداقة قوية تربطني بالأستاذ عباس فارس وزينات صدقي، فما أن اعلن موسم الفرقة بمسرح الأزبكية حتى هرعت لمقابلة الأصدقاء. وبمجرد أن دخلت كواليس المسرح حتى سألت الاستاذ سراج منير عن زينات صدقي. فقال: “لقد كرشناها..”! فقلت: “كرشتم السيدة التي حينما أعلن الأستاذ بديع خيري عن استمرار فرقة الريحاني في تقديمها وعرض على زينات العمل اشترطت أن تتقاضى نصف مرتبها، فلما قال لها الأستاذ بديع كيف؟.. فقالت لقد كانت الإعلانات تكتب نجيب الريحاني وفرقته يعني راح النص.. مات.. يبقي آخاد نص مرتب.. السيدة التي حينما أخذ يوسف الريحاني شقيق الأستاذ نجيب اكسسوارات المسرح أحضرت عفش منزلها، حتى يحل محل الاكسسوار الناقص.. هذه السيدة الفنانة الملتزمة التي لا يسمع لها صوت في المسرح، وكانت لا ترى إلا وهي تؤدي دورها على المسرح أو في حجرتها لا تختلط بأحد..”

ذهبت إليها وكانت تقيم بجوار الريحاني في شارع جلال، فعلمت منها أنه قد حدثت مشادة بينها وبين الشقيقتين ميمي وزوز شكيب.. لقد كانت زينات في فترة سابقة تعمل كراقصة في فرقة بديعة مصابني وكانت تفتح مع الزبائن، فلما عملت في بداية عهدها في فرقة الريحاني ظلت لفترة تعمل كراقصة أيضا، وفي هذا كانت تقول إن مواسم فرقة الريحاني قصيرة وهي مسؤولة عن أسرة كبيرة، شقيقتها وأولادها فكان لابد أن تعمل حتى تستطيع أن تعيش، إلي أن كان ذات يوم حضرت إلي المسرح ويبدو أنها كانت منهكة.. فلما صعدت إلي المسرح لأداء دورها فؤجي الريحاني بها تقول حوار الفصل الثاني في الفصل الأول.. فثار عليها الأستاذ فقلت له: حرمت يا أستاذ.. ومن هذا اليوم اعتزلت الرقص خارج فرقة الريحاني وخاصة حياة الليل وزبائنه، وكانت السيدتين ميمي وزوزو شكيب من أسرة كبيرة وكانتا من أوائل أبناء العائلات التي أحترفت التمثيل.. فكانت كلما قرأتا في صفحة الوفيات عن موت أحد الباشوات حتى ترتديان ثياب الحداد، لأن الباشا الفلاني قريبهم قد مات، وكانت تمثلان هما والاستاذ سراج منير مركز قوي في الفرقة، فهما بطلتا الفرقة والأستاذ سراج ممثل ومخرج الفرقة وكانت تعايران زينات صدقي بما فيها كلما مرت في الكواليس إلى أن طفح الكيل ذات يوم، فانفجرت زينات، وقالت أنا ما عملتش بمزاجي.. أنا عملت كده عشان محتاجة مش زي غيري مش محتاج وبيعمل كده.

قالت زينات ما قدرتش استحمل..رحت ماسكة زوزو من شعرها وكان شعرها طويل جدا ولفيته على إيدي وقلعت الشبشب وعكمتها ضرب اسكندراني من اللي يوجع وما يبانش.. واحترمت نفسي ولميت هدومي وسبت المسرح، فما كان منهم إلا أن قدموا بلاغاً في القسم ضدها، فلما حضرت أمام ضابط القسم الذي وجه لها تهمة أنها بضربها لزوزو شكيب التي ادعت انها كانت حامل وسقط حملها بسبب هذا الضرب فقالت: (يا ولية حرام عليكي بقالك 20 سنة ما حملتيش في نملة جاية دلوقتي تقولي أنك حامل).. ولما قالها الضابط إنها تعدت على سراج منير بالسب والقذف قالت له: (إنت راجل ....).. فما كان منها إلا أن ردت بتلقائية: اسمع يا حضرة الضابط انا اسمي زينات.. لما تقولي يا زينات هزعل؟.. وخرجت زينات من فرقة الريحاني إلى الابد وكل المحاولات التي بذلت لكي تعود إلي الفرقة فشلت.. إذ كانت تقول الفرق التي أخرج منها لا أعود إليها أبدا.ً

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة السادسة


إيلاف


الإثنين 05 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي : يوثِّق اللقاء الأول بين بليغ حمدي وعبد الوهاب


الراحل الكبير بليغ حمدي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

بديع خيري يواجه الكارثة

في سنة 1954 مرت فرقة الريحاني بكارثة كبرى إذا اعلن الاستاذ أبو السعود الإيباري وإسماعيل ياسين عن تكوين فرقة إسماعيل ياسين للمسرحية.. ولقد إسماعيل ياسين النجم الكبير القاسم المشترك الأعظم في السينما المصرية في ذلك الحين، يعتلي المسرح لأول مرة ليس كمونولوجيست بل كممثل، وتعاقد مع حسن فايق، وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي.. أربعة من أساس الفرقة.. كما تعاقد مع السيدة تحية كاريوكا ولولا صدقي وفردوس محمد ومحمود المليجي والسيد بديربالإضافة لنجوم المسرح الحديث خريجي المعهد السيدة سناء جميل وعبد المنعم ابراهيم ونور الدمرداش وزهرة العلا مع فهمي أمان وعبد النبي محمد.. كل هذا الحشد من الممثلين في فرقة واحدة.. وكانت الإغراءات التي قدمها الأستاذ أبو السعود لأعضاء فرقة الريحاني كبيرة، حتى أن الاستاذ حسن فايق كان يتقاضي 300 جنيه شهريا على أن يقوم بدور في مسرحية وهو رقم فلكي في ذلك الحين، هذا بالإضافة أنه لا يعمل في كل مسرحية، فهو سيشترك في مسرحية الإفتتاح والمسرحية التي تليها لا يشترك فيها، بل يشترك فيها الأستاذ سيد بدير، وأعلنوا عن اسم مسرحية الافتتاح حبيبي كوكو.

على الجانب الآخر كنت آري الحزن مرتسما على وجوه أفراد فرقة الريحاني بعد أن انتزع منها أربعة من أكبر أقطابها وكنت أري بعض أعضاء النقابة الذين ليس لهم عمل يحاولون جاهدين أن يكون لهم مكان في الفرقة الوليدة.. الذي كان صامدا هو الأستاذ بديع فهو رجل المواقف الصعبة.. فكلما عبر بالفرقة إلى بر الأمان بعد موت الريحاني يأمل أن يعبر في هذه المرة أيضا، ظل الرجل يعمل في صمت واستعان بالاستاذ مختار عثمان لأول مرة في فرقة الريحاني، واكتفي بفنانيه المتبقين في الفرقة، وقدم مسرحية جديدة باسم (الحكم بعد المداولة) ونجحت المسرحية وعبرت الأزمة.

فرقة ساعة لقلبك..



بعد قيام الثورة قدمت الإذاعة المصرية برنامجا من أنجح البرامج في تاريخ الإذاعة وهو برنامج ساعة لقلبك.. الذي كان يقدم عمر فهمي.. والبرنامج قائم على مجموعة من المواهب الشابة وأغلبهم لم يسبق له العمل بالإذاعة وكان عموده الفقري يوسف عوف وهو خريج كلية الزراعة وكان له باع في حفلات السمر التي تقيمها الكلية، ضمت ساعة لقلبك مجموعة من نماذج الشخصيات حازت رضا الجماهير كالفشار أبو لمعة الأصلي الشخصية التي قدمها محمد أحمد المصري والخواجة بيجو الذي قدمه بنجاح فؤاد راتب، والفتوة الذي قدمه محمد يوسف، والفصيح الذي قدمه ممدوح فتح الله، والفلاح الذي كان يقدمه أمين الهنيدي، والرغاية التي كان يقدمها بنجاح أحمد الحداد.. وكذلك عبدالمنعم مدبولي الذي كان يقدم شخصيات مختلفة، والفأر وسلطان.. وبعد فترة انضم للبرنامج شخصية أسرت الجمهور وهو الدكتور شديد واسمه فرحات عمر، كذلك كان فؤاد المهندس يقدم ادوار كثيرة منوعة إلى أن كتب له عبدالمنعم مدبولي شخصية محمود التي قدمها مع الفنانة خيرية أحمد.. كان البرنامج يسجل في الإذاعة القديمة بشارع علوي أو الشريفين، بحضور جمهور كبير في الاستديو، وكان السيد محمد أمين حماد مدير الإذاعة في هذه الفترة متحمسا للبرنامج. فكان يتتبع سيره، كما كان يحضر تسجيل البرنامج في الاستديو، كان البرنامج يذاع يوم الجمعة بعد الصلاة، وكانت الجماهير تكتظ أمام أكشاك السجاير والمحلات التي بها راديوهات لتتبع البرنامج، حتى أصبح لأفراد البرنامج شعبية واسعة وبدأوا يشتركون في الحفلات العامة، فلا تكاد أي حفلة تخلو من فقرة لأحد أفراد البرنامج، وفي اعتقادي أن ظهور ساعة لقلبك وانتشارها الرهيب كان الأمر المباشر لاختفاء فن المونولوج.

لم أكن أعرف أي فرد ممن كانوا يشاركون في البرنامج، وكان نشاطي في ذلك الحين لا يتعدي نطاق الجامعة وتنظيم الحفلات المسرحية، إلى أن التقيت بلطفي عبدالحميد وكان يقوم بدور فتلة وهو بدين جد، فالصورة غير مكتملة في الإذاعة.. المهم تعرفت عليه وهو لا يزال طالبا في كلية الزراعة وهو الذي عرفني على يوسف عوف، الذي قال لي أنهم يريدون أن يقدموا برنامج ساعة لقلبك على نطاق أوسع، فلا بد من استثمار هذا النجاح مسرحيا، ففرحت جدا وكنت أتصور أنهم يريدون أن يقدموا مسرحيات متكاملة. لكن أصابني الاحباط حينما علمت أن ما سيقدمونه على المسرح هو نفس الاسكتشات التي تقدم في الإذاعة.. لكني وجدتها فرصة للخروج من نطاق الجامعة.

ساعة لقلبك



أصبحت سكرتيرا لفرقة ساعة لقلبك وكان أول عمل لي بالفرقة الاتفاق مع متعهد أحضرته السيدة رفيعة الشال يعمل لأول مرة ويريد أن يقدم موسما لمدة 11 يوم بمصيف رأس البر، وعلمت من السيدة رفيعة الشال أنه طيار أحيل للتعاقد، يدعي فريد إسماعيل.. التقيت بالرجل وعرضت عليه طلباتي وقد حرصت أن أبالغ فيها نوعا ما.. حتى إذا فاصلني كعادة أي متعهد أن أصل إلى أجر معقول.. فؤجئت بالرجل يقبل كل الشروط المبالغ فيها.. فقد كان العقد ينص على أن تتقاضي الفرقة 70% من الإيراد بحد أدني 80 جنيها في الليلة على أن يتحمل كافة المصاريف من إيجار المسرح للدعاية لإقامة الفرقة إقامة كاملة في أوتيل مارين فؤاد، وهو أحد أحسن الأوتيلات في رأس البر.. كذلك يدفع أجر الإنتقالات، لم أصدق أن يوافق متعهد على إمضاء عقد بكل هذه الشروط.. علاوة على هذا فإن الفرقة هي التي تشرف على الشباك دون تدخل من المتعهد.. سافرت إلى رأس البر قبل الفرقة بمدة كافية واصطحبت معي خطاط لعمل الأفيشات والإعلانات اللازمة للدعاية اسمه عبدالمنعم شطا.. ولما كانت رأس البر في ذلك الوقت كلها عشش من البوص وهذا هو الذي كان يميز رأي البر عن غيرها من المصايف فكان يتعذر تثبيت إعلانات على هذه العشش، فاستعنا بميكرفون يوضع في عربة تمر في شوارع رأس البر وبها مذيع يعلن عن قدوم الفرقة وابطالها وأنها ستعرض على مسرح سينما رويال.

فتحنا شباك الحجر فكانت النتيجة طيبة ومباشرة.. وكان المفروض أن يستأجر المتعهد أوتوبيس ليقل أفراد الفرقة تصل في عربات أجرة.. كل ثلاثة أو أربعة في عربة وهذا مكلف جداً.. مكلف أكثر كثيراً من استئجار اتوبيس.. سألت المتعهد لماذا كل هذه التكاليف، فقال أن هذا يجعل مستوي للفرقة وطلب مني أن أدفع أجر هذه العربات، من حسابه حيث أن مبيعات الحجز تخطت المبلغ المتفق عليه.. فلم استطع الرفض ودفعت المبلغ لكل عربة جنيهان ونصف.. انتقلت الفرقة إلى الأوتيل، فإذا بالحجرات محجوزة حسب الإتفاق.

وجاءت ليلة العرض الأولى فنجحت نجاحا كبيرًا.. فهذه هي المرة الأولى التي ظهر بها جميع أفراد البرنامج أمام الجمهور.

المتعهد يتنصل

لم يمض سوى 3 أيام إلا ووجدت مدير الأوتيل يطلب مني تسديد فواتير الإقامة والأكل للأوتيل، دهشت وأبلغته أن هذه المبالغ سيدفعها المتعهد فقال لي إن المتعهد أبلغه أن إدارة الفرقة هي التي ستدفع.. ولما واجهت المتعهد بذلك طلب مني أن أدفع من حساب نسبته كذلك طالبني صاحب المسرح إيجار المسرح وكذلك المسؤول عن الدعاية.. من أين لي أن أدفع هذه المبالغ وهي مبالغ تفوق نسبته بمراحل كثيرة !

في اليوم الرابع بعد العرض اتجهنا إلى الأوتيل ففوجئنا بإدارة الفندق تمنعنا من دخول غرفنا.. بل أن الفندق أخرج جميع لوازمنا من الغرف وتحفظ عليها إلى أن ندفع.

لم نستطع أن نفعل شيئا واستأجرنا مركبا وذهبنا إلى منطقة الجربي حيث أمضينا الليلة في المركب، والجربي شبه جزيرة في النيل امام رأس البر.. وكان بها عدد من الغرز لتدخين الحشيش، ظللت طوال الليل في حالة من اليأس لا نعرف كيف سنواجه هذا الموقف الصعب.

أيام صعبة

وبينما نحن في الجربي والبعض نائم في المركب والبعض الآخر مستلق على الشط، إذ بنا نجد شخصا في أواخر الثلاثينات من العمر طويلا عريضا وإذ به يمر على الموجودين يسألهم عن خاله.. ظل يسأل كل واحد منا: محدش شاف خالي؟.. وهذه الشخصية الغريبة نسيتنا مشاكلنا.. وظللنا نضحك على تصرفات هذا الشخص حتى علما أن اسمه يحيي سليط، وأن والده كان عمدة السنبلاوين وأنه لا يعمل شيئا ويعيش دون أن يحمل هما لأي شي، لقد وجدنا أمامنا زورا اليوناني، فهذا هو زوربا المصري، شخصية بوهيمية.. بالرغم من أن عائلته من العائلات الكبيرة، وعلمنا أنه لم يستمر في أي عمل سوي أسابيع قليلة وأخبرنا آخر عمل عمل به كان في شركة سعيدة للطيران، وهي شركة أنشئت في أواخر عهد الملكية فكان عمله يعطي الإشارة للطائرات كي تنزل إلى المطار، كانت الشركة تملك طائرتين، كانت طايرة منهم في المطار والآخري قادمة من رحلة، فاعطاها يحيي إشارة النزول، نزلت الطائرة وارتطمت بالطائرة الآخري فاحترقت الطائرتين وأفلست شركة سعيدة، ومن ساعتها ويحيي يسأل كل من يقابله قائلا: محدش شاف خالي، المهم أن يحيي منذ هذه الليلة ظل ملازما للفرقة بالرغم من إني في البداية كنت كارها ذلك.. فهو شخصية هجومية، لسانه زلف، لكن بمرور الوقت تعود عليه ورأيت فيه شخصا مخلصا، طيب القلب جدا، كريم جدا.. بالرغم من غلطاته التي قد تضعك أمام مواقف صعبة، إلى أن صارت بيننا صداقة وظل ملازمني إلى أن مات.

في الصباح ذهبت إلى مبنى المحافظة لتقديم شكوى في هذا المتعهد وهناك علمت أنه ارتبط مع المحافظ على إحضار الفرقة على أن تعطيه المحافظة ثلاثين جنيها يوميا لتشجيع السياحة.. فاستنتجت أنه احضر الفرقة دون أن يدفع مليما واحد، حتى يتقاضي 330 جنيها في نهاية المدة وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الحين، شرحنا موقفنا في المحافظة وتعاطف معنا المحافظ السيد محمود طلعت، وظللنا متفرغين لحل هذه المشكلة وإثبات أحقيتنا في هذا المبلغ، حتى نتكمن من سداد الالتزامات التي تراكمت علينا.. حتى إن إيراد المسرح قل جدا نتيجة إهمالنا له.

كان جزء كبير من عائلتي يستأجر عشش في رأس البر، وحاولوا بشتى الطرق أن أٌقيم معهم، وبلاش بهدلة.. ولكني كنت متضامنا مع زملائي ولا أستطيع تركهم، غضبت العائلة مني وقاطعتني ولكن أمي كانت ترسل لي كل يومين 10جنيهات دون أن يعلم أحد.. وكانت هذه الجنيهات هي التي تصرف على الفرقة بأكملها.

في النهاية جاء قرار مجلس المحافظة في صالحنا وصرفنا الإعانة واستطعنا أن نفي بالإلتزامات التي تراكمت علينا، وبمجرد الانتهاء من اخر حفل غادر اغلب أفراد الفرقة رأس البر بعد المعاناة التي لاقينها على مدار 12 يوما.
كان العيد الكبير سيحلّ بعد يومين من انتهاء عمل الفرقة، وكنت أنا ويوسف عوف ولطفي عبد الحميد (فتلة) قد استرحنا بعد سداد الديون وبدأنا نفكر تفكيرا هادئا، لماذا لا نستغل أيام العيد وهي موسم مضمون في العمل في رأس البر حتى نعوض الخسارة التي لحقت بنا، اختمرت الفكرة في اذهاننا وفاتحنا صاحب المسرح في أننا نريد العمل في العيد، ولكنه اعتذر لأنه مرتبط في العيد بعرض فيلم جديد.. ولكنه اقترح علينا اقتراحا ذلك أن السينما تقع على شارع النيل وأمامها على شاطئ النيل مقهي تابع للسينما، فعرض علينا أن نقيم عليها على سرداق نقدم عليه الحفلات.

اختمرت الفكرة في رؤسنا وقررنا تنفيذها واتفقنا مع متعهد فراشة لإقامة السرداق بمواصفات معينة على أن يكون به منصة كبيرة حتى نقدم العروض فوقها، اعددنا كل شئ ولم يتبق إلا أفراد الفرقة الذين اتجهوا للقاهرة بمجرد انتهاء العرض.

يوم العيد صباحا سافرت إلى القاهرة مع فتلة لإقناع الفرقة بالعودة، فذهبنا إلى أبو لمعة الذي كان رافضا تماما للفكرة واستطعنا إقناعه، ثم ذهبنا لأمين الهنيدي الذي قال يا اخوانا أنا مدرس محترم ولا يمكن أتبهدل أكثر من كده من أجل الهواية، وكان أمين مع أبو لمعة يعملان بالتدريس في السودان، ولا يحضران الا في الأجازة الصيفية وأجازة نصف السنة، ومررنا على بقية أفراد الفرقة من ممثلين ومطربين، وكنا نسنعين براقصة فلم نجد إلا راقصة حاملة في شهرها الخامس فاصطحبناها معنا.

وصلنا إلى رأس البر في حوالي السادسة مساء وكان السرادق قد أعد وكان شكله ملفتا للنظر فجميع الفنادق ودور العرض على الجانب الأيمن وهو وحده القائم على الجانب الأيسر فكان شكله مميزًا وكان أغلب المصطافين في رأس البر يتنزهون في المساء في شارع اليل، فلم نكن نحتاج لدعاية كبيرة، وكان شباك التذاكر عبارة عن مائدة صغيرة، وضعت امام السرادق ولم نكن نستعين بعاملة شباك بل كنت أتناول أنا ومنير فتح الله شقيق الفصيح ممدوح فتح الله لنبيع التذاكر، المقاعد كانت بدون نمر فكان من يحضر مبكرا يجلس في المقاعد الأمامية.

كان البرنامج يشمل مقدمة موسيقيو من الفرقة التي كان يتولاها صلاح عرام ثم عدد من الاستكشات لأبطال الفرقة، يخلل هذه الاسكتشات فقرة غنائية كان يقدمها بليغ حمدي ولم يكن اتجه للتلحين بعد، وإحدى المغنيات غير المعروفات، والراقصة الحامل.



اللقاء الأول بين عبد الوهاب وبليغ حمدي

لاقت العروض اقبالاً هائلًا بالرغم من بدايتها فلم تكن هناك إضاءة بالمعنى المفهوم في المسرح حالياً، وليس هناك ديكور فخم ولا ملابس مبهرة. ومع ذلك تجاوب الجمهور كان كبيراً حتى أن عددا كبير كان يضطر للوقوف لعدم وجود كراسي، وفي إحدى الليالي فوجئنا بالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب ومعه الصحفي اللامع جدا محمد التابعي يحضران في بداية العرض ولم يكن هناك أماكن لهم فاضطررنا لأن نضع كرسيين أمام الصف الأول.
وأبديا إعجابهما بأفراد الفرقة وكانت هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها الموسيقار عبد الوهاب ببليغ حمدي وفي نهاية العرض دعاني الاستاذ التابعي للغداء في عشته في اليوم التالي، وحضر الغداء الاستاذ عبدالوهاب الذي نصح بأن نهتم بإخراج العرض بشكل جميل، حتى لا تتبدد هذه الطاقات.. واعترض بشدة على الراقصة.

كان نجاح موسم رأس البر أكبر مشجع لنا على أن نستمر فقررنا أن نقيم موسما في مدينة الأسكندرية، ذهبت إلى الإسكندرية لاستئجار المسرح القومي وكانت تعمل عليه فرقة إسماعيل ياسين وكان موسمها ينتهي في 31 أغسطس، فاستأجرت المسرح لمدة4 أيام من 1 سبتمبر وحتي 4 سبتمبر، وتصادف أن يكون أول سبتمبر يوم خميس، طلب مني المعلم سعيد الجيار (صاحب المسرح) مبلغ 100 جنيه في الأربعة أيام، ولكن طلبت منه تخفيض المبلغ فوافق على أن يأخذ مبلغ 90 جنيه، على وعد أنه لو حققنا نجاحا نعطيه العشرة جنيهات.
ذهبنا إلى الاسكندرية وحاولنا العمل بنصيحة الأستاذ عبدالوهاب فاستعنا بالراقصة زينات علوي، والمطربة فايدة كامل.. وحاولنا أن نستأجر مناظر أحسن من التي استعنا بها في موسم رأس البر، ما أن فتحنا باب الحجز حتى تهافت الجمهور على شباك التذاكر فقد كان برنامج ساعة لقلبك في نجاح مستمر ونجومه زادت شعبيتهم.

لما كانت جميع الحفلات كاملة العدد فقد أصررت على تنفيذ ما وعدت به المعلم سعيد الجيار فذهبت إلى المعلم ومعي 10 جنيهات وأعطيتها له فتساءل الرجل، ما هذه العشرة جنيهات.. فقلت: لقد نجحت الحفلات فلا بد من دفع هذه الجنيهات العشرة فضحك وقال إنت صدقت ده كلام سوق.. ولكنه أخذ العشرة جنيهات.

الأزبكية

حينما عدنا إلى القاهرة بعد هذا النجاح وجدنا صعوبة في العمل في القاهرة، فالقاهرة كبيرة وتحتاج إلى إمكانيات ودعاية ضخمةمن جهة، ومن جهة آخرى لاتوجد مسارح نستطيع استئجارها. ولم يكن أمامنا إلا أن نستأجر مسرح الأزبكية في حفلات ماتينيه، وفعلا قمنا باستئجار المسرح لمدة ثلاثة أيام، واخترت بعض الاستكشات واستعنا بالاستاذ احمد حلمي ليخرج العرض بشكلٍ لائق بناء على توصية الموسيقار محمد عبدالوهاب، بحيث تكون الاستكشات مربوطة بعضها ببعض عن طريق موضوع كتبه يوسف عوف مع تغيير الديكورات في كل اسكتش. حاولنا إقناع فؤاد المهندس بتقديم اسكتش محمود هو وخيرية أحمد أحد الفقرات الناجحة جداً في برنامج ساعة لقلبك، فرفض رفضاً تاماً مع العلم أن الاسكتش تم تقديمه في الإذاعة فقط)، فهو مصر ألا يظهر على المسرح إلا من خلال فرقة مسرحية، وفعلا حاول الانضمام لفرقة المسرح الحر التي كانت في هذا الوقت هي وليدة تضم خريجي معهد التمثيل وكانت تضم: عبدالحفيظ التطاوي وسعد أردش، وزكريا سليمان، وأنور محمد، ومحمد سعيد عرفة وغيرهم من خريجي المعهد.. ولكن طلب فؤاد المهندس قوبل بالرفض حيث أنه لم يكن من خريجي معهد، لم نستطع أن نعلن عن العرض سوى في بضعة أسطر في صفحة الاجتماعيات.. كان عدد التذاكر المباعة قليلا ولم نستطع تغطية التكاليف فاضطررنا أن يشتري كل عضو عددا من التذاكر لتغطية المصاريف، وبالطبع لم يكن هذا حلا.

عودة لفؤاد المهندس..

مرة واحدة فقط لا غير وافق فؤاد المهندس على تقديم اسكتش محمود في أحد الأفراح ولا أتذكر صاحب الفرح ولكن كان من بين الحضور الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ولعل وجود إحسان كان هو الدافع الأوحد لقبول المهندس لأداء اسكتش “محمود إيه ده يا محمود مع خيرية أحمد”. ولكنه اشترط وجود ملقن مثل العرض المسرحي وقد قمت أنا بدور الملقن وقد أديت هذا الدور بغير إتقان على الإطلاق.

كررنا هذه التجربة عدة مرات وفي كل مرة كان الإيراد أسوأ من سابقتها، وكان أغلب أعضاء الفرقة مشغول بالحفلات العامة إذ لايكاد يخل أي حفل من نمرة أفراد ساعة لقلبك، حتى أن في أيام عيد الثورة في 23 يوليو والأيام القليلة التي قبلها والتي بعدها تقيم جميع الشركات حفلات في هذه المناسبة، فكان كل فرد في الفرقة يقدم أكثر من حفلة في أكثر من مكان.. فكان مثلا أبو لمعة يشترك في حفل في بنها، ثم يقدم حفلا أخر في طنطا ويعود إلى القاهرة ليشترك في حفل أو اثنين، وما ينطبق على أبو لمعة ينطبق على غيره وأعتقد ان هذه الاسكتشات السريعة قد قضت على فن المونولوج الذي كان سائدا قبل ظهور “ساعة لقلبك”.



كاريوكا

في الصيف التالي ارتبطنا بالعمل في رأس البر ولكن في هذه المرة كان العمل لحساب فرقة دون متعهد.. واتفقت مع السيدة تحية كاريوكا وكانت أبرز نجوم الاستعراض علاوة على أنها نجمة سينمائية كبيرة.. وفي أول أيام العرض فوجئنا بعدم حضور السيدة تحية رغم نفاذ جميع التذاكر ومع ذلك اضطررنا لإلغاء الحفل.. وسافرت إلى القاهرة فوجدتها في حالة ثورة.. إنتو عايزين تشغلوني في الملاهي؟.. أي ملاهي.. نحن نعمل في مسرح سينما رويال.. فقالت: المعلم صديق قال كده.. والمعلم صديق هذا كان أكبر متعهد حفلات في هذه الفترة.. وكان يعمل مع عبدالوهاب وأم كلثوم لكن تحية كاريوكا بالذات كان يحبها حبا حقيقا، وكان لا يريدها أن تشتغل مع أحد سواه، المهم تفهمت الموقف وأن المعلم صديق قد دبر لنا هذا الموقف وسافرت معي إلى رأس البر وأكملت الحفلات.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة السابعة


إيلاف


الجمعة 09 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


تحية كاريوكا تُلحِق الخسائر بفرقة المسرحي سمير خفاجي


تحية كاريوكا


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

عروض مستمرة

ويتابع “خفاجي”: بعد أسبوع من موسم رأس البر الناجح لفرقة “ساعة لقلبك” تعاقدنا على العمل في بورسعيد على مسرح يدعي الألدرادو. وذهبت إلى بورسعيد لتنفيذ الدعاية اللازمة وتجهيز المسرح الذي كان يعمل عليه قبلنا مباشرة فرقة المسرح الحر، وكانت تقدم في هذه الفترة مسرحية لكاتب جديد هو نعمان عاشور، وكانت المسرحية بعنوان مصر الجديدة، والتي تحول اسمها بعد ذلك إلى (الناس اللي تحت) وقد كانت هذه المسرحية هي ميلاد أحد أكبر الكتاب في المسرح في هذه الفترة.

وجاء يوم العرض وحضرت الفرقة وتحية كاريوكا لم تحضر، فاسقط في يدنا ولم تلغي الحفلة بل كتبنا لافتة كبيرة على باب المسرح بأن السيدة تحية كاريوكا لم تستطع الحضور في ذلك اليوم وأن من يريد أن يسترد ثمن التذاكر يستردها من شباك الحجز، وبعد انتهاء حفل السوارية استأجرت عربة وتوجهت إلى القاهرة وتوجهت رأسا إلى منزل السيدة تحية كاريوكا وكان معي ممدوح فتح الله الفصيح، وصلنا حوالي الخامسة صباحا، دخلنا.. هو مش من اللياقة أن نقتحم منزلها في هذه الساعة المبكرة، واتفقنا أن نظل في العربة حتى الساعة الثامنة ونمنا في العربة من شدة الإرهاق وفي حوالي الساعة السابعة والنصف صحوت فجأة من النوم فوجدت السيدة تحية تنطلق بعربتها فأيقظت السائق وطلبت منه أن يتبع عربتها وظللنا نطارد العربة حتى أصبحت العربتان بجوار بعضهما وإذا بالسيدة تحية تسلم علينا من بعيد وتنطلق بالعربة وكأنها رأت أحد أصدقائها بالصدفة، فسلمت عليها من بعيد، توقفت العربتان في إشارة الإسعاف فنزلنا من العربية وفتحنا باب عربة تحية وطلبنا من السائق ان يتبعنا، ركبت في المعقد بجوارها وممدوح فتح الله في المعقد الخلفي فلم تنطلق ولم تكلمنا إلى أن وصلنا إلى ستديو شبرا، حيث كانت تصور فيلم المفتش العام، في الاستديو ابلغتنا أنها لن تذهب إلى بورسعيد بعد الإهانة التي لحقت بها.. أي إهانة؟.. فقالت إنها طلبت من يوسف عوف أن يحجز لها في البولمان وكان هناك قطار اسمه البولمان ولكن يوسف عوف لم يفهم فحجز لها في اوتوبيس معروف بالبولمان، مما اعتبرته إهانة بالغة، المهم اعتذرنا لها وأنه لم يكن يقصد بل إنه اعتبر أن هذا طلبها، وسافرت معنا فعلا إلى بورسعيد وأكملنا الحفلات.

بعد ذلك استأجرنا المسرح القومي بالإسكندرية في أول سبتمبر كان إسماعيل ياسين يعمل به حتى 31 أغسطس وطلبت من السيدة تحية كاريوكا أن تسافر معي إلى الإسكندرية قبل موعد العمل حتى أكون مطمئنا وفعلاً سافرت معي هي وزوجها عبدالمنعم الخادم في ذلك الوقت، وأقامت في أوتيل ويندوسر، في ليلة وصولنا سهرنا في بار الأوتيل وضحكنا وقالت أظن إنت مطمئن المرة دي، فقولتلها جدا وأخبرتني أنها ستتوجه صباحا إلى المسرح كي ترتب ملابسها في الحجرة المخصصة لها ومعها لبيستها عطيات وتطلق عليها اسم شيتا.

في اليوم التالي وكان ذلك قبل ليلة العرض الأولي كلمتني تليفونيًا وطلبت مني الحضور للأوتيل على وجه السرعة، فارتديت ملابسي على عجل وتوجهت للأوتيل وفي حجرتها وجدتها جالسة على كرسي وممدة ساقيها على كرسي آخر ووجدت أن رجلها مربوطة برباط طبي.. خير حصل إيه؟.. أخبرتني أنها حينما توجهت إلى المسرح مع اللبيسة انفعلت عليها.. وتحية عصبية عادة.. وخبطتها بالمنضدة برجلها فاصيب بشرخ، وأنها لا تستطيع بطبيعة الحال أن ترقص، أسقط في يدي.. ما العمل والعرض في الليلة التالية.. ما هذا الحظ.. إننا في بداية سبتمبر وليس في عز الموسم، وتحية أكبر اسم في المجموعة.. كانت الفرقة قد وصلت واجتمعت مع يوسف عوف، ووجدنا أنه مستحيل ألا تعمل تحية وأنها إذا لم تعمل ستكون خسارة فادحة، أن صلنا لحل قد ينقذ الموقف، ووصلنا لحل ينقذ الموقف، وهو أن تظهر تحية كممثلة لا راقصة ووافقت على هذا الاقتراح، وكنا اتفقنا مع عبدالمنعم ابراهيم الذي كان يعمل في ذلك الوقت في فرقة اسماعيل ياسين، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها في الفرقة، وكان يقوم في برنامج ساعة لقلبك بشخصية الرغاي.. قمنا بعمل التمرينات في الأوتيل مع تحية وعبدالمنعم على اسكتش كان أحمد حلمي كتبه ليقدمه عبد المنعم إبراهية.

في موعد ظهور تحية كاريوكا على المسرح فتحت الستار ودخلت تحية تعرج قليلا، وقالت للجمهور إذا كنتم صحيح بتحبوني إقبلوني المرة دي ممثلة مش راقصة، صفق لها الجمهور طويلا وعدت الليلة دون خسائر.

في اليوم التالي ذهبت للطبيب الذي أخبرها أنه يجب أن تضع ساقها في الجبس لأن الإشاعة أثبتت أن بها كسر وإن لم تضع في الجبس تعرضت لخطورة.. وقام الطبيب بتجبيس رجلها من أول الركبة حتى القدم.. وبطبيعة الحال لا يمكن أن تظهر على المسرح وامام هذا الظرف اضطررنا للاستعانة بالراقصة نعمت مختار التي ظلمت بوضعها في هذه المقارنة وطبعا النتيجة لم تكن في صالحها ولا صالح الفرقة وما حققناه في رأس البر وبورسعيد خسرناه وأكثر في هذا الموسم الصيفي بالإسكندرية.



حينما عدنا بعد هذا الصيف قدمنا حفلات قليلة على مسرح الأزبكية ولم نلاق نجاحاً ملحوظا وكان معنا من الممثلات سهير الباروني وأزهار شريف زوجة حسن حسني ونبيلة السيدة، وكانت نبيلة مواردها قليلة ومسئولياتها كبيرة، إذا كانت ممثلة بالمسرح الشعبي، في الفترة التي كان يعمل بها على الكسار وقد كان بطل الفرقة وأذكر ان المرة الوحيدة التي شاهدت فيها على الكسار كنت مارا آخذ نبيلة بعد انتهاء حفلة ماتينيه بالمسرح الشعبي، وكانت في دار المركبات في 26 يوليو، وكان يقدم مسرحية باسم (سرقوا الصندوق) وهي عن رائعة موليير البخيل، وندمت لأنني لم استمتع بذلك الرجل قبل ذلك فهو ممثل تلقائي سلس بلا افتعال، الكوميديا تخرج منه بطبيعية شديدة.

المهم كانت موارد نبيلة السيدة قليلة وعملها في الفرقة لا يتعدى 4 أو 5 أسابيع في السنة، فقد فاجأتني ذات يوم أن فرقة الريحاني عرضت عليها العمل وستأخذ مبلغ مغري 12 جنيه في الشهر يعينها على التزاماتها بطبيعة الحال.. لا أحد يستطيع معارضة هذا العرض وانضمت نبيلة إلى فرقة الريحاني وكانت تأخذ أدوار صغيرة بالنسبة لموهبتها الكبيرة.



في هذه السنة كنت وصلت إلى السنة النهائية بكلية الحقوق، ولم أكن أذاكر إلا في الأيام الأخيرة قبل الامتحان، في فترة الامتحانات جاءت للفرقة دعوة من الموسيقار محمد عبدالوهاب لحضور عشاء عنده بمناسبة تشريف صاحب السمو الملكي الأمير الحسن ولي عهد المغرب وقتها مصر (الملك الحسن الثاني يرحمه الله) فقد أقام الموسيقار هذا العشاء وكانت ساعة لقلبك موضة هذه الفترة، فقلما توجد حفلة كبيرة دون أن تدعي إليها.. فصادف أن الصباح التالي لليلة الحفلة آخر امتحان لي، وكان في مادة أصول الفقه ولم أكن قد حضرت أي محاضرة لهذه المادة ولم أكن حي فتحت أي ملازم الكتاب وقرأت فيها شيئا.. ما العمل؟.. أذهب إلى الامتحان أم الحفلة؟.. ظل فكري مشتت.. لابد من أداء الامتحان فكلها أيام وتنتهي من الدراسة للأبد.. أما العشاء فإنها مناسبة قلما أن تتكرر.. حفلة بها ولي عهد المغرب وسيغني فيها عبدالوهاب.. كيف أترك فرصة كهذه.. وأخيرا استقر تفكيري على أن أذهب إلى الحفلة وبعد الحفلة أعود وأذاكر في أصول الفقه حتى موعد الامتحان.

وذهبت إلى الحفل وكان حفلاً رائعا ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه وجدت زوج شقيقتي السيد حسن فهمي عبدالمجيد هناك وكان في ذلك الوقت ملحق مصر العسكري في المغرب، وكان هو مرافق سمو الأمير.. دهش لوجودي وسألني كيف تأتي إلى حفل كهذا والامتحانات على أشدها، وكانت هذه سنة الإعادة، إذ سبق لي ورسبت في الليسانس بسبب إنشغالي بالفن والفرقة.. لم أتردد وقلت له أن ليوم كان آخر أيام امتحاناتي وعدي على خير والحمد لله.

غنى عبدالوهاب (كل ده كان ليه) وأجاد وأطرب وأطال كذلك غني عبدالعزيز محمود، وقدمت الفرقة بعضا من اسكتشاتها، وسهرت كثيراً وذهبت إلى المنزل في حوالي الثالثة صباحا.. ذهبت إلى حجرتي وأخرجت الكتاب ودخلت إلى الحمام وملأت البانيو بالمياه وجلست فيه أفتح ملازم الكتاب، فوجئت لأنه لابد لي من حفظ آيات قرآنية كثيرة للاستدلال بها فلم استطع تجميع أي شئ حاولت التركيز مرة آخرى ولكن دون جدوى.

ذهبت في الصباح في موعد الامتحان وامسكت بورقة الأسئلة فلم أفهم منها شيئا وكتبت اسمي ورقم جلوسي على الورقة المثبتة في ورقة الإجابة وتركتها بيضاء بغير سوء، وخرجت من الامتحان وعدت إلى المنزل وسألني والدي عما فعلت، فقلت له: هايل.. الامتحان كان سهل جدا وأجبت على جميع الأسئلة قبل الموعد المحدد بمدة طويلة وخرجت.

قبل ظهور النتيجة كنت قد سافرت مع الفرقة إلى رأس البر وكنا نقدم الموسم الصيفي هناك.. وفي إحدى الليالي وصلني تيلغراف من والداي يبارك لي على النجاح.. نجاح أي نجاح.. أنا لم أدخل الامتحانات وهذا ليسانس أي يجب أن أنجح في كل المواد.. لم أستطع تفسير هذا اللغز.. وبدأ الناس يباركون لي.. ولم تؤاتيني الشجاعة على قول الحقيقة.. وبما إن أصولي من دمياط ولي أقارب كثيرين يصيفون في رأس البر بدأو يقيمون لي الولائم وبعضهم ذبح خرافا وأنا لم استطع إيقاف هذه المهزلة التي لا أدري لها سببا.ً

حينما عدت إلى القاهرة عرفت سبب هذه الكارثة إذ كان والدي مريضاً وطريح الفراش.. وكان صديقي ممدوح خيري الذي لازمني أغلب فترة الدراسة في الثانوي وكل فترة دراستي بالجامعة وهو معي في كلية الحقوق آخذ والدي في مطاردته تليفونيا يوميا كي يسال عن النتيجة وأشفق صديقي على الرجل في مرضه ولم يشأ أن يصدمه بالحقيقة. فقال له إني نجحت.. لم أٌقل الحقيقة لأحد بل تماديت في قصة النجاح هذه.. وكنت أذاكر سراً في حجرتي فإذا شعرت بأحد يدخل على الحجر كنت أفتح رواية لإحسان عبد القدوس أو طه حسين.. الكارثة الكبرى أنهم بدأوا يبحثون لي عن وظائف وكلما عرضوا شيئاً رفضته.. واصلت المذاكرة وتقدمت لامتحان التيرم الأول ونجحت، لكن هذه المرة لم يبارك لي أحد، لأن الجميع عرفوا إني نجحت العام الماضي.



بليغ محلنا..

كما سبق أن قلت أن بليغ حمدي كان عضوا في الفرقة وكان يغني في بداية العرض وكانت فايدة كامل مطربة وكانت زميلة لي في كلية الحقوق، كذلك بليغ بالرغم من أنه لم يكمل دراسته في كلية الحقوق وبالرغم من أنه غير دارس للموسيقى، إلا أنه كان مرهفاً بحسه الموسيقي. فبداياته كملحن ظهرت بفرقة ساعة لقلبك، وبدأ في تلحين بعض الأغاني للسيدة فايدة كامل.. وقد استمع الموسيقار عبدالوهاب لبعض هذه الألحان وأعجب لها.. كان بليغ نشطا في التلحين.. ولم يكتف بالسيدة فايدة كامل.. بل كانت معنا مغنية في بداية طريقها تدعي (سونيا عبدالوهاب)، وكانت تقوم احيانا ببعض الأدوار المساعدة.. قدّم لها بليغ لحنا لم يكن يدري أنه له دخل كبير في شهرته. فهذا اللحن هو (حب إيه اللي انت جاي تقول عليه)، وقد كتب كلمات الأغنية شاب ناشئ هو عبدالوهاب محمد الذي أصبح بعد ذلك من أرق كتاب الأغنية.

بعد سنوات قليلة ظهرت الصحف وفيها أن سيدة الغناء العربي أم كلثوم ستقدم لحنا لأول مرة من تلحين بليغ حمدي وكانت أغنية (حب إيه)، لقد كان بليغ صديقاً للموسيقار محمد فوزي، وكان فوزي مؤمنا ببليغ لأقصي حد حتى أنه طلب من السيدة أم كلثوم أن تستمع لألحان بليغ رغم أن محمد فوزي كان إحدي أمنياته أن يلحن لأم كلثوم لكن لم يتم هذا اللقاء.

دعا فوزي أم كلثوم إلى سهرة في منزله كي تستمع إلى الملحن الشاب، وذهبت أم كلثوم فوجدت شابا صغيرًا متربع على الأرض يلبس عدة سلاسل في صدره محتضا عوده، بدا على أم كلثوم الامتعاض، فأم كلثوم اعتادت على الاحترام من الجميع وتتمسك بقواعد البروتوكول وودت لو انصرفت، ولكنها مراعاة لفوزي جلست على مضض، وبدأ بليغ يداعب عوده ويغني حب إيه اللي انت جاي تقول عليه.. وقرب نهاية السهرة كانت أم كلثوم متربعة على الأرض بجوار بليغ تردد معه الأغنية ولم تنته السهرة حتى كانت حفظتها.. وأصبحت أم كلثوم مؤمنة بموهبة بليغ حمدي الدافقة.. وقيل إن أغنية (أنساك يا سلام) كان فوزي لحن الكوبليه الأول منها، ولما وجد تحمس أم كلثوم لبليغ دفع إليه بالأغنية كي يلحنها وظهرت بعد ذلك باسم بليغ .

كانت أمنية بليغ أن يصل إلى المسرح الغنائي فدرس الموسيقى دراسةً جادة. وبدأ يكتب نوت ألحانه بعد أن كان يعطيها لموزع يقوم بتوزيعها.. وكتابة نوتها، وقد تعاونا كثيراً في مجال المسرح الاستعراضي كما سيأتي فيما بعد.

في التخشيبة..

كنت أجلس في كازينو الجوهرة وهو كازينو مقام في حديقة الأزبكية مع بعض الأصدقاء وكنا قد انتهينا من أحد مواسم الإسكندرية.. فوجدت مخبرا يحوم حول المكان، ولم تمضِ سوى لحظات حتى تقدم مني.. حضرتك الاستاذ سمير خفاجي؟ فأجبته بالإيجاب.. فقال مطلوب منك 92 جنيه.. معاك؟.. فقلتله بالطبع لا.. قالي اتفضل معايا على القسم.. قسم ايه يا أخينا في ايه؟.. اتفضل على القسم وإنت تعرف.. ذهبت إلى القسم مع بعض أصدقائي وفي القسم عرفت الموضوع.. كنا في موسم الإسكندرية لا نلجأ للدعاية على العرض المسرحي لشركات دعاية متخصصة مثل الآن.. بل كنا نطبع أفيش 3 فوليو (أصغر حجم لورق الدعايا) ونلزق على الحائط وأكشاك النور عن طريق أشخاص يقومون بهذه المهمة في فترة المساء، كذلك كانت تعمله أغلب الفرق المسرحية والاستعراضية، ولم نكن ندري أن في هذا ما يخالف القانون.. لم نكن ندري أن هذا يسمونه إشغال طريق.. وهي جنحة غرامتها المالية عن كل أفيش 102 قرش صاغ.. كنا نطبع حوالي 300 أفيش في مختف أحياء الإسكندرية.. ويقوم كل حي بحصر الأفيشات في منطقته ويقوم بعمل قضية بعدها ويخطر الحي في الإسكندرية القسم بالقاهرة، ليقوم بالقبض على الشخص الذي صدرت التحريات باسمه، وترحيله إلى الاسكندرية ليبقى في قسم شرطة الحي، إلى أن يعرض على النيابة في اليوم التالي ليعارض في الحكم ويفرج عنه بعد أن تتحد جلسة.

المهم ذهبت لقسم الازبكية وكانت القضية في باب شرق بالإسكندرية.. علمت هناك أني سأقضي الليلة في الحجز في القسم، إلى أن يتم ترحيلي صباح اليوم التالي إلى الإسكندرية مع المجرمين من اللصوص وتجار المخدرات.. انهرت طبعا، ما هذه الكارثة؟.. ألا يوجد طريقة أخرى غير هذه.. بعد عدة اتصالات وترجيات وصلنا إلى أن هناك طريقة أخري وهي أن أسافر مخصوص على حسابي وأتوجه به إلى الإسكندرية.

قبلت الوضع وأرسلت يحيى سليط إلى والدتي كي يحضر مبلغا من المال، حتى أنتهي من هذه الليلة الكئيبة.. وذهب سليط وأنا في القسم أعد الدقائق، إلى أن يعود، فمضت ثلاث ساعات ولم يحضر فبدأت في عملية استعطاف مع الشاويش كي يسمح لي أن أتصل بوالدتي تليفونياً، وبعد شرب الشاي سمح لي بالاتصال بالوالدة التي علمت منها أن يحيي أخذ الفلوس وانصرف في حالة انهيار تام، فلما كلمتها أرسلت لي مبلغا آخر مع شخص آخر، واستأجرت في الصباح تاكسي ويصحبني عسكري إلى الإسكندرية، وتوجهنا إلى القسم ومنه إلى النيابة وقمت بعمل المعارضة أمام النيابة ورجعت بالتاكسي مرة أخري للقاهرة، وكلفتني هذه العملية ما يقرب من 25 جنيها.

في المساء قابلت يحيي في كازينو الجوهرة وثرت فيه، وأنا أساله عما حصل.. فأخبرني أنه بعد أن أخذ الفلوس من الوالدة لم يستطع أن يراني في القسم مع المجرمين فذهب إلى بار رخيص وظل يشرب بالنقود حتى الصباح، حتى ينسى ما جري لي.

تكررت هذه العملية ثلاث أو أربع مرات، كل قسم في الإسكندرية يبعث قضاياه إلى القسم في مصر ليقبضوا عليه.. فأصبحت العملية روتينية، وأصبح ضباط وعساكر القسم يعرفونني، وفي كل مرة أقوم بنفس العملية.. وكان آخرها كانت الفرقة مسافرة صباح اليوم التالي إلى بورسعيد وجاء المخبر إلى الكازينو وحاول يحيى سليط بطريقة فجة أن يرشي المخبر في أثناء مرور أحد الضباط في الطريق وفجأة حينما رأي المخبر الضابط صرخ المخبر الحقني يا حضرة الضابط عاوزين يرشوني.. وكانت ليلة ليلاء.. وفي النهاية ذهبت إلى القسم في الرحلة المعتادة وتوجهت إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة ثم لحقت بالفرقة في بورسعيد.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الثامنة


إيلاف


السبت 10 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي : فؤاد المهندس وُلِدَ مجدداً على مسرح “ساعة لقلبك”


فؤاد المهندس في شبابه


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

ساعة لقلبك المسرحية..

ويتابع خفاجي سرده: بعد هذا الموسم في بورسعيد جلست لترتيب حياتي خصوصا بعد أن مات والدي وأصبحت مسؤولاً عن نفسي والمفروض أن أكون مسؤولا عن والدتي، فقد أصبحت وحيدة وشقيقتاي متزوجتان ولا يقمن في مصر. فشقيقتي التي تصغرني مباشرة مقيمة في المغرب مع زوجها الذي أصبح سفير مصر في المغرب، والصغري بعد وفاة والدي مباشرة انتقلت مع زوجها إلى ليبيا الذي تم تعيينه ملحقا عسكريا في سفارتنا في ليبيا.. وأصبحت أقيم أنا ووالدتي وحدنا وكنت أسهر مع أفراد الفرقة كل ليلة سواء كان هناك عمل أو كنا نذهب إلى أحد الأماكن العامة ولم أكن اعود إلى المنزل إلا في ساعات الصباح الأولى، وملت والدتي هذه الوحدة وجاء خالي وأقنعها بأن تقيم معه في البلد، وكانت جدتي مازالت على قيد الحياة، وبعد مفاوضات كثيرة استطعنا إقناعها وقد كان همها الأول كيف أستطيع الإقامة وحدي وأنا شخص لا يجيد عمل أي شيء في المنزل فطمأنتها أني كبرت واستطيع الاعتماد على نفسي في كل شيء وأنا لا أدري ما سأفعله..! حتى هذه اللحظة كنت لا أحمل أي هم معتمدًا عليها من طفولتي حتى أصبحت شابا.. كانت تتولى كل شئ حتى ملابسي التي أخرج بها في الصباح هي التي تنتقيها. فقد كمن أجد كل صباح في حجرتي القميص الذي سأرتديه مكوي وكذلك البنطلون.. والجزمة تلمع، وأعود فأجد االحجرة مرتبة والغداء معدًا.. هل استطيع عمل كل هذه الأشياء؟.. كانت شقتنا كبيرة جداً، لا استطيع تحملها وحدي فاتفقنا على أن نترك هذه الشقة الكبيرة واستأجرت شقة صغيرة في حدود إمكانياتي.. وسافرت والدتي وبدأت رحلة البحث عن شقة.. وتركت العفش عند صديقين لي إلى أن أجد شقة وأتمكن من نقل العفش.. كان أحدهما عبدالفتاح السيد وهو مترجم مسرحيات عن اللغة الفرنسية وكان يعمل مع الأستاذ أبو السعود الإيباري مترجما ومديرا للفرقة.. وكانت شقته صغيرة ولم تستوعب كل العفش فعرض على وديع وكان يعمل بار مان في بار يدعي جامايكا، كانت صاحبته إيفون ماضي، ابنة الفنانة زوزو ماضي، حينما عرف أني لا أجد مكان أضع فيه العفش عرض على أن يخزن لي جزءا منه في منزله فشعرت أن مشكلة العفش قد حلت وقبلت فورًا.



كان يوسف عوف وهو صديق ورجل تركن إليه فالأزمات، يقيم بمفرده في الشقة في الدقي بشارع نوال تتكون من غرفتين وصالة وكانت شقة صغيرة لكنك تشعر فيها بالدفء خصوصا مع صديق تستطيع مناقشته في مشاكلك بلا خجل، وخصوصا إنه يعمل بنفس المهنة التي نعمل بها.

كنت كما سبق وذكرت أن أبطال الفرقة لا يرحبون بالعمل في فرقة مسرحية وأنهم يفضلون وضع الفرقة كما هو قائم وأن هذا التطور الطبيعي فالحياة أصبح إيقاعها سريع فيجب أن يكون المسرح إيقاعه سريعاً، وأن الإيقاع السريع هو هذه الاستكشاف.

بعد جهد وبعد أن فشل أكثر من موسم لنا استطعنا إقناعهم يتقبل الفكرة على أن لا يتحملوا أي ماديات واتفقنا على أن يأخذ كل منهم نسبة الأرباح هي 5%، بدأت الإعداد للفرقة الجديدة وطبعا استعنت بفؤاد المهندس، الذي رفض رفضا باتاً العمل في فرقة ساعة لقلبك الاستعراضية، ورحب كل الترحيب بالفرقة في وضعها الجديد، كما استعنا بالاستاذ أحمد حلمي وهو خريج تجارة وهو الذي كان يترجم ويخرج المسرحيات التي تقدمها فرقة التجارة ويقوم ببطولتها حسين عبد النبي كما أنه رقيب في الرقابة على المصنفات الفنية.. بدأت الفرقة بثلاث مسرحيات (مراتي صناعة مصرية قدمها من قبل الاستاذ أحمد حلمي لأول مرة بفريق كلية التجارة القاهرة على مسرح الريحاني ولمدة ليلة واحدة وكان يقوم ببطولتها حسين عبدالنبي ونور الدمرداش ولأول مرة قدموا فيها النجمة السينمائية ماجدة الصباحي) و(أسألوا الاستاذ شحاتة والمسرحيتين من تأليف وإخراج الأستاذ أحمد حلمي).. أما الثالثة فهي المسرحية التي كتبها لنا الأستاذ أحمد شكري والتي كنا قدمناها سابقا وأخرجها فؤاد المهندس وهي (ما كان ما الأول)، في هذا الموسم اشتركت معنا السيدات زهرة العلا وزوز شكيب وسميحة توفيق كذلك السيدة آمال زايد.



فتحنا الستار لأول مرة عن فرقة ساعة لقلبك المسرحية بمدينة بورسعيد وكانت مسرحية الافتتاح هي (مراتي صناعة مصرية)، وكانت البطولة المطلقة فيها لفؤاد المهندس وهو الدور الذي كان يقومه به حسين عبدالنبي، ولم تكن الجماهير تعرف فؤاد المهندس معرفة جيدة فكانوا يعرفون كصوت في الإذاعة إذ أنه كان يقدم برنامج (عيلة مرزوق أفندي)، كذلك كانت الأفلام التي ظهر فيها قليلة وكان قد قام ببطولة فيلم واحد وهو بنت الجيران الذي أخرجه محمود ذو الفقار بعد أن رآه ونحن نقدم في الجامعة مسرحية الدلوعة فأعجب به لأول مرة رغم أن فؤاد كانت تربطه علاقة حميمة بشقيقة صلاح ذو الفقار الذي لم يكن قد دخل عالم الفن بعد.. كذلك كانت تربطهم جيرة فهم من سكان العباسية في ذلك الوقت.. بعد رفع الستار كلما دخل أحد الممثلين المسرح من أعضاء ساعة لقلبك والمميزين أصواتهم مثل محمد يوسف الفتوة قوبل بعاصفة من التصفيق فكلهم نجوم لامعة يعرفها الجمهور حق المعرفة.. ولكن لما دخل فؤاد المهندس قابله الجمهور بصمت ولم يحييه التحية المفروض أن يحيوه بها.. شعرت بمرارة كالتي من المؤكد أنه أحس بها وهي على المسرح وتتابعت مشاهد المسرحية التي كانت فؤاد المهندس في أحد مشاهدها يقدم مشهد رجل سكران، وكان فؤاد حتى هذه اللحظة لم يكن ذاق طعم الخمر ولا يعرف تأثيرها.. ولا يعرف تأثيرها على شاربها.. ورغم ذلك أدّى المشهد بعبقرية لفتت أنظار الجمهور .. فأخذ يصفق بين الحين والآخر، وكلما تجاوب معه الجمهور ازداد اندماجاً واتقاناً، وما أن أسدل الستار وارتفع لكي يحيي الفنانون الجمهور حتى انعكس الوضع فبعد أن تتابع الممثلون على المسرح لتحية الجمهور، ظهر فؤاد المهندس ليحي جمهوره فالتهبت الأكف بالتصفيق لمدةٍ طويلة ووقفوا احتراما له. فانهمرت الدموع من عيني لاشعورياً لأنني أيقنت أنه بعد طول هذه السنين من المعاناة وبعد حمل استمر سنوات خرج من رحم الفن هذا الفنان وكان الجمهور بمثابة وزارة الصحة التي استخرجت شهادة ميلاده الفني بعد ولادةٍ عسيرة.

قدمنا مسرحية (مراتي صناعة مصرية) لمدة يومين ثم تبعناها بمسرحية (ما كان من الاول) وكان بطلها أيضا فؤاد المهندس، ولاقت نفس نجاح المسرحية السابقة بل أكثر ثم قدمنا مسرحية اسألوا الأستاذ شحاتة ولم يشترك فيها فؤاد المهندس فكان نجاحها أٌقل بكثير من المسرحيتين السابقتين.

انتهى موسم بورسعيد وجميع أبطال الفرقة شاعرين بأهمية فؤاد المهندس، وأنهم لا يستطيعون تحمل مسؤولية تقديم عرض مسرحي بدونه. بعد ذلك انتقلنا إلى رأس البر وقدمنا نفس المسرحيات وكان نجاحها غير مسبوق، وكان موسم رأس البر قصيرًا جدًا إذا كان لمدة 4 أيام.. وطالبت الجماهير التي لم تشهد المسرحية لفترة أخرى. غير أنه في آخر ليالي العرض جاءنا اتصال من القاهرة ليعلن لنا أن زوجة فؤاد المهندس وضعت مولود فؤاد المهندس الأول (أحمد) 19-9-1959.

لم ينتظر فؤاد المهندس الصباح بل سافر فور انتهاء العرض إلى القاهرة ليلًا، وبذلك لم نتمكن من تمديد الحفلات.

عدنا إلى القاهرة وكانت المشكلة.. كيف لفرقة أن تستمر دون أن تقدم أعمالها في العاصمة.. أين المسرح الذي نستطيع أن نستأجره؟.. جميع المسارح على قلتها مشغولة، مسرح الأزبكية تعمل عليه الفرقة القومية، ومسرح الأوبرا يقدم مواسم الأوبرا الإيطالية وعروض الكوميدي فرنسيس والبوليشوي وفي الفترات التي يخلوا فيها المسرح يقدم على مسرح الأوبرا مواسم متغيرة لفرقة المسرح الحر، أو أنصار التمثيل ومسرح الريحاني تعمل عليه فرقته، كذلك مسرح ميامي الذي تعمل عليه فرقة اسماعيل ياسين.

خطرت لي فكرة فمسرح ميامي أصله سينما ميامي الصيفي، وكان صاحبه سولي بيانكو (جريكي) يقوم بعمل جمالون لتغطيته في الشتاء تعمل به فرقة اسماعيل ياسين وفي الصيف يفك هذا السقف كي يستعمل كسينما.. فكرت في مسرح الأزبكية الصيفي.. الذي كان يعمل كسينما ثم حولته وزارة الثقاقة إلى مسرح صيفي كانت تعمل عليه الفرقة القومية، ويؤجر في فترات عمل الفرقة وكان هذا المسرح لا يستعمل شتاء، فلماذا لا نقدم هذه التجربة.. ولكن من يستطيع أن يقنع الوزارة بهذه الفكرة وهي لا تكاد لا تعرف شيئا عن الفرقة..؟ بعد تفكير ماذا لو استطعنا أن نقدم حفلة واحد في القاهرة على أن ندعو وكيل وزارة الثقافة عبدالمنعم الصاوي في ذلك الوقت حتى يري إمكانيات الفرقة وفنانيها.

اختمرت الفكرة في إذهاننا.. واستطعنا إقناع إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة أننا نرغب في تقديم عرض مسرحي مجانا للقوات المسلحة على مسرح نادي الزمالك التابع للقوات المسلحة، ولم يكن مسرح الزمالك قد أنشئ بعد.. نجحت الفكرة وقبلت إدارة الشؤون العامة هذا العرض.

كانت هذه الخطوة الأولى أما الخطوة الثانية هي إقناع الأستاذ عبدالمنعم الصاوي بحضور العرض، وكنا نظن أن قبوله يتطلب مجهوداً، ولكن ظهر لنا العكس. فقد قبل الرجل بكل بساطة، بل رحب بالفكرة.. مسرح الزمالك في حديقة النادي كبير جدا استوعب عدد كبير من المشاهدين من ضباط وعساكر القوات المسلحة الذي تجاوب مع العرض، وكنا نقدم مسرحية (مراتي صناعة مصرية) وقامت بالبطولة النسائية في هذا العرض السيدة خيرية أحمد وزوز شكيب، وجميع أفراد الفرقة.. أُثني الأستاذ الصاوي على العرض وأبدى إعجابه بالفرقة. وهنا طلبنا أن نقابله في الوزارة فحدد لنا الأستاذ الصاوي موعدًا.

في الموعد المحدد ذهبت أنا ولطفي عبد الحميد فتلة وعرضنا على الأستاذ الصاوي الفكرة، فراقت له إلا أنه طلب مهلة للتفكير. خرجنا من عنده وكلنا أمل في قبوله. لكني كنت أفكر بأنه لو وافق، فإمكانياتي أقل من الإقدام على هذا المشروع! أرجأت التفكير في هذا الموضوع إلى أن نحصل على الموافقة. وبعد عدة أسابيع استدعاني الاستاذ الصاوي إلى مكتبه وقال أنه موافق على الفكرة 100% شريطة أن تتولى الوزارة تغطية المسرح، وتؤجره لنا موسماً محدداً كل سنة على أن تستغله بقية السنة، إلى غيرنا من الفرق.

وبدأ العمل في المسرح ووجدت قوائم من الحديد تزرع في الأرض.. قوائم ضخمة جدا.. ما كل هذا الحديد.. إن هذا الحديد يكفي لإقامة برج، وفوجئت بعد كل هذه الكميات الهائلة من الحديد والمضحك أن ما وضع فوقت هذا الحديد لم يكن بثقيل فقد كان قماش من النوع الذي تصنع منه قلوع المراكب، قلت هذا لا يعنيني في شي، المهم أن المسرح قد وجد وأننا سنعمل.. حددنا موعدًا للافتتاح بعد أن قبلت الوزارة أن تعطينا المسرح لمدة شهر.. وكانت مسرحية الإفتتاح (مراتي صناعة مصرية).

فوجئنا بأنه في الأيام الممطرة حينما تسقط الأمطار على المسرح أن تتجمع المياه فوق قماش السقف.. ومن شدة الحمل يأخذ القماش شكلا منبعجا، فننتظر إدارة المسرح لإحضار مارينا خشب طويلة يثبت في طرفها مسامير كي تحدث خرما في القمش فتنزل مياه المطر على صالة المسرح فتغرقها، ونقوم بعد ذلك بتجفيفها ويتكرر هذا كلما هطلت الأمطار.
نجحت المسرحية وكتب النقاد عنها كثيرا وأشادوا بفؤاد المهندس وشبهه موسي صبري بأنه يجمع بين نجيب الريحاني والعبقري شاري شابلن، كان أكثر ما كتب عن فؤاد المهندس، من كثرة ما كتب عن المسرحية طلب الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في هذه الفترة مشاهدة المسرحية، غير أنه اشترط أن يكون العرض في حفلة ماتينيه في الساعة السادسة ولما كنا لا نقدم حفلات ماتينيه في هذه الأيام فقد اتفقنا على أن يكون اليوم الذي حدده الدكتور ثروت لحضوره ماتينيه، وأخطرنا أفراد الفرقة بذلك.

في اليوم المحدد هطلت الأمطار على المسرح بشدة، ولم يتمكن العمل من تجفيف المسرح لشدة الأمطار ولما كانت إدارة مسرح الأزبكية الشتوي والصيفي واحدة فقد وافقوا على تقديم العرض في المسرح الشتوي الذي كان قد انتهي تجديده لتعمل به الفرقة الحكومية ولم تكن بدأت بعد.. انتقلنا من المسرح الصيفي إلى الشتوي وحضر الدكتور ثروت.. وقبل أن ترفع الستار اكتشفنا إن فرحات عمر (الدكتور شديد) غير موجود بالمسرح وكانت الستار ترفع عليه، ارتبك الكل وأنقذ الموقف أمين الهنيدي الذي لم يكن يعمل في هذه المسرحية وقام بأداء الدكتور شديد.. وقرب نهاية الفلص الأول حضر شديد، ولما لمناه على التأخير وأخبرناه أننا سنوقع عليه غرامة كتب ورقة وقال فيها بالحرف: انتقال الفرقة من المسرح الصيفي إلى المسرح الشتوي أدي إلى هذا التأخير.. كيف؟.. وكواليس هذا المسرح لا تبعد عن الآخر إلا عدة أمتار.

انتهي العرض وصعد الدكتور ثروت عكاشة وقابلنا وأثني على الممثلين وفؤاد ولكن تعليقه أن المسرحية فؤاد وأن الجهد الذي يبذله الممثلون لا تستحقه هذه المسرحية، وهنا انبري لطفي عبدالحميد (فتلة) وكان أحمد حلمي موجودًا وقدمه للدكتور ثروت عكاشة: الأستاذ أحمد حلمي كاتب ومخرج المسرحية.. وأحمد حلمي يعمل رقيبا في المصنفات الفنية بوزارة الثقافة.. وأحمد حلمي مثال للموظف التقليدي امتقع لونه ولم يمض يومين إلا وكان في المستشفى مصابا بأزمة قلبية من شدة الزعل والحزن لرأي الوزير في كتاباته.

في سوريا

بعد انتهاء مدة الشهر أخبرنا الاستاذ الصاوي أن الوزارة قررت أن جميع الفرق التي تتعاون معها الوزارة بتأجير مسارحها لم يجب أن تعرض كل فرقة لمدة شهر في سوريا.. وكان ذلك أيام الوحدة بين مصر وسوريا.. وأن هذه العروض لا تتقاضى عليها أجر.. اللهم بدل سفر 15ليرة لكل فرد، يتساوي في ذلك النجم مع ممثل الدور الثانوي مع العامل.. كان هذا المبلغ زهيدًا جدًا خصوصا إذ عرفنا أن الجنيه المصري كان لا يزال في عافيته وكان يساوي 9 ليرات سورية وقد يصل 10 ليرات.. ورغم ذلك رحبنا بالسفر إلى سوريا فكنا نريد أن ننتشر في أنحاء العالم العربي.

توجهنا إلى سوريا في طائرة حربية من المخصصة لنقل الجنود.. وكانت متعبة إلى أقصى حد. ولكن المسافة كانت قصيرة.. ونزلنا إلى المطار في دمشق، وكانت الإقامة مريحة في فنادق الدرجة الأولى.. قدمنا حفلات دمشق وكان استقبالا حارًا، وكان الشعب السوري يرحب بنا أينما حللنا.. وكان تجار سوق الحميدية إذا ما اشترينا شيئاً يخفضون السعر إلى أٌقصى حد.. وكانت الهيئات تقيم لنا مآدب وحفلات للترحيب بنا.

عرضنا مسرحياتنا في كل محافظات سوريا وكنا ننتقل بأتوبيس والطرق وعرة وسببت لنا تعبا كثيرًا لا نكاد نصل إلى بلد ونعرض إلا وسافرنا في اليوم التالي.. وبعد أن عرضنا في حلب أخبرونا أننا سنتوجه إلى بلدة تدعي القامشلي.. وتقع على الحدود التركية وأن المسافة بينها وبين حلب الأتوبيس أكثر من 8 ساعات.. وسألنا فعلمنا أن الطريق وعر جدا.. هنا أعلن فؤاد المهندس راية العصيان وأعلن إن لم نسافر في الطائرة فلن يسافر.. تم اتصال بيننا وبين مكتب المشير عامر في دمشق وكان مكتب المشير هو المنوط بهذه الحفلات.. وكان الرد عدم استطاعتهم توفير طائرة لنقلنا إلى القامشلي، وامتنع فؤاد المهندس عن السفر وقررنا أن نقدم مسرحية أسالوا الاستاذ شحاتة التي كان يقوم ببطولتها الدكتور شديد أبو لمعة وهي ليست في مستوي المسرحيات التي يقدمها فؤاد المهندس.

العودة إلى القاهرة

عدنا إلى القاهرة لتفاجئنا وزارة الثقافة أنها اختارتنا من ضمن الفنانين الذين سيقدمون حفلات في أسوان بمناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي.. سافرنا وكانت الإقامة هذه المرة في بيوت الشباب.. إذ كانت جميع الفنادق مشغولة بالشخصيات العالمية والرؤساء الذي حضروا لهذه المناسبة.

قدمنا الروايات الثلاثة في أسوان والتي حضرها ضيوف القاهرة الكبار، ولم يحضرها عبدالناصر وحققنا نجاحاً طيباً،حينما عدنا إلى القاهرة كان لابد من عمل خطة للخطوات التالية لنا.. فلابد من عمل مسرحية جديدة غير هذ المسرحيات الثلاث، ثم إيجاد مكان لتعمل عليه الفرقة.


المسرحي سمير خفاجي


التوجه للكتابة

كنت في الفترة التي كنا نقدم فيها فرقة ساعة لقلبك المسرحية بدأت اتجه للكتابة.. فقد وجدت عند الاستاذ أحمد حلمي مجموعة المسرحيات التي كانت تصدرها دار في إنجلترا متخصصة في نشر كل ما يتعلق بالمسرح تدعي صامويل فرينش.. بحثت في المكتبات عن هذه المسرحيات، حتى وجدت بعضا منها في مكتبة النهضة.. وعلمت منهم إنهم من الممكن أن يحضروا لي ما أريد من لندن، وأعطوني كتالوج فيه أسماء كل المسرحيات ومؤلفيها ونوع هذه المسرحيات سواء مسرحيات الفصل الواحد أو الثلاث فصول أو الكوميدي أو الفارس.. عكفت على الكتالوج واخترت المسرحيات الكوميدية والفارس بطبيعة الحال..
وبدأت بقرآتها وإذا استعصى عليا فهم كلمات لجأت إلى القاموس، وبإستمرار القراءة لم أعد استعين بالقاموس إلا نادرًا.. أعجبتني مسرحية وشدتني أحداثها ومواقفها الكوميدية، فأخبرت حسين عبدالنبي أني عثرت على مسرحية رائعة، وأخذها لقراءتها فأعجب بها هو أيضا واقترح على أن نشترك في اقتباسها.. وفعلا كنا نجلس ساعات طويلة في الكتابة واختيار النماذج وانتهينا من كتابتها وكنا راضين عنها كل الرضا واسمينها (دور على غيرها).. وظلت حبيسة الأدراج فقد عرضناها على المسرح العسكري، فاعتذر لعدم تقديمه هذه النوعية من المسرحيات.

حينما بدأت في التفكير في عمل جديد اتجه تفكيري إلى هذه المسرحية، واتفقت مع حسين واشتريت منه نصيبه، كانت البطولة جماعية في هذه المسرحية، فلما عرضت على فؤاد المهندس العمل بها لم يتقبل فكرة البطولة الجماعية، حاولت إقناعه بشتى الطرق لكن دون جدوي.

عرض عليا متعهد الحفلات أن نقدم 11 حفلة تبدأ من الخميس وتنتهي الأحد ويتخلل هذه الفترة العيد وعرض على أن نقدمها على مسرح الكورسال، رحبت بالفكرة وكان المبلغ المعروض عن كل حفلة 120 جنيها، بدأ التحضير للمسرحية وتعاقدت مع السيدة زينات صدقي التي كانت قد تركت فريق اسماعيل ياسين.

كان مخرج الروايات السابقة هو الأستاذ أحمد حلمي لكنه ممنوع من العمل لمرضه، فعرضت المسرحية على الأستاذ فتوح نشاطي، فرحب بالفكرة غير أنه اشترط كي يخرج هذه المسرحية أن يخرج للفرقة مسرحية كان هو مقتبسها، وتدعي (الطراطير الأعظم) وقد قدمها للمسرح العسكري بعد ذلك.. لم اتحمس للفكرة وعرضت المسرحية على الأستاذ عبد المنعم مدبولي وكان أول عمل لنا معا فهو كان أحد أسس ساعة لقلبك الإذاعية إلا أنه لم يعمل حتى هذا الحين لا مع فرقة ساعة لقلبك الاستعراضية ولا المسرحية.

بدأت بروفات المسرحيات وكانت تضم أغلب أعضاء الفرقة.. محمد يوسف الفتوة.. الخواجة بيجو فؤاد راتب.. أحمد الحداد الرغاية.. أمين الهنيدي فهلاو.. مع السيدات زينات صدقي وخيرية أحمد، آمال زايد، نبيلة السيد وسهير الباروني.

نجحت مسرحية دور على غيرها حين عرضها على مسرح الكوسال والغريب أنه طوال مدة عرضها كان الإيراد لا يتغير وهذا معنا أنه لم يكن كرسي خالي.. وكان صافي الإيراد اليومي طوال المدة وهو رقم لا أخطئه 258 جنيه و200 ميلم فإذا عرفنا أغلي تذكرة هو 51.5 قرش صاغ عرفنا حجم الجمهور (هذا حوالي 1959).. وعلي ذكر ثمن التذكرة كان هذا سعر التذاكر منذ كان يعمل نجيب الريحاني وهو الذي حدد هذا السعر بل أنه استمر بعد ذلك لفترات طويلة.

في ذلك الوقت، شعر أفراد الفرقة أنهم لهم كيان.. وأنهم يستطعون حمل مسرحية بدون فؤاد المهندس. فبدأوا يثقون بأنفسهم أكثر من اللازم لكون الجمهور كان يأتي لمشاهدتهم لا لفؤاد.. أو للمسرحية في حد ذاتها، وبعد الانتهاء من موسم سينما الكورسال اتصل بي الحاج وحيد الشناوي المدير الإداري بمسرح الأزبكية وقال أن المسرح خالي، وأنني أستطيع استئجاره إذا رغبت.. سارعت بالتعاقد على المسرح ونقلنا إليه مسرحية (دور على غيرها) وكان الحاج وحيد يتولى معي النواحي المالية بالفرقة.. فكان هو الذي يتولى شباك التذاكر ويحتفظ بالإيراد عنده إلى أن أطلبه..

شت الأمور طبيعية غير أني لاحظت كذا طلب سلفيات من أعضاء الفرقة.. الشيء الذي لم يكن موجودًا قبل ذلك.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة التاسعة


إيلاف


الثلاثاء 13 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


"خفاجي" يوثّق أزمات المسرح مع انطلاقة التلفزيون المصري


سمير خفاجي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

تأميم الفرقة ووفاة والدته

في يوم اتصل بي أحد جيران منزلنا القديم في شارع القصر العيني وأخبرني أن والداتي قد حضرت من البلد وأنها ذهبت لزيارتهم وهي في حالة إعياء تام وأنهم نقلوها إلى مستشفى أم المصريين.. هرعت إلى المستشفى وهالني الإهمال الذي لاحظته فيه. ووجدت والدتي في قسم الطوارئ مهملة. وبعد مناقشات وإجراءات روتينية تمكنت من نقلها إلى مستشفى الكاتب، وظللت إلى جوارها حتى الساعة التاسعة والنصف مساءً حتى اطمأنت على حالتها وتوجهنا بعد ذلك إلى المسرح. فوجدت الستار لم يرفع بعد.. فتعجبت لأن موعد فتح الستار كان في الساعة التاسعة والنصف.. ولم يحدث أي تغيير تحت أي ظرف من الظروف فجزء كبير من احترام الجمهور هو المحافظة على مواعيد رفع الستار.

وجدت حسين عنان وهو مدير خشبة المسرح وصديق جامعي يهرع إلى مرتبكاً ويطلب مني عدم الدخول إلى الكواليس حتى ترفع الستار. وتعجبت من هذا الطلب الغريب.. وبينما اتناقش معه أمام باب الكواليس خرج محمد أحمد المصري ومعه ورقة وقال لي أقرأ هذه الورقة.. فسألت عما في الورقة فأخبرني أن أعضاء الفرقة قد اجتمعوا من غيري وأنهم اتخذوا قرارات مكتوبة في هذه الورقة.. وأنهم قرروا تأميم الفرقة.. يعني إيه؟.. كانت هوجة تأميمات الثورة في هذه الفترة في أوجها. وكان عبدالناصر يؤمم كل يوم مؤسسة جديدة.. ما هذا التأميم؟! أنا أعلم أن التأميم يكون لصالح الدولة أما هذا التصرف فلا أجد له تفسيراً.. أما التأميم لمصلحة الممثلين فلم أجد له نظيرًا!.. فقال يعني كلنا أعضاء متساويين في الفرقة وليس لك أي حقوق تزيد عن أي فرد منا. فلما أجبته أن هناك عقود مكتوبة بيني وبين أعضاء الفرقة.. قال: العقود دي تبلها وتشربها ميتها.. ثم أن ديكورات المسرحيات والمسرحيات نفسها ملكي.. بعد انتهاء العرض ظللنا في كازينو الجوهرة للمسرح نتناقش حتى الساعات الأولى من الصباح دون أن نصل إلى حل. وكنت في غاية الإرهاق الذهني والعصبي وحالتي النفسية في غاية السوء، فأنا أتكلم معهم بنصف مخ إذ أني أفكر في والدتي أكثر ما أتناقش معهم.



في الصباح الباكر توجهت إلى مستشفى الكاتب. فأخبروني أن أمي قد قابلت بارئها. دخلت حجرتها وأخذت أقبل يديها وقدميها وأنا في حالة ذهول إنها أغلي ما في الوجود.

أقمنا العزاء في مجسد عمر مكرم وأقمنا ثلاثة أيام عند شقيقتي الصغرى لتلقي العزاء، ونسيت الفرقة ومشاكلها.. فقد كانت صدمة فقدان أمي بالنسبة لي أكبر من أن أتحملها.

في اليوم الرابع توجهت إلى المسرح وهالني أن أحدا منهم لم يقدر الظرف الذي أنا فيه وأخبرني الحاج وحيد أن لطفي عبد الحميد (فلتة) يأخذ الإيراد ويوزعه على الأعضاء غافلا عن أي إلتزامات للفرقة.. بل أن أجور الفنانات المشتركات في العمل لا يدفعها وأن الحاج وحيد أحس أنه لو امتنع عن إعطائه سيتوقف العمل في غيابي.

كان الرد الوحيد الذي أملكه هو إيقاف العمل فكتبت للحاج وحيد طلب بإنهاء التعاقد مع المسرح وأن المسرحية توقفت من تاريخه.

مر أسبوع ولم نصل إلى أي نتيجة وبدأت الشائعات أن الفرقة أغلقت أبوابها إلى الأبد.. وكنت قد قمت باستئجار مسرح كليوباترا في الأسكندرية لتقديم أول مواسم الفرقة المسرحية بمدينة الأسكندرية وكنت قد طلبت بعض التعديلات في المسرح. فلما نما إلى علم صاحب المسرح الخلافات القائمة أرسل تليغرافا يخبرني فيه أنه قد أتم عمل التعديلات اللازمة حسب الاتفاق ويطالبني بسرعة استلام المسرح فشهر اغسطس المتعاقد عليه قد اقترب.

ما العمل.. نصحني بعض أصدقائي أن أهادنهم حتى ينتهي الموسم، وفعلا اجتمعت معهم وقلتلهم من حيث المبدأ فأنا موافق على أن نجرب هذا الوضع في الإسكندرية.. فإن ارتحنا إليه استمر هذا الوضع وإن لم يكن الوضع مريحا نحل الفرقة وأنا لا اطالب بأي ميزة أو أجز زائد نظير المسرحيات والديكورات.. سعدوا جدا بهذا الاتفاق غير أني فاجأتهم بأني من الآن عضو كبقية الأعضاء لي ما لهم وعلي ما عليهم، إذا من سيمول الفرقة ويدفع التزاماتها فالمطلوب الآن يشترك كل عضو بأن يدفع مبلغ من المال ليس بالقليل حتى ندفع إيجار المسرح ونقوم بالدعايا اللازمة، هنا أسقط في يدهم وقالوا طبعا مفيش مانع وهذا حقك ولا يمكن المناقشة فيه وطلبوا مهلة يومين لتحضير المبالغ اللازمة.

في اليوم التالي بعثوا من أخبرني أنهم قد كتبوا عقودًا معي وأنهم يحترموا هذه العقود وملتزمين بها إلى آخر يوم لإنتهائها، قلت ساخرًا لقد بليت العقود وشربت ميتها كما طلبوا وأني الآن كأي فرد منهم كانت عقودهم تنتهي 31 أغسطس.

تم افتتاح مسرح كيلوباترا في الخامس من أغسطس وقاموا بأداء واجباتهم على أكمل وجه ولم يثيروا اي مشاكل حتى كان اليوم الأخير من أغسطس، هنا قالوا لقد أدينا واجبنا وانتها عقودنا معك، كانت محافظة الاسكندرية مقررة للفرقة 40 جنيها إعانة ولكن كي أخذ هذه الإعانة لا بد من تقديم 30 حفلة ونحن فتحنا يوم 5 أغسطس أي قدمنا27 حفلة، وكان لابد من إتمام الثلاث حفلات المتبقية فقلت ما طلباتكم لإتمام الحفلات، قالوا نكون متساوين فيها.. ليست مشكلة.. وكانت هذه الحفلات أسوأ حفلات من يوم ما عملت.. فلما رأوا تدني الإيراد قالوا ليس لنا علاقة بهذه الحفلات.. قلت ماشي.. وانتهي موسم الاسكندرية بخيره وشره.



مسرح متروبول..

عدنا إلى القاهرة وبدأت أفكر في تحقيق حلمي بأن أعمل على مسرح دائم على أن يكون على أسس سليمة غير التي كانت قائمة.. وأن يكون كل العاملين بالفرقة بأجور محددة.. وعقود ملزمة غير نظام النسب الذي كنا نعمل به.. والذي ورطني في كثير من المشاكل.. وقبل كل شيء لابد من البحث عن مسرح نستطيع أن نقدّم عليه مواسم طويلة.. وقد ظننت أني وجدت ضالتي المنشودة حينما عرض أحمد الحاروفي_ المتعهد لبناني الذي اتخذ من القاهرة مقراً له_ أن يؤجر لي سينما متروبول.. وهي سينما صيفية على أن يقوم بتحويلها إلى دار عرض مسرحي شتوي.. وكانت سينما متروبول قبل حريق القاهرة في يناير 52 دار سينما شتوي وفي حريق القاهرة دمرت تماما ثم أعاد أصحابها بناؤها كسينما صيفية.

فرحت بالعرض وكتبنا عقد الإيجار الذي بمقتضاه سيتقاضي الحاروفي 30% من الإيراد على أن لا يقل شهريًا عن 600 جنيه.. بدأ العمل في السينما وأحضر الحاروفي مقاولاً لعمل عواميد حديدية حتى يتمكن من تغطية السينما.. وما أن بدأ العمل أن جاء أمر من البلدية بإيقافه.. لماذا؟ لأن المالك لا يريد تغيير السينما واتضح لي أني مستأجر من الحاروفي والحاروفي مستأجر من موزع سينمائي وصاحب دور عرض هو ماكس نصر.. وماكس مستأجر من المالك الأصلي..وظل هذا الصراع بين مالك الأرض من جهة وبين ماكس والحاروفي من جهة أخري وكلما أحضر الأخير أمر باستكمال العمل أوقفه الجانب الآخر بإشكال قانوني.. ظل هذا الصراع إلى أن انتهي الحاروفي من تغطية سقف السينما.



أجور عالية

وبدأت أنا في تكوين الفرقة على أساس أجور ثابتة وتعاقدت مع فؤاد المهندس وخيرية أحمد وزينات صدقي وزوزو شكيب.. ثم تعاقدت مع الأستاذ محمد عوض الذي كان يعمل في هذه الفترة بمسرح الريحاني بأجر شهري 12 جنيه.. وكان يطالب مدير الفرقة طلعت حسن برفع مرتبه إلى 15 جنيها في الشهر والاستاذ طلعت غير موافق إطلاقا على هذه الزيادة المغالي فيها من وجهة نظره..

وكان الاستاذ أبو السعود الإيباري عرض أن يضم عوض إلى فرقة إسماعيل ياسين بمرتب قدره 20 جنيها. عرض على عوض الأمر فكتبت معه عقد بمرتب 25 جنيها.. وبدأت ألتقي بأفراد الفرقة الآخرين.. كل على انفراد.. واتفقت مع فؤاد راتب (بيجو) ومحمد يوسف (الفتوة) وأمين الهنيدي (فهلاو) وأحمد الحداد (الرغاية) ولطفي عبدالحميد (فتله) والدكتور شديد بمرتب شهري قدره 40 جنيها ولما عرضت على محمد أحمد المصري أبو لمعة المرتب فأصر أن يكون راتبه هو والخواجة بيجو 60 جنيها شهريا لكل منهما.. ولم يكن يدري أن بيجو قد مضي عقده وأوشكت على الإعتذار للمصري.. ولكن فؤاد راتب قابلني ورجاني أن أٌقبل عرض أبو لمعة ولا أخبر ولا أخبره أنه قد التزم بعقد بل أنه عرض على أن يتقاضي 20 جنيها فقط على ن أعطي أبو لمعة المبلغ الذي طلبه (وفاء الخواجة بيجو).. أمام هذا لم أجد وسيلة إلا أن أعطي أبو لمعة ما طلب وتلك كانت غلطة كبيرة.

بدأنا الأستعداد لتقديم المسرحية الافتتاح وكنت قد كتبتها ليقوم ببطولتها فؤاد المهندس وهي من إخراج عبد المنعم مدبولي.. كانت المسرحية من ديكور واحد وكنا لا نستعين بمهندس ديكور ليصمم مناظر الرواية.. بل كنا نستعين برسام إيطالي يعمل في الأوبرا يدعي لاريتشا.. وكانت من أفضل الرسامين ولم يكن الديكور يستعمل في مسرحية واحدة بل يتكون من عدة بانوهات بمقاييس مختلفة.. بعض البانوهات بها باب أو شباك وآخر به أرج وآخر ليس به شيء.. حتى يتمكن كل مخرج من تركيب الديكور كما يريد.. كنا نشتري 4 أو 5 أثواب دمور ونعطيها للاريتشا الذي يفضلها على حسب مساحة البانوهات المطلية ثم يرسمها رسما بديعا.. وبعد ذلك نثبتها على مراين الخشب وكان يتقاضي 25 قرشا عن كل متر مربع كما كان يرسم لنا فوندي أو منظر خلفي.. سواء كان منظرًا بيعا أو شارع أو حديقة بنفس السعر وكانت هذه الرواية هي (أنا مين فيهم) تمصير سمير خفاجي وإخراج عبدالمنعم مدبولي، تم افتتاح المسرحية لمدة شهر وحققت نجاحا لا بأس به ثم بدأت مسرحية جديدة.

كنا حينما نبدأ أي مسرحية جديدة وعادة يكون الافتتاح يوم الخميس نبدأ فورا يوم السبت التالي لعمل بروفات المسرحية الجديدة، مما يتطلب منا مجهودًا كبيرًا وتركيزًا في العمل حتى اني كثيرا ما سألت نفسي كيف كان الجيل السابق يستطيع تقديم مسرحية كل أسبوع.. فقد كانت فرقة الكسار وفرقة يوسف وهبي وفاطمة رشدي يقدمون مسرحية جديدة كل أسبوع.. وغالبا كما كان هند الكسار ما تشمل المسرحية على ألحان واستعرضات والآن يستمر عرض المسرحية لعدة سنوات ونقول كيف كنا نقدم في الماضي مسرحية كل شهر.

كانت المسرحية الثالثة للفرقة واسمها (الستات ملايكة) لم نتمكن من تقديمها في موعدها إذ أن المسرحية كانت من تأليفي أيضا ومدة الشهر لم تكن كافية لتأليف مسرحية وإخراجها والانتهاء منها في مدة شهر.. فعرضت على فؤاد المهندس أن نعيد تقديم (مراتي صناعة مصرية) أو مسرحية (ما كان من الأول) لكنه رفض وأًصر على الرفض فتعجبت من هذا الموقف، كيف يرفض فؤاد المهندس وهو العاشق للمسرح وبعد ذلك علمت، لقد كان فؤاد المهندس متزوجا من سيدة فاضلة ليس لها أو لعائلتها أي صلة بجو المسرح ولا الفن وقد تزوج فؤاد هذه السيدة لشدة شبهها بالسيدة أم كلثوم.. ولم يكن لفؤاد قبل زواجه أي علاقة نسائية أو أي قصة حب وكانت السيدة زوجته تغير جدا عليه.. وتغير جدا من المسرح، فوجهة نظرها أن الممثل إذا قدم عملا جديدا يرتبط به ويقيم في المسرح أكثر ما يقيم في منزله ومع أهله بيته، وأنه طول عرض المسرحية والألفة التي تنشأ بين أفراد الفريق قد تعرضه للإعجاب بإحدى زميلاته في العمل واستلطافها.. وربما دخل في قصة غرامية إن السينما مدة العمل فيها محددة بمدة تصوير الفيلم فقط والكل يذهب لحال سبيله، لذا تكون قلقة طوال عرض المسرحية وكما قال يوسف وهبي ما الدنيا إلا مسرح كبير فإن ما كانت تخشاه السيدة تحقق بحذافيره فيما بعد.



فأثناء تمرينات الستات ملايكة بعت حفلة لأحد المتعهدين على أساس أن نقدم مسرحية “أنا مين فيهم”. وتحدد لها موعداً قبل عرض مسرحية “الستات” بيوم واحد. وعلى ما أتذكر كان ذلك أول أيام العيد. وأخبرت فؤاد بموعد العرض، ولكنه اعتذر لارتباطه بالاشتراك في حفل أضواء المدينة وكان مقاماً في دمشق في سوريا ومعه بطلة العرض خيرية أحمد.. اتصلت بالمتعهد كي أقنعه بالموافقة على تقديم مسرحية آخري حتى ولو كانت المسرحية الجديدة “الستات ملايكة”، ولكنه أصرّ على “أنا مين فيهم”. لم أدري كيف أتصرغ بهذا الموقف. وكنت أوشك أن أبلغ المتعهد بإلغاء العقد وأن يلجأ للقضاء إذا شاء.. وإذا بالسيدة زينات صدقي تقولي ولا يهمك عندك ممثل زي الفل ودمه خفيف اسمه محمد عوض.. يقوم بدور فؤاد المهندس وتقوم سهير الباروني بأداء دور خيرية أحمد.. حاول عوض الإعتذار وكنا نقوم بعمل تمرينات “الستات ملايكة” التي هو بطلها. وأمام إصرارنا امتلاء المسرح عن آخره بالمتفرجين وما إن ظهر عوض على المسرح حتى قوبل من الجمهور باستنكار شديد.. وكلما حاول أن ينطق انطلقت الصفافير من المتفرجين.. حاولنا تهدئة الموقف بأي طريقة حتى أن “مدبولي” بطل العرض وقف في الكواليس يلقن الممثلين نكت ليست بالمسرحية أصلا بلا أي نتيجة، ودخلت زينات مرتدية فستان ماركيزة وهذا ليس بالعرض، فشتل كل محاولات تهدئة الجمهور الذي بدأ في تكسير الكراسي ولم نجد تفسيراً لما حدث، وأسدلنا الستار وأعلنا للجمهور انه يستطيع ان يتوجه لشباك التذاكر لاستبدالها في أي يوم آخر أو استرداد ثمنها وطبعا كان المتعهد قد حصل الإيراد وانصرف ولم يأبه لما حصل.

كانت حالتنا النفسية سيئة جداً خصوصا محمد عوض الذي سيقوم في اليوم التالي ببطولة مسرحية جديدة، كان منهاراً تماماً. ولقد أشفقت عليه وخفت في نفس الوقت. فقد كان وجهه أصفراً وجبينه يتصبب عرقاً والغريب أن قوة احتماله جعتله يتخطى الصدمة ويفتتح المسرحية الجديدة في الليلة التالية، كانت المسرحية بطولة محمد عوض وزينات صدقي وأحمد الحداد ومحمد يوسف والدكتور شديد وخيرية أحمد التي وصلت من الطائرة على العرض مباشرة (الستات ملايكة).

قدمنا المسرحية لمدة شهر واحد وكنا نستعد بالتمرينات لتقديم مسرحية اسمها (طلعلي في البخت) وكنت أنا كاتبها أيضا ومن إخراج عبدالمنعم مدبولي. وكان يقوم ببطولتها محمد عوض وماجدة الخطيب وأحمد الحداد ونبيلة السيد وسهير الباروني ومحمد يوسف والدكتور شديد. بداأ موسم متروبول في ديسمبر 1960 وانتهت في نهاية مايو 1961 حسب العقد المبرم بيني وبين الحاروفي.



التلفزيون المصري يصوّر

في 23 يوليو 1960 بدأ التلفزيون المصري إرساله وفوجِئت في أحد الأيام بمكالمة هاتفية أخبرني صاحبها أنه مدير مكتب الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها، وأن هناك موعد في الساعة 12 لمقابلة الدكتور بمكتبه في الإذاعة المصرية بشارع الشريفين.. اندهشت جداً فلم تكن تربطني بالدكتور حاتم أي علاقة ولم يكن لي علاقة بوزارة الإعلام.. ترددت في الذهاب خوفاً من أن يكون مقلباً دبره أحد الزملاء. فطلبت الإذاعة لأتأكد من الموعد، وعلمت بوجود الموعد فعلاً وذهبت متأخراً قليلا ووجدت أصحاب الفرق الموجودة في هذه الفترة مجتمعين مع الدكتور حاتم.

وكان هناك الأستاذ يوسف وهبي عن فرقة رمسيس والأستاذ بديع خيري عن فرقة الريحاني والأستاذ أبو السعود الإيباري عن فرقة إسماعيل ياسين.. والأستاذ زكريا سليمان عن فرقة المسرح الحر.. وأنا عن فرقة “ساعة لقلبك” المسرحية. وعلمت أن سبب الإجتماع هو إمكانية تصوير كل مسرحية.. ورأي الاستاذ بديع خيري أن السعر المناسب لتصوير المسرحية هو 500 جنيه ولم يعترض أحد إذ أن الدكتور عبدالقادر حاتم لم يعط أحد فرصة للإعتراض. فبمجرد نطق الأستاذ بديع بالرقم حتى وافق عليه الدكتور حاتم فوراً.. ومن ذلك اليوم أصبح سعر تصوير المسرحية هو هذا الرقم يدفعه التلفزيون المصري ويصورها هو بمعرفته ويسوقها ويعرضها في التلفزيون المصري، ويسوقها لجميع البلدان العربية والأجنبية لحسابه مدى العمر دون أن يكون للفرقة أي حق من الحقوق أو حتى الإعتراض.



وكما علمنا أن الدكتور حاتم كان قد حدد السعر للمسرحية الواحد ب800 جنيه لذلك وافق فورا على عرض الأستاذ بديع طبعا هذا كان عرضا مجحفا فليس من المعقول أن تتنازل جميع حقوقك مدى الحياة في مقابل هذا المبلغ الذي وإن بدأ في ذلك الحين كبيراً إلا أنه في الواقع أقل من القليل، ولكن موضوع التصوير للتلفزيون كان جديداً علينا، فاعتبره الجميع مورداً زائداً.

انتهى موسم متربول بخيره وشره، لكن الذي أستطيع قوله أنه قضي على جميع مدخراتي. فقد كانت النسبة التي يتقاضاها الحاروفي مجحفة خصوصا أنها مشروطة بألا يقل الإيجار عن مبلغ محدد هو 600 جنيه شهرياً فكانت هذه النسبة ترتفع في بعض الشهور إلى 1000 او 1200 جنيه، وفي شهر آخر تنخفض النسبة إلى 400 جنيه أو أقل فأضطر أدفع الفرق ليصل المبلغ إلى 600 جنيه علاوة أن المسرح كان سيئاً جداً. فأرضيته من البلاط وكذلك تغطيته لم تكن محكمة، فكان الهواء يتسرب من فتحات كثيرة من الثقوب التي في السقف وفي أيام المطر الشديد كان الماء يتسرب إلى المسرح مما أدى إلى إلغاء بعض الحفلات. وكانت حصيلة المسرحيات في هذه الموسم هي 3 مسرحيات جديدة هي (انا مين فيهم بطولة فؤاد المهندس وخيرية أحمد) و(الستات ملايكة) و(طلعلي في البخت بطولة ماجدة الخطيب ومحمد عوض وصلاح يسري) مع إعادة مسرحيتين سبق لنا تقديمهما وهما “ما كان من الأول” و"دور على غيرها".



الموسم الصيفي

انتهى الموسم وبدأت في التفكير في الموسم الصيفي فكيف نقدم موسماً صيفيا والإمكانيات المادية غير متوفرة ولكني أصريت على تقديم موسم صيفي مهما كانت الظروف، وكنت أريد أن أقدم في الإسكندرية، علمت أن متعهداً يدعي عم جلال قد أستأجر مسرح كوتة في شهر أغسطس وعم جلال هذا لم يكن له أي تجربة مسرحية فقد كان يشتري حفلة من أحد الفرق ويسوقها أو يحضر بعض المطربين والراقصات، يقدم حفلة يبيعها لإحدى الجمعيات الخيرية، قابلت عم جلال فأبدى استعداد لمعاونتي وإعطائي المسرح، عظيم ما المقابل؟ قال تدفعلي 700 جنيه قيمة الإيجار الذي دفعته علاوة على 3 حفلات من حفلات الفرقة يأخذها دون مقابل وأن تكون في أيام الخميس، أي أهم أيام الأسبوع، كما يكون مسؤولاً عن الدعاية في مقابل جنيهين في اليوم من يوم بدء العمل أي قبل بدء العروض بشهر على الأقل. كنت أتساءل: ما هذه الشروط المجحفة كيف لي أن أغطي هذه الالتزامات؟ ظللت متردداً في قبول هذا العرض فترة، لكن ما شجعني على القبول أن التلفزيون أتفق معي على تصوير 5 مسرحيات أي مبلغ 2500 جنيه، فقلت أن هذا المبلغ بالإضافة للإيراد يجلعني في بر الأمان فوافقت على العرض.



بقيت عملية التمويل ماذ أفعل بها؟ عرفت إن أم إحدى ممثلات الفرقة ممكن أن تمدني بما يلزمني من النقود مقابل 5% فرحت لأن فوائد البنوك أكثر من هذا بكثير، ولكني فوجئت أن الخمسة في المئة هذه شهرية، ما هذه المصيبة؟ شهريًا أي 60% في السنة إنها مخاطرة وترددت كثيراً وجلست وحدي دون أن يعلم أحد بهذا العرض وقلت لنفسي لن أخذ هذا المبلغ أكثر من شهرين قبل نهاية الموسم بشهر وفي نهاية العمل آخر أغسطس أكون سددت المبلغ بالكامل هو وفوائده حسبتها عن مدة الشهرين 10% اتكلت على الخالق وبدأت التحضير للموسم الصيفي.

كنت قد تركت سكني مع يوسف بعد أن تزوج السيدة خيرية أحمد وانتقل ليقيم معها في شقة بجادرن سيتي. وقد ترك شقة شارع نوال لشقيقه، فأقمت بأوتيل يدعي لوكاندة باريس في شارع عبدالخالق ثروت وكان اوتيل من الطراز القديم مدخله من شارع عدلي ويطل على حديقة جروبي في شارع عدلي وبينهما ممر في اللوكاندة يؤدي إلى حديقة جروبي، كان عم جلال يحضر إلى يومياً في مواعيد مبكرة جداً. غالبا ما أكون نائماً في هذه المواعيد ويطلبني في الغرفة فاستقيظ ويتنظرني في حديقة جروبي إلى أن أرتدي ملابسي وألحقه في جروبي وما إن أنزل حتى أجده يتناول الفطور ويشرب الشاي في جروبي على حسابي طبعا، ثم يبدأ في طلب مبالغ تارة لأن المطبعة عايزة دفعة تحت الحساب لإعلانات اليد، وفي يوم آخر الخطاط يريد دفعة من حسابة لكتابة الأفيشات ومرة يريد مبلغا من حسابه لأنه استئجار شقة بالإسكندرية، لأن الوقت قد أزف ويريد أن ينتقل إلى الإسكندرية وبهذه الحيل استطاع أن ياخذ مني مبالغ كبيرة.

بعد ذلك كان لابد أن انتقل إلى الإسكندرية لعمل ترتيبات الافتتاح، وإعداد المسرح ولم يكن من السهل أن أترك الأوتيل نهائيا ففيه جميع ملابسي وأشيائي الخاصة وبه كتبي وهي كثيرة جداً، فاضطررت لترك كل شي في حجرتي بالأوتيل وأخذت فقط ما يلزمني خلال مدة إقامتي في الموسم الصيفي.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة العاشرة


إيلاف


الخميس 15 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يؤسس فرقته وينطلق إذاعياً


المسرحي الراحل سمير خفاجي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

حفلات الاسكندرية

ويتابع: أعددنا المسرح كما يجب وقمنا بعمل الدعاية اللازمة وكان محافظ الإسكندرية في ذلك الوقت هو حمدي عاشور وفي عصره كانت الإسكندرية فعلا عروس البحر المتوسط. فهو كان يعشق الإسكندرية رغم إنه من غير ابنائها، لكونه من مواليد دمياط. لكنه ساعد الفرق المسرحية وذلل لها العقبات ومنحها إعانات لتنشيط حركة الإسكندرية.

قابلته وطلبت منه أماكن للإعلانات وطلبت منه كشافات نور من المحافظة لإنارة المسرح من الخارج ولم يمانع الرجل في أي طلب طلبته، جاءت ليلة الافتتاح وبدأ المسرح متألقا وارتديت بدلة موهير سوداء في غاية الأناقة وجاء المحافظ ليحضر الافتتاح واكتظت الجماهير في الصالة وأنا في غاية السعادة بهذا النجاح والتنظيم.

في الكواليس في حوالي الساعة العاشرة دخلت فوجدت بعض الممثلين يستعدون لأداء أدوارهم، ولكن جاءني مدير خشبة المسرح وقالي أربعة من المشتركين في العرض لم يحضروا، وكنا نقدم مسرحية (طلعلي في البخت) الذي لم يكن فؤاد المهندس وخيرية أحمد مشاركين فيها، فسألت من الذي تأخر والستار ترفع الساعة العاشرة ولابد من فتحها في موعدها؟ فأنا أقدس رفع الستار في موعده المحدد ولا بد من رفعها في هذه الليلة بالذات في موعدها إذ أن المحافظ يحضر العرض، فعلمت أن، المتأخرين هم أبول لمعة وبيجو ومحمد يوسف وأمين الهنيدي، لم أشك لحظة أنهم من الممكن أن يتأخروا، لكني مع ذلك كنت أشعر بالقلق والعصبية، وكلما مرت الدقائق أزدت عصبية حتى قاربت الساعة من العاشرة وأصبح الجميع في حالة من التوتر، لابد أن شيئا ما قد حدث قد يكونوا تعرضوا لحادث في الطريق، الساعة تعدت العاشرة ولم يصل منهم أحد بدأت ملامح القلق تنتقل إلى الصالة، الجمهور يسأل عن سبب تأخر رفع الستار، الساعة وصلت العاشرة والنصف ولم يظهر أحد ولم نتلق أي خبر ما العمل؟ الجمهور في الصالة بدأ يصفق احتجاجا على تأخر رفع الستار أرسل لي المحافظ ليستفسر عن سبب تأخر رفع الستار، لم أعرف بماذا أجيبه ولكنني اضطررت لإخباره بالحقيقة وما أن وصلت الساعة الحادية عشرة إلا ربع حتى ثار الجمهور مطالبا برفع الستار أو إرجاع التذاكر لم يكن هناك مفر من إلغاء العرض وأعلنا ذلك في الميكروفون من وراء الستار وطلبنا من الجمهور أن يتوجه إلى شباك التذاكر وإرجاع التذاكر والحصول على ثمنها أو تأجيلها إلى يوم آخر، واعتذرنا للسيد المحافظ الذي بدا عليه الضيق مما حصل اندفع الجمهور إلى شباك التذاكر وهو يشتم في الفرقة ويسب إدارتها.

صبت بحالة من الذهول لقد انهار كل شيء. فكرت أن آخذ عربة وأطلع بها إلى الطريق لأني متأكد أنهم تعرضوا لحادث لكن أي طريق أسلك؟ ربما طلعت إلى الطريق الصحراوي وكانوا هم في الطريق الزراعي، وبينما كنا في هذا التوتر نضرب أخماسًا في أسداس إذ بنا نجدهم يدخلون إلى الكواليس، ماذا حدث؟ هل تعرضتم لحادث؟ هل أصاب أحدكم مكروه؟ وإذا بأبو لمعة ينبري متحدثا بلسان الكل نحن لم نتعرض لأي حادث ولم يصب أحد منا بمكروه ولقد حضرنا إلى هنا ونحن لا ندري إن كنا سنعمل أم لا! يعلموا أم لا؟ ما هذا اللغو، أخبرني أبو لمعة أن لهم مطالب إذا استجبت لها فسنعمل وإلا سيعودون إلى القاهرة في نفس الليلة، ما هذا التهديد؟ قلت وما هي طلباتكم؟ فقدم أبو لمعة عريضة موقع عليها من الفرسان الأربعة، بدأت في قراءة الورقة وإذا بها سلسلة من الطلبات لا يمكن لعاقل أن يتقبلها، فأول مطلب هو رفع أجورهم من 40 جنيه إلى 150 جنيهاً، وهذا لا ينطبق على الأربعة بل ينطبق على جميع أفراد الفرقة علاوة على بدل السفر وكانت قيمتها جنيها واحدا كل ليلة، المطلب الثاني ألا يعمل فؤاد المهندس وخيرية أحمد وأن توزع أدوار فؤاد على أفراد الفرقة.

مقلب فتلة

تأكدت أن وراء هذا الموضوع مؤامرة وأن ورائها لطفي عبدالحميد (فتلة) والتمرد بالإسكندرية هو ثاني تمرد فهذا أسلوبه يخطط ويدبر ما يريد ولكن لا يفصح عنه هو ويترك طرح ما يريد للآخرين.. بدأت أتناقش معهم في استحالة تلبية هذه المطالب فهذا معناه هدم كل شيء ونهاية لهذه الفرقة، وهم مصرون على موقفهم إن الفرقة اسمها (ساعة لقلبك) وهم أفراد ساعة لقلبك وهم يعلمون استحالة العمل بدونهم بدأ صوتي يعلو وبدأت أنفعل همس في أذني صلاح يسري وطلب مني أن أهدأ حتى لا أخسر كل شيء. بل أكثر من ذلك، طلب مني أن أوافق على طلباتهم. لكني قلت: هل أنا مجنون حتى أوافق؟ طلب أن ينفرد بي وجلسنا في إحدى غرف الممثلين.. وطلب مني أن أوافق على أن نتوجه صباحا إلى القاهرة ونقابل فؤاد المهندس ونعرض عليه الأمر، ونطلب منه أن يعمل الموسم بدون هؤلاء الأربع وخامسهم فتلة خصوصاً إن أغلب هؤلاء الأربعة من السهل الاستعاضة عنهم بممثلين آخرين، فإذا وافق سيحضر إلى المسرح وعلى هؤلاء أن ينحسبوا إذا أرادوا.

وافقت على هذه النصيحة وتظاهرت بالموافقة واتفقت مع صلاح أن نلتقي في محطة سيدي جابر كي نستقل قطار الثامنة صباحاً وانصرف الجميع من المسرح وظللت وحدي استرجع هذه الأحداث ولا أكاد أصدق، فكرت في إلغاء الموسم ولكن الالتزامات التي ارتبطت بها والديون من أين أقوم بسدادها وأنا في هذه الدوامة ومخي يكاد ينفجر مرّ على بليغ حمدي بعد أن عرف الخبر من يحيى سليط وأخذني أنا ويحيى إلى بارٍ صغير في ستانلي يدعي الجرينوي (الضفدعة). شربت في هذه الليلة حتى كدت أفقد الوعي ثم أوصلني إلى منزل عمي بالإسكندرية حيث كنت أقيم دخلت المنزل واتجهت إلى غرفتي وارتميت على السرير بملابسي كاملة وحذائي منهك القوى. ومع ذلك لم يغمض لي جفن وكل 10 دقائق أنظر إلى الساعة خوفاً من أن يفوتني قطار الثامنة وفي الساعة السابعة والربع قمت خرجت من الحجرة بملابسي كما هي ولم اتجه للحمام لغسل وجهي. بل اتجهت إلى باب الشقة مباشرة وكان عمي يشرب القهوة استعداداً للنزول إلى المحكمة فهو كما سبق وذكرت، لم ألقي عليه حتى كلمة صباح الخير. وسمعت صوته إنت رايح فين بالشكل ده وفي هذه الساعة المبكرة، لم أستطع حتى الإجابة وفتحت باب الشقة وخرجت قابلت صلاح يسري بالمحطة ووصلنا القاهرة. واتجهنا فوراً إلى منزل فؤاد المهندس بالعباسية، دهش من قدومنا في هذه الساعة المبكرة وكان هو يستعد للسفر إلى الإسكندرية إذ أن المفروض أن يقدم مسرحية (ما كان من الأول) في اليوم التالي. شرحنا له ما حدث واستقر على رأيي أنا وصلاح. وفوجئت به يرفض هذا العرض وقال أنا لا أستطيع العمل في هذا الجو المتوتر. حاولت إقناعه، ولكنه قال أنا أعمل في مسرح في مش في حرب. وطلب مني أن أوافق على طلباتهم حتى ينتهي الموسم وبعد ذلك يتفق على وضع جديد في العمل، لم أكن في حالة تسمح لي بالتفكير ورجعنا إلى الإسكندرية نجر أذيال الفشل والخيبة، ولم أفكر حتى بالمرور على الأوتيل لاستبدال ملابسي.

في المساء بدأنا العمل ولم أكن في يوم من الأيام مكتئباً كما أكتئبت في هذه الليلة فقد شعرت أني في مأتم وليس في مسرح، وفي اليوم التالي قدمنا مسرحية (ما كان من الاول) لأول مرة بدون فؤاد المهندس، وقامت بالدور الذي كانت تؤديه خيرية أحمد ماجدة الخطيب وفؤاد راتب ممثل جيد لكن من كثرة ما قدم الخواجة بيجو انطبعت عليه هذه الشخصية حيث كان يؤدي الدور وتلقائيا تنضح عليه شخصية الخواجة.



كان كل همي أن أسدد ما على من ديون ومن أجل ذلك تحملت كل شيء. ولكني لم أكن استطيع الضغط على نفسي بالحديث مع الفرسان الأربعة وفتلة. فغالباً ما كنت أتجنبهم وكان يحيى سليط ملازمني وما خفف عني هذه الفترة هو أني تعرفت على صاحب المسرح محمد على كوتة وكان صاحب مدينة الملاهي المقامة بجوار المسرح في نفس المشروع وزوجته كانت إسبانية. تتمتع بخفة ظل وإقبال على الحياة. وكانت يوم أن تتأثر بمشاهدة إحدى المسرحيات ضحكتها عالية جداً فكان صداها ينتقل للمتفرجين، فتشعر أن المتفرجين يضحكون من قلوبهم في هذا الموسم بذل محمد عوض جهداً خارقاً، فكان فعلاً نجم الفرقة في هذا الموسم.

حضر إلى المسرح المخرج سعيد أبو السعد من قبل التلفزيون للاتفاق على تصوير المسرحيات والإعداد لها ومن سوء حظي أنه حينما حضر للمسرح لم أكن موجودًا فقابل أبو لمعة وسأله عن فؤاد المهندس فإذا أبو لمعة يجيبه أننا قد رفدناه وإذا كان التلفزيون سيصور المسرحيات من أجل فؤاد فلا داعي وإذا كان سيصوره بدونه فأهلا وسهلا.

انت المقابلة جافة، وانفعل سعيد أبو السعد، وقال له إن التلفزيون لن يصور هذه المسرحيات. علمت بهذه الكارثة الجديدة وأني فقدت من ضمن ما فقدت المبلغ الكبير الذي كنت سأتقاضاه في حالة التصوير، ما هذا الحظ إن المصائب لا تأتي إلا تباعاً.

لكني أشعر دائما أن الله يقف بجانبي دوما فقد استعطت في نهاية هذا الموسم رغم ما به من منغصات أن أسدد ديوني التي اقترضتها بفوائد باهظة ولكن لم يبقي معي أي نقود واستدنت من كوتة بك صاحب المسرح عشرون جنيها حتى أستطيع الرجوع للقاهرة مع يحيي سليط وكنت قد اتخذت مع نفسي قراراً خطيرا، فقد قررت أن أكون فرقة جديدة اسميها اسما آخر غير ساعة لقلبك، صحيح أنه كان اسماً كبيراً في ذلك الحين، إلا أنه مرتبط بأفراد الفرقة لأنهم أساس البرنامج. ومع ذلك لابد أن أغيّر الاسم فلا يمكن أن أسمح لأحد بليّ ذراعي وفرض إرادته وسيطرته على.

عدت إلى القاهرة وهناك وجدت مفاجأة جديدة فما أن وصلت إلى مكان الأوتيل بشارع عدلي لم أجد الأوتيل وجدت أرضا فضاء بسور أين ذهب الأوتيل؟ ظللت أسأل حتى علمت أنه هدم لتقام مكانه عمارة ضخمة وأين أصحاب الأوتيل فقد تركت كل متعلقاتي به ماذا أفعل؟ وأين أضع حقائبي التي أتيت بها من الإسكندرية؟ أخيرا علمت أن أصحاب الأوتيل فد استأجروا أوتيلا جديدا وعلمت أنه في شارع رمسيس أمام معهد الموسيقي، ويسمي أوتيل مونت كارلو توجه إلى العنوان الذي أعطوني إياه وهناك وجدت مبني قديم ما إن دخلت مدخله حتى وجدت دكاكين لكل شيء وصعدت السلم فوجدت شققا ضيقة أغلبها محلات ترزية وكهربائية إن المبني ولا سوق العتبة، سألت على الأوتيل فقالوا في الدور الثاني صعدت فوجدت اوتيلا لا يصلح للسكن مجرد دخولي فيه شعرت بانقباض في صدري، عرف أن مدير الأوتيل امرأة أعتقد أنها يونانية أو أرمنية لست أدري، امرأة في الخمسينات من عمرها شعرها رزي ومنكوش. سألت عن حاجاتي فقالت أنها كلها موجودة بالمخزن وسألتني إن كنت اود أن أقيم في الأوتيل، أي أوتيل؟ معقول أن أسكن في هذا المكان الكئيب فقالت عندي حجرة كبيرة وجميلة ترددت لحظة قبل أن أنطق كلمة قادتني في دهليز طويل الإنارة فيه ضئيلة وفتحت غرفة هي حقا ليست مساحتها صغيرة ولكنها أشبه بالسجن، فلم أرى في حياتي لوكاندة شبابيك حجرتها تقترب من السقف وحجمها صغير جداً. فالإنسان مهما كان طويلا لا يستطيع أن يصل إليها ليفتحها وفي المكان المفروض أن تكون فيه الشبابيك وجدت باراً حديدياً طويلاً يحزم الغرفة بأكملها واكتشفت أنها مواسير المياه وأرضية الحجرة كانت بلاط وعفش قديم جداً، دولاب وسرير وترابيزة قديمة عليها مرآة المفروض أن هذه هي التواليت (التسريحة). سألتني عن رأي هل هذا سؤال؟ إنه سؤال وقح ولكني وقفت متردداً أين أذهب بكل هذه الحقائب فسألتها عن الإيجار فقالت بما أنك كنت زبون دائم فسأحسب لك الغرفة ب15 جنيها في الشهر، قلت في نفسي لن أجد لوكاندة آخرى بهذا السعر واستقر رأي على أن أقيم فيها إلى أن أبحث وأجد مكاناً آخر، لكنني لم استطع إخبار أحد أين أبقى، كما أني لم أكن استطيع أمكث بها أكثر من ساعات الليل وأحيانا فترة الظهيرة كي أستريح قليلا وأغيّر ملابسي.

كان وديع “بارمان كازينو جامايكا” قد اختلف مع صاحبته واستأجر قهوة وبار في شارع الألفي بالقرب من العمارة التي بها نقابة المهن التمثيلية، كنت أخرج من سجني صباحا واتجه إلى شارع الألفي حيث قهوة وديع وآخذ معي أوراقي وأكتب هناك، وكان يضع على باب القهوة عربة للسندوتشات فكنت أفطر هناك وأشرب الشاي وأبدأ في الكتابة حتى الظهيرة وكنت أتغدي في أي مطعم صغير وأعود إلى المعتقل أنام قليلاً وأغير ملابس وأخرج، وإذا حلّ المساء أتجه مرة أخري إلى البار حتى إذا كانت الثانية صباحاً يكون صلاح منصور وحامد بك مرسي المغني القديم في فرقة على الكسار وكان دنجوان عصره. فقد كان متزوجاً من السيدة عقيلة راتب قبل أن أتعرف عليه. كنا نجلس ثلاثتنا على البار حتى إذا حان موعد التشطيب يقوم وديع بإنزال باب المحل ونظل نشرب وحامد بك يحكي لنا عن مغامراته، وكيف أن سيدة مجتمع غنية جداً أحبته لدرجة الجنون واصطحبته معها إلى باريس وهناك اكتشفت علاقته مع أخريات وفي العاصمة الفرنسية، فما كان منها إلا أنها مزقت باسبوره وجميع ملابسه وتركته وعادت إلى القاهرة. وهو لا يفهم أي لغة وله حكايات من هذا القبيل لا تنتهي. فإذا فرغ من الحكايات أخذ يتذكر المجد القديم فيبدأ في الغناء وهو يشرح لنا علاقته بسيد درويش وأنه كانوا يدخلون الغرزة يوم الثلاثاء مثلاً. وحين يسألون وهم خارجون منها عن اليوم يخبروهم أنه يوم الجمعة ونظل هكذا حتى الساعات الأولى من الصباح فأعود إلى المعتقل على أن نلتقي في اليوم التالي.



وكنت أمر بحالة نفسية سيئة رغم هذا السهر كل يوم فلم أكن استقريت على الخطوة التالية لي بعد هذا القرار الذي اتخذته بعدم التعاون مع اغلب المجموعة (ساعة لقلبك)، كذلك لم أكن فكرت كيف أستطيع تمويل هذه المرحلة وقد عدت من الإسكندرية وليس معي أي نقود جلست مع فؤاد المهندس جلسات طويلة واخبرته باستحالة التعاون مع هذه المجموعة مع من سنعمل؟ لم أكن أعرف وكانت نفسيتي تشلّ تفكيري حتى أنني لم أستطع أن أهتدي لموضوع المسرحية التي نقدمها في هذه الفترة.

بداية جديدة

في يوم من الأيام ذهبت لزيارة صحفي صديق بجريدة الجمهورية وهو أبو الحجاج حافظ وهو من أصدقاء الفرقة والمتحمسين لها ولجيل الشباب عامةً. وهناك وجدت الأستاذ محمد دوارة الصحفي الفني بالجريدة تعرفت عليه وفجأة قالي أنا عندي موضوع كوميدي جميل، ما رأيك لو كتبناه سويا؟ تواعدنا في قهوة فينيكس بشارع عماد الدين وطرح موضوع المسرحية فوجدت أنه موضوع ظريف ومختلف تماماً عما يقدمه المسرح في هذه الفترة. مجموعة من الشباب لم تعد تعجبهم أحوال المدينة بزيفها ونفاقها فقرروا عمل جمعية تنادي بالعودة إلى ما يشبه بالعودة للقديم ونبذ كل ما له علاقة بالمدينة فاستأجروا شقة وحولوها إلى ما يشبه الغابة وارتدوا ملابس الإنسان البدائي وحرموا استعمال الكهرباء وقراءة الصحف وكل ما يتصل بالعصر الحديث. وفي يوم من الأيام أخبرهم سكرتير الجمعية أن ابنة مؤسس الجمعية قد انحرفت واشتغلت ممثلة بالسينما عقدوا اجتماعاً عاجلاً وقرروا انتداب سكرتير الجمعية لاثنائها عن هذا المنكر، وإرجاعها إلى مبادئ والدها. يتعرض السكرتير إلى الكثير من المشاكل حتى يستطيع مقابلتها وبعد عدة مواقف يشعر أنه يحبها وتستطيع إقناعه بفوائد المدينة وفي النهاية، يعمل هو معها في السينما ويصبح نجماً لامعاً.

أُعجِبتُ بالفكرة وبدأنا في كتابتها وانتهينا منها في زمنٍ قياسي لحبنا للفكرة. وجدت المسرحية لكن من يقوم بأداء أدوارها وأين المسرح نقدمها عليه، وأين المال اللازم لظهور المسرحية بشكلٍ لائق؟ هذا ما كان يشغل تفكيري، تعرفت على رجل أعمال له ميول فنية. فعرضت عليه أن يشترك في إنتاج المسرحية. وهو يدعي سعيد الفقي. فوجدت منه ترحيباً بالفكرة، ذهبت لكوتة بك وكان له مكتب في القاهرة بشارع النمر (شارع النمر يوازي شارع سليمان باشا) ذهبت إليه لأرد العشرين جنيها التي استلفتها منه.

وبدأ يسأل عن الفرقة وأخبرته أني بصدد تكوين فرقة جديدة لكني لا أجد مكانا لعمل البروفات قالي الشقة دي تنفع؟ وجدت شقة كبيرة بها ممر به حجرة صغيرة وبجوارها حجرة كبيرة جدا وحجرة للمكتب علاوة على حجرتين منفصلتين مقفول عليهم باب عليه قفل، قال سأعطيك كل أماكن الشقة ما عدا هذا الجناح فإنه يخصني وحينما أحضر إلى القاهرة أقيم فيه على شرط أن أتولي أنا أدفع الإيجار كم يكون هذا الإيجار؟ قال 7 جنيهات ونصف، اتفقت وأعطاني مفاتيح الشقة، كانت الشقة مهملة وتحتاج إلى طلاء جدرانها حضر سعد الفقي وتولي مسؤولية توضيب الشقة لتكون مقراً للفرقة.

بدأت اتفرّغ لتكوين الفرقة التي اسميتها (الكوميدية الجامعية) وكان فؤاد المهندس بطل الفرقة ومعه السيدة خيرية أحمد وأقنعت الأستاذ حسن فايق الذي كان قد ترك فرقة إسماعيل ياسين وكتبت معه عقدا وأعطيته عربونا 50 جنيها دفعة واحدة، وكدت أطير من الفرح حينما وقعت العقد ولم يمضِ سوي أسبوع إلا وقد أرسل خطاباً بعدم تمكنه من العمل نظراً لظروفه الصحية، وعلمت بعد ذلك أنه قد تم الصلح بينه وبين فرقة الريحاني وسيعود للعمل بها. ولما واجهته بذلك، قال إن صحته لا تحتمل عمل بروفات بالنهار والتمثيل في المساء وأن مسرحيات الريحاني معادة وهو لن يبذل مجهودا لأن أدواره أداها مئات المرات. طبعا كانت حجة واهية. فارتبطنا بالأستاذ استيفان روستي وكان هو الآخر ترك فرقة إسماعيل ياسين وكتبت معه عقداً بمبلغ 100 جنيه شهرياً، وكذلك ارتبطت بمحمد رضا بعد أن ترك فرقة المسرح الحر وعمل فترة في فرقة إسماعيل ياسين وكان عقده بمبلغ 80 جنيهاً، وحينما علم الإستاذ أبو السعود الإيباري باتفاقي مع محمد رضا بهذا المبلغ ثار جداً إذ أن هذا مبلغ كبير وقالي إنت كده هتبوظ الممثلين.

واحتفظنا بالأستاذ فرحات عمر وأحمد الحداد ومحمد عوض فهؤلاء لم يكن لهم أي مشاكل في يوم من الأيام كذلك اتفقنا مع السيدة وداد حمدي وقدمنا الضيف أحمد لأول مرة على مسرح الاحتراف وأسند الإخراج للأستاذ عبد المنعم مدبولي.

كانت سعد الفقي قد انتهى من تأثيث شقة شارع النمر وطلائها وأصبح شكلها جميلاً يوحي بالثقة. وأقمنا حفل شاي صغير بالشقة بمناسبة بدء التمرينات وتعارف الفنانين. حضر الجميع وهم في غاية السعادة وفجأة فتح باب الشقة ودخل كوتة بك وزوجته الإسبانية وفوجئت بالتغيير الكبير في الشقة وإذا بحالة عصبية تنتابها لما علمت أني استأجرت الشقة وظلت تصرخ وتقول لكوتة بك طلقني لازم تطلقني حالاً. إيه يا مدام ماذا حدث؟ فتجيب أنا متجوزة كوتة بك المليونير مش اللي بيأجر شقته بسبعة جنيهات ونصف وفجأة أغمي عليها يا ستي في عرضك في طولك ما تعمليش في نفسك كده، الشقة ممكن نسيبها من دلوقتي بس فوقي استمر هذا الموقف ما يقرب من الساعة والجميع في منتهي الحرج، ولما أفاقت بدأ كوتة بك في إقناعها إنها بموافقتها ستسدي للفرقة والفن جميل، وإذا أصرت على موقفها فستضع الجميع في موقف حرج جداً حتى اقتنعت وشاركتنا في احتفالنا وبدأنا البروفة.

عُرِضَت المسرحية بمسرح الأزبكية الصيفي. كان نجاح مسرحية (البعض يفضلونها قديمة) مقبولاً. وكان من الممكن أن تكون عملاً مميزاً لولا أن الفصل الأول منها شعر فيه الجمهور بشيء من التغريب. فقد كان الفصل الأول يبدأ والديكور أشبه بغابة والممثلين يرتدون ملابس الإنسان البدائي ولو قدر لي إعادة كتابتها مرة أخرى لكتبت مقدمة تمهيدية عن كون هؤلاء الناس وسبب التغيير الذي حدث لهم ولا أترك هذا لكي يستنتجه الجمهور في سياق الأحداث.

يما بعد، صوّرت المسرحية تلفزيونياً وكان هذا أول عمل يصوّر لي تلفزيونياً وأذيعت مرةً واحدة، وبعد ذلك علمت أن الشرائط المسجلة عليها المسرحية قد مسحت.

وفي الوقت الذي كنا نعرض فيه المسرحية على مسرح الأزبكية الصيفي كانت تُعرض فيه على مسرح الأزبكية الشتوي رائعة سعد وهبة (المحروسة) وهي أول عمل للأستاذ سعد وهبة وكان أحد طاقم إدارة التحرير في جريدة الجمهورية في هذا الوقت، كتب عن المسرحية في أغلب الصحف والمجلات فيما عدا جريدة الجمهورية رغم أن شريكي في التأليف محمد دوارة يعمل محرراً فنيا في جريدة الجمهورية التي كانت تكتب يوميا عن مسرحية الأستاذ سعد وهبة ما لا يقل عن خمسة مقالات في اليوم، ورغم أن عدداً من زملاء دوارة بالجريدة كتبوا نقدا للمسرحية ولكنه لم ينشر، وقد سأل دوارة الأستاذ سعد وهبة في هذا الموضوع الذي اجابه أنه لن ينشر لأي نقد لأي مسرحية طالما مسرحية المحروسة عرضها قائم.. والأستاذ سعد وهبة كان سكرتير تحرير جريدة الجمهورية.

العمل بالإذاعة..

كنت قد قرأت موضوعا في أحد الكتب يصلح لأن يكون مسلسلاً كوميدياً جميلاً. ولم أكن تعاملت مع الإذاعة من قبل ذلك على الإطلاق. ناقشت فيه الأستاذ محمد دوارة وبدأنا في كتابته سويا، ولما كنت جديداً في الإذاعة، لم يكن لي أجراً معتمداً. والمفروض أن يحدد أجراً لمبتدئ. ولكني كتبت مذكرة أطالب فيها بما إني كتبت المسلسل مع الأستاذ دوارة وهو يتقاضى أكبر أجر في هذه الفترة، وكان عشرون جنيها عن النصف ساعة، فطالبت المعاملة بالمثل وأجيب طلبي. وهكذا دخلت الإذاعة ولم أكن أدري أن الربع ساعة وهو مدة الحلقة لا يجوز عن ستة أفراد، ولكن لابد من استئذان مدير البرامج الأستاذ حمدي عبدالحميد الحديدي في ذلك الوقت، وكتب له المخرج مذكرة بذلك فأشر بالموافقة لكن التأشيرة كانت غريبة جداً. أشر الأستاذ الحديدي فقال (أوافق وكان الله في عون المستمع).

وتعلمت من هذه التأشيرة الكثير إذ كلما قلّ عدد الشخصيات ساعدت المستمع على التركيز ومن هذا المسلسل أصبح موردي الأساسي الذي أعتمد عليه هو الإذاعة. ولقد كان وجدي الحكيم بصوت العرب، وكان يفضل التعامل معي وقد قدمت معه للإذاعة رصيداً كبيراً جداً.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الحادية عشرة


إيلاف


الخميس 15 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يوثّق اللقاء الأول بين فؤاد المهندس وشويكار


فواد المهندس وشويكار


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

أقصر موسم..والسبب طمع تحية كاريوكا

كان العيد على الأبواب ولجأ إليّ أحد المتعهدين لتقديم مسرحية في العيد، ورفض فؤاد المهندس العمل في العيد فاخترت مسرحية قديمة تدعي (يا مدام لازم تحبيني)، وتعاقدت مع السيدة تحية كاريوكا على أن تعمل بها ووافقت نظير أجر 300 جنيه في الشهر، وبما أننا سنعمل 15 يومًا فقد اتفقنا على أن يكون أجرها 150 جنيه عن الفترة، ودفعت لها عربون 50 جنيها وبدأت البروفات في شقة شارع النمر وكان يقوم ببطولتها مع السيدة تحية كاريوكا محمد عوض وخيرية أحمد والدكتور شديد وأحمد الحداد ونبيلة السيد وكانت من إخراج عبد المنعم مدبولي، انتهينا من بروفات الفصل الأول والثاني وما أن بدأنا في بروفات الفصل الثالث إلا وفوجئت باختفاء السيدة تحية كاريوكا، حاولت الاتصال بها في المنزل أو عند أصدقائها بلا جدوى ولم يبق على العرض سوى ليلة واحدة، وكان عبد المنعم مدبولي يخرج الفصل الثالث بدون البطلة وأي ممثل يقف محلها حتى قبل العرض بليلةٍ واحدة. قال لي مدبولي إن إخراج المسرحية قد انتهى ولم تظهر البطلة ولابد من إيجاد بديل. لكن كيف نقدم بديلة واسم تحية كاريوكا كبيراً. وتساءلنا: “من الذي يستطيع الإقدام على هذه التجربة؟ تركني الكل في الشقة وحدي ومخي يكاد ينفجر كيف استطيع مواجهة هذا الموقف الصعب غداً والمسرحية مباعة لمتعهد وهو بالتالي لابد أنه قد باع كل تذاكرها، ظللت متيقظا طوال الليل أفكر بالعواقب التي ستحدث ليلة العرض وفي الساعة الرابعة صباحًا دق جرس التليفون وكان المتحدث المطرب عبد الغني السيد وكان صديقا حميما للسيدة تحية كاريوكا وزوجها فايز حلاوة وكنت قد سبق واتصلت به لأعرف أي خبر عنها لكنه أجاب بأنها مسافرة ولا يعلم عنها شيئاً. قال لي يا سمير تحية موجودة وعايزة 50 جنيه ضروري حتى تعمل غدا من أين لي بهذه الخمسين جنيه؟ قال لي ما أعرفش بيع نفسك المهم أن تحضر الخمسين جنيه حتى تستطيع العمل غدا، قلت له غدا! لقد أصبحنا غدا، قال اتصرف واعمل اي حاجة واغلق التليفون شل تفكيري كيف اتصرف في هذا الموقف والساعة الرابعة صباحاً، ظللت مستيقظا حتى الثامنة صباحا وذهبت إلى المتعهد وطلبت منه المبلغ فرفض أول الأمر، وظللنا في مناقشات اقتربت من الساعتين حتى استطعت ان انتزع منه المبلغ وأسرعت إلى منزل السيدة تحية واعطيتها المبلغ وطلبت منها أن تحضر إلى المسرح في الساعة الخامسة حتى تستطيع عمل بروفة على الفصل الثالث، فقالت متقلقش ذهبت إلى المسرح مع جميع الممثلين لعمل البروفة ولكنها لم تحضر والكل في شدة التوتر حتى حضرت السيدة تحية وهي تعتذر أن الكوافير عطلها، لم يكن الوقت بالطبع كافيا لعمل البروفة وفتحنا الستار وكان جمهورًا غفيرًا جدا، قدمنا الفصل الأول وفي الاستراحة كان الاستاذ مدبولي والملقن يحاولان تحفيظ السيدة تحية الديالوج والحركة، كذلك فعل في الاستراحة بين الفصل الثاني والثالث وفي الفصل الثالث كان كل الممثلين يحاولون تلقينها الديالوح بالإضافة للمقلن الذي كان يلقنها الكلام والحركة في نفس الوقت حتى انتهي العرض بسلام.

الغاء العرض

فتحت المسرحية ليلة وقفة العيد وقدمنا أول أيام العيد حفلة، وفي ثاني أيام العيد والمعروف دائما أن ثاني أيام العيد هو أهم الأيام اكتظت الجماهير في صالة المسرح فلم يكن هناك موضع لقدم، وحتى التاسعة والنصف وهو موعد فتح الستار لم تحضر السيدة تحية انتظرنا حتى العاشرة ولكنها لم تحضر وبدأ الجمهور يفقد شعوره وجمهور العيد من الصعب جدا السيطرة عليه وتجمهر عدد كبير على شباك التذاكر فاضطررت إلى الذهاب إلى كشك سجاير بميدان العتبة لاستعجل السيدة بالتليفون، لم أشأ أن استعمل تليفون الشباك مخافة أن يسمعني أحد من الجمهور فتصبح كارثة طلبت الرقم فرد زوجها فقال أنها تريد 50 جنيها فورا، كيف ونحن لم نعمل سوي يومين فقط قال انها ستتقاضي مبلغ الشهر كاملا سواء اشتغلنا 15 يوما أو شهرا كاملا، ليس هذا ما اتفقنا عليه قال هو كده، هات المبلغ وهي هتنزل معاك طب تيجي المسرح وبعدين نتفاهم طالت المكالمة أكثر من ربع ساعة ووجدت خلفي أشخاص ثلاثة أو أربعة منتظرين يريدون التليفون يا أستاذ خلصنا، يا أستاذ دي مش أصول، انتهت المكالمة ولم استطع اقناعه رجعت إلى المسرح فوجدت عالم كثيرة على الشباك يرجعون التذاكر ويستعيدون نقودهم وعلمت ان مدير المسرح الاستاذ وحيد الشناوي قد خشي من تكسير المسرح وهو مسرح حكومي فقد أعلن للجمهور إلغاء العرض.

في اليوم التالي ذهبت إلى المسرح مبكرا فوجدت السيدة تحية كاريوكا في حجرتها تستعد للعرض وتعمل مكياجها ومعها الاستاذ عبدالغني السيد، حسبتها سريعا في تفكيري فوجدت أن العمل لا يمكن أن يستقيم في هذا الوضع وخصوصا ان هذه آخر ليالي العيد، وأني بقبولي العمل سأخسر خسارة كبيرة فدخلت مندفعا إلى حجرة السيدة تحية كاريوكا وأخبرتها ان العمل قد انتهي وأننا لن نواصل العرض، قال لي الاستاذ عبد الغني السيد هذا جنون، قلت له أن الجنون الأكبر هو استمرار العرض ولم أكن أدري أني بقرار إنهاء العرض في هذه الليلة أني أسدلت الستار عن هذه الفرقة نهائيا.



مسارح التلفزيون..

بعد أن أغلقت مسرحية (يا مدام لازم تحبيني) هذا الغلق المُفاجِئ عشت فترة قلق فقد نتج عن هذا الغلق تراكم ديون كثيرة على ومشاكل مع المتعهد كان لابد من حلها فبدأت التركيز في الكتابة للإذاعة حتى أتمكن من سداد هذه الديون، فكنت من العاشرة صباحا أتواجد في القهوة عند وديع أكتب وبعد الظهر أكتب في شقة شارع النمر ورغم ذلك لم ينقطع تفكيري عن المسرح فلابد من إيجاد حل فأنا لم أتعود الفشل وإذا أصررت على شئ ظللت أعمل وأسعى على تحقيقه. وفي ذات يوم قابلت محمد يوسف وأمين الهنيدي اللذين أكدا لي أنهما لم يكن لهما دخلاً فيما حدث بموسم الإسكندرية وأن المخطط لكل ما حدث هو لطفي عبدالحميد (فتلة) وهذا ما كنت أحسّ به وقد صدق حدسي. كما علمت منهما أن السيدة تحية كاريوكا وزوجها فايز حلاوة بصدد تكوين فرقة مسرحية وإنهما سيعملان بها، وفعلا بعد فترة وجيزة تم افتتاح فرقة تحية كاريوكا وقدمت مسرحية باسم (بلاغ كاذب) وكان من ضمن المشتركين بها أمين الهنيدي ومحمد يوسف ولم تلاق نجاحاً ملحوظا، ولكن الفرقة قدمت بعد ذلك مسرحية الأستاذ جليل البنداري (شفيقة القبطية) ونجحت نجاحاً كبيرة وكان أمين الهنيدي يقدم فيها شخصية من أجمل الشخصيات التي قدمها في حياته وهي شخصية الشيخ حسن الضرير المقبل على الحياة الذي يحلّ أي مشكلة بطريقته الخاصة، ولكن لسوء الحظ حينما سجلها التلفزيون لم يسجلها هو. إذ أن أفراد الفرقة علموا ومنهم محمد رضا ونبيلة بقرب تسجيل المسرحية فاختاروا أمين الهنيدي للتفاوض مع الأستاذ فايز حلاوة. ويبدو أن خلافاً ماديا حدث بينهما. ففي يوم التسجيل كانوا يعرضون المسرحية حفلتين ماتينيه وسواريه، وقد أدي أمين الهنيدي دوره في حفلة الماتينيه وبينما هو يستعد لحفلة السواريه دخل الاستاذ عبدالغني قمر حجرة الأستاذ أمين الذي ظن أنه زميل جاء لتهنئته على نجاه في الدور ولما طال الوقت أضطر أمين الهنيدي أن يقول له باقي على العرض أقل من نصف ساعة ولابد أن استعد فإذا بالإستاذ عبدالغني يقول أنه هو الذي لابد أن يستعد لأنه سيؤدي الدور في حفلة السوارية وسيقوم بتسجيله، انهار أمين الهنيدي وخرج في الشارع لا يدري أين يذهب فاتجه إلى قسم البوليس وحرر محضرا بالوقعة ولكن ما خفف عنه هذه الواقعة ان المخرج محمد سالم صور فيلما بعنوان (منتهي الفرح) وجمع فيه اغلى نجوم الغناء في مصر بدءا من مها صبري وصباح وفايزة أحمد وفريد الأطرش حتى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وكان يقوم ببطولة الفيلم أمين الهنيدي وقدّم فيه شخصية الشيخ حسن. فنشرت الصحف أخباراً عن نية التلفزيون المصري بعمل مسرح التلفزيون وقام صراع بين وزارة الثقافة المفروض أنها الأم الشرعية للمسرح وبين وزارة الإعلام التي تريد إنتاج مسرحيات حتى تغطي إرسالها، وتم الإعلان عن افتتاح مسرح التلفزيون وأصبح حقيقة واقعة.

مرحلة جديدة

بدأ مسرح التلفزيون يضم مجموعة كبيرة من خريجي معهد التمثيل وجزءاً كبيراً من خريجي الجامعة وطلبتها، وهؤلاء عينوا كموظفين، وكانت مرتباتهم تترواح بين 25 و 30 جنيها، بالإضافة أن مسرح التلفزيون استعان بكبار نجوم المسرح وكانت أجورهم التي حددها التلفزيون كبيرةً جداً، إذا كان النجم يتقاضي 400 جنيه نظير البروفات وعرض 15 يوما فقط، وإذا تخطى عرض المسرحية هذه المدة كان النجم يتقاضى 10 جنيهات في الليلة الواحدة وهذا مبلغ كبير جداً في بداية السينيات.

افتتح مسرح التلفزيون في 12فبراير 1962 على مسرح الهوسابير، وقدم في موسمها الأول أربع مسرحيات (شيء في صدري) قصة الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس واعدها للمسرح أنور فتح الله وأخرجها نور الدمرداش وقام ببطولتها الأستاذ حمدي غيث والسيدة زيزي البدراوي والسيدة نعيمة وصفي والاستاذ صلاح ومنصور والسيدة زوزو ماضي وقدمت كل من الوجوه الجديدة كل من أنور رستم وجمال اسماعيل، فؤاد أحمد، سميرة البدوي، رشوان توفيق، عزت العلايلي، حمدي أحمد، صلاح قابيل، ونبيل الزقزوقي، ماجدة على.

وتبعتها مسرحية أرض النفاق قصة يوسف السباعي وإعداد أمينة الصاوي وإخراج الأستاذ حمدي غيث، اشترك في تمثيلها الأستاذ نور الدمرداش والسيدة ليلي طاهر، عبد الوارث عسر وسامية رشدي.

ومن أعضاء فرق التلفزيون يوسف شعبان وعادل بدرالدين وحسن مصطفي وإبراهيم سعفان والسيد راضي وعبد المحسن سليم ونازك إسماعيل وجمال شبل.

في مسرحية العش الهادي تأليف توفيق الحكيم التي قام يوسف إدريس بكتابة حوارها_ رغم إنها هي مسرحية أصلا وليست رواية_ وأخرجها كمال ياسين وقام ببطولتها الأستاذ عمر الحريري والسيدة برلنتي عبدالحميد والاستاذ محمد رضا والاستاذ كمال ياسين واشترك من اعضاء فرق التلفزيون بثينة حسن، عبدالعزيز غنيم، حسين الشربيني، عزالدين إسلام، رجاء سراج وأحمد عبدالحليم.

ثم رائعة عبد الرحمن الشرقاوي (الأرض) إعداد السيدة أمنية الصاوي وإخراج الأستاذ سعد أردش وقام ببطولتها السيدة كريمة مختار، عبدالوارث عسر، وداد حمدي، سعد أردش، عبدالعزيز أبو الليل، عايدة عبد العزيز. واستعان الاستاذ سعد أردش بعدد كبير من أعضاء مسرح التلفزيون الذين أصبحوا بعد ذلك من كبار نجوم المسرح والسينما عزت العلايلي أبو بكر عزت، صلاح قابيل، حسن مصطفى، حمدي أحمد، فؤاد أحمد، جمال إسماعيل، عبدالمحسن سليم.

كان ظهور فرق التلفزيون حدثاً كبيراً، ولم تستطع أغلب الفرق الموجودة في هذه الفترة على قلتها المنافسة. فقد كانت المنافسة قوية لكون الأجور التي يدفعها التلفزيون للنجوم كبيرة لا تستطيع هذه الفرق دفعها. كما أن الإعلانات التي يعلن بها التلفزيون عن إنتاجه تحتل مساحة ضخمة من الجرائد والمجلات ومن المستحيل على هذه الفرق أن تتحملها، علاوة على قيمة التذكرة فقد كانت قيمة أغلى تذكرة في مسارح التلفزيون 25 قرشا أي نصف سعر التذكرة في الفرق الآخرى. أي أن مسرح التلفزيون تذاكر أرخص من تذاكر مسارح القطاع الخاص، علاوة على أن من يدير هذه الفرق الفنان الكبير الأستاذ سيد بدير وهو طاقة كبيرة يستطيع أن يعمل 24 ساعة في 24 ساعة دونما أن يكل، فما بالك بهذه الطاقة وعندها من الإمكانيات الفنية والمادية التي وفرها له التلفزيون بلا حدود.

لم تستطع فرقة المسرح الحر أن تستمر رغم أنها كانت في قمة إزدهارها وكانت قد بدأت في مسرحية روايات للكاتب الكبير نجيب محفوظ وقدمت له زقاق المدق وجزئين من ثلاثيته بين القصرين واستعانت بالفنانة الكبيرة فاطمة رشدي بعد احتجاب طويل في دور زبيدة العالمة، كما قدمت بعد ذلك قصر الشوق، قدمت كذلك مسرحيات لكبار الكتاب، الدكتور رشاد رشدي الذي قدمت له مسرحية الفراشة ومحمود السعدني ما وراء النهر وقدمت ما يشبه الأوبريت في مراتي بنت جن وقدمت أبطالها الذين أصبح لهم تأثيراً كبيراً في المسرح المصري أمثال سعد أردش وكمال ياسين ومحمد رضا وعبد المنعم مدبولي وتوفيق الدقن وعبدالحفيظ التطاوي.

ورغم نجاحها فقد كانت بالكاد تغطي مصاريفها رغم أن كل أعضائها كانوا يقدمون رسالة وكانوا لا يتقاضون أجورا وكانت السيدات اللاتي يعملن معهم هم فقط الذين يتقاضون أجورا، لم تستطع الفرقة الاستمرار فتوقفت عن العمل وعمل أغلب أعضائها في مسارح التلفزيون ما بين التمثيل والإخراج.
كذلك توقفت فرقة أنصار التمثيل رغم قصر مواسمها وبطبيعة الحال كانت الفرقة الوليدة التي كونتها لم تستطع الصمود، ولم يستمر العمل غير فرقة الريحاني وفرقة اسماعيل ياسين وفرقة تحية كاريوكا التي كانت في خطواتها الأولى.

حاولت أن أجد لي مكانا في مسارح التلفزيون وكان أملي أن تنضم الفرقة بكاملها إلى مسارح التلفزيون كفرقة مستقلة، أسوة بفرقة رضا، فقد بدأت فرقة رضا بعد أن قدمت مصلحة الفنون والتي كان يديرها الأستاذ الكبير يحيى حقي عرضها الرائع (يا ليل يا عين) الذي كان قوامه على رضا وفريدة فهمي ومحمود رضا وإخراج الأستاذ زكي طليمات، أغراهم النجاح المذهل الذي حققه العرض بتكوين فرقة رضا للفنون الشعبية فكانت أول فرقة للفنون الشعبية وقدم هذا الثلاثي عروضا بالاشتراك مع الفنان الكبير على اسماعيل الذي يقوم بتلحين استعراضات الفرقة. وقدمت عروض لأول مرة على مسرح سينما رمسيس، وبعد ذلك قدمت موسما في الإسكندرية على مسرح اللونا بارك. فانضمت الفرقة إلى التلفزيون كفرقة مستقلة في كل شئ إلا أنها تتبع التلفزيون.

وكان كلي أملي أن تكون فرقتي تابعة لمسرح التلفزيون رغم علمي بصعوبة تنفيذه لأن فرقة رضا وضع مختلف فهي متفردة فيما تقدمه. ولكني ذهبت وقابلت الأستاذ سيد بدير وعرضت عليه الفكرة ولكن بإدارة مستقلة كفرقة رضا، وطلبت مقابلة الأستاذ سيد بدير مستشار التلفزيون لفرقة المسرحية وعرضت عليه الفكرة. ولكنه قال أن المقارنة بفرقة رضا غير جائزة. ففرقة رضا فرقة متفردة فيما تقدمه لأنها أولاً فرقة للفنون الشعبية، أما فرقتنا فهي فرقة مسرحية والتلفزيون مكوّن فرق مسرحية، فليس هناك داع للإرتباط بفرقة قائمة فعلاً. ولكنه لم يقطع الأمل نهائياً، بل قال على العموم سأبحث ذلك الأمر وإذا فرض ووافق عليه فإن ذلك يحتاج مدة طويلة.

قال لي لماذا لا تكتب مسرحيات لفرق التلفزيون القائمة حتى يبت في هذا الطلب بالرفض أو القبول، من ناحيتي أنا كنت شرعت في كتابة مسرحية أنا والاستاذ محمد دوارة وسميناها أصل وصورة، وهي من أربعة فصول أنجزنا ثلاثة منها فطلب مني سرعة تقديمها للجنة للقراءة وفعلاً قدمت الفصول الثلاثة للجنة واشرت أننا لم ننته بعد من كتابة الفصل الرايع. وظللت أنتظر النتيجة ولكن بدون جدوى.

ترددت على مكتب الأستاذ سيد مرات وأنا أحس بألفة كبيرة وتقارب بيني وبينه وفي كل مرة ألتقي به يزداد التقارب بيني وبينه، وكان يجري التدريبات لتقديم الموسم الصيفي أي الموسم الثاني لفرق التلفزيون التي زادت في هذا الموسم. فبعد أن كانت ثلاث فرق أصبحت ستة، ستقدم شجرة مظلمة والطرق المسدود والشوارع الخلفية واللص والكلاب والمفتش العام والسكرتير الفني.

وما يهمني هنا هو المسرحيتين الأخيرتين، فالمفتش العام التي كتبها الكاتب الروسي الكبير جوجول كثيراً ما كان فؤاد المهندس يلحّ علي في تقديمها بفرقتنا. وكنت بدأت أفكر في تقديمها فعلاً، لولا موقف الفرقة وأعلن عن تقديمها في فرق التلفزيون وكان يقوم بدور البطولة فيها الأستاذ أبو بكر عزت. وفي أثناء البروفات كُسِرَت رجل الأستاذ أبو بكر وكنت عند الأستاذ سيد وهو يبحث عن بديل فانتهزت الفرص واقترحت بأن يقوم فؤاد المهندس بأداء الدور، فوجدت منه نفورًا وقال إذا لم يكن هو فهو يفضل إسناده لنجم كعمر الحريري، الحقيقة أني لم أجد ما أرد به على الأستاذ سيد، فسكت. وتكلمنا في أمور آخرى.



أما المسرحية الثانية فهي السكرتير الفني الذي كتبها الأستاذان بديع خيري ونجيب الريحاني وهي مقتبسة عن مسرحية الكاتب الفرنسي الكبير مارسيل بانيول ولم يقدمها نجيب الريحاني باسم السكرتير الفني أبدا، فد أطلق عليها عدة أسماء أولها (الجنيه المصري) ولم تصادف نجاحاً حين تقديمها. وكان الفصل الأول تدور أحداثه في حجرة الدراسة فاعاد تقديمها مرة آخري باسم (الأستاذ ياقوت) وياقوت هو ترجمة حرفية لاسم الرواية وجدد في أحداث الفصل الأول وجعل أحداثه تدور في حجرة المدرسين، ثم أعاد تقديمها باسم (الدنيا ماشية كدة). وفي رأيي أن الاسم الاول (الجنيه المصري) هو أنسب الأسماء لارتباطه الوثيق بأحداث المسرحية وفي كل مرة قدمها الأستاذ الريحاني لم تلاقِ النجاح المطلوب وكانت هذه المسرحية أول مسرحية قرأتها لنجيب الريحاني وبديع خيري. فقد كان لي خال بمدرسة طنطا الثانوية وكان في فريق التمثيل التابع للمدرسة وفي يوم حضر مع رئيس الفريق إلى القاهرة ليقابلوا الأستاذ الريحاني وطلبوا منه أن يعيطهم إحدى مسرحياته لتقديمها في نهاية العام الدراسي في مسرح المدرسة فأعطاهم هذه المسرحية وكان اسمها مازال الجنيه المصري. ولا استطيع أن اقول قرأتها بل أقول كدت أن اكون حافظاً لها، أما السكرتير الفني فهو الاسم الذي قُدمت به المسرحية في جمعية أنصار التمثيل والسينما.



اللقاء الأول بين فؤاد المهندس وشويكار

المهم كانت المسرحية ستُقدم في فرق التلفزيون بطولة الأستاذ سيد بدير وتقوم بدور البطولة النسائية السيدة برلنتي عبدالحميد ويخرجها الأستاذ حمدي غيث، والذي حدث أن كلف الأستاذ سيد بدير بمهمة تستغرق وقتا طويلا في أميريكا فبحث عن من يقوم بدور ياقوت فلم يجد غير فؤاد المهندس كي يؤدي الدور وكان الأستاذ حمدي غيث سيقوم بإخراج المسرحية ولكنه لم يتمكن لإسناد إخراج مسرحية الشوارع الخلفية إليه وكان إن أسند الإخراج للأستاذ عبدالمنعم مدبولي في أول تعاون بينه وبين مسارح التلفزيون.

بدأت البروفات ولكن بطلة العرض السيدة برلنتي طلبت تعديلات كبيرة في التص الذي اعتبره الاستاذ مدبولي افتراء على النص، وأمام إصرارها اضطر الاستاذ مدبولي لتقديم طلب للاستاذ حسن حلمي مدير التلفزيون وكان يقوم بأعمال الأستاذ سيد في فترة غيابه، قابل مدبولي الاستاذ جسن حلمي وأخبره باستحالة التعاون بينه وبين السيدة برلنتي فلما سأله حسن حلمي عن البديل اقترح مدبولي اسم السيدة شويكار التي لم يكن يعرفها الأستاذ حسن حلمي، فقال له أنها فتاة مجتمع تهوي التمثيل وقد سبق لها العمل في مسرحيات قليلة في فرقة أنصار التمثيل واضطر الاستاذ حسن حلمي على الموافقة وكان هذا أول لقاء بين فؤاد المهندس وشويكار الذي امتد طويلاً بعد ذلك.

لما كنت أكاد أكون حافظا للمسرحية فقد أزعجني تغيير نهايتها فالمسرحية تدور حول ياقوت أفندي المدرس الغلبان في إحدي المدارس الأهلية وهو متمسك بالشرف والأمانة على غير صاحب المدرسة الذي يريد منه أن يخالف ضميره ويعطي درجات كبيرة لتلاميذ لا علاقة لهم بالعلم ليس إلا لإرضاء اهاليهم الذين يدفعون المصاريف لحضرة الناظر ويشاركه في الأمانة والاستقامة زميله الشيخ خميس، يقع ياقوت ضحية سيدة مجتمع خالة أحد التلاميذ وتطلب منه إعطائه دروسا خصوصية في المنزل وهناك يعرف أنها تقوم بصفقات مشبوهة مع رجل أعمال على علاقة به، يستدرجون ياقوت ويغدقان عليه أموالا كثيرة حيث يمضي العقود بحيث تقع عليه المسئولية كاملة إذا ما انكشف أمرهما، وينتبه ياقوت للشرك الذي وقع فيه ويبدأ العمل لحسابه حتى يصبح مليونيرا رغم تحذير الشيخ خميس المتمسك بالشرف والأمانة وتنتهي المسرحية حسب ما كتبها مؤلفها الأصلي مارسيل بانيول وما سبق أن قدمه نجيب الريحاني وبديع خيري أن يأتي الشيخ خميس إلى مكتب ياقوت الفخم فيحذره من مغبة الأعمال غير المشروعة فيجد ياقوت يكلم رئيس الوزراء ويعتذر له عن عدم استطاعته مقابلته إلا بعد أسبوع ويذهل الشيخ خميس ويتقدم ببطء من ياقوت ويقول له ألاقي عند شغلانة فاضية.

لهذا رأيت أن أنسب اسماء المسرحية هو الجنيه المصري فالمال يشتري أي شيء حتى الشرف وقوة المال جعلت الشيخ خميس يسقط من أجله، لكنه حينما قدمها مسرح التلفزيون غير النهاية وجعل أنه منذ اكتشف ياقوت الشرك الذي وقع فيع طهر نفسه وبدأ يعمل من جديد بشرف وأمانة بعد أن تخلص من الأموال التي جمعها بغير حق. وفي اعتقادي ان هذه النهاية السعيدة التي قد ترضي بعض الأفراد قد أضعفت من قيمة المسرحيةالتي حققت نجاحاً منقطع النظير، واعيد عرضها مرات كثيرة. وبفضلها اجتمع فؤاد المهندس وشويكار كأنجح ثنائي ظهر على خشبة المسرح المصري.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الثانية عشرة


إيلاف


الأربعاء 21 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يستذكر انطلاقة عادل إمام السينمائية


عادل إمام


تواصل”إيلاف" في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

ظهور محمد عوض في مسرح التلفزيون..

ويتابع: حينما عاد سيد بدير من مهمته وذهبت للقائه وكنت اود أن أساله عن المسرحية التي قدمتها للجنة القراءة (أصل وصورة) لكني فوجئت بأنه يسألني عن محمد عوض وكم كان أجره في فرقتنا وهل هو ملتزم أم لا؟ وأسئلة كثيرة فتعجبت وسألته عن سر اهتمامه بمحمد عوض قال أريد أن أضمه لفريق التلفزيون المسرحية كموظف، لأنه يريد أن يستقطب للمسرح كل المواهب الشابة الواعدة.
حددت لعوض ميعادا كي يقابل الاستاذ سيد بدير، رحب عوض بالإنضمام لمسارح التلفزيون غير أن الأجر المحدد كان 30 جنيها. الأمر الذي اعترض عليه عوض قائلاً: “كيف أقبل بهذا المبلغ وفي نفس الوقت أُحرَم من العمل في الإذاعة والتلفزيون. لقد استغربت منه هذا القرار، لأن التلفزيون يعطي فرصاً ليظهر نجومهه ويلمعهم لكن بعد وقت اتضح لي أنه قرار في صالح أعضاء المسرح. فقد كان الغرض من القرار هو أن يتفرّغ أعضاء المسرح للمسرح فقط ولا يشغلهم عنه أي شئ آخر. أخرج عوض من جيبه كشفاً بالأعمال التي قدمها في الشهور الأخيرة من الإذاعة والتلفزيون ومجموع المبالغ التي تقاضاها عن هذه الفترة وهي تفوق كثيرا الأجر الشهري الذي يمنح للممثل، لم يستطع الأستاذ سيد بدير أن يخرج عن لائحة الأجور ويمنحه من استثناء من هذه القاعدة، وإلا احتج بقية أعضاء فرق التلفزيون وطالبوا بالمعاملة بالمثل وانتهت الجلسة بصعوبة انضمام عوض كممثل موظف بفرق التلفزيون.

طلب الأستاذ سيد بدير عوض لمقابلته ثانيا وقال انه وجد حلا مريحا بالنسبة للطرفين وهو أن يعمل عوض بالقطعة كنجوم الذين يستعين بهم في المسرح على أن يكون أجره في المسرحية التي يشارك بها لمدة خمسة عشر يوما بالاضافة إلى البروفات مبلغ 160 جنيها وما زاد عن 15 يوما يتقاضي عنه 4 جنيهات يوميا وبذلك يكون لعوض الحرية في العمل بالإذاعة والتلفزيون ولا يتحمل مرتبه مستمراً طوال العام. رحب عوض بهذا العرض الذي طبق بعد ذلك على غيره من أنصاف النجوم الذين استعان بهم المسرح بعد ذلك.

ولقد رشح الأستاذ سيد بدير محمد عوض ليقوم ببطولة مسرحية جلفدان هانم التي كتبها الاستاذ أحمد على بكثير واحتج بعض أعضاء هذا المسرح لهذا الترشيح، فعوض ليس بالنجم الجماهيري كي يستعان به في بطولة وإن أعضاء المسرح الدائمين أولى من ممثل من خارج الفرقة بهذه الفرصة، لكن الأستاذ سيد لم يلتفت لهذه الاحتجاجات وبدأ عوض بروفات جلفدان وشاركته البطولة السيدة نعيمة وصفي وأخرجها الاستاذ عبد المنعم مدبولي.
عُرضَت المسرحية على مسرح الهوسابير ولاقت نجاحاً ملحوظاً، وحضر الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام العرض وأعجب بمحمد عوض ورفع أجره كي يتساوي مع كبار النجوم الذين يستعين بهم المسرح وهي 400 جنيه، وهي قفزة لم يكن يحلم بها عوض في يوم من الأيام بل أن الدعاية للمسرحية اختفلت عن باقي المسرحيات فقد كثفت الدعاية لها بطريقة ملحوظة .فقد اعتبر الدكتور حاتم أن محمد عوض هو ابن هذه الفترة وأن مسرح التلفزيون قد صنع نجومية محمد عوض.
علماً أنه في تلك الفترة، ووفقاً لما خطط له سيد بدير، كان لا يجب يستمر عرض المسرحية أكثر من أسبوع، ولكن جلفدان هانم استمر عرضها لعدة اسابيع وكان كلما امتد العرض اسبوعا قام أحد النجوم بعمل حفلة عشاء بهذه المناسبة.



أنا وهو وهي..

اعرف ماذا حدث في لجنة القراءة بخصوص مسرحية (أًصل وصورة) ولكني لم أصل إلى نتيجة فاعتقدت أن اللجنة رفضتها ولم أشأ أن أثقل على الأستاذ سيد بالسؤال لعدم إحراجه أو إحراجي وامتنعت عن الذهاب إلى مسرح الهوسايبر ولم أعد ألتقي بالأستاذ سيد بدير إلا نادرًا. ركزت كل جهدي في هذه الفترة في العمل بالإذاعة، ولكن هذا لم يمنعني من التفكير في المسرح بل دفعني شوقي إليه أن بدأت اكتب مسرحية لم أكن أطلقت عليها اسماً بعد، والتي ظهرت بعد ذلك باسم”أنا وهو وهي". كنت كالعادة أجلس بالنهار في قهوة وديع اكتب في المسرحية وفي المساء أجلس في البار مع حامد مرسي وصلاح منصور.
وذات صباح وكنت قد انتهيت لتوي من تكملة المسرحية ولم يبقي إلا أن أراجعها وابيضها فوجئت بالاستاذ عبدالمنعم مدبولي يقتحم القهوة ويطلب مني المسرحية لتقديمها على المسرح فارتبكت وقلت له اديني فرصةابيضها قال مش مهم بعدين، المهم انه اخذ المسرحية فورا وهي مكتوبة في كراسات بالقلم الرصاص.

قابلت الاستاذ سيد بدير وقال أن المسرحية سيقوم ببطولتها فؤاد المهندس وشويكار وقد كنت كتبت المسرحية فعلا لفؤاد المهندس سألني عن اسمها فقلت لقد وجدت اسما مؤقتا لم نستقر عليه بعد وهو (انا وهو وهي)، قال مؤقت ليه ده اسم جميل جدا وخارج عن الاسماء المألوفة ولا بد من البدء في عمل البروفات فورا.

شعرت بإحساس غريب أحسست وكأن اقدم مسرحية لأول مرة شعرت بالخوف والفرحة فهذه أول مرة فعلا أقدم عملا مسرحيا ليس من إنتاجي ولا بد من أن انجح، وبدأت اهتم بكل صغيرة وكبيرة في المسرحية سواء فيما يخصني أو لا يخصني فرضت نفسي على العمل حتى ترشيح الممثلين الذي هو من صميم عمل المخرج بدأت أتدخل فيه دون حرج من المخرج، كنت أود لو أدي هذا الدور فلان أو وأنا أكتب كنت أتصور فلان، فقد كنت أتصور محمد رضا هو أليق ممثل لدور النمساوي ورشحته لأستاذ مدبولي الذي رحب بذلك كل الترحيب، ولم انتظر رأي الاستاذ سيد بدير بل أخذت نسخة من المسرحية وذهبت بها للاستاذ محمد رضا وكان يعمل في فرقة تحية كاريوكا التي كانت تقدم عرض شفيقة القبطية، ورحب رضا بالعمل ولم يمض يوم إلا ويستدعيني الاستاذ بدير وهو غاضب ويقول لي كيف تعرض على محمد رضا العمل في مسرحية وهو يعمل في فرقة آخرى، لقد قدم الاستاذ فايز حلاوة شكوى بهذا الخصوص. ثم قال أنا لا أريد ان أتعدي على أي فرقة قائمة، جلست مع الأستاذ مدبولي ورشحت الأستاذ محمود المليجي ولكنه هو الآخر كان يعمل في فرقة اسماعيل ياسين ولم أكن أعرف، وقال السيد بدير عليكم من اختيار الممثلين من أعضاء فرق التلفزيون، وأنا لا أكاد أعرض أحدا منهم واختار الاستاذ مدبولي سلامة إلياس وكنت لا أعرفه إطلاقا معرفة شخصية رغم إنه قال بأحد أدوا السكرتير الفني، أما عند شخصية الاستاذ دسوقي فكنت متخيل أن يقوم به محمد عوض وأثناء كتابتها كان عوض يأتي إلى في بار وديع وهو مرحب بالقيام بهذا الدور، ولكن بعد قيامه ببطولة جولفدان هانم أصبح من الصعب قيامه بالدور خصوصا بعد رفعه لمصاف كبار النجوم واصبح أجره 400 جنيه، رشح الأستاذ قاسم وجدي وهو مسؤول عن الإنتاج في مسرح التلفزيون شابا صغيرا في السن ورأيته مع مدبولي فل أجد فيه مواصفات الشخصية فقد كان في العشرين من عمره لكن شكله لا يدل على أنه أكبر من 18 سنة ووجدته مندهشا دائما، فقلت للأستاذ قاسم إنه لا يصلح للدور وقد يصلح لأدوار آخرىي لكن دسوقي شخص به دهاء وخبث، أما الشخص الذي أصبح بعد ذلك أحد نجوم الذين اعتمدت عليهم في أدوار كبيرة بعد ذلك هو سعيد صالح.

بعد ذلك رشح الأستاذ قاسم عادل إمام الذي نجح في الدور نجاحاً باهراً وكان أول عمل يشارك فيه عادل إمام قبل هذا الدور مسرحية ثورة قرية قصة الاستاذ محمد التابعي وإعداد للمسرح عزت العلايلي ومن إخراج الأستاذ حسين كمال وكان يمثل فيها عبدالبديع العربي وزوزو نبيل ووداد حمدي وفاطمة عمارة وصلاح قابيل ورشوان توفيق وعرضت على مدار 15 حفلة فقط، وكان عادل إمام يقول في هذه المسرحية جملة واحدة فقط (العسلية بمليم الوقية).

كان العنصر الوحيد الذي أعرفه من أعضاء الفرقة هو الضيف أحمد والذي كنا قد قدمناه في مسرحية (البعض يفضلونها قديمة) فقدم دور الفراش باقتدار.

بدأت البروفات بجدية شديدة وكنت استعجل الأيام لشوقي لمعرفة رأي الجمهور ورأي النقاد ورأي الأستاذ سيد بدير، وتحدد تاريخ العرض وفوجئت أن العرض سيبدأ في دار الأوبرا، هل هذا معقول؟ دار الأوبرا! إنه حلم جميل، ومسرحيات التلفزيون السابقة كانت تقدم على مسرح الهوسايبر ثم مسرح النهر، بدأت أحلم بليلة العرض وفي يوم العرض فوجئت أن اكسسوار المسرحية لم يستكمل بعد، والذي لم يتم هو حجرة النوم التي في اللوكاندة التي يفتح بها الفصل الأول، ثار الأستاذ مدبولي وشتم عرفت من الأستاذ شكري راغب وهو المسؤول في الأوبرا فهو يدير المسرح ويعرف كل مسمار في فرق الأوبرا، والذي اعتذر لعدم وجود حجرة نوم بالمخازن توترت اعصابي، هل هذا ممكن؟ لم يتبقي إلا ساعات على العرض ونصادف هذه العقبة التي قد تؤدي إلى إلغاء العرض، ومدبولي ثار ويقول ألفاظ ممكن أن تكون لها عواقب وخيمة، وفي لحظة فكرت لقد كانت مسرحية “البعض يفضلونها قديمة” بها حجرة نوم وكنت تركتها عهدة عند الحاج وحيد الشناوي في مسرح الأزبكية، فعبرت الشارع مسرعا إلى مسرح الأزبكية وشكرت الله أنني وجدت الحاج وحيد الذي أخرج حجرة النوم من المخازن وأحضرت عاملين لنقلها لدار الأوبرا وحلت الأزمة.

حل المساء وأضيئت أنوار دار الأوبرا واكتظت الساحة أمام دار الأوبرا بالعربات، إن تقديم مسرحية بدار الأوبرا يختلف اختلافا كليا عن تقديمها في أي مسرح آخر لفخامة دار الأوبرا والبذخ والذوق الرفيع يوحي بالثقة حتى الجمهور بالرغم من أنه كان قبل الثورة ممنوعا من دخول الأوبرا بدون الملابس الرسمية الكاملة، إلا أنه بعد قيام الثورة كان مسموحا بأي ملابس عادية ورغم ذلك شعرت أن الجمهور محترم المكان لما له من أهمية تاريخية وثقافية، كان الأغلب يحضر بملابس رسمية كاملة، كانت دقات قلبي تتصاعد كلما اقترب موعد رفع الستار ولم استطع الجلوس على كرسي بل كنت دائم الحركة في نهاية صالة العرض.



بدأ العرض وأنا دائم الحركة ما بين نهاية الصالة وكنت بعد كل مشهد أجري إلى كواليس المسرح للإطمئنان على المشهد التالي والمسافة بين الصالة والكواليس بعيدة جدا فكنت اقطعها جريا، حتى شعرت أني بذلك مجهودًا أكبر من مجهود الممثلين مجهودا عصبيا وما أن أسدل الستار وأضيئت الأنوار وبدأ الممثلون يتوافدون على المسرح لتحية الجمهور الذي التهبت أكفه من التصفيق حتى شعرت أن دموعي تنهمر لهذا النجاح ولما جاء دور عادل إمام للتحية استقبلته الجماهير بعاصفة من التصفيق دلت على ميلاد نجم ودخل فؤاد المسرح في نهاية التحية وكان استقبالا حافلا.
عرضت المسرحية لمدة ثلاثة أيام في مسرح الأوبرا مضت كالحلم الجميل بعدها مباشرة انتقلت لمسرح الهوسابير لاستكمال عرضها.

عُرضت المسرحية ونالت كل هذا النجاح ولم أكن تعاقدت بعد حتى مع أحد. ولم أكن اعلم المبلغ الذي ساتقضاه عن المسرحية؟ ولما ذهبت بعد ذلك للتعاقد سئُِلت هل المسرحية تأليف أم اقتباس؟ والمسرحية أخذت فكرتها فعلا من نص أجني ولكني أخذت الفكرة وغيرت القالب تماما بشيءٍ يتماشي مع تقاليدنا، فلما سألوني هذا السؤال أجبت بسؤال آخر عن مسرحية السكرتير الفني، اعتبرتوها تأليف أم اقتباس؟ فقالوا تأليف طبعا فقد كتبها الاستاذان نجيب الريحاني وبديع خيري، ولما كنت اعرف أصل المسرحية وتكاد تكون ترجمة حرفية لما كتبه مارسيل بانيول حتى اسم بطلها توباز أي ياقوت هو نفس اسم بطل المسرحية السكرتير الفني ياقوت أفني، فقلت إذا كانت مسرحية السكرتير الفني التي تكاد تنطبق حرفيا مع النص الأصلي فمن باب أولي أن يكون أنا وهو وهي أن أصرف مقابل الجهد الذي بذلت أجر تأليف وفعلا تقاضيت أجر التأليف الذي حدد لي وهو 300 جنيه.

ولكن حدث شئ بعد ذلك فقد تقدم الأستاذ عبدالله أحمد عبدالله (ميكي ماوس) بشكوى إلى المسرح بأن المسرحية تأليفه وانني قد سرقتها منه ومعه فتاة ناشئة لم أسمع باسمها من قبل تُدعي سالي. وقدَم نصاً لإدارة المسرح وأُحيل الموضوع للأستاذ حمدي غيث أجد وكيلي المسرح وقرأ نص الأستاذ عبدالله وقال لا يوجد شبه علاقة بين هذا المكتوب وما عُرض على المسرح. فهو نص ردئ، كذلك أن الاثنين عبرا أن الفكرة واحدة ولابد أن يكون مصدرها واحداً، إذا أنا مسرحية أنا وهو وهي مسرحية مقتبسة وأجر الاقتباس يختلف عن أجر التأليف فالأول أجره 200 جنيه والثاني 300 جنيه وبذلك أكون تقاضيت 100 جنيه بدون وجه حق، على أن أرد المئة جنيه ولم أكن أملك هذه المئة جنيه وافقوا على أن تخصم من المسرحية التالية التي اكتبها.

لم يمض سوى أشهر قليلة حينما طلب مني الاستاذ فريد شوقي شراء المسرحية لإنتاجها فيلما سينمائياً. شعرت بسعادة عارمة فهذه أول مرة اتعامل مع السينما وذهبت لمكتب الاستاذ فريد الذي استقلني استقبالا جميلا وكنت اعرفه لما قدمت إحدى فرق الجامعة مسرحية قام ببطولتها نعيم مصطفى والاستاذ فريد شوقي تدعي (اللي يعيش ياما يشوف) بطبيعة الحال لم أناقشه في الأجر وهو الذي حدده وكان 400 جنيه للقصة والحوار الذي سأكتبه على أن يقوم بكتابة السيناريو الأستاذ عبدالحي أديب وسيقوم هو ببطولتها.

أخذ الاستاذ عبدالحي المسرحية وبدأ في كتابة السيناريو حتى انتهى منه واعطاني اياه لكتابة الحوار. كنت أجلس وأكتب واجد أن الشخصية لا تناسب فريد شوقي من قريب أو بعيد، فريد شوقي وحش الشاشة فريد شوقي ملك الترسو، كيف يقوم بهذه الشخصية المسالمة الذي يخشي النمساوي؟ القلم لا يستطيع الكتابة كنت أتوقف بعد كل جملة وأشعر بثقلها فالمصداقية غير موجودة لا يمكن أن تقنع الجمهور فاترك القلم واغلق الورقة واعود في اليوم التالي محاولا إيجاد حلّ فلا استطيع والاستاذ عبدالحي يطاردني كي انتهي من كتابة الحوار حتى يقبض باقي الأجر، ولما صارحته أن فريد شوقي لا يمكن أن يقوم بهذا الدور وإننا إذا وافقنا على ذلك فهو ظلم له وللمسرحية، فكان يقول أنت مالك إنت خدت أجر مقابل هذا فعليك الإلتزاك به، يسقط الفيلم ينجح هذا ليس من شأنك.

لم استصغ هذ المنطق وذهبت وحدي لمقابلة فريد شوقي أخبرته بوجهة نظري وقول له أن المسرحية ناجحة بكل المقاييس وقد أذيعت في التلفزيون والجمهور مبهور بها إذا ظهر الفيلم ولم يلاقي نجاحا فالسقوط لن ينسب للمسرحية، ولكن أنت شخصيا فسألني فريد شوقي، هل هذه وجهة نظرك؟ قلت له أكيد فقال ووجهة نظري أنا كمان انا ما انفعش اعمل الدور ده ولكني هانتج الفيلم على أن يقوم بالبطولة فيه فؤاد المهندس وشويكار، وفعلا أنتج الفيلم بنفس أبطال المسرحية فيما عدا دور النمساوي الذي كان يقوم به الاستاذ سلامة إلياس الذي استبدله بتوفيق الدقن، وقام بالإخراج الاستاذ فطين عبدالوهاب، وقام عادل إمام بدور دسوقي وكان هذا اول عمل سينمائي يسند له وكذلك الضيف أحمد الذي تقاضي كلا منهما 50 جنيها، وصارت بين عادل إمام والاستاذ فطين عبدالوهاب علاقة قوية فقد كان الاستاذ فطين مؤمن بموهبة عادل إمام إلى أٌقصي الحدود.

لم يكد الفيلم يظهر حتى انهالت العروض على عادل إمام فكانت مكاتب الإنتاج تطلب منه ان يحضر ومعه بدلة وطربوش الاستاذ دسوقي لتصوير فيلم جديد، لم يفرح عادل إمام بهذا لإقبال بالعكس فقد رفض كل هذه العروض فذكائه قاده ألا يحصر موهبته في قفص الدور الواحد، فلم يتعجل النجاح ولا الشهة بل فضل أن يتمهل وأن يقوم بأدوار منوعة حتى يثبت أقدامه في هذا الفن الجميل الذي عشقه واحترمه.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الثالثة عشرة


إيلاف


السبت 24 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


"خفاجي" يستعرض مسارح التلفزيون وانطلاقة أمين الهنيدي


أمين الهنيدي


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

مطرب العواطف..

توسع مسرح التليفزيون

ويتابع سرده : انطلق مسرح التلفزيون كالمارد وتعددت شعبه. فبعد أن بدأ بثلاثة فرق زادت في الموسم التالي إلى ستة ثم في الموسم الذي يليه إلى 10 شعب. وأشعلت المسارح التي كانت مظلمة أضوائها. فبعد أن بدأ بفرقه الثلاثة في مسرح الهوسابير، أنشأ مسرح النهر بجوار حديقة الأندلس. وأضاء بعد ذلك مسارح الأسكندرية فعمل على مسرح كوتة ومسرح لونا ومسرح سيد درويش. وفي القاهرة تحول اسم سينما الكورسال إلى “مسرح محمد فريد،” واستغل سينما الكورال الصيفي وحولها إلى مسرح صيفي. وكذلك استأجر مسرح ليسية الحرية ومسرح 26 يوليو (الأزبكية الصيفي سابقاً). كما عمل في دار الأوبرا وأخذ مسرح نادي الضباط في الزمالك. وبعد استغل مسرح الجمهورية كما عمل في قصرالثقافة بالإسكندرية.

وذهب سيد بدير إلى إيطاليا واشترى مسح البالون من الممثل الإيطالي فيتورو جاسمان، وقدّم عليه العروض الغنائية والإستعراضية، وبدأ تنتقل فرقه العشرة في كل محافظات القطر من أسوان إلى الإسكندرية، بل أن الاستاذ سيد بدير أنشأ مسرحاً متنقلا كان يقوم بتركيبه في سينمات الأحياء سواء من الدرجة الأولي أو من الثانية. فعمل في السيدة زينب والعباسية ومصر الجديدة والمنيل.



ولمعت نجوم كثيرة في هذه الفترة وظهرت حركة تأليف واسعة النطاق فظهر مؤلفون جدد كان لهم تأثيراً كبيراً على الحركة المسرحية بعد ذلك. وعند الإعلان عن مسابقة التأليف المسرحي، كان أبرز متقدميها الأستاذ على سالم الذي ظهرت مسرحيته الفائزة بعد ذلك بعنوان (ولاد العفاريت الزرق).

إن عدد الإداريين في كل هذا النشاط كان محدوداً للغاية. وهو مكوّن من وكيلي المستشار. وهما الاستاذان حمدي غيث ومحمود السباع، ومدير الخدمات الإنتاجية الأستاذ قاسم وجدي ومساعده الأستاذ شكري عبدالوهاب، ومدير مكتب الأستاذ سيد بدير الذي كان يرسم ويخطط وكان منظما ودقيقاً جداً. فكان يحرص على متابعة ما خططه والكل يعمل بحب ودأب كبيرين، فلم يكن هناك جيش من السكرتارية ولا موظف زائد عن الحاجة والكل يعمل بنظام وبلا كلل. وكان الأستاذ سيد يرسم خريطة للقطر المصري ويوزع عليها الفرق، فالفرقة الثانية سينتهي عرضها في مسرح الهوسابير مثلا يوم كذا في اليوم التالي تسافر إلى الاسكندرية لمدة أسبوع وفي طريق عودتها تقيم حفلة أو اثنين في طنطا أو بنها والفرقة الثالثة تذهب إلى أسيوط والمنيا وترجع لتقدم عرضا جديدا وهكذا.

كانت نهضة حقيقة أنعشت المسرح المصري. صحيح أن ما كانوا يقدمونه ليس كله على نفس المستوى. فقد سقطت مسرحيات كثيرة، لكن المحصلة أن نسبة الجيد الذي يُقدَم كان أكثر من السيء.



مولد حب فؤاد وشويكار..

بعد نجاح “انا وهو وهي” الذي أحدث ضجة غير مسبوقة خاصةً بالشهرة التي حققها الثنائي فؤاد المهندس وشويكار. لكن، بهذا النجاح وقع ما كانت تخشاه السيدة زوجة فؤاد، ففي أثناء عرض المسرحية كانت نهاية الفصل الأول بأنهما ينامان على الأرض متجاورين على بطنهما ويهزان اقدامهما ووجوهما عكس اتجاه الجمهور. وكان مدبولي يرى أن هذه اللحظة عاطفية. يجب أن يصاحبها مقطوعة موسيقية ناعمة كي تساعد على إضفاء الجو العاطفي للمشهد. وكان فؤاد لا يحب المؤثرات الخارجية من الموسيقى التصويرية في مسرحياته إطلاقاً. لكن في نهاية عرض المسرحية في الأوبرا فاجأ مدبولي فؤاد بالموسيقي في هذا المشهد وكان مفعول الموسيقي كالسحر بالنسبة للجمهور الذي أحس بدفء المشهد. ولكن فؤاد وشويكار شعرا بالتقارب بينهما. وبدأت قصة الحب بينهما التي انتهت بالزواج وبدأ يكثر الخلاف بين فؤاد وزوجته الأولى، فانتهت علاقتهما بالطلاق.

ويكمل: طالبني الاستاذ سيد بدير بالاستمرار في الكتابة فالمسرح يحتاج لمسرحيات كوميدية وبدأ نصار سكرتير الاستاذ سيد يطاردني بعد أن كنت أذهب كل يوم لأسأل ماذا فعلت لجنة القراءة بمسرحية (أصل وصورة) التي ظهرت فجأة لتقديمها ولكنها لم تكن كاملة فالفصل الأخير لم يكتب بعد، فطلب مني الاستاذ سيد الإسراع في كتابته مع الأستاذ دوارة فأخبرته أني انتهيت من كتابة مسرحية (مطرب العواطف) فطالبني بسرعة تقديمها وفعلا قدمتها وكانت المسرحية الثانية التي يقوم ببطولتها محمد عوض وشاركه البطولة فيها السيدة عقيلة راتب والاستاذ عبدالمنعم مدبولي والاستاذ محمد رضا وممثلة صغيرة السن كانت تمثل لأول مرة اسمها ليلى صادق ويشترك معه حسن مصطفي وجمال اسماعيل وميمي جمال وبثينة حسن من أعضاء الفرقة الثانية لمسارح التلفزيون، وأخرجها الأستاذ مدبولي.

وكان لابد من وجود عدد من الأغاني التي يغنيها الأستاذ محمد عوض باعتباره مطرب العواطف. فقام بتلحينها الأستاذ بليغ حمدي وكان يوزع هذه الألحان ملحن أجنبي متمصر من أشهر موزعين تلك الفترة. وهو الذي كانت توكل له مهمة توزيع أغاني الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، ولكن بليغ حمدي حينما بدأ يحفظ عوض الألحان اكتشف أنه ليس له أي علاقة بالغناء فصوته نشاز وبذل معه مجهودات خرافية حتى يستطيع أن يصل معه لنتيجة، وفي يوم التسجيل أرهقهم عوض من كثرة الإعادات، حتى أن أندريا رايدر كان يترك الاستديو عدة مرات وقد ظن أن محمد عوض ثري عربي يريد أن يغني بفلوسه، وإننا نستغله!
عرضت المسرحية في مسرح الهوسايبر بدعاية أكبر كثيرا من دعايات أي مسرحية آخرى. فقد كان الدكتور حاتم يعتبر أن عوض نتاج مسرح التلفزيون، لقد كانت الدعاية لكل المسرحيات في الصحف مساحتها 10 إلى 8 أعمدة أما مطرب العواطف فكانت 15 سم في 8 أعمدة نجحت المسرحية وأصبح محمد عوض مع فؤاد المهندس هما فرسي الرهان في مسارح التلفزيون.

لما حضر عرض المسرحية الدكتور حاتم أعجب بها ولكنه اعترض على أداء حسن مصطفي وجمال اسماعيل واشار إلى الاستاذ سيد بدير بتغيرهما في اليوم التالي استدعاني الاستاذ سيد بدرير انا ومدبولي وطلب سرعة تغيير حسن وجمال لعدم رضاء السيد الوزير عنهما، فقلت للأستاذ كيف نستطيع القضاء على مستقبل شابين في مستهل حياتهما بهذه البساطة؟ فسحب الادوار منهما بناء على رغبة الوزير أن يقضي عليهما فكل وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون لن تستعين بهما في أي عمل لعدم رضاء الوزير عنهما، فكر الأستاذ وقال اتركوا هذا الموضوع لي بس بلاش حسن يضحك فقد كانت لزمة حسن في المسرحية أن يضحك بعد كل جملة يقولها.



بدايتي مع بهجت قمر..

عقب نجاح انا وهو وهي ومطرب العواطف في موسم واحد عام 1963 وكان نجاحهما الجماهيري أكثر من كل المسرحيات الأخرى. وأصبح الاستاذ سيد بدير يحثني على مواصلة الكتابة، كنت قد بدأت اتعامل مع النجوم الشبان وصارت لي معهم صداقات ومنهم ابو بكر عزت وكنت قد شاهدته أول مرة حينما قدم المسرح الحر الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ قصر الشوق وكان يقوم بدور الإبن الأصغر للسيد محمد عبدالجواد.

لم تكن لي به أي معرفة. وفي نهاية العرض وجدت نفسي وأنا منفعل من أداء هذا الممثل الشاب واندفع للتصفيق بحماس لهذا الصدق الرائع في الأداء ولم التقِ به بعد ذلك إلى أن شاهدته في الموسم الأول لمسرح التلفزيون يقدًم شخصية محمد افندي في مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي وتعرفت عليه بعد أن قام ببطولة المفتش العام وتولدت بيننا علاقة طيبة.

وفي يوم من الأيام قال لي أن هناك كاتب اسكندري يريد أن يتعرف بك وقدم لي شاباً سميناً جداً لا يوحي مظهره بأي موهبة وبدأ يتحدث معي فوجدت شخصية بالغة الظرف ما أن يتكلم حتى يشد انتباهك بحديثه وشخصيته الساخرة.

لقد حضر بهجت قمر من الاسكندرية كـ"طرزان" لا يملك شيئاً سوى موهبته. ولم يكن له مكاناً يقيم به فكان يتنقل من مكانٍ إلى آخر. وكان في النهارية يستقر في قهوة المحطة، محطة السكة الحديد، وتعرف على السيناريست عبد الحي أديب وعمل معه في ورشته فقد كان الاستاذ عبدالحي يستعين بمجموعة من المواهب الشابة في ورشته في طرح أفكارها وتقول آرائها في العمل الذي يُقدّم.

كان يستعين بهم في كتابة بعض المشاهد او كتابة جزء من الحوار. وانضم بهجت إلى ورشة عبدالحي أديب واستطاع بفضل موهبته أن يكتب حواراً عن بعض أفلام استاذ عبدالحي إلى أن أصبح يكتب اسمه “حوار بهجت قمر”.

قال لي ابو بكر أن بهجت كتب مسرحية تدعى ممنوع الستات ويرجو مني قراءتها. فقرأتها، ولم تعجبنِ بقدر ما أعجبني أسلوب بهجت في الحوار. فالجملة على بساطتها وطبيعيتها تشعر أن لها أنياب تعض المشاهد، فترك ذلك أثراً في نفسي.

كان مدير المسرح الكوميدي في ذلك الوقت الاستاذ محمود السباعي وهو رجل شديد الطيبة رغم أن شكله العام لا يدل على ذلك. بل في وجهه جمود وقسوة واستطاع ابوبكر بعد أن عرفه ببهجت واقنعه أن مسرحية بهجت رائعة والكوميديا فيها متدفقة، إلى أن وافق الأستاذ السباعي على المسرحية دون قرائتها. وكتب إلى ادارة العقود لتحرير عقد للاستاذ بهجت قمر، وتقاضي مبلغ العربون واستاجر شقة في شبرا واحضر والدته من الاسكندرية وبدات رحلتي مع بهجت قمر.



خيرا تعمل ..

استطعت في مسرح التلفزيون تكوين مجموعة من الأصدقاء وكان منهم الاستاذ حسين كمال وكان يستعد لاخراج ثاني عمل مسرحي له، وكان الاستاذ حسين من أوائل المخرجين الذين عملوا في التلفزيون وكان له فيه أعمالاً تُعتبر مميزة جداً.

وكان العمل الذي سيخرجه في المسرح عن رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ (خان الخليلي) وحسين يعشق الدقة والإتقان وكما هو مميز في التلفزيون أراد ان يكون كذلك في مسرح التلفزيون واختار ممثلين بدقة وكان قد اختار لشخصية المعلم نونو الفنان محمد رضا ولكن ادارة الانتاج اعتذرت لارتباط الاستاذ رضا بعدة أعمال.

اكتئب الاستاذ حسين وصار عصبيا ولما اخبرني بأنه في ورطة لانه لا يجد من يقوم بهذه الشخصية فاقترحت عليه ان يسند الدور لامين الهنيدي وكان لا يعرفه، فسألني هل يستطيع أداء الدور في مستوى محمد رضا، قلت له لما تشوفه ولن تندم. فذهب الاستاذ حسين كمال لادارة الانتاج وطلب من شكري عبدالوهاب إحضار الأستاذ أمين الهنيدي للقيام بالدور، فانبرى الأستاذ شكري، وقال له أمين الهنيدي مين؟ بتاع ساعة لقلبك ده دمه تقيل وممثل على قد حاله. فاندفع الاستاذ حسين وقال سمير خفاجي عايز يسقطني، عايز روايته بس اللي تنجح أنا مش عايز أمين الهنيدي ده، هاتولي محمد اباظة وقابلني حسين كمال فوجدته متخذاً موقفا مني. فسألته: إيه الحكاية في ايه؟ لاوي بوزك ليه؟ قالي انا صاحبك عاوز تديني مقلب ايه؟ ايه الهنيدي ده؟ قلتله ده ممثل عظيم وقد قدم شخصية الشيخ حسن بعبقرية ومن سوء بخته انه لم يصورها، قالي خليلك عبقريته، شغله في روايتك يا حبيبي وابعد عن روايتي وقد كان.



اصل وصورة..

كنا قد انتهينا من كتابة الفصل الأخير من مسرحية (اصل وصورة) فوجدت ان دور الحانوتي مناسب لامين الهنيدي تماما وكان دور من أبرز أدوار المسرحية وبعد ان انتهينا من كتابتها أضفت مشهد للحانوتي في البار وهو يسكر وكان أهم مشاهد الهنيدي في المسرحية، وأضفت هذا المشهد لجمال الموقف رغم ان من الوجهة الدرامية خطأ، إذ أن دور البطل كان يحتم عليه أن يسكر وأن يقدم مشهد سكر بين بعد ذلك المشهد مباشرة ولابد من وجوده فهو حدث درامي وبدونه لا تستقيم الأحداث. وكانت بطولة الرواية للاستاذ محمد عوض وكان الاستاذ عوض معترضا على قيامه بهذا الدور، واعتذر عنه فهو لم يجد به جديداً. فقد كان دور الحانوتي طاغياً، وكذلك دور الاستاذ مدبولي ودور رئيس التحرير الذي قام به حسن مصطفى. كانت ادوارهم بارزة محفورة وضغطت على عوض حتى قبل ان يقوم بالدور.

وحينما عرضت المسرحية طغى دور الحانوتي على بقية الأدوار وأداه الهنيدي بتفوقٍ ملحوظ. واستقبله الجمهور استقبالاً حاراً رغم ان امين الهنيدي في هذه الفترة لم تكن له شعبية محمد عوض ولا شهرة عبد المنعم مدبولي، فعوضته هذه المسرحية عن بخته في الفترة السابقة.

لقد عمل امين الهنيدي لفترة طويلة مدرساً لالعاب رياضية في السودان. وكان معه في نفس الفترة محمد أحمد المصري ورسما سويا شخصية ابولمعة الفشار وهي تعتمد في كتابتها على الصورة، فهي أقرب شيء لشخصيات والت ديزني. وصعوبتها انها صورة غير مرئية بل تحس بالصورة بالأذن وكانت شخصية رائعة. ولما حضر الإثنان في الإجازة الصيفية على أساس أن يقدماها في برنامج “ساعة لقلبك” بالتبادل بحيث يقدّمها المصري اسبوعا ويقدمها أمين الهنيدي اسبوعاً. فقدمها لأول مرة المصري فنجحت نجاحاً باهراً. فاقنعه أمين الهنيدي أن يقدمها في الأسبوع التالي كي يثبت الشخصية ولما كانت من أنجح شخصيات “ساعة لقلبك”، فقد قال أبو لمعة للهنيدي أنه ليس من الصالح أن يقدّم الشخصية أحد غيره واستأثر بها.

محمد أحمد المصري أصبحت شهرته بعد ذلك “ابو لمعة”. واضطر الهنيدي للبحث وابتكار شخصية جديدة. وكان أن قدم شخصية “الفلاح فهلو”. ولكنها لم تحقق النجاح الذي لاقته شخصية “أبو لمعة”. وكانت صدمة تالية عدم تسجيله مسرحية شفيقة القبطية واخيرا مسرحية خان الخليلي فعوضه دور الحانوتي عن كل ذلك وبدأ نجمه في الصعود.

عقب نجاح اصل وصورة احضر لي الاستاذ حمدي غيث وكيل المسرحية مسرحية فرنسية تدعى “الملك” وطلب مني سرعة اقتباسها لتقديمها في نفس الموسم. حينما ترجمت المسرحية وجدت أن فصلها الأول مطابق تماما للفصل الأول في مسرحية (قسمتي) التي كتبها الاستاذ بديع خيري والاستاذ نجيب الريحاني ورغم أن المسرحية كتبت باسمي فقط .إلا أن الحقيقة أنني قمت بإعدادها مع الاستاذ محمود مرسي الذي رفض كليا فكرة التشابه بينها وبين “قسمتي”. لوقد كتبت المسرحية باسمي لأن أجري ارتفع إلى 400 جنيهاً عن اقتباس المسرحية ولم يكن للاستاذ محمود أجراً معروفاً ككاتب ففضل عدم الدخول في متاهات الأجر وطلب مني أن تظهر المسرحية باسمي فقط وقد قام هو بمهمة الإخراج.


أمين الهنيدى ثاني الواقفين من جهة اليمين ... لتربيه الرياضيه بالاسكندريه مع اصدقائه.


زيارة غرامية..

حين طرقت فكرة ان يقوم الاستاذ محمود مرسي باخراج المسرحية عارضني بشدة كل من الاستاذ سيد بدير والاستاذ حسن حلمي الذي كان حاضرا المناقشة على اساس ان الاستاذ محمود بطيء جداً في عمله، والمسرحية يجب أن تقدم في الموسم الصيفي. وأمام إصراري، وافق الأستاذ سيد وقال هتعرف إني أنا مظبوط وانت غلط،. وان المسرحية لن تظهر في موعدها الذي كان محدداً له شهر يوليو. رشحت الاستاذ الهنيدي لبطولة المسرحية وكان معه مجموعة كبيرة من الممثلين منهم الاستاذ صلاح منصور والسيدة نجوى سالم والسيدة ثريا حلمي ومن أعضاء المسرح الضيف أحمد وابراهيم سعفان ومجموعة كبيرة من الممثلين والمجاميع كان الأستاذ محمود دقيقاً جداً في عمله، يقضي الساعات على دور أحد المجاميع. وربما كي يتقن جملة واحدة لكن يجب ادائها كما رسمها ارادها الاستاذ محمود، هذه الدقة في العمل أدت إلى التاخير اذ كانت ستقدم في شهر يوليو طلعنا في بعد التاجيل لشهر اغسطس، وثار الأستاذ سيد بدير وقالي لقد نبهت إلى هذا من قبل ولكنك ركبت رأسك واستمرت البروفات والاستاذ محمود لا يتنازل عن اي شئ في المسرحية مهما صغر ولم تظهر المسرحية في شهر أغسطس بل امتدت إلى شهر سبتمبر حيث افتتحت في الاسكندرية في شهر سبتمبر.

كان دور أمين الهنيدي من الأدوار الصعبة حيث المسرحية عبارة عن “ملك” غني جداً جاء لزيارة ملك فقير والملك الفقير شخص جاهل. وغير متعلم في الأصل ولكن طموحاته كبيرة يريد أن يصل إلى مكانة مرموقة في المجمتع بأي ثمن. يتعرف بالملك الغني ويعزمه في قصره فيعجب بزوحته ويبدأ في مبادلتها الغرام، كذلك يتعرف على عشيقته فتعجبه هي الأخرى. وبهذه الشخصية الوصولية يستغل هذا أكثر استغلال حتى يصل لهدفه، فهذا الدور الشبيه بالقواد لا تتعاطف معه الجماهير بل تكرهه خصوصا انه يتعامل مع المسائل التي تخص الشرف كتجارة لذا كان من الصعب جدا على امين الهنيدي ان يضحك في هذا الدور ولكنه مثل وأجاد وأضحك. لكن العيب الاساسي في امين الهنيدي، أنه يريد أن يضحك الجمهور وحده. ولا يريد لاي كوميديان أن يظهر إلى جواره. فهو يغير جداً والمسرحية فيها أكثر من كوميديان مثل الضيف أحمد وابراهيم سعفان. فكلما صدر ايفيه من أي ممثل يتعصب وقد يرتبك على المسرح. خصوصاً اذا ارتجل احدهم إيفيه كان أمين يشك في صدق نوايا أي ممثل. فيسأل نفسه: هل هذه النكتة صدرت عفوية ام مقصود بها اغاظته وإحراجه، وكان يتأزم لدرجة البكاء وكان يردد دائما جملة (أنا بوشكاش انا اللي اشوط في الجون). وكان الاستاذ محمود مرسي عدو الخروج على النص وكانت هواية أمين أن يخرج على النص ولكن في حدود المرسوم. وكان الاستاذ محمود يقف يومياً بين الكواليس حتى نهاية العرض كي لا يضيف أي ممثل أي شيء. فكان أمين الهنيدي يرشي مدير المسرح حتى يشغل الأستاذ محمود في موضوع كي لا يلتفت لما يدور على المسرح، ليستطيع أن يقول الايفيه دون أن يحس الاستاذ محمود مرسي بشيء.

لكن أنانية الهنيدي على المسرح كانت كبيرة جداً. وسببت له قطيعة مع عدد كبير من الممثلين الذين كانوا معه. وفي هذه المسرحية قدمت صديقي حامد مرسي بعد طول احتجاب عن المسرح وكان يقوم بدور احد الوزراء اسميناه وزير المسائل الخصوصية وكان دوره يستلزم أن يغنّي على مزيكا حية وليس تسجيلاً. كنت استمتع وأنا أراه يقوم بالتمرينات مع الفرقة الموسيقية لساعاتٍ طويلة، في أيام البروفات واثناء العرض اليومي. حيث كان يقوم بتمرين يومي قبل العرض وكأنه يتذكر مجده القديم كأحد أكبر مطربي عصره. لكن رغم أفول نجمه يحب أن يعيش ويعامله الناس كنجم.

كان اذا انتهى من أداء دوره وخرج إلى الشارع وضع منديلاً على أنفه وايشاربا على رقبته رغم أننا كنا بفصل الصيف. واعتقد أنه يفعل ذلك تشبهاً بالعهد القديم. وكانما يقول للناس “أنا حامد مرسي أنا الذي كنت معبود الجماهير. أنا الذي كانت النساء تتهافت لتنال نظرة رضا مني”.

وكان صلاح منتصر عندما يرتدي العقال والنظارة الشمسية قريب الشبه جداً من أحد ملوك الدول العربية. أما ابراهيم سعفان فكان بهيئته وقامته القصيرة يصبح شبه أحد ملوك دولة عربية أخرى. لذلك شهدت هذه المسرحية ظروفا عجيبة. فقد كانت تتوقف عن العرض بأوامر عليا. عندما تتحسن العلاقات مع هذه الدول العربية وكانت تعود للعرض إذا ما حدث ما يعكر صفو هذه العلاقات معها. وهي المسرحية الوحيدة التي قدمناها في مسارح التلفزيون ولم تصوّر، ولا أدري أين ذهب نصها. وأنا أتساءل إن كان موجوداً في الرقابة أم أنهم تعاملوا معه على أنه مهملات. وكان آخر عرض للرواية على مسرح 26 يوليو وهو مسرح الأزبكية الصيفي.
وعندما اعتاد الاستاذ امين حامد على استدعائي ليطلب مني أن نقوم بعمل الرواية مع قلبها لتناسب حاكم البلد العربي الذي اختلفت مصر معه. ولكني اعترضت على طلب الاستاذ وقلت له دي مسرحية مش شراب هنقلبه.

آنذاك، أصبح أمين الهنيدي بعد “أصل وصورة” و"زيارة غرامية" نجماً جماهيرياً يعمل له حساب. فاصبح فرس الرهان الثالث مع فؤاد المهندس ومحمد عوض وثلاثتهم ظهروا من خلالي.

وبعد “زيارة غرامية” في نهاية الصيف، كنت قد قدمت في سنةٍ واحدة أربعة مسرحيات. اثنتان في الموسم الشتوي، هما “انا وهو وهي” و"مطرب العواطف". وفي الموسم الصيفي مسرحيتي “اصل وصورة” و"زيارة غرامية". وبنجاح المسرحيات الأربعة تحسن موقعي في مسرح التلفزيون وأصبحت كلمتي مسموعة.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.




 الحلقة الرابعة عشرة


إيلاف


الأحد 25 نوفمبر 2018
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
أحمد طه من القاهرة
إيلاف تستعرض مذكرات سمير خفاجي في سلسلة حلقات


سمير خفاجي يعاني أزمة مالية بعد تنحية “مدبولي”


عبدالمنعم مدبولي في شبابه


تواصل “إيلاف” في الجزء الثاني حكايات المسرح المصري كما روها الراحل مؤرخاً لمرحلة مهمة، ومتحدثاً عن علاقته بالنجوم والمواقف الغريبة والمميزة التي واجهها، ذاكراً الوقائع بأسماء أصحابها.

ملكة الإغراء..

ويستمر بسرده: بدات انا ومحمد دوارة كتابة مسرحية جديدة بعنوان (ملكة الاغراء) وقد شهدت الظهور الأول والأخير للفنانة ماري منيب خارج فرقة الريحاني وكانت تقوم في المسرحية بدور نجمة سينمائية وكان البطل هو الفنان محمد رضا ومعه سهير الباروني وابراهيم سعفان والدكتور شديد.

كانت ماري منيب قد اختلفت مع فرقة الريحاني فوافقت علي العمل معنا والرواية كانت جيدة. وهي أرادت أن تنجح خارج فرقة الريحاني. فبدأت البروفات لمدة ولكنها لم تكن تحفظ دورها بسرعة. وكان مفروضاً بعد انتهاء البروفات حضور لجنة برئاسة السيد أمين حماد مدير الاذاعة والتفلزيون في ذاك الوقت للموافقة علي عرض المسرحية. واتت اللجنة ورأت أن السيدة ماري منيب لا تحفظ دورها جيداً. فاضطرت اللجنةإلى تأجيل العرض لعمل المزيد من التمرينات. حتى تتمكن من حفظ دورها وبالتالي اتقانه. وهي كانت تصبر وتتحمل وفي اليوم المحدد حضرت اللجنة مجدداً لمشاهدة المسرحية التي لم تكن أحسن من سابقاتها كثيراً وتم تاجيل المسرحية للمرةِ الثالثة. ولكني أخبرتهم أن السيدة ماري منيب بطبيعتها لن تحفظ المسرحية جيداً إلا من خلال عرضها على الجمهور. فاضطرت اللجنة على الموافقة وتحدد تاريخ عرض المسرحية.

وفي اليوم المحدد للعرض توجهت إلى المسرح ليلا فوفجئت من أول دخولي بكمياتٍ من الورود كثيرة جداً على باب المسرح والسلالم وطرقات المسرح حتى حجرة السيدة ماري منيب من المعجبين بفنها وفي اثناء العرض شعرت بالوجوم على وجوه الحاضرين، لم تكن السيدة ماري حافظة لدورها لكن هذا الوجوم لا يمكن ان يكون بسبب عدم الحفظ فقد شعرت بعدم الإرتياح من الجمهور لما يقدّم. وعندما أسدِلَ الستار كانت التحية فاترة عكس ما كان عندما فتح الستار. وهذا آخر ما كنت اتوقعه. فكل أعضاء لجنة القراءة أشادوا بالمسرحية، وأنا كنت أشعر أنها من المسرحيات القوية التي سيستمر عرضها لمدةٍ طويلة. فسألت نفسي: أين الخطأ وأين الصواب؟

والأيام التالية للعرض لم تكن أحسن حالاً من حفل الافتتاح ورغم ذلك استمر عرض المسرحية والجمهور يقبل عليها وجميع الحفلات كاملة العدد، اذ ان السيدة ماري منيب لها جمهور عريض ورصيد كبير لديهم والغريب في الأمر، أنه رغم شعور الجميع بالإحباط، إلا أن السيدة ماري لم تكن تشتكي ولم تطالب بإيقاف العرض، بل كانت تبذل كل ليلة مجهوداً كبيراً حتى تستطيع المسرحية أن تقف على قدميها، ولكن المسرحية بقيت على حالها.

وفي اعتقادي أن احد أهم الأسباب لعدم نجاح المسرحية أن مجموعة من الممثلين المشاركين في العرض لم يكن بينهم وبين السيدة ماري التفاهم المفروض أن يكون موجوداً. فكل منهم، كان يحاول أن يظهر ولو على حساب بطلة العرض. فقد كانوا متعجلين النجاح ووجود جمهور السيدة ماري منيب، كان بالنسبة إليهم فرصة لإثبات وجودهم، حتى لو كان على حساب العرض. وهو ما يقلل من شأن السيدة ماري منيب التي أمضت الجزء الأكبر من عمرها في مسرح الريحاني حيث كان الجميع يعمل لها حساباً كبيراً. ولم يجرؤ أحد أن يتخطى حدوده معها أو يحاول إثبات وجوده على حسابها. ورغم هذا كانت السيدة ماري صامدة لا تشتكي. تأتي إلى المسرح قبل الجميع وتحترم الكل، ولم تحاول الإعتذار عن أي عرض من العروض فقد قدمت المسرحية لعدة أسابيع في القاهرة وانتقلت إلى الاسكندرية وعرضت على مسرح سيد درويش.

بعد ذلك بدأت المسرحية تُعرَض في أحياء القاهرة على المسرح المتنقل الذي أنشأه الاستاذ سيد بدير وكانت الفرق تعرض عليه في دور سينما الاحياء بالعباسية والسيدة زينب ومصر الجديدة. عرضت المسرحية في هذه الاحياء. وفي يومٍ من الأيام عُرضَت في دار سينما بحي شبرا وحضرت العرض وبينما انا في الكواليس بعد نهاية الفصل الثاني فوجئنا باحد المتفرجين في الصالة يرفع الستارة من أسفل ويطل برأسه ويقول ايه التهريج اللي بتعملوه ده يا ولاد ال***، بكيت وغادرت المسرح في حالة نفسية بمنتهى السوء. وذهبت إلى الاوتيل وكنت قد انتقلت إلى لوكاندة ايفرست بميدان باب الحديد، وجلست في حجرتي لا أريد مغادرتها، ولا الإتصال بأحد. ولا رؤية أحد. فلم أشعر بالفشل الذريع إلا في هذه المسرحية التي فشلت فشلاً رهيباً. ولم أكن أعلم أسباب هذا الإخفاق. ربما لأن ماري منيب قدمت دور الفيلن (الشرير) الذي لم يعتاده جمهورها قبل ذلك منها وربما لأسباب أخرى لم أكن أعلمها.

كنت أتحاشى الذهاب إلى المسرح كي لا أشعر بنظرات العطف من الأصدقاء ونظرات الشماتة من الأعداء. فكنت أمضي وقتي بين حجرتي في اللوكاندة وأذهب في المساء إلى بار وديع وأقابل أصدقائي صلاح منصور وحامد مرسي لكن كنت انسانا اخر غير الانسان المتفائل المقبل على الحياة الواثق الذي لم يفارقه الامل للحظة، كنت ساهما لا اشارك الاصدقاء لهوهم وضحكهم.



في لوكاندة الفردوس..

في يوم بلغني ان المسرح سيقدم مسرحيتي الأخرى بعنوان “لوكاندة الفردوس” وأنه قد تم اختيار مخرج السينما الكبير حسن الإمام الملقب بـ"مخرج الروائع". فاضطررت للذهاب إلى المسرح لاعرف ما يدور، لأجد على باب المسرح إعلانا عن قرب افتتاح المسرحية وكان كل ما هو مكتوب على الاعلان، “لوكاندة الفردوس من اخراج حسن الامام”. واسم حسن الامام مكتوباً بطريقة الإمضاء التي يكتب بها اسمه في جميع أفلامه.

كانت هذه المسرحية تمثل بالنسبة لي مسألة حياة أو موت بعد الفشل الذي لم أعتد عليه في “ملكة الإغراء”. وشعرت أنه في حال لم تنجح هذه المسرحية سأكون قد فشلت للأبد. وذهبت إلى الاستاذ حسن الامام وقد استبد بي القلق استقبلني الأستاذ حسن الإمام بمنزله بالزمالك. وأخذ يحدثني عن حبه للمسرح، وأنه تربى في كواليس مسرح “رمسيس”. وأن هذه المسرحية لها ذكريات فنية معه، والمسرحية تُعد من أنجح المسرحيات في تاريخ المؤلف الفرنسي الشهير جورج فيدو، وكان قد قدمها للمسرح في فترة الثلاثينات الأستاذ الكبير عزيز عيد.

ولم أكن أتصور أن يقوم بدور عبد المتجلي سليط سوى أمين الهنيدي والمسرحية من نوع الفارس الذي يعتمد على المواقف والذي يحتاج إلى إيقاع سريع فيما عدا دور عبدالمتجلي سليط فكانت طبيعة الدور بطيئة لان به عيب خلقي في نطقه. وهو محور الكوميديا في المسرحية. وفي مخيلتي أن يقوم بهذا الدور أمين الهنيدي، فكنت أتصوره في كل مشاهد المسرحية، كما أني كنت أريد استغلال نجاحه الكبير في المسرحتيين السابقتين الذي شارك في بطولتهما. ولكن لما عرضت هذا الإقتراح على الأستاذ حسن الإمام رفضه.

ولما سألته عن وجهة نظره لمن يضطلع بأدوار البطولة، وجدت تصوراً أبعد ما يكون عن خيالي. فقد كانت وجهة نظره ان يقوم بالبطولة الاستاذ صلاح ذو الفقار والسيدة ليلى فوزي وان يقوم بدور عبدالمتجلي سليط الاستاذ عبدالمنعم مدبولي. قلت له أن الاستاذ مدبولي أراه يقوم بدور الزوج الذي اقترح هو ان يقوم به الاستاذ صلاح ذو الفقار كما ان السيدة ليلى فوزي لم تكن قد عملت بالمسرح قبل ذلك، وإني أخاف على ايقاع المسرحية. فوجدته يقول أن ليلى فوزي سوف ترتدي في المسرحية آخر صيحات الموضة من بيوت الأزياء العالمية وأن هذا سيعجب الجمهور وهذا سيكون أحد اسباب نجاح المسرحية.

وفوجئت في الأيام التالية قبل إجراء التدريبات للمسرحية بالاستاذ حسن يكلف كاتب أغاني وملحن يعمل ألحان للمسرحية. فسألت أي ألحان؟ المسرحية ليست استعراضية، ولا تتحمل أي أغاني! ولكنه أصرّ على رأيه وسجّل فعلاً ثلاثة استعراضات للثلاثي المرح. وكان قد تزوج إحدى أفراد هذا الثلاثي.



راجعت المسرحية وحاولت تصوّر هذه الاستعراضات في المسرحية فوجدت نسيج المسرحية يرفض هذا وان هذه الالحان ستقطع سياق المسرحية وتفقدها ايقاعها فحاولت ان اقنعه بوجهة نظري ولكنه لم يقتنع. فما كان مني إلا أن أرسلت إلى الاستاذ بدير تلغرافات أطلب منه إيقاف عرض المسرحية. طلبني الاستاذ سيد وطلب مني تفسيراً لهذا التلغراف، فشرحت له الموقف وأيدني فيه وحاول هو الآخر إقناع الإستاذ حسن الإمام. ولكنه تمسك بموقفه، مؤكداً على رؤيته للمسرحية ولا يجب أن يتدخل فيها أحد.

وبنتيجة ذلك أسنِدَ إخراج المسرحية للاستاذ عبد المنعم مدبولي وقام ببطولتها مع أمين الهنيدي والسيدة نجوى سالم في الدور الذي كانت مرشحة له السيدة ليلى فوزي وكذلك السيدة ثريا حلمي وصلاح السعدني الذي كان أول ظهور له في مسرحية “من أجل ولدي” إخراج نور الدمرداش. ولكن الجمهور عرفه من خلال “لوكاندة الفردوس” بفضل نجاحها الكبير مع وجود نجوم كبار في المسرحية التي قام التلفزيون بتصويرها.

عرضت المسرحية على مسرح الهوسابير ولاقت نجاحاً كبيراً. وتالق الأستاذ أمين الهنيدي في دور عبدالمتجلي سليط وكان أبرز أدواره التي تُحسَب له.

كان نجاح المسرحية بالنسبة لي انقاذاً من الحالةِ النفسية التي كنت أمر بها وعادت لي ثقتي بنفسي. كان النجاح الأسطوري لأمين الهنيدي في دور عبدالمتجلي سليط جلعه أحد فراودة المسرح الكوميدي وأصبح منافساً خطيراً لفؤاد المهندس ومحمد عوض وأصبحت المسرحيات التي يشترك فيها تحقق إيرادات عالية. وبدأت هذه المسرحيات تُعاد كثيراً وتنتقل بين المحافظات وبنتيجة لذلك أصبح الهنيدي شديد الثقة بنفسه أكثر من ذي قبل. وبدأ يعترض على الأدوار التي تشاركه في المسرحيات التالية. اذ لابد أن يكون هو مبنع الكوميديا الوحيد ويغار غيرة قاتلة إذا استطاع أحد المشاركين في هذه العروض أن يضحك الجمهور.

ومن المواقف الطريفة لامين الهنيدي معي عندما فكرت في اقتباس مسرحية السيد بونتيلا وتابعه تأليف الكاتب الألماني بريخت وشخصية السيد بونتيلا في العرض جادة جداً وصارم جدا ولا يضحك إلا عندما يسكر. اما شخصية تابعه ماتي فقد كان يضحك طوال الوقت فقلت لامين تحب تعمل اي شخصية وبعد تفكير عميق ومقارنة بين الشخصيتين، قال اعمل الدورين! فقلت له ازاي هتعمل الدورين والاتنين مع بعض على المسرح على طول؟ فقال مش شغلي دي شغلتك كمؤلف! وطبعا لم أستطع تقديمها. وهذه المسرحية قدمها فيما بعد الأستاذ الكاتب ألفريد فرج باسم على جناح التبريزي وتابعه قفة وقام بالادوار ابو بكر عزت وعبدالمنعم ابراهيم، وكانت من إخراج الأستاذ عبدالرحيم الزرقاني.

مدبولي مديرا للمسرح الكوميدي..
عين عبدالمنعم مدبولي مديراً للمسرح الكوميدي ما أثار ضغينة الكثيرين الذين يحلمون بالمناصب وهؤلاء كثيرون في كل وقت وكل زمن في هذه الفترة كنت أكتب مسرحية بوليسي كوميدي مع الأستاذ حسين عبدالنبي ولم يكن هم حسين عبدالنبي الكتابة أو التأليف، بل كان هدفه الأول التمثيل. ورغم أنه من جيل فؤاد المهندس، بل إن فؤاد المهندس قد قام بتمثيل أهم مسرحية مثلها حسين عبدالنبي أيام الهواية في الجامعة وهي “مراتي صناعة مصرية”. ما رسب في نفسه مرارة لا حدود لها. فقد كانت كل أمنياته أن يعتلي خشبة المسرح وأن يحقق شيئاً من النجاح للذين سبقوه. حيث أنه كان في فترة أحد نجوم الجامعة، ولم يكونوا هم معروفين. وبالرغم من النجاح الوظيفي الذي حققه، فقد كان يشغل إحدى ادارات شركة مصر للتأمين وكان موظفا مرموقاً، إلا أن هذا لم يكن طموحه. فقد كان مستعداً لعمل أي شي في سبيل أن يظهر على المسرح. ولم يكن طموحه أن يظهر على المسرح في دورٍ صغير، بل كان طموحه أكبر من ذلك بكثير. فهو يريد أن يكون بطل العرض المسرحي وكان يظن ان الفرصة إذا أتته سيصبح بطلاً جماهيرياً وأن نجوميته ستغطي على نجومية فؤاد المهندس ومحمد عوض. لذلك حينما انتهينا من كتابة المسرحية وجدت ان المسرحية مكتوبة باسمي واسم الأستاذ مدبولي وسيقوم حسين عبدالنبي ببطولتها مع خيرية أحمد وسمير صبري وحسن مصطفي وكان يقوم بأحد أدوارها محمد يوسف “فتوة ساعة لقلبك” وكانت المسرحية تدعى “بص شو فمين”.



استبعاد محمد يوسف

بدأت البروفات وما هي إلا أيام قليلة حتى استدعاني الأستاذ سيد بدير انا وعبدالمنعم مدبولي ليقول لنا يجب استبعاد محمد يوسف من تمثيل المسرحية. حاولنا الإعتراض. فقال الاستاذ سيد هذا قرار نهائي بناء على طلب السيد الوزير وانه يجب استبعاده دون ان يعرف السبب والا يذكر اسم السيد الوزير او اسم الاستاذ سيد وأن يظهر أن ليس لهما اي علاقة بهذا الاستبعاد كيف نستطيع مواجهة هذا الموقف ومحمد يوسف صديق قديم لكلينا، ونحن نعلم ما سيصيبه من هذا الإجراء فمعنى استبعاده من المسرحية هو إبعاده عن التمثيل عموماً. فلن يستطيع أن يعمل بالإذاعة أو التلفزيون أو السينما. ففي تلك الفترة كان الإنتاج السينمائي خاضعاً للقطاع العام الذي يتبع الوزارة. ظللنا فترة أسبوع لا نستطيع مواجهة الموقف، ومحمد يوسف يستمر في التمرينات. والاستاذ سيد بدير استدعاني أكثر من مرة لمعرفة ما تم. فحاولت التنصل من الموضوع، وأنا ألقي العبء على مدبولي. فهو مخرج العرض وسيتحمله لأنني أقرب لمحمد يوسف. واخيرا استقر رأينا على مقابلة الوزير نناشده الرجوع في هذا القرار الظالم أو حتى معرفة الأسباب لهذا الإبعاد، حتى نستطيع ان نركن إليه. وذهبنا فعلاً. وما أن جلسنا أمامه حتى قال أنه يعرف سبب زيارتنا. فقال أود أن تعرفوا ان هذه وزارة إرشاد وثقافة وليست وزارة للشؤون الإجتماعية لذا فالطلب الذي جئتم من أجله مرفوض. ارتبكنا وتلعثمنا وحاولنا أن نعرف منه أسبابا ولكن دون جدوى. فاضطررنا في النهاية لمصارحة محمد يوسف، لكن طبعا بعد ان شرحنا له الموقف على حقيقته مخالفين بذلك طلب الاستاذ بدير.

استبعد محمد يوسف وظل 18 شهراً لا يعمل في أي مكان عانى خلالها الكثير. وبعد ذلك عاد إلى العمل في أجهزة الإعلام المختلفة. وكما لم نعلم أسباب خروجه لم نعلم أسباب عودته، وعُرضت المسرحية على مسرح الهوسايبر ورغم حبكتها الشديدة ومواقفها المثيرة إلا أنها لم تلاقِ النجاح المشهود.

عمتي إكرام وأختها إنعام..

بعد ذلك كتب حسين عبدالنبي مسرحية (عمتي إكرام وأختها إنعام) وهي مقتبسة عن إحدى المسرحيات التي تعد درسا بليغاً لكيفية الكتابة المسرحية (سم ودانتيلا قديمة) التي سبق للمسرح القومي أن قدمها باسم (سم وزهور)؟ ولكن عندما قدمت المسرحية كتب اسم مدبولي ويوسف عوف اصحاب العمل وقام ببطولتها حسين عبدالنبي ايضاً. وبعد التدريبات النهائية حضرت اللجنة برئاسة الاستاذ أمين حماد لمشاهدة البروفة النهائية لاقرار ما اذا كان العمل يصلح للعرض أم لا. وكانت المسرحية من اخراج الاستاذ مدبولي أيضاً. ولكن اللجنة بعد المشاهدة رأت أن العمل مازال يحتاج إلى جهد. فتأجل عرض المسرحية وجاءت اللجنة لمشاهدته مجدداً. ولم تقرر العرض. وفي المرة الثالثة رات ايقاف عرض المسرحية.

ولم تظهر المسرحية إلى النور وما هي إلا أيام وصدر قراراً بتنحية الأستاذ مدبولي عن إدارة المسرح الكوميدي. ولكن القرار الغريب هو منعي من العمل مع اني لست موظفاً بالمسرح. وصلتي لا تتعدى أني أكتب مسرحية وأتقاضي عنها أجراً. وهو في الحقيقة لا استطيع أن أسميه أجرا لكونه أقل من القليل. لماذا أُمنَع من العمل بعدما قدمت كل هذه النجاحات؟! لقد كان كل ذنبي أن اغلب مسرحياتي أخرجها عبدالمنعم مدبولي. والغريب في الأمر أن الاستاذ مدبولي حينما نحي عن العمل كان مشتركاً في عدد من العروض والمسرحيات. فاستعانوا به كممثل ولم يمنعوه من العمل.

وحدث ما كنت أتوقعه وهو أنني مُنعت من العمل بالإذاعة والتلفزيون. وهو قرار غير مكتوب ولكنه منفذ بكل دقة. فأصبحت بلا مورد ولم ألجأ إلى أحد المسؤولين بعد أن شاهدت على الطبيعة ما حدث لمحمد يوسف ولم تجدي معه واسطة ولا شفاعة وسلمت أمري لله.



أزمة مالية بلا عمل

وفي بداية الصيف كان الاستاذ عبدالمنعم مدبولي يقدم الحفلة الأخيرة لمسرحية (جنان وسلك ودكتور) على مسرح 26 يوليو وكان مسافراً في اليوم التالي إلى الاسكندرية لافتتاح الموسم الصيفي حيث كان سيقدِّم مسرحية “أصل وصورة”. في هذه الليلة ذهبت إلى المسرح لرؤية الزملاء وأين أذهب؟ إلى أي مسرح؟ وقد أصبحت بلا عمل.

دخلت حجرة الأستاذ مدبولي في المسرح فوجدت الاستاذ علاء الديب الصحفي بدار روز اليوسف وكان قد جاء لمعرفة أسباب الإستغناء عن الأستاذ مدبولي في إدارة المسرح الكوميدي وطلب تحديد الموعد معه في اليوم التالي لعمل تحقيق صحفي عن هذا الموضوع. ولما كان الأستاذ مدبولي سيسافر في صباح اليوم التالي إلى الاسكندرية لتقديم مسرحية “أصل وصورة”، فقد اعتذر، وطلب مني الاستاذ علاء الديب أن أقابله في اليوم التالي كي يعرف مني الظروف والملابسات التي أحاطت بهذا الموضوع باعتباري أحد الطرفين المضاربين بل أنا الذي المتضرر الأكبر، اتفقنا على ان نلتقي عصر اليوم التالي في الساعة الخامسة في جروبي سليمان باشا.

استيقظت في اليوم التالي لاكتشف ان في جيبي قرش صاغ واحد ماذا أصنع به وكنت متوجهاً لمقابلة الرجل لابد أن يكون معي على الأقل خمسون قرشاً كي أستطيع أن أطلب له فنجان قهوة بقلب جامد. فسألت نفسي: هل أعتذر هاتفياً؟ هل أدعي اني نسيت؟ ولكن، كيف أترك فرصةً كهذه كي أشرح الظلم الذي لحق بي دون أي ذنب، وكيف أضحي بما حققته من نجاحات؟ بعد أن تم منعي من العمل والإبداع الذي أعشقه؟ ليس بجرة قلم ولكن بقرار غير مكتوب أصبح أنا مركوناً على الرف ولن تمضي غير مدة قصيرة وتنسي الناس مشكلتي بل سينسون إسمي أصلاً.


سمير خفاجي


كانت درجة حرارة الجو قد تخطت الأربعين مئوية فنحن في الأول من شهر يوليو والوقت الواحدة ظهراً حينما قررت أن أذهب لصديقي يوسف عوف لاقترض منه الخميس قرشاً وكان يسكن في جاردن سيتي. وبالرغم من أزمتي المالية فقد كنت أليطا لا استعمل من وسائل المواصلات الا التاكسي، وبالطبع لم يكن معي اجرة هذا التاكسي فقررت الاعتماد على قدمي رغم شدة حرارة الشمس والمسافة الطويلة ما بين شارع رمسيس وجاردن سيتي وعاندت نفسي إلى ان وصلت منزل يوسف عوف وكل املي اشرب كوب من الماء واخذ الخمسين قرشا، ضربت الجرس مرات والباب لا يفتح سالت البواب قال لا يوجد احد بالشقة.

ماذا افعل؟ فكرت وقررت المرور على محمد عوض وكان يسكن في اول سليمان باشا بالقرب من ميدان التحرير الاسانسير عطلان ومحمد عوض يسكن الدور الخامس من احد العمارات العتيقة الأدوار فيها مرتفعة جداً. جاهدت حتى وصلت إلى الدور الخامس والعرق يتصبب مني وضغطت على الجرس وفتح الباب وحمدت ربي اني فكرت التفكير السليم سألت الخادمة عن الأستاذ محمد فقالت لي سافر إلى الاسكندرية من نصف ساعة فهو سيعرض في المساء. فقلت بنفسي يا لغبائي! كيف فات علي هذا، ألم يقل مدبولي انه سيسافر إلى الاسكندرية وعوض أحد ابطال العرض. نزلت الأدوار الخمسة وبدأت الرحلة مجدداً إلى شارع رمسيس وفي الطريق قلت لنفسي يا للغباء ان ماجدة الخطيب تسكن في نفس الاوتيل لماذا لم توفر كل هذا الوقت وتقترض منها المبلغ وهي صديقة مخلصة.

استرحت لهذا الحلّ ومشيت المشوار حتى شارع رمسيس وأصبحت في مواجهة العمارة التي بها أوتيل ايفريست. وقفت كي أعبر الشارع منتظراً توقف العربات حتى أستطيع العبور، وفجأة وجدت سيارة أمامي، صاح قائدها ازيك يا سمير؟ انت فين؟ ازيك يا صلاح وصلاح هذا هو شقيق زوج اختي قلتله رايح فين قال رايح اجيب ماما من منشية البكري وبعدها اتجه إلى الاسكندرية بلا تفكير قلت له اجي قال ساهذب لاحضر ماما وامر عليك قلت ساجهز شنطتي في دقائق وانتظرك امام باب العمارة.

اتخذت القرار المفاجئ ونسيت الموعد وعلاء الديب ما هذا القرار المتسرع غير المدروس كيف أذهب إلى الاسكندرية وليس في جيبي سوى هذا القرش المهم صعدت إلى غرفتي في الفندق واعددت حقيبتي ونزلت إلى الشارع حتى مرّ على صلاح وركبت إلى جواره والوالدة في المقعد الخلفي عزم عليا بسيجارة وكنت مدخنا شرها لكن ليس معي اي سجائر فكيف اقبل منه سيجارة وبعد دقائق لابد ان اخرج علبة سجائري الموجودة واعزم عليه بسيجارة أنا ايضا بلا منها السيجارة دي اعتذرت عن قبول السيجارة بحجة اني بطلت التدخين وبدات في شرح مضار السجائر وقلتله ربنا يتوب عليك منها ومضينا في الطريق وكلما اشغل سيجارة تمنيت لو اخذت نفسا واحدا منها.

اقتربنا من الريست هاوس وخشيت ان تتوقف لنستريح في الريست وقطعا لابد ان نشرب او ناكل شيئا فأقع في نفس المشكل الذي حاولت حله طوال النهار فقلت له اعمل معروف يا صلاح بلاش نقف في الريست عشان انا عندي معاد مهم جدا في الاسكندرية اي معاد هذا من ساعة واحدة لم يكن عندي اي فكرة عن السفر إلى الاسكندرية او غيرها المهم انه استجاب لي بل قال انه هو ايضا عنده موعد.

وصلنا الاسكندرية ها هتنزل فين؟ ايوة صحيح هنزل فين لم اكن بعد اتخذت اي قرار عن المكان الذي ساقيم فيه المهم قولت له نزلني عند توني وتوني مقهي ومطعم في كامب شيزار على الكورنيش يقع في مواجهة مسرح الريحاني وصاحبه توني صديق الفنانين جميعا وفيه يلتقون كل ليلة سواء قبل عملهم في المسارح او بعد انتهاء عملهم فالمحل مفتوح حتى الساعات الأولى من الصباح.

ما ان دخلت محل توني حتى وجدت بهجت قمر جالساً مع نبيلة السيد وبهجت قمر اسكندراني اصلا وكان يقيم مع والدته في الاسكندرية شعرت بالجوع فتناولت غذائي على الحساب طبعا، واوصلني بهجت قمر إلى محطة الرمل حيث يوجد هناك اوتيل صغير ونظئف تعود عدد كبير من الفنانين الذين يشتركون في مسارح التلفزيون الاقامة به اثناء تواجدهم في الاسكندرية للعمل فصاحبه رجل ودود بشوش الوجه يشعرك بصداقته من الوهلة الأولى يدعي زكي علام على ما أذكر .ما ان رآني الرجل حتى رحب بي وحجز لي غرفة كبيرة تطل على البحر وهكذا حلت مشكلة الإقامة.

عن موقع ايلاف على الإنترنت


ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.



سمير خفاجي على موقع السينما.كوم


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)