ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

متحف الشمع في جبيل يروي تاريخ لبنان وحضارته وأساطيره Musée de cire - Byblos (Jbeil) - Liban

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاثنيـن 28 رجـب 1433 هـ 18 يونيو 2012 العدد 12256
الصفحة : عين الشرق
بيروت (لبنان) : مازن مجوز


ينقل الزائر إلى حقب زمنية تبدأ من إنسان ما قبل التاريخ وحتى اليوم


جانب من ديوان الأمير بشير الثاني في المتحف («الشرق الأوسط»)

محتوياته تجسّد الكثير من القصص والشخصيات والأحداث والأساطير التي تروق للسياح والزائرين من كل مكان، ويدهشهم فن تجسيدها بتماثيل من الشمع تعيد الماضي إلى الحاضر بجماليات فنية وبحرفية عالية.

إنه متحف الشمع في مدينة جبيل، على ساحل شمال جبل لبنان، الذي يُعدّ محاولة للتعبير عن تاريخ لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال مشاهد وحقب زمنية تبدأ من عصر إنسان ما قبل التاريخ، مرورا بالعصور الفينيقية والصليبية والبيزنطية، ووصولا إلى تاريخ لبنان الحديث.

شوقي أبي حنا، مدير المتحف قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «إنه جزء من ثقافة الوطن، ويعدّ أول متحف شمع للأشخاص في لبنان. وهو يؤرخ لأهم المراحل التاريخية التي مرّ بها وطننا، ويمثل ذاكرة للإرث الثقافي والفني الحضاري للبنان والمنطقة، من خلال مجسّمات مصنوعة من الشمع لبعض أبرز الشخصيات السياسية والفنية، إلى جانب زوايا مخصصة لتكريم بعض رموز الأدب والفكر والثقافة».

والواقع أن السائح لا يحتاج هنا إلى مرشد، فاللوحات التعريفية الخاصة بكل مشهد حاضرة دائما. وهكذا يبدأ الزائر رحلة مشاهدة ممتعة في المتحف البديع القائم على مقربة من قلعة جبيل الفينيقية، التي تنتصب بجوار البحر على بعد نحو 37 كلم من العاصمة بيروت.

مع ولوج الزائر سراديب المتحف نزولا، تبدأ الرحلة، وما هي إلا لحظات قليلة حتى تشاهد جبران خليل جبران، الأديب والشاعر والرسام اللبناني المهجري الشهير، جالسا بهدوء واتزان أمام مكتبه يدون إحدى قصائده، تحيط به الكثير من مؤلفاته ولوحاته. وإلى جانب جبران صور ناطقة من التاريخ والأساطير القديمة.

وثمة مشهدان آخران؛ الأول يجسد صناعة السفن عند الفينيقيين، الذين كانوا أول من صنعوا المراكب والسفن من أخشاب الأرز، رمز لبنان، وأول من نشر التجارة آنذاك. والثاني يعكس صناعتهم الخزف والفخار منذ 5000 سنة قبل الميلاد.

وكما أن للحرف الفينيقي قصته مع قدموس - المهاجر اللبناني الأول - الذي بفضله تحول الحرف في بلاد اليونان إلى منبع لغات العالم، كما توضح البطاقة التعريفية به، فإن مشاهد عدة تأخذ الزائر إلى حقب زمنية مهمة من تاريخ لبنان، تبدأ بمشهد الصداقة الفينيقية - الفرعونية (1800 ق.م.)، يليه مشهد الإسكندر الأكبر المقدوني قبيل محاصرته مدينة صور (332 ق.م.)، ثم القائد والخليفة معاوية بن أبي سفيان وهو يأمر بصناعة أول أسطول عربي (عام 645م) تكون من 1700 قطعة، وقد حارب به البيزنطيين (الروم).

وبعده، يأتي دور الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (1624م)، أمير الجبل، وهو يتسلم من زوجته فرمان السلطان العثماني الذي عيّن بموجبه «سلطان البر»، وبقربه الأمير بشير الثاني الشهابي، وأحيرام ملك صور، ثم الشاعر الفرنسي لامارتين واقفا في ديوان الأمير بشير (1832م).

وبالطبع، لم تغب عن بال أبي حنا ذكرى شهداء لبنان وسوريا الذين جسّد كثيرون منهم وهم يتظاهرون احتجاجا على الحكم العثماني قبل إعدامهم بدقائق يوم 6 مايو (أيار) 1916، ومشهد مساجين قلعة راشيا من أبطال استقلال لبنان، أثناء اعتقالهم من قبل سلطات الانتداب الفرنسي في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1943 ليعلن استقلال لبنان بتاريخ 22 من الشهر ذاته والعام ذاته.

مناخات المراحل التاريخية تنسحب أيضا على الإنسان قبل التاريخ (12000ق.م. إلى 6000 ق.م.)، وكهوف المسيحيين الأوائل في عهد الرومان (أوائل العهد الميلادي)، فضلا عن عدة مشاهد تمثل العرس في القرية والفولكلور اللبناني والمقهى البلدي والعائلة القروية.

وفي المتحف أيضا تماثيل شمعية لفنانين بارزين بينهم وديع الصافي وصباح، وكذلك للعالم اللبناني حسن كامل الصبّاح، في حين ضم الكاتب الكبير الراحل ميخائيل نعيمة إلى القائمة قبل أشهر قليلة. وفي الحصيلة النهائية فإن المشاهد، زائرا كان أو سائحا، سيكون أمام 25 مشهدا معبرا عنها في 129 تمثالا مصنوعا من الشمع تروي جميعها جوانب من تاريخ الحضارة وتاريخ لبنان.

وبالعودة إلى انطلاقة المتحف، أوضح أبي حنا أنه عبارة عن شركة مساهمة لبنانية أسست عام 1967، شاركه فيها كل من عبد الحسين فواز (منتج سينمائي)، والمهندس مصطفى فواز، والفنان الراحل حبيب الخوري.

وأردف أن المتحف فتح أبوابه أمام الجمهور في 28 أغسطس (آب) 1970. وعام 1971 توفي خوري، ليكمل أبي حنا المسيرة ويعيد ترميم المتحف عدة مرات، لا سيما بعد إغلاقه لمدة 11 سنة أثناء الحرب اللبنانية، إلى إضافته مجموعة من التماثيل الجديدة، التي تستغرق صناعة الواحد منها ما بين 30 إلى 40 يوما. وردا على سؤال قال أبي حنا إنه جرى اختيار جبيل لاحتضان المتحف، كونها مدينة محورية في تاريخ لبنان وذاكرته، وهي أيضا قريبة من بيروت، وعريقة وغنية بآثارها ودورها الحضاري.

وفي الختام، كشف أبي حنا أن حلمه هو إنشاء متحف يحتوي على نحو 500 تمثال من الشمع، ليكون الأكبر والأشمل في العالم، مستدركا بالقول: «ولكن مع الأسف فإن الأوضاع الأمنية تحول دون تحقيقه، فضلا عن أن التمويل ذاتي وهو من إيرادات المتحف المتأتية من السياح العرب والخليجيين والأجانب، الذين نشهد حاليا انخفاضا في إقبالهم».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)