ليالي إيزيس كوبيا : ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية، واسيني الأعرج (الجزائر)، رواية دار الآداب - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الخميس 14-03-2019
المدن - ثقافة
شريف الشافعي - كاتب وشاعر مصري


مذكرات مي زيادة وخيالات واسيني الأعرج


المذكرات التي اتكأ عليها واسيني الأعرج في كتابه هي مخطوطة لمي زيادة


مساران أساسيان تمضي فيهما الرواية التاريخية عادة، أولهما: الحدث المحوري المُسْتدعَى من كبد الحقيقة إن كان فعليًّا واقعيًّا أو من قلب الأسطورة، إن كان إرثًا مرويًّا، كتابيًّا أو شفاهيًّا. وثانيهما: فضاء التخييل والمجاز، بكل ما يحتمله من اشتغالات كاتب الرواية وتصرفاته في لب القصة وتفريعاتها المختلفة.

استنادًا إلى أن وجود هذه الاشتغالات الفنية في الرواية التاريخية، ضرورة حتمية للتفرقة بينها كصنف أدبي وبين كتابة التاريخ ذاته، فإن هناك درعًا واقية مسبقة التصنيع تحول بين مؤلف الرواية التاريخية وبين سهام انتقاداته المنطلقة من تحريفه للأحداث وزحزحته الوقائع عن مسارها، فمنطق النقد الأدبي قوامه التحليل الجمالي المجرد، والتعامل مع “الصورة” الفنية كأنها “أصل” جديد، فلا يقتضي الأمر التوقف طويلًا عند مطابقتها بالأصل الواقعي أو المرويّ، كما يفعل باحثو التاريخ.

الحدث التاريخي، وفق هذه المسلّمات العريضة، مجرد رافد ملهم ومفجر للحدث الروائي. والشخصية الروائية ليست مجرد ظل للشخصية التاريخية، بل هي كيان جديد من لحم ودم وأحاسيس وانفعالات، ومن ثم فإن مساحة التحرك واسعة أمام الكاتب ليدلي بدلوه في المتن وهوامشه، بالمحو والإضافة والتغيير.

هذه المواصفات والضوابط، بحذافيرها، قد تكون مستساغة بقدر مقبول في حالة الرواية التاريخية المكتملة فنيًّا كنسق إبداعي مستقل، أي التي تتحقق فيها عناوين الإبداع وشروطه في الواجهة. فيما تكتسي الخلفية بزي التاريخ، فوفقًا لتعريفها فإنها تلك الرواية التي يختلط فيها التاريخ والخيال، وتدور حول تصوير عصر ما أو حدث بعينه، جلّ أو صغر، بأسلوب روائي مبني على إحداثيات التاريخ وركائزه، من غير إلزام بالتقيد الحرفي بما جرى على أرض الواقع بالفعل.

لا تشترط الرواية التاريخية كذلك وقوع الأحداث في الماضي، فقد تستعرض ميلاد أوضاع جديدة، وتعنى بمصائر لم تتبلور بعد، كما أنها قد تستوعب السباحة الداخلية في العمق الإنساني، وتحليل التوترات الذاتية للشخصيات، وصولًا إلى ذلك المزج بين الخبرات الفردية والملامح العامة للحياة الاجتماعية.

هذه الرواية التاريخية المكتملة الأركان، هي التي تعفي مؤلفها من المحاسبة بقوانين التاريخ، لأنها ليست تاريخًا، كما أنها لا يمكن مقاربتها بالآليات ذاتها التي يجري التعاطي بها مع “علم التراجم” مثلًا، الذي يتناول سير حياة الأعلام من الناس عبر العصور، فهو بدوره فرع من فروع علم التاريخ، وكذلك تبتعد الرواية التاريخية المستقلة عن أدب السيرة الذاتية والمذكرات والاعترافات وما نحو ذلك من كتابات تدّعي الالتزام التام بالمثال الذي تحكيه.

بقدر ما يكون هناك تحديد للون الكتابة، بقدر ما ينحسر الجدل وتقل الإشكالات المثارة حول هذه الكتابة التي تعرف وجهتها، والعكس صحيح بطبيعة الحال، فالكتابة عبر النوعية محل قلق وتوجس دائمين، فبقدر تمسحها بأنماط شتى من الآداب والعلوم، بقدر ما يجب عليها أن تتحمل المراجعة والمحاسبة بأكثر من منظور.

على عهدة دار “الآداب” اللبنانية، فإن غلاف كتاب “ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية” للجزائري واسيني الأعرج (2018) يقطع الشك باليقين بتصنيف هذا العمل على أنه “رواية”، كما أنه مدرج في تبويب “روايات” في موقع الدار الرسمي.

على الرغم من ذلك، تخلط دار الآداب في مانفستو تقديمها للكتاب بين كونه إبداعًا روائيًّا تخييليًّا، وكونه “ترجمة أدبية” لمي زيادة تعاملت مع شخصيتها من مدخل نفسي (مثل تراجم العقاد الأدبية الشهيرة)، بل إن الدار تشير كذلك إلى إمكانية اعتبار الكتاب شهادة على العصر وتسجيلًا لمعاركه الحداثية والتنويرية، واستدعاء وثائقيًّا لمرحلة كاملة عاشت فيها مي زيادة ورفقاء جيلها.

عند قراءة “رواية مي”، بتعبير دار الآداب، تصبح مي زيادة الإنسانُ “على مسافة نَفَس منّا، فنسمع نشيجها وهي في قمَّة عزلتها في مستشفى المجانين، العصفوريَّة، الذي زُجَّتْ فيه ظلمًا، بهدف الاستيلاء على ميراثها العقاريّ والماليّ، ونُصغي إلى أنفاسها وهي تخبو بهدوء، قبل رحيلها الأخير عن دنيا حوَّلها الأهل والأصدقاء إلى جحيم”.

وتستطرد دار الآداب: “تذهب الرواية إلى أبعدَ من ذلك، في تحليلها الفني لمشكلات العصر الخطيرة، إذ اختار جيل مي الحداثة، لكنَّه رفض دفع ثمنها. لطفي السيِّد، طه حسين، الرافعي، العقَّاد، جبران، شوقي، مطران، الريحاني، وغيرهم، هيكلوا فكريًّا مجتمعَ العشرينيَّات حتى الخمسينيَّات، لكنَّهم تركوه معلَّقًا داخل حداثة مستحيلة، شكّلتها المنظومة الدينيَّة والفكرُ المحافظ”.

من جهته، ذهب واسيني الأعرج (65 عامًا)، الروائي والجامعي وأستاذ الكرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس، في لقاءاته الجماهيرية المباشرة في القاهرة وبيروت، وفي حواراته الصحافية، إلى اعتبار كتابه “رواية تاريخية”، وليس صنفًا آخر، مسهبًا في الحديث عن خصائص هذا النسق الإبداعي، من حيث بنائه السردي التخييلي، وعدم تقيده بالنقل الحرفي لأحداث الواقع.

إن الروائي، بحد تنظير واسيني الأعرج لعمله، لديه الصلاحية للتحلل من التدوين التاريخي الصارم لما جرى، حيث يستدعي نبض الحدث والتفاصيل الإنسانية الدقيقة لينسج من روح القصة ملحمته الخاصة، التي تعنى بالحاضر بقدر ما تتكئ على الماضي.

وفق هذا التصور الذي ساقه المؤلف، فمن المفترض أنه في كتابه لم يتجاوز “استلهام” مذكرات مي زيادة المكتشفة حديثًا، ليصوغ من وحيها “رواية تاريخية مكتملة مستقلة”، تتفاعل مع الواقع الحالي من جهة (وهذا هو الأساس)، وتقرّب (من جهة أخرى ثانوية) تلك المذكرات إلى المتلقي في صيغة سردية هي الأكثر رواجًا في سوق القراءة الحالية.

والمذكرات التي اتكأ عليها واسيني الأعرج في كتابه هي مخطوطة لمي زيادة بعنوان “ليالي العصفورية: تفاصيل مأساتي من ربيع 1936 إلى خريف 1941”، وقد كتبتها مي (1886-1941) في أثناء إقامتها بمصحة “العصفورية” للأمراض النفسية والعقلية في بيروت قبيل رحيلها، وظلت هذه المخطوطة مجهولة سنوات طويلة إلى أن تم اكتشاف نسختها الأصلية الكاملة في صحراء الجيزة منذ فترة وجيزة.

بالرجوع إلى كتاب واسيني الأعرج (روايته وفق تسميته)، وإلى حيثيات نشوء فكرة الكتاب وتبلورها لديه، وإلى مقالاته الصحافية التي سبقت صدور الكتاب وتزامنت معه وأعقبته، تتجسد الكثير من الشواهد المحيلة إلى رغبته في تقديم ترجمة أدبية في المقام الأول، لكن بمعطيات فن الرواية، فهي ترجمة ذات طابع انتقائي لسيرة مي ورفقائها ورفيقاتها، تركز على نقاط وحروف دون سواها، ولا يعني مثل هذه الترجمة الالتزام الأمين بوقائع تفصيلية بعينها وأحداث جامعة مسجلة بعناية، فهي لا ترى ذاتها أصلًا ترجمة، وقد ارتدت عباءة الرواية الفضفاضة، التي تسمح بأي تغيير أو حتى تحريف، بدعوى التخييل الفني والخلق الإبداعي.

تلك لعبة الدهاء، التي أعادت إفراز مخطوطة مذكرات مي زيادة في صورة نثارات مثيرة واستقطاعات جاذبة، من هنا وهناك، مجتزأة، منقوصة، تحت عنوان “الرواية” الجماهيري المراوغ، لتتشكل محصّلة توليفة “البيست سيلرز” المكثفة من عناصر يُشترط فيها التشويق والتفجير وحبس الأنفاس وربما الفضائحية، منها: المرض، الظلم الإنساني، الغربة، العشق، الخيانة، المثلية، الموت، وما إلى ذلك من مواضع الاهتمام في الكتاب، فيما لا يأخذ الاستطراد والتحليل العناية ذاتها في توصيف مي زيادة: القلم، العقل، الفكر، العمق.

مي زيادة، متعددة المواهب والأعمال الإبداعية بالعربية والفرنسية وصاحبة الصالون الثقافي القاهري والعلاقات الخصيبة مع رموز الفكر والأدب من أمثال جبران ولطفي السيد وطه حسين والعقاد، وغيرهم، لم تظهر في الكتاب كمبدعة ومفكرة بقدر ما ظهرت كامرأة، عاشقة ومعشوقة ومغدورة، ولم يظهر هؤلاء الرجالات، وغيرهم، كفطاحل وقامات في الثقافة العربية بقدر ما ظهروا كمتنافسين في عشقها، ومتخاذلين عن نجدتها في محنتها الأخيرة، حيث تعرضها للاحتيال من جانب أقربائها، وضياع ثروتها، وإيداعها المصحة النفسية، وتدهور حالتها وصولًا إلى موتها في القاهرة.

“أتمنى أن يأتي من ينصفني”، عبارة بقلم مي زيادة تتصدر كتاب واسيني، ومن بعدها تتوالى البكائيات، وما يسميها المؤلف بالأسرار الخفية في حياتها وعلاقاتها، التي يحبكها الكاتب سرديًّا إمعانًا في إنصاف الكاتبة بالتعرية، وقول كل المسكوت عنه، وإن كان لا يضيف إليها مجدًا، وقد يوجه إليها لومًا واستنكارًا، لاعتبارات يراها البعض بعيون أخلاقية (أي وجه من وجوه الإنصاف وإثبات القيمة الأدبية لمي زيادة في الخوض المجاني في أمر من قبيل المثلية الجنسية؟).

ارتكز الكتاب على كل ما هو ساخن ودامٍ بمذكرات مي، في دوامات عشقها خصوصًا، وفي مشوارها نحو الغدر والموت، بطعنة من ابن عمها جوزيف الذي أحبته ووثقت به، فقادها إلى التهلكة: “أخرجوني من بيتي قبل الرابعة بعد الظهر، وأوصلوني إلى مكاني في القطار، وغابوا عني. أرسلوني إلى العصفورية، بحجة التغذية. وباسم الحياة ألقاني أولئك الأقارب في دار المجانين أحتضر على مهل، وأموت شيئًا فشيئًا. جوزيف، كان قاتلي ومقتلي من دمي. قال لي: تعالي، يا مي. الكل ينتظرك في بيروت. الأهل لا ينامون، يتناوبون على انتظارك. ضيعتك بشحتول تنتظرك”.

يختتم واسيني الأعرج ليالي “إيزيس كوبيا” (الاسم المستعار لمي زيادة)، معلنًا أن “الرواية” أصبحت اليوم أهم سلاح في وجه طغيان النسيان، وهزيمة الذاكرة، لتحرير التمثال العالق منذ قرون، بأعماق الصخرة الصماء، معتبرًا أن عمله بمثابة “استعادة امرأة بدأ النسيان الظالم يطويها، ويسرق منها وجودًا إبداعيًّا واجتماعيًا وإنسانيًّا”.

وبعيدًا عن الكلام الشعاري الذي ردده المؤلف وبعض النقاد حول إنصاف الكتاب لمي زيادة “إبداعيًّا”، وانتصاره للمرأة العربية المقهورة على وجه العموم، وتبنيه قضاياها ضد الذكورية في كل مكان وزمان، وما إلى ذلك من تعميمات لا أصل لها (ربما لاحتواء الكتاب على صرخة مي: “ماذا أُساوي كامرأة أمام ذكورة متخلِّفة، حتّى ولو كان مستواي عاليًا؟”)، فإنه يمكن القول إن أبرز جوانب إنصاف مي زيادة في الكتاب بالتحديد هو فضحه تفاصيل مؤامرة ابن عمها (حبيبها في الشباب المبكر) بعد وفاة والدها ووالدتها وجبران خليل جبران (الصديق والحبيب أيضًا)، حيث أصيبت مي في ذلك الوقت باكتئاب حاد، وفقدت الرغبة في الطعام، واستغل ابن عمها حالتها النفسية السيئة ليجعلها تتنازل له عن ممتلكاتها، وينتهي الأمر بتدميرها، ورميها ظلمًا بالجنون، وهي التهمة التي تنفدها تمامًا مذكراتها أيضًا، فكاتبة هذه السطور لها عقل وقلب سليمان نابضان متوهجان.

تتقصى تفاصيل الكتاب ما هو مثير ومشتعل من كؤوس العذاب التي تجرعتها مي زيادة في هذه الفترة المظلمة من حياتها، كتعرضها لإدخال الطعام إلى جوفها بالقوة عن طريق أنفها عندما أضربت عن الطعام، وتفاصيل علاقاتها بجبران ولطفي السيد والعقاد وطه حسين والرافعي وشكيب أرسلان وفارس الخوري، وكيف أن غالبية أصدقائها انفضوا من حولها عندما اتهمها الطامعون في ثروتها بالجنون، تقول مي: “كانت ذئاب تفترسني أمام الجميع، ولا من يحرك يده”.

يعرّي واسيني بعض العلاقات الخاصة في حياة مي، استنادًا إلى مذكراتها، خصوصًا علاقتها بجبران: “حبيبي وأخي الذي يعرف جراحاتي التي لم يلمسها حتى الأقربون، رفضتُ أن أكون مجرد رقم في حديقة نسائه، لو قادني القدر نحو ذراعي جبران كنت طحنته بغيرتي وافترقنا بسرعة بشكل بائس وحزين وحقد لا يُمحى. نعم أنا سيدة الأقدار الحارقة، ورجل نشأ في الحرية ومات فيها لا يمكنه أن يدرك حرائقي مهما تواضع معي، كان سندي وصديقي وأخي الذي لم تلده أمي وحبيبي الآخر، وموته دمرني”.

وتحكي مي عن العقاد ما يجد فيه واسيني مادة لإثراء توليفته الشيقة (على أن هناك من يشكك في مثل هذه السياقات، ويصفها بالاجتزاء المخل)، تقول مي وفق ما نقله واسيني: “كيف تجرأ العقاد أن يرميني بسهولة؟ ألم يكن حبيبي؟ كان من الصعب أن يراني امرأة خارج السيطرة، خارج سربه النسوي الذي أعرفه. منحته يومًا خاصًا به، الأحد. كان يتضايق من صالون الثلاثاء. لم أكن مهيأة للنوم معه، فكان يغضب كطفل صغير. شيء ما في داخلي يرجعني إلى تربيتي بالدير، أنا امرأة مسيجة بالممنوعات”.

لقد فات قطار العمر بسرعة، وبقيت مي زيادة “واقفة على الرصيف القديم، تغزل الخيوط احتماء من برد شتاء كان على الأبواب، ونسيت أنه كان بداخلها”، وفي مذكراتها زرعت مأساتها الكاملة، بتقنية أدبية عالية، فهل كان الأوفق جني طرحها الناضج كما هو، أم بالاشتغال عليه في صيغة معالجة روائية مقترحة، على هذا النحو المثير للجدل والتساؤلات؟

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.



جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٣٣٠١ الاربعاء ١٨ تشرين الأول ٢٠١٧
جريدة الأخبار
ادب وفنون
خليل صويلح


واسيني الأعرج يستعيد «عصفورية» مي زيادة»‎


مي زيادة


عادت مي زيادة (1886- 1941)إلى الواجهة مجدّداً، ولكن باسمها المستعار «إيزيس كوبيا»، الاسم الذي وقعّت به أشعارها المكتوبة بالفرنسية «زهرات حلم»، قبل أن تستعيد اسمها الأصلي في أعمالها اللاحقة.

هكذا وجد واسيني الأعرج في حياة هذه الكاتبة المتمرّدة متناً روائياً يتأرجح بين التوثيق والتخييل، خصوصاً في الفترة التي عاشتها في مستشفى الأمراض العقلية «العصفورية» في لبنان. وأشار الروائي الجزائري إلى أن روايته «ليالي إيزيس كوبيا: ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية» (المؤسسة الوطنية للفنون- الجزائر)، هي «أول رواية عربية تستدعي إبداعياً حياة مي زيادة، في لحظة مأساتها، في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية في بيروت «العصفورية»، بعد أن اتهمها أقاربها بالجنون للتخلص منها، والاستيلاء على ميراثها، لأنها كانت وحيدة والديها المتوفيين».

يطارد الراوي ومساعدته رحلة مخطوطة ضائعة توثّق ليالي العصفورية بكل ما فيها من فجيعة وأسرار وانكسارات، بين أمكنة مختلفة عبرتها هذه المخطوطة الملعونة، وتنافس جهات عدة في الحصول عليها. في المخطوطة المفترضة تكشف مي «تاريخها الشخصي، ولكن أيضاً الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له من أهلها وأصدقائها. تدين كل من أجرموا في حقها». وتتيح هذه الشخصية الاستثنائية للروائي والراوي في آنٍ واحد، استعادة أسئلة مطلع القرن المنصرم ووضع المرأة في المجتمع الشرقي بخصوص مسألة الإرث خصوصاً، كما يعرّج على «معضلات الحداثة في مجتمع ما بين الحربين التي ظلّت خطاباً فوقياً ونخبوياً، من دون أن يلامس المشكلات الحقيقية». سنلتقي في متن هذه الرواية شخصيات رائدة من تلك الحقبة العاصفة مثل طه حسين، والعقّاد، وجبران، وأمين الريحاني، ولطفي السيد، ولكن من موقع الاتهام، لجهة تخليهم عن مي في محنتها أولاً، وعدم مواجهة مجتمع يرزح تحت ثقل الأعراف الذكورية والمنظومة الدينية الصارمة ثانياً.

من جهتها، أنجزت الممثلة اللبنانية دارينا الجندي (1968) كتاباً عن مكابدات مي زيادة بعنوان «سجينة بلاد الشام» (دار غراسيه- باريس)، هي التي عاشت محنة مشابهة، قبل أن تتمكن من مغادرة بيروت إلى باريس، لتكتب خذلانها الشخصي، باقتفاء أثر مي زيادة في القاهرة، ونبش كل ما يتعلّق بحياتها، وكأن ما حدث في الأمس يحدث اليوم بالتفاصيل نفسها.

عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية


حقوق النشر
مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا



جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة التاسعة والعشرون العدد 9006 الثلاثاء 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 - 25 صفر 1439 هـ
رزان إبراهيم - أكاديمية أردنية


« ليالي إيزيس كوبيا» لواسيني الأعرج: مروية حزينة لعالم مي زيادة


في روايته الأخيرة «ليالي إيزيس كوبيا: ثلاثمئة ليلة وليلة» ينتهج واسيني الأعرج حيلة روائية تتوسل بناء تركيبيا جماليا يحقق انشغالا بالتحفيز الواقعي، ويدفع في اتجاه تجذير واقعية النص باعتباره حقيقة يتم استثمارها في العملية السردية؛ ففي الفصل الأول الذي يعد عنصرا تمهيديا مؤطرا للنص يتصدر الرواية حديث عن الجهد الكبير الذي يبذله الراوي الأول بمساعدة الباحثة روز خليل للاستدلال على مكان المخطوطة الضائعة «ليالي العصفورية»، التي سجلت فيها مي زيادة يومياتها فترة حجزها في مستشفى الأمراض العصبية والنفسية في بيروت.

ومن خلال هذه اللعبة الإيهامية يتسنى للروائي تعزيز هدف عزيز عليه ألا وهو «إنتاج تقرير ثقة عن تجارب الأفراد الفعلية». وهي التجارب التي لم يحصرها الروائي في فترة إقامة مي زيادة في العصفورية وحسب، وإنما نجده ومن خلال نسق الاستدعاءات قد تمدد فيها مانحا الأحداث خطية سببية عابرة للزمان والمكان معا، من شأنها تعزيز العلاقة بين مأساة مي وما سبقها من أحداث أودت إليها، ومن ثم تعميق حركة سيكولوجية تحضر معها المذكرات في إطار منطق قصصي ينحو باتجاه الغوص في كوامن هذه الشخصية على مستوى الأهواء والرغبات والأحاسيس، ومعها نستمع لمي تحكي مغامرات باطنية قد يكون بعضها صادما للقراء، استقى الروائي بعضا منها من إبداعات مي نفسها، كما في «قصة الحب في المدرسة» التي تسنى للروائي في بعض المحطات أن يتأملها مستثمرا إياها للتعرف على جوانب غير معروفة عن مي.

كثيرون انشغلوا بمأساة مي، بل منحوها شيئا من أعمارهم لينصفوها قليلا، منهم، سلمى الكزبري، فاروق سعد، جميل جبر وغيرهم ممن ترك – على الرغم من الجهد الذي بذله- شعورا بأن حقيقة ما حصل لمي زيادة بقي سرا أوشك على التلاشي مع انقضاء اللحظة التاريخية التي عاشت فيها. من هنا يأتي نص واسيني الأعرج حول مي في إطار مرويات تاريخانية جديدة حسب غرينبلات، سعت إلى قراءة كل ما أنتج عن مي من وثائق وقصاصات صحافية، ومن ثم تجاوزت ما فعله السابقون حين عمدت إلى نقل هذا كله من مجال خطابي إلى آخر مشحون بطاقة جمالية، إلا أن هذا لم يحل دون الإبقاء على النص في حالة تأرجح ديناميكي بين الخطابين التاريخي والجمالي.

يلفتنا في الرواية ما يمكن لنا إدخاله، بتعبير غرينبلات أيضا، في إطار دراسة أدبية تخدم الفهم الثقافي لفترة زمنية غابرة، وهو ما يمكن الخروج به حين ندرك تلك الترابطات بين فحوى النص الأدبي والثقافة التي يتخلق هذا النص من داخلها. فها هم أكبر رواد النهضة الثقافية العربية من كوكبة عشاق مي زيادة الذين واظبوا على حضور صالونها الأدبي سنوات طوال، تظهرهم الرواية وهم «ينقلبون ضدها، وكأن الجنون جاء ليرضي أعماق جماعة مريضة، لا ترى في المرأة إلا أداة متعة لا اعتبار وجوديا لها. كل ما كان يبدو صداقة في الخارج كان يخفي عقدا ذكورية لم تمحها للأسف لا الحداثة، ولا الفكر التقليدي..». وتكون الرواية في هذا السياق قد أعادت رسم الحدود، ومن ثم تحفيز القارئ واستثارته كي يتأمل من جديد بكثير من الشكوك مضمون الدراسات حول رجالات عصر النهضة المنصرم.

ما تقدم من حديث حول غائية الرواية على النحو الذي أسلفنا، يأتي منسجما والعنوان «ليالي إيزيس كوبيا: ألف ليلة وليلة» المقترن بليالي ألف ليلة وليلة من حيث احتكار شهرزاد الكلام المباح، كما فعلت الرواية حين تركت الفسحة واسعة لمي، كي تنقل مأساتها في لحظات ضعف بدت فيها عاجزة عن مواجهة الحياة، وهو العجز الذي أصابها بعد سلسلة من الصدمات النفسية الحادة التي أوصلتها إليها وفاة أبيها وأمها وملاذها الروحي جبران. ومع هذا البوح يتسنى للرواية في جانب منها أن تكون أنموذجا اجتماعيا ثقافيا، يدفع باتجاه تعرية الثقافة الذكورية، حين تطرح تفاصيل اللعبة التي استغل فيها جوزيف زيادة محنتها النفسية للإيقاع بها وإيصالها للعصفورية بغرض الاستيلاء على أملاكها، وهو ما يفتح المجال كما قلنا سابقا أمام القارئ كي يعيد تقييم علاقتها بنخبة ذكورية، ما أسرع أن أنكرت آدميتها، وحولتها فترة محنتها إلى مجرد أنثى مستباحة لا حصانة لها، بما يجعل مي رمزا لإحباط يصيب المرأة أمام ذكورية متخلفة، حتى ولو كانت ذات مستوى ثقافي مرتفع، « كنت أظن أن هذا لن يحدث إلا للأخريات، وها أنا ذي أواجه الكابوس نفسه. لا فرق بيني وبين أي امراة عادية»، بل إن المساءلة في الرواية تمتد لتشمل المؤسسة الطبية التي احتجزت فيها مي، والتي لم تعد كونها سجنا في يد سلطات الضبط الاجتماعي، لذلك ظهر المستشفى من خلال أكثر من مشهد مؤسسة عقابية مزرية.

في إمكان قارئ هذه الرواية تلمس واحدة من أهم مكامن العمل الأدبي الجميل، وهي الدخول في صميم المكون النفسي لمي زيادة، وهو ما عبرت عنه لغة مكثفة نقلت حكاية تراجيدية تخللها الكثير من التعرجات والكدمات، لتكون الرواية مرآة للنفس ودواخلها الوجدانية قبل أي شيء آخر. في هذا السياق نذكر حالة الاختلال الشعوري التي أصابت مي وهي تتأمل ذاتها حين انكمشت وأصبح وزنها أقل من ثلاثين كيلوغراما، لتبدو آنئذ كما القشرة تقاوم الموت ظلما، بما يفرض يقينا في داخلها أنها لم تعد الإنسانة السابقة نفسها، بكل ألقها الذي جذب العشرات نحوها، وهو ما كان يحضر في الرواية منسجما والبيئة الباردة والمظلمة التي وضعت فيها مي ظلما. علما أن الروائي من خلال شذرات متناثرة هنا وهناك يطلعنا على حالة فصامية اكتئابية تنبئ عن أزمة العقل الفردي التي أصابت مي في مواجهتها للآخر، وهو ما بدا جليا عبر مشاهد أبدت فيها مي شكوكا حول بشر يحاولون قتلها بالسم، لنجد الحالة وقد تفاقمت مع نهايات حزينة رافقتها حالة الاكتئاب السوداوي التي أدخلت مي في اضطرابات داخلية وميول عدمية، تشبه ذلك التشويش النفسي الذي أصاب أوفيليا في مسرحية شكسبير، حين فقدت أباها وحب هاملت معا، وهو ما كانت له تجلياته الواضحة حين فقدت مي رغبتها في المحافظة على الحياة، أو حتى الظهور بمظهر حسن أمام الناس، بما يعني أن الروائي وإن كان ينفي ما نسب إلى مي من جنون، إلا أنه لم ينف حالة عصابية عاشتها في الفترة التي سبقت موتها، ما يستدعي سؤالا حول مذكرات تنسب إليها بدت منتظمة في شكلها الإبداعي، رغم الحالة العصابية التي كانت فيها والتي تفترض حالة من تفكك الكلام وافتقاره إلى تماسك يعكس فوضى داخلية في نفسها المريضة. أمر حاولت البحث عنه لأجد الجواب شافيا في كتاب «الأدب والجنون»، الذي يعطينا أمثلة حول أدباء كانوا قادرين حتى وهم يمرون في فترة اضطراب عقلي حادة على التحكم في المادة الأدبية التي يبدعونها.

عموما نستطيع القول إن واسيني الأعرج تمكن من تنفيذ مقطوعة خاصة حول مي زيادة، بلحن مأساوي حزين، حركته عاطفة مرهقة عنيفة، وجرعة كبيرة من التوقعات اليائسة، والأمل المخدوع، كاشفا بموازاة ذلك مخاطر ذاتية رومانسية تغلغلت في قلب امرأة لامعة وكانت سببا في تعاستها، في وقت تركتنا فيه نتساءل: من منا لم يقترب في حياته من موقف مماثل خذله فيه قلبه ولو بمقدار؟ ولعل أبلغ ما في هذه الرواية أنها من ناحية اقتربت من أن تكون مرآة لعصر كان أكثر جنونا من أولئك الذين احتوتهم جدران العصفورية، ومن ناحية أخرى فإنها تذكرنا أن مأساة مي الحقيقية كانت في الطعن في عقلها وكرامتها يوم كانت مريضة من شدة حزن كان أقوى من أن تتغلب عليه، لتتفاقم الحالة أكثر حين وجدت نفسها أمام مضايقات ورثة أبيها وأمها حزينة وحيدة ضعيفة. وهي من ابيض شعر رأسها دفعة واحدة إثر حملة صحافية وأدبية شنت عليها. ولعلها كما تقول سلمى الكزبري وكما تحكي الرواية في نهاياتها وجدت في الموت الراحة التي تنشدها حين أزاح عن كاهلها عبء «عالم مجروح، مقيّح، مؤلم، بارد كالموت».

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي

عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للاخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الألكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.



جريدة الحياة


الإثنين، ١٨ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٧
جريدة الحياة
نتالي الخوري غريب


هل أنصف واسيني الأعرج مي زيادة بعد ستة وسبعين عامًا على موتها ؟


ربّما، لم تنل أديبة عربية ما نالته مي زيادة من ألقاب، «فقد لقّبها ولي الدين يكن بملكة دولة الإلهام، وخليل مطران بفريدة العصر، ومصطفى صادق الرافعي بسيدة القلم، وشكيب إرسلان بنادرة الدهر، ويعقوب صروف بالدرّة اليتيمة، والأب أنسطاس الكرملي بحيلة الزمان، والشاعر شبلي الملاط بنابغة بلادي، ومصطفى عبد الرازق بأميرة النهضة الشرقية، وفارس الخوري بأميرة البيان، وعبد الوهاب العزام بالنابغة الأدبية ...(133)، هذا ما ضمّنه واسيني الأعرج في روايته الأخيرة «مي ليالي إيزيس كوبيا»، الصادرة حديثًا عن دار الآداب، لكنّ هذه الألقاب على مجد معانيها، ورصانة قائليها وشهرتهم، لم تُعِد إلى القلب الذي أحرقته الخيبات والمظالم والعذابات لحظة أمل واحدة.

هذه الألقاب على كثرتها، كانت ابنة راهنيّتها ومزاج قائليها، تملّقًا أم صدقًا، حين يجتمعون في صالونها الأدبي الذي فتحته وقلبها لهم على مدى ربع قرن، وحين ظُلمت واتُهمت بالجنون ورميت في العصفورية، كانوا أوّل من طعنوا فيها، إمّا بهربهم وموقفهم الحيادي المترقّب، وإمّا بإمعانهم في تأكيد جنونها لأسباب غيرتهم غير الخفيّة، وغيرهم، «كان قلبي مقهورًا من جيش الأصدقاء هناك... ما قرأته من تصريحات العقّاد، طه حسين، سلامه موسى جرح قلبي وقسمه إلى نصفين، وجعلني أفكّر في كل ما مضى وأتساءل أيّة حداثة، وأيّ مثقف ملتزم، عندما ترى صديقك الذي يشترك معك في هموم الدنيا، ينساك، بل يوغل فيك سكّينة صدئة؟(ص297)، ما يعيد الى الواجهة قضيّة الصداقة في مجتمع الثقافة والمثقّفين والأقلام والصالونات الأدبيّة من عصر النهضة إلى اليوم.

هذه الرواية- المخطوطة، تحوي تفاصيل مأساتها من ربيع 1936 إلى خريف 1941، تطرح معاناة مي زيادة من ظلم ذويها، وتآمرهم عليها للاستيلاء على أملاكها، وبخاصّة، ابن عمها جوزيف، الذي وهبته روحها وقلبها، خيبتها الأولى كانت حين قرّر الزواج بسيدة فرنسية، وخيباتها اللاحقة، حين وثقت به بعد فقدان والديها، وسلّمته ادارة ممتلكاتها. معاناة مي زيادة مع الناس والأطباء ونوبات الصراخ والألم والمهدئات، على مدى ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية، هي رواية قلب الأنثى الذي يحبّ بعمق، ويثق بعمق، ويأمل ويصبح هشًّا تسهل أذيّته، بكلمة وموقف، وعلى رغم كلّ العذابات واحتراق القلب ووهن الجسد، لا يتحوّل الحبّ إلى حقد، بل يتحوّل إلى «بياض شبيه بالعدم(ص304).

من خلال معاناة مي زيادة وطعنها وعذاباتها وخذلانها من الأقربين، تطرح هذه الرواية- المخطوطة، أو هذه السيرة، «محنة المثقف العربي في أوهامه المرضيّة، الذي استقرّ على ازدواجيّة مقيتة، سترافقه إلى قبره بعد أن قبل بها واستكان لها(ص305). «كيف ينسحب ويصبح غير معني بكلّ ما قاله ويمسح كلّ ما قاله في الآخرين» (ص305). وربما، في معالجة واسيني الأعرج روايته عن مي زيادة من هذا المنظور، يكون قد أنصفها وأنصف كل مثقّف ظلمه الأقربون، في ثنائية الرؤيا، بين الماضي والحاضر، وفي الوقت عينه، يعيد الى الواجهة رسالة الأديب ومهمّته بعد أن اختلطت الأدوار والمفاهيم والرؤى. لقد أنصفها واسيني الأعرج، حين أعاد مخطوطها في ليالي العصفورية إلى النور، أنصفها حين جعل اكتئابها الحادّ نتيجة شعوررها بالغربة والوحدة بعد موت والديها، جنوناً في نظر الأقربين الذين يترّبصون بها فرصة استغلال، حين جعلتها تربيتها المحافظة المتشدّدة وتوقها الى أن تهب نفسها بالكليّة لمن يبادلها بالمثل وليس كلامًا عشقيا سريًّا بحثًا عن تعددية غير معلنة. أنصفها حين أعاد مجد الحبّ الكياني لمن يهب نفسه بالكليّة حين يحبّ وعقله وروحه ووجدانه لكنّه اصطدم بقسّوة المحبوب وظلمه. أنصفها حين جعل هشاشتها نقاوة كالغيوم تقطّر ندى من سموات صافية لم تعكّرها وحول المصالح.

هي قضيّة مجتمع شرقي يدّعي أنّه تحرّر لكنه يرفض كسر معوّقاته الداخليّة. في هذا المجتمع الشرقي، دفعت مي زيادة ثمن ريادتها وحريّتها، ثمن خروجها من دائرة العادي، على رغم كل أسمائها المستعارة التي استخدمتها، منها «إيزيس كوبيا»: «كان عليّ أن أخرج من دائرة البشر وأكتب باسم إلهة. استعرت من ماري البداية والنهاية. مي تصغير ماري عند الإنكليز. إيزيس كوبيا يكاد يكون الترجمة الحرفية لماري زيادة. إيزيس أخت الإله وعروسه. ماري أم الابن وعروس البحر. كوبيا اللاتينية مرادفة لزيادة، أي الشيء الفائض» (ص 206). أمّا حضور جبران خليل جبران في الرواية، فكان خجولًا جداً، ربّما لأنّه خارج مرحلة المخطوطة الزمنية، إذ بقي كأيقونة رمزًا، روحًا تذكره مع أمّها وأبيها حين اشتداد حنينها إليهم.

هذه المجنونة، كما كان يحلو تسميتها لكثير من الشامتين بها، هي مجنونة لأنّها لم تستطع أن تصدّق أنّ ثمة قلوبًا قاسية متحجّرة ظالمة لا تعرف للحبّ معنى وقيمة ووجودًا. واسيني الأعرج اليوم في هذه الرواية، يسقي هذه «النبتة الغريبة» في «الزمن الغريب».

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 23-01-2018، العدد : 10878، ص(15)
الصفحة : ثقافة
بيروت - العرب - أحمد رجب


الحكاية الأليمة لمي زيادة كما يرويها كاتب جزائري


واسيني الأعرج يروي حكاية مريرة عن الفصل الأخير في حياة مي زيادة في رواية ’ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية’.

“ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية”، عنوان طويل لحكاية مريرة يرويها واسيني الأعرج، عن الفصل الأخير في حياة مي زيادة، التي لقبوها بملكة دولة الإلهام، وفريدة العصر، ونادرة الدهر، إلى آخر ما منحوها من ألقاب لكن من منحته قلبها ولجأت إليه في محنتها، شاء أن يكون لقبها الأخير ”مجنونة”، ليقتل روحها التي تعلقت به، فقد خانها مرتين، الأولى عندما تركها ليتزوج من فرنسية، والثانية حينما لجأت إليه شاكية ما بها بعد رحيل الأب والأم، فاستغل ثقتها وحصل منها على توكيل لإدارة أملاكها، لكنه استدرجها من القاهرة إلى بيروت واتهمها بالجنون وأودعها مستشفى للأمراض العقلية في لبنان، ليستولي على ممتلكاتها، وهو المكان الذي تذكره آخر كلمات العنوان “العصفورية” وهو المصح العقلي.

يؤطر واسيني الأعرج روايته، الصادرة عن دار الآداب ببيروت، بعنوان ينفذ إلى عمقها، فهو أولا: يشير إلى الكتاب العربي الأشهر ”ألف ليلة وليلة”، ولا يقدم عملا تاريخيا عن حياة مي زيادة بل نحن بصدد عمل أدبي تخييلي، حتى وإن تضمن شذرات من تاريخها وحكى عنها بعض وقائع معلومة سلفا. كما أن مي في الرواية هي التي تحكي وكأنها شهرزاد في ألف ليلة، لكنها هنا لا تحكي لشهريار لتنقذ نفسها، بل تحكي عنه لتدينه بعدما ارتكب جرائمه.

أما “إيزيس كوبيا” فهو الاسم المستعار الذي وضعته مي زيادة على غلاف ديوانها الأول “أزاهير حلم” والذي كتبته بالإنكليزية وصدر في القاهرة في مارس عام 1911، ليكون أول أعمالها الأدبية، ولكن باسم مستعار، قبل أن تبدأ في تقديم أعمالها باسم مي زيادة، قريب من اسمها الحقيقي ماري زيادة.

في العقد الأخير من حياة مي لم تنشر كتبا، تفترض الرواية أن لها مخطوطات مفقودة، وتنطلق من رحلة البحث عنها، لتشكل مخطوطاتها التي سجلت فيها أحداث أيامها في العصفورية متن الرواية. وفي الفصل الأول حديث عن الجهد الكبير الذي يبذله الراوي بمساعدة صديقته الباحثة

روز خليل للعثور على المخطوطة. ويشير الكتاب إلى أن أجيالا متعاقبة ركضت وراء تلك المخطوطات في كل اتجاه لأكثر من سبعين سنة لكن دون جدوى، ويتساءل عما إذا كانت ضاعت حقا أم أن القدر شاء غير ذلك فرماها في بقعة مظلمة ليجعل العثور عليها مستحيلا. ويستمر بحثه إلى أن يعثر عليها في مصر ويطابق بعضها مع أوراق كان قد توصل إليها عن طريق مقربين من الأديبة الراحلة في بلدتها الجبلية وتحمل عنوان “ليالي العصفورية”.

عبر هذه الحيلة الروائية نستمع لمي تحكي عن أحداث بعضها استقاه الروائي مما كتبته مي ومما كتبه عنها معاصروها، وتذكر تفاصيل اللعبة التي استغل فيها جوزيف زيادة، زوجها، محنتها النفسية للإيقاع بها وإيصالها إلى العصفورية بغرض الاستيلاء على أملاكها، تقول بدهشة “كنت أظن أن هذا لن يحدث إلا للأخريات، وها أنا أواجه الكابوس نفسه. لا فرق بيني وبين أي امرأة عادية”.

وتستمر حكايات مي لتكشف ليس فقط عن “تاريخها الشخصي، ولكن أيضاً عن الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له من أهلها وأصدقائها. تدين كل من أجرموا في حقها”. وإذا كانت عائلتها تآمرت عليها فإن الجماعة الثقافية أيضا باعتها، وبدا ”كأن الجنون جاء ليرضي أعماق جماعة مريضة، لا ترى في المرأة إلا أداة متعة لا اعتبار وجوديا لها”.

وفي مخطوطتها تكتب عن صدمتها فيهم “كان قلبي مقهورًا من جيش الأصدقاء هناك… ما قرأته من تصريحات العقّاد، طه حسين، سلامه موسى جرح قلبي وقسمه إلى نصفين، وجعلني أفكّر في كل ما مضى وأتساءل أيّة حداثة، وأيّ مثقف ملتزم، عندما ترى صديقك الذي يشترك معك في هموم الدنيا، ينساك، بل يوغل فيك سكّينة صدئة؟“.

وبعدما تنفد حكاياتها تنفث أساها زافرة “أخيرًا دونتك يا همّ قلبي وجرحه، إلى أين أهرب بهذا الخوف الذي سيضيف لي رعبا جديدا؟ تحدثت فيه عن علاقاتي السوية وحتى غير السوية مع محيطي، عن الناس الذين عرفتهم وعرفوني. عن الذين أحببتهم، والّذين ركضوا ورائي باشتهاء عرفته من عيونهم”.

وهكذا تكابد وحدها أياما –وبحسب المخطوطة- تشبه الموت “لست أدري إذا ما كان الموت السريع هيناً، أما الموت البطيء طوال عشرة شهور وأسبوع من التغذية القهرية تارة من الفم، بتقطيع لحنة الأسنان، وطوراً من الأنف بوساطة النربيج ليصب ما يصب من الداخل نزولاً إلى الحلق فالصدر، فذلك موت لا أظن أن انساناً يحتمل الإصغاء برباطة جأش إلى وصفه”.

ولا تخرج مي إلا بما يشبه المعجزة، وبعد معركة قضائية مضنية قادها “أمين الريحاني”، تقف بعدها في قاعة “ويست هول” بالجامعة الأميركية في بيروت لتفاجئ الجميع بتجنب الحديث عن معاناتها، وكان بيانها العاقل البديع أبلغ رد على من اتهمها بالجنون.

بعد ذلك ظلت فترة في ضيافة أمين الريحاني الذي أعادها إلى القاهرة، وبعد عام واحد من عودتها رحلت عام 1941، ولم يكن في وداعها من الأصدقاء ورواد الصالون والقراء إلا ثلاثة فقط، هم أحمد لطفي السيد وخليل مطران وأنطوان الجميل، لتنتهي رحلة حياة وصفها واسيني الأعرج بأنها “جزء من حياتنا العربية المقهورة اليوم، ومطية لنكون شركاء في زمن بدأته هي وجيلها بعدها، بشجاعة وسط ذكورة متسلطة خربتها الحروب والهزائم والخيانات المتعاظمة، وأتممنا نحن كل البؤس المؤجل، بل مددناه أكثر بدلاً من كسره نهائياً ومنحناه كل سبل الاستمرار المتخلف والمتطرف أيضاً، لتصبح أجسادنا وقوده وجمره ثم رماده المثقل بصرخاتنا الأخيرة”.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



El Watan


01 avril 2018
Belkacem Meghzouchene


Nuits d’Isis Copia, Trois cent et une nuits à l’enfer d’Asfourieh, de Waciny Laredj

May Ziadé, brindille de cèdre en «enfer dantesque»


Dans son 26e roman en arabe, Nuits d’Isis Copia, trois cent et une nuits à l’enfer d’Asfourieh ,l’écrivain algérien pétri d’érudition académique, Waciny Laredj, démontre qu’il est le maestro de la littérature foncièrement humaine.

Les souffrances des individus, comme les décrépitudes des peuples à travers l’Histoire, ont toujours été ses principales préoccupations romancées. Laredj sait où le bât blesse. L’auteur de 2084, l’Histoire du dernier Arabe, nous exhume l’écrivaine palestino-libanaise, May Ziadé, (1886-1941), de son vrai nom, Marie Ziadé, soixante-seize ans après sa mort au Caire.

C’est la vie douloureuse d’une auteure polyglotte et féconde, conçue d’un père libanais, Elias Ziadé, et d’une mère palestinienne orthodoxe, Nazha Mouammar.May s’installa ensuite au Caire en 1908, où son père dirigeait la revue arabe Al Mahroussa. Excellente oratrice, May avait été influencée par Baudelaire, Lamartine, de Bryon, et l’inamovible GibranKahlil Gibran, dont son roman, les Ailes brisées chambarda la fille du Cèdre.

Ecrivant sous le nom de plume Isis Copia, cette pionnière du féminisme oriental et fondatrice en 1912 d’un Salon littéraire accueillant d’illustres écri-vains de l’époque, fut accusée, à tort, de démence, pour que ses cousins paternels fassent main basse sur son héritage en terre des Cèdres, à Chahtoul. Quand on veut tuer son chien, on dit qu’il a la rage, comme proclame l’adage.

L’Histoire des grandes figures se répète, nous interpelle même : si seulement onze personnes avaient assisté à l’enterrement du mastodonte Karl Marx en mars 1883, à Londres, voilà que la poétesse May Ziadé détrône le philosophe allemand, car n’avaient vu les pelletées de terre lors de son ensevelissement automnal que trois personnes : Ahmad Lutfial-Sayyid, Khalil Moutran et Antoine Al Jamil. Une bougie orientale de cire rarissime, éteinte dans l’oubli et l’ostracisme, la condition féminine d’alors ne fut guère reluisante. Misogynie, patriarcat, et dénigrement de la gent féminine, semblent être des pratiques non encore abolies.

L’enfant prodige de Sidi Boudjnane (Tlemcen) puise toute sa puissance narrative à la quête des trois cent et une nuits que May avait endurées à l’hôpital psychiatrique d’Asfourieh, à Beyrouth. Elle ne cessait de crier qu’elle était saine, sobre et consciente. Vainement. May Ziadé, native de Nazareth, fit fleurir, encore adolescence, son premier poème, Les fleurs de rêve. «Ils m’ont fait sortir de ma maison à quatre heures de l’après-midi...

Mes proches m’ont jetée à El Ousfouria, asile des fous, pour agoniser puis mourir à petit feu... Je suis votre Sainte Ma-rie, pourquoi donc m’abandonniez-vous ?». La trame fictionnelle suppose l’existence d’un journal intime, écrit par May Ziadé au cours de son internement à Asfourieh. Lequel journal fut caché par l’infirmière Suzanne Blueheart entre deux murs d’une maison habitée par May Ziadé à sa sortie de l’enfer.

A l’image du personnage phare des thrillers de Dan Brown, Robert Langdon, deux universitaires joignent leurs efforts durant trois longues années, un homme\ narrateur, travaillant depuis trente ans au département des Manuscrits (Bibliothèque nationale française-François Mitterrand), et Rose Khalil, femme anthropologue libanaise, reliée à l’université américaine de Beyrouth (AUB). A la traque du manuscrit perdu ou détruit, ils sillonnèrent Le Caire, Rome, Berlin, Vienne, Rome, Paris, Londres, Beyrouth et Nazareth. Un périple périlleux, truffé d’embûches.

Et de belles coïncidences, comme ce crash d’avion en partance de Paris à destination du Caire, que les deux chercheurs devaient prendre, mais s’y résignèrent à la dernière minute. Le destin leur décréta un second souffle pour achever leur enquête. L’architecte de la Maison andalouse édifie son œuvre romanesque de pierres narratives polies, d’où jaillissent des proses étonnamment éblouissantes. Isis Copia crache son désarroi, éclabousse son journal d’asile forcé. «L’absence est l’enfer terrestre.

J’effleure l’existence. Seigneur, ne suis-je pas ta Sainte Marie ? Pourquoi donc m’abandonniez-vous ? Je flétris entièrement. Je ne peux ni vivre ni mourir... J’écris pour que je ne périsse pas d’étouffement de folie...» Elle s’égosillait à clamer son indemnité psychique. «Je ne suis pas folle ! Je suis juste mélancolique des suites d’une grande perte. Je n’ai pas encore perdu ma raison…

Aujourd’hui, j’ai le droit de m’évanouir tel un nuage, au fond de mon amour qui m’a sculptée... Ma vraie famille a cessé d’exister avec la mort de ma mère. Après elle, le grand abîme. Mon monde devint une jungle d’Amazonie, dépourvu de frontières. Ne rôdent qu’obscurité et bêtes féroces. Je suis advenue une femme sans soutien». Suite à la perte de ses parents, May Ziadé se retrouva à la merci de ses cousins paternels, machiavéliques. A chaque page, sa détresse se dresse, s’escrime à vaincre sa dégénérescence. «J’ai bravé le vide toute seule, après que Dieu m’a délaissée, pour que j’affronte le destin qu’il m’a imposé».

A l’asile, le médecin, Miller, se déguisant en Georges l’orientaliste, teste sa folie. Etonné qu’elle ait appris à jouer au piano chez les nonnes de Nazareth, se souvenant de Mozart et de Schumann. Elle se plaint de Joseph Ziadé, son cousin, tenu responsable de cet enfermement infernal à Asfourieh, le bien-aimé qui l’a répudiée pour convoler en justes noces avec une Française moins gracieuse qu’elle. A son entrée à Asfourieh, May Ziadé rejeta repas et médicaments, contestant avec véhémence la sentence d’aliénation, fabriquée de toutes pièces.

Elle eut même peur qu’on l’assassine par empoisonnement. May Ziadé se remémore de sa conférence à l’AUB, fin octobre 1922, obnubilée par les progrès des Yankees. Elle mentionne moult détails y afférents au gouffre de sa claustration involontaire : l’espace clos, les murs dénudés, le jardin verdoyant, les cèdres, les pins d’Alep, le gigantesque saule, le comportement agressif du personnel médical, la déchéance des vraies folles, les exhortations, les gémissements, les agonies. Bref, un monde lugubre, cruel, déshumanisé.

Une fois, May Ziadé demande une chaise, une table, des cahiers et un crayon, pour écrire ses mémoires, mais Mme Choquat, infirmière obèse et dédaigneuse, avec une poitrine plantureuse, s’en moqua éperdument. May la vexa en abordant les bourrelets lipidiques et les parties intimes poilues de Mme Choquat. May Ziadé fut une femme hors du commun, elle adorait la musique, la danse, la sculpture.

En face de l’infirmière Suzanne Blueheart, si douce et compréhensive, a contrario de Mme Choquat, May dénonce le climat délétère de la culture arabe, empreinte «d’hypocrisie et de peur du tout ce qui est nouveau… J’écris pour maintenir la flamme bleue qui vacille dans mes tripes... Je suis la femme fatale qu’on ne peut éviter». Sa demeure d’enfance à Nazareth, en face de la Mosquée blanche et l’église, les gazouillis des oiseaux et les encens qui en émanaient, la hantèrent à jamais.

Comme les souvenirs de son défunt père. Waciny Laredj, en grand écrivain investigateur, avait même visité le chêne sous lequel May griffonna ses premiers vers. Alors qu’entre Gibran Khalil Gibranvivait, à New York, et May Ziadé, au Caire, naquit une idylle littéraire qui durera dix-neuf années (1912-1931), date de la mort de l’auteur du Prophète, sonnant le glas de cette épopée épistolaire inédite, amour platonique.

May, qui s’est entichée de Gibran, qui, une fois décédé, elle se sentit dépaysée, orpheline de tendresse. Pour May, Gibran fut «une lumière, un nuage, un rayonnement... Peu importe si tu m’aimes, mais que tu écrives sur moi pour que je me sente une femme capable de devenir ta bien-aimée éternelle, ton amante, à vrai dire. Folle de toi.... Pourtant, tu ne m’as pas gratifiée de cette chance, au milieu de ton armée de femmes...

Où est ma place dans ce jardin parfumé, mon chéri ? Je cours vers toi, pour que je cueille le désir de tes yeux...Gibran, homme flou, le Dieu des pluies et des tempêtes». May Ziadé en voulait aussi à la presse, complice de sa démoralisation, et à ceux qui l’ont laissée dépérir à Asfourieh, telles ces grandes plumes arabes : Taha Hussein, Mahmoud Abbas El Akkad, et Co.

Le Syrien Fares Khouri engagea un ex-ministre comme avocat, Habib Abou Shehla, qui mena une bataille judiciaire éprouvée, pour secourir cette femme pesant à peine trente kilos, squelettique de surcroît. Une plaidoirie qui donna ses fruits de libération d’Asfourieh, plus grand asile d’alors au Moyen-Orient. Quelle fierté ! Amine Reyhani la délivre enfin de l’asile effrayant, lui consacrant une maison dans une ferme herbeuse, avec un air pur. Toutefois, May Ziadé se devait de présenter une conférence, prouvant sa salubrité mentale.

Ce jour-là, elle enfila son manteau gris, ses cheveux ayant vite blanchi. Dans la salle, elle eut droit à des ovations revigorantes. Malgré les quintes de toux qui déchiraient ses poumons, elle lutta bravement pour survivre à l’abandon. Atteinte de neurasthénie à l’entame de la Deuxième Guerre mondiale, cette «Virginia Woolf» arabe, morte aussi sept mois plus tôt par suicide, dans une rivière anglaise, flanche et ploie sous la dépression, frôlant le suicide, s’en alla avec le goût d’inachevé en termes d’émancipation de la femme orientale.

La terre cairote enveloppa son corps, loin de son Liban nostalgique. Nuits d’Isis Copia est un roman débordant de sensibilité, que Laredj sait narrer, très limpide, douloureux, évocateur des grands défis de la condition féminine dans le monde arabe, si frustré, masochiste et bourreau de la création. Laredj est venu rendre justice à l’auteure de Ténèbres et Rayons, dépoussiérant sa mémoire enfouie par préméditation.

Waciny Lardej, né le 8 août 1954, de descendance morisque, enseignant à La Sorbonne et à l’université d’Alger, est l’auteur talentueux d’une vingtaine d’œuvres littéraires majeures, traduites en maintes langues, dont les Balcons de la mer du Nord, Femmes de Casanova, Royaume des papillons, Mémoire de l’eau, Fleurs d’amandiers, Livre de l’Emir, Mémoire de l’Aveugle, les Fantômes de Jérusalem, Gar-dienne des ombres, les Ailes de la reine, l’Impasse des Invalides, les Doigts de Lolita, les Cendres de l’Orient. Il est récipiendaire de prix littéraires distingués : prix Cheikh Zayeddes Lettres (2007) et Katara du roman (2015), entre autres.

Sur le site du journal algérien El Watan

El Watan accueil

Le quotidien El Watan

Le quotidien El Watan a été lancé le 8 octobre 1990, dans le sillage des réformes politiques, par vingt journalistes regroupés dans la SPA El Watan. Premier journal indépendant du matin à être édité en Algérie, il a basé sa ligne éditoriale sur un traitement objectif de l’information, en développant des analyses pertinentes, une vérification rigoureuse des informations publiées et un souci constant d’ouverture à l’ensemble des sensibilités politiques du pays, notamment celle de l’opposition démocratique. En savoir plus.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)