ما هنالك من أسرار بلاط السلطان عبد الحميد، إبراهيم المويلحي (مصر)، تاريخ

, بقلم محمد بكري


السبت ٩ مارس / آذار ٢٠١٣
جريدة الحياة
القاهرة - صلاح حسن رشيد


جريدة الحياة


حين كشف المويلحي أسرار انهيار السلطنة العثمانية


بعد اختفائه لأكثر من قرن من الزمان؛ ظهر كتاب «ما هنالك من أسرار بلاط السلطان عبد الحميد»، لإبراهيم المويلحي، ذلك الكتاب الذي صودر في عام 1896. وخطورة هذا الكتاب تكمن في أنه يميط اللثام عن أحداث سياسية بارزة، منها دور السلطان في عزل الخديوي إسماعيل، ودور تركيا في احتلال بريطانيا لمصر، والتحريض العثماني ضد الزعيم أحمد عرابي، وصدور فرمان عصيانه.

يرى المؤلف أن السلطان عبد الحميد الثاني كان يحكم على طريقة سلاطين القرون الوسطى، فكل شيء كان في يده، وكل عمل كان يتم بأمره، من دون النظر إلى التطورات التي مرت بها نُظُم الحكم في العالم الحديث، أو الأخذ في الاعتبار ميول الشعب؛ فهو في موقع السيادة، وأي شخص آخر يعارضه في مهب الريح؛ لذلك كانت دولته تنطوي على أسباب انحلالها واضمحلالها.

يقول الباحث أحمد حسين الطماوي في تقديمه لطبعة جديدة من الكتاب صدرت أخيراً عن مكتبة «جزيرة الورد»، في القاهرة: «إن موضوع هذا الكتاب لا يتناول سيرة السلطان وفقاً لمنهج السيرة المعروف، وإنما يقدم عنه صوراً جزئية، تكون في مجموعها صورة عامةً تترك انطباعاً في ذهن القارئ، وفي هذه الصور يحاول المويلحي التغلغل في عوالم نفسِ السلطان، لاستبطان ما استترَ فيها، وإنارة مساربها لاستشفافها، وتبيُّن دخائلها، والبحث في مكنوناتها، ولا أعني أن الكتاب صورٌ نفسية محضة، وإنما هو إلى جانب ذلك صور تاريخية واجتماعية، وأخرى إنسانية، وأخلاقية لأتباع السلطان من دسّاسين، وجواسيس، وفضوليين، ومُتملِّقين، ووُصوليين، مع إظهار خفاياهم، وإبراز أغراضهم، وكل هذا يُسهِم بقدر وافر في إيضاح شخصية السلطان، وهذا يجعلنا نقول: إن المويلحي في كتابه هذا ليس مؤرخاً خالصاً، تتلاحق في كتابه الوثائق والتواريخ والنصوص، وإنما ميدانه الواسع شخصية السلطان، ومدى تأثُّرها بالسائس، والإشاعات، والوشايات، والأكاذيب، وكل ما يرجف، وتأصُّل هذا فيه، وما ينجم عنه من حوادث ومواقف، وجفاء لأناس؛ مما جعله يعيش في صراع، وقلق، وشك، وخوف، ووهم».

ونظراً إلى قرب المويلحي من قصر السلطان، ودوائره، ومعرفته بما يدور فيه، وإلمامه بأحوال تلك الفترة، ونفاذ بصيرته، يأتي كتابه عن الافتراضات الوهمية والتكهنات، كما جاءت فيه الأحداث موافقة لروح الزمن الذي وقعت فيه، ومجريات الأحوال السائدة. والمويلحي مُوْلَع بجمع الحكايات الغريبة، والأسرار الخفية؛ لإقامة الحُجَّة على فساد رجال البلاط، وانزعاج السلطان لأتفه الأسباب، خوفاً على حياته، ونعجب من كثرة ما جمعه، واستشهد به، وكأنه جاسوسٌ على السلطان وحاشيته، أو كأن له عيوناً ترقب وتُبلِّغه. والكتاب يعرض قسماً كبيراً من هذه القصص النادرة، كأن يقول: «إن السلطان وصلته ثلاثة تقارير من الجواسيس في مسافة نقض الوضوء». ومن حكاياته العجيبة في هذا المجال، قوله: «إنَّ تَرِكةً شُهِرَ مَبِيعُها، فحضر فريقٌ عسكريٌّ، ليشتري منها ما يُعجِبه، فأعجبه جملة من الكراسي، فاشترى منها خمسةً وثلاثين كرسياً، فكتب الجاسوس تقريراً، يقول فيه: إن فلاناً الفريق قد حضر إلى التَّرِكة الفلانية، واشترى منها خمسةً وثلاثين كرسياً، ولولا أنه عزم أن يعقد جمعيةً، ما اشترى هذه العدد الكثير من الكراسي، فصَدَرَ الأمرُ بعزل الفريق».

ونتيجة لإلغاء السلطان عبد الحميد مجلس النواب، أو(المبعوثان) الذي منحه للأمة، بعد توليه السلطنة عام 1876، يكون عطَّل السلطة التشريعية، واستمرَّ في حكم الدولة بقوانين العصور الوسطى التي كانت تلائم الماضي، وقد دانه عدد من المؤرخين، ووصفوه بالحاكم المستبد، يقول الدكتور كمال بكديللي: «أصبح الاستبداد هو الصفة الغالبة في الحكم، على عهد السلطان عبد الحميد، واستمرت مرحلة الانهيار والتفكك في أوصال الإمبراطورية، خلال المدة التي بدأت منذ نهاية الحرب الروسية الكبرى عام 1878، وامتدَّتْ حتى خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش عام 1909».

ويقول إحسان حقِّي: «عبد الحميد لم يكن ملِكاً ديموقراطياً مثل ملك إنكلترا أو السويد مثلاً، بل كان ملكاً أتوقراطياً يملك ويحكم، وإذا كان قد ظهر منه شيء من الاستبداد، فذلك شيمة الملوك في ذلك الزمان».

ويرى حسين الطماوي أن السلطان عبد الحميد الثاني كان جامداً متصلباً، فلم تكن لديه القدرة على التشكُّل بأشكال مختلفة مع القوى المناوئة له في الخارج، أو اتباع أسلوب الملاينة مع مناهضيه في الداخل، الذين لم يكونوا أقل خطورة من أعدائه الأوروبيين في الخارج، وإنما كان يرغب في أن يظهر بمظهر السلطان الغلاّب التيّاه الجهير الصوت، الذي يطلب المجد بالقوة والقهر، فقد كان عليه أن يخالط الأحرار الدستوريين بالقانون الأساسي أو الدستور، ويدخل ساحاتهم، ويحاورهم، ويلين شوكتهم، لا أن ينصِب لهم الشِّراك، ويرصد حركاتهم، ويتعقبهم، فيطيرون منه، ويحطون في باريس، ويتخذون منها منطلقاً لمحاربته، وتأليب الشعب والعسكر عليه. ويؤكد الطماوي أن تجارب السلطان عبد الحميد في الحكم كانت ناقصة، وأن معرفته بالتواء السياسة كانت قاصرة، فلا يعرف كيف يتصرف إذا داهمته الخطوب، ونزلت به النوازل، لذلك استغلت أوروبا وروسيا ذلك، فاستولت على ممتلكات الدولة العلية في البلقان.

يذكر أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب صدرت عام 1896 فأمر السلطان عبد الحميد بمصادرتها على الفور، وأمر المويلحي بجمع النسخ وإرسالها إليه، فامتثل بسرعة، ولم تبقَ إلاَّ اثنتا عشرة نسخة فقط أفلتتْ من هذا الكتاب، وكانت وُزِّعتْ على الأقارب والأصدقاء كهدايا.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


 سيرة حياة إبراهيم_المويلحي على موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)