مارك شاغال، نجم القرن العشرين ثروت عكاشة 1921-2012

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ١٥ أبريل/ نيسان ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«شاغال» كما رآه ثروت عكاشة: بداوة الفن وطفيلية السياسة


نادرة هي الكتب التي يضعها مؤلفون عرب عن الفنون التشكيلية. ونادرة أكثر تلك الموضوعة عن فنانين تشكيليين عالميين. هناك بالطبع بعض الكتب المترجمة التي تصدر بين الحين والآخر، وهناك بالتأكيد الكثير من المقالات الصحافية وربما أيضاً الدراسات التي يكرّسها هذا الكاتب العربي أو ذاك، لفنان أجنبي بين الحين والآخر. ولكن عدا عن هذا، تكاد المكتبة العربية أن تكون من أفقر المكتبات في هذا المجال. ونقول تكاد، لأن ثمة كاتباً عربياً أخذ على عاتقه سدّ هذا النقص وأصدر وحده متناً من الكتب الفخمة التي تغطي جزءاً لا بأس به من تاريخ الفن التشكيلي في العالم. والغريب أن عشرات الكتب التي وضعها هذا الكاتب انتشرت ولم تثر أي مشكلات مع الرقابات العربية ما عدا كتاب كرّسه للفنون الإسلامية! طبعاً لن نتوقف هنا عند هذا الأمر، بل عند واحد من آخر الكتب التي وضعها الراحل ثروت عكاشة قبل رحيله - ولا شك في أن القارئ أدرك منذ البداية هنا أننا نتحدث عن ثروت عكاشة - وعنوانه «مارك شاغال، نجم القرن العشرين». وهو بالتأكيد الكتاب الوحيد الذي صدر في العربية عن هذا الفنان الذي يعتبر من أكبر فناني العصور الحديثة.

وهنا لا بد من أن نشير بداية الى أن هذ الكتاب الضخم ( نحو 400 صفحة بالقطع الموسوعي وكلها بالألوان المتقنة التي نادراً ما كانت من نصيب كتاب عربي) هو كتاب في الفن لكنه أيضاً كتاب في الصداقة والوفاء. ولنقرأ ما يكتبه عكاشة في تقديمه: «لقد كانت لشاغال لفتة كريمة إبان احتفالات القاهرة بعيدها الألفي، إذ كان فريق باليه أوبرا القاهرة يتدرب على تقديم باليه «دافني وكلويه» تحت إشراف سيرج ليفار الذي قبل بإيفاده لنا مشكوراً الوزير الأديب أندريه مالرو استجابة لرغبتي فطلبت من شاغال حينذاك إذناً باستنساخ مناظر الستائر الخمس لهذا الباليه فضلاً عن تصميمات الأزياء(...)، فبادر بتلبية طلبي مشكوراً كهدية من دون مقابل (...) قائلاً فلنعدّ هذا هدية الى الشعب المصري في عيد القاهرة الألفي». إذاً ها هو عكاشة يرد اللفتة بلفتة يمثلها هذا الكتاب الذي من المحزن أن شاغال لن يراه أبداً، ولا حتى عكاشة الذي رحل قبل انجاز طباعته.

المهم أن الكتاب يتعدى ذلك البعد التكريمي. وذلك لأن المؤلف تعامل فيه تعامله سابقاً مع ريتشارد فاغنر، جاعلاً من الكتابة موسوعة فنية حقيقية تغوص في عمل الفنان محللة حياته على ضوء فنه، وفنه على ضوء تلك الحياة التي يرويها لنا المؤلف المصري بلغته الجزلة، وبالتحديد بذلك الأسلوب الشاعري العميق الذي طبع دائماً كتبه، ولو في بعض الأحيان في تغلب طفيف على ملكتي النقد والعلم. ولكن هل يهم حقاً أن تتسم دراسة جميلة تمجد الفن، بنظرة نقدية لها مجالاتها في أماكن أخرى؟ إن هذا السؤال ينطرح هنا بكل قوة وبخاصة أن عكاشة يتوجه الى قراء عرب - نخبويين على أية حال -، يريد أن يشركهم في ولهه الغامر بالفنون ونتاجات الحضارات كي ينفتحوا على العالم وعلى الآخر من دون مركبات نقص. ونعرف أن تلك ما كانت عليه الخلفية التي حركت ثروت عكاشة في كتاباته كما في جهوده كوزير للثقافة خلال العصر الذهبي للثقافة المصرية وللإنفتاح الإبداعي المصري على العالم.

ومن الواضح أن عكاشة إنما كان في هذا كما في غيره يسير على خطى صديقه اندريه مالرو، الذي كان يرى أن شاغال «أعظم ملوَّن عرفه عصرنا». كما على خطى جمهور الفن الروسي الذي يعتبر شاغال أفضل من عبّر في لوحاته عن الفولكلور الريفي في بلاد الموسكوب على رغم أن كل ما رسمه في ذلك المجال كان منتزعاً من ذاكرته كطفل هو الذي ترك مسقط رأسه الروسي باكراً. أما بالنسبة الى الفرنسيين فإن شاغال، كما يفيدنا عكاشة، كان واحداً من أولئك الفنانين الكبار الذين عاشوا في فرنسا وتشرّبوا ثقافتها وذاقوا طعم الحرية فيها فأبدعوا ما أضاف الى الحركة الفنية الفرنسية كما الى الحركة الفنية العالمية والانسانية. هذا في الوقت الذي ينظر كبار المثقفين اليهود الى شاغال بوصفه الفنان الذي عرف كيف يعبّر أكثر من غيره عن «روح الدين اليهودي»، وعن «رسالة التوراة الغنية بالتعبير الإنساني وبالنفحة الإلهية» كما عن الفولكلور اليهودي في تفاصيله اليومية وألوانه الغنية، بخاصة كما تجلى في القرى الروسية المحيطة بموسكو.

ومارك شاغال نفسه، في ما وراء كل الألعاب السياسية التي حاولت بين الحين والآخر احتواءه، كان يرى أنه صاحب رسالة أساسية هي رسالة الفن، وكان يقول إنه لئن كان قد عبّر في العديد من رسومه، حقاً عن الروح التوراتية، فإنما كان مسعاه من ذلك التعبير عن رسالة الأديان الروحية جميعها، كرسالة إنسانية ومحبة، مستفيداً من الصدفة البيولوجية التي جعلته يولد من أصول يهودية، من دون أن يشعر بأي رضا إزاء أولئك الذين يعطون انتماءه ذاك أي بعد سياسي.

كان أخشى ما يخشاه مارك شاغال طوال حياته، هو أن يصار الى استيعابه، وفنه، سياسياً، ليس لأنه كان يرى أن الفنان بإبداعه انطلاقاً من جذوره ونزعته الإنسانية العامة، هو الذي يصيغ السياسة الحقيقية، السياسة الهادفة الى خدمة الإنسان والسمو بروحه. وليس سراً أن مثل هذا الكلام كان يغيظ الكثير من رجال السياسة الإسرائيليين الذين حين دعوا شاغال الى زيارة إسرائيل ثم تحقيق بعض الأعمال لها، كانوا لا يكفون عن محاولة جرّه الى مواقف صهيونية لم يقبل أبداً بتبنيها. فلئن كانت اليهودية بالنسبة إليه روحاً انسانية يمكن الفنان أن ينصهر فيها ويعبّر عنها بما يفيد الناس أجمعين، فإن الصهيونية لم تكن، بالنسبة إليه، أكثر من حركة سياسية مرحلية لا علاقة لها بسمو الروح لا من قريب ولا من بعيد.

حين رحل مارك شاغال عن عالمنا في مدينة سان بول دي فانس في الجنوب الفرنسي عام 1985 كان في السابعة والتسعين من عمره، فهو من مواليد 1887 في مدينة فيتبسك في روسيا، حيث كان ابناً لعائلة يهودية ريفية بسيطة. وهو بدأ الرسم عام 1906 في مسقط رأسه حيث كان يرسم على الورق وكيفما اتفق مشاهد تعبّر عن الفولكلور الروسي، قبل أن يلتحق بمدرسة الفنون الجميلة في سانت بطرسبورغ. وهو، مثله في ذلك مثل العديد من الفنانين الروس الطليعيين في ذلك الحين، سرعان ما وجد أن عيشه في روسيا يسدّ عليه آفاق التطور، فهاجر الى باريس عام 1910 حيث سرعان ما انضم الى حلقة كان بينها غيوم ابولينير وسندرارس وماكس جاكوب وفرنان ليجيه وموديلياني، ولقد اتاح له ذلك أن يشارك، بلوحاته في «صالون المستقلين». وفي عام 1914 عاد شاغال الى روسيا ليتزوج من بيلا، التي مارست عليه نفوذاً كبيراً طوال حياته، غير أن اندلاع الثورة البولشفية (التي تحمّس لها اولاً لكنه عاد بعد ذلك وشعر بأن انتماءه اليها سيحدّ من انطلاقته الفنية) دفعه الى التفكير في الرحيل ثانية فتوجه الى فرنسا التي اضطر لمبارحتها قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، هرباً من النازيين، فتوجه الى الولايات المتحدة، حيث نال «جائزة كارنيجي» وحقق ديكورات وملابس باليه «آليكو». غير أن رحيل بيلا، في ذلك الحين دفعه للعودة الى فرنسا، حيث عرض أعماله في المتحف الوطني للفن الحديث، وتوجه للإقامة في مدينة فانس في الجنوب الفرنسي. وفي عام 1957 وتطبيقاً لنظريته التي ترى في الأديان قيمة إنسانية عالمية، نراه يزيّن كنيسة «هضبة آسي»، ثم يشارك مع الحرفي شارل مارك، في تزيين نوافذ كاتدرائية ميتز، قبل أن يتوجه الى القدس الغربية لتزيين معبد أساسي هناك.

وفي عام 1964 تولى شاغال تزيين سقف دار أوبرا باريس. وفي عام 1969 أقيم معرض شامل لأعماله في باريس ضم أكثر من 500 لوحة من لوحاته أُتي بها من شتى أنحاء العالم. ثم لمناسبة بلوغه الثمانين أقام متحف اللوفر معرضاً بعنوان «الرسالة التوراتية» ضم لوحات شاغال في هذا السياق، كما جرت تكريمات عدة له جعلته يمضي آخر سنوات حياته هادئاً مطمئناً واثقاً من أن رسالته قد وصلت.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


ثروت عكاشة على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)