لعبة الكرات الحديدية أو لعبة البيتانك في المغرب

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 11-09-2017، العدد : 10748، ص(10)
الصفحة : ثقافة
العرب - فيصل عبدالحسن


الكرة الحديدية في المغرب تجمع الأحفاد بالأجداد في لعبة الصبر


تنتشر لعبة البيتانك التي يبلغ عمرها قرنا من الزمن في دول شمال أفريقيا وبعض الدول الأوروبية، وقد يظنها البعض ممن لا يجيدها ولا يعرف قوانينها أنها لعبة ساذجة إذ تعتمد على رمي الكرات الحديدية جزافا، لكنها غير ذلك فهي تعتمد على التركيز والدقة في الرمي وتعلم الصبر والتروي.

في صباح كل أحد يجتمع عدد من المتقاعدين، الذين تجاوزوا الستين من أعمارهم، في ملاعب عشوائية أو أخرى مخصَّصة للعبة الكرة الحديدية التي يطلق عليها أيضا اسم بيتانك أو لابوول.

وهي لعبة تنافسية تمارس بواسطة كرة حديدية، وتلعب على أرض منبسطة وملعب مستطيل، ويكون الهدف منها تصويب الكرة التي يتراوح وزنها بين 650 و800 غرام إلى أقرب مسافة ممكنة من الكرة الخشبية الصغيرة، أو إخراج كرات الخصم من اللعبة، من خلال تقنية التصويب بالدقة، مع ثبات كلا القدمين على الأرض.

وقد أحب المغاربة هذه اللعبة وأتقنوها منذ أن عرفوها في بدايات القرن الماضي، من خلال معايشة الفرنسيين الذين استقروا في معظم المدن المغربية.

وتشارك النساء مع الرجال اللّعب بالكرة الحديدية، والمنافسة، وذلك ما يميزها عن غيرها من الألعاب والرياضات في المغرب.

والكرة الحديدية من الألعاب المنتشرة عالميا، وهي مشهورة في الكثير من الدول العربية والأجنبية، كالمغرب، ومصر، والإمارات، والكويت، وقطر، والسودان، والجزائر، وتونس. وفي دول أجنبية، كجنوب أفريقيا، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وكندا، والولايات المتحدة، ودول أسيوية كاليابان، وماليزيا، وفيتنام، وكمبوديا وغيرها.

وانتشرت نوادي الكرة الحديدية في المغرب لتكون محط اهتمام فئة واسعة من الشباب واليافعين، بعد أن كانت مختصرة على كبار السن الذين يمارسونها لساعات طوال دون ملل.

مؤشر للمسافات

لعبة البيتانك تشبه لعبتي البوتشي والبولينغ، لكنها تختلف عنهما بأنَّها لعبة رمي للكرة في الهواء، وليست دحرجة على الأرض. ويمكن لعبها على أي أرض حتى وإنْ لم تكن مستوية، وفي جميع التضاريس، كالمناطق الجبلية، والسهلية، ما عدا السواحل الرملية. واللعبتان السابقتان، البوتشي والبولينغ، تلعبان لدحرجة الكرات على سطح مستو، وتحتاجان إلى ساحات صقيلة، ممهدة ومعدة خصيصا لهاتين اللعبتين.

وتعتمد رياضة البيتانك على الحركية والتركيز المستمرين، وتحتاج إلى اللياقة البدنية والمكابدة إضافة إلى الذكاء والدقة في التصويب.

وتقول زينب الدكالي موظفة (42 سنة) لصحيفة “العرب” عن فضل هذه اللعبة على ولدها الوحيد نعمان، “لهذه اللّعبة فضل كبير على ولدي نعمان، وعلينا، أنا وزوجي رشيد، فقد ولد نعمان يعاني من ضعف في جهازه الحركي، وكان من ضمن نصائح طبيب العظام لنا أن يمارس ولدنا رياضة غير عنيفة، يحرك فيها أعضاء جسده. وكان المشي غير كاف أما الركض فقد كان من الممنوعات، كما أنَّ نعمان لم يكن يطيقه.

وشاءت الأقدار أنْ تلعب مجموعة من الأطفال تحت شقتنا لعبة البيتانك، فاصطحبته إليهم ورجوتهم أنْ يشركوه معهم؛ فبدأ اللعب معهم، كمؤشر للمسافات التي تبلغها الكرات الحديدية قريبا من كرة الخشب. وكان دقيقا في حسابها وتسجيلها. ويبدو أنَّ تنقلاته بين الفريقين، وما يبذله من جهد خففت معاناته، وأطلق إمكانيات جهازه الحركي. وعند مراجعتنا لطبيب العظام بعد شهر أخبرني أننا حققنا معجزة لطفلنا، فقد تحسن أداؤه الحركي والنفسي، وصار أكثر ثقة بنفسه وبأدائه للحركات المختلفة”.

وتضيف زينب قائلة “استمر ولدي نعمان بممارسة هذه اللعبة، وبتشجيع مني ومن أبيه. ولم يطل به الوقت، وهو يمارس هذه اللعبة، التي منحته القوة والخفة والرشاقة والنشاط حتى شفي تماما وصار من المجيدين للّعبة، ولا يلعب فريقا الحي المتنافسان إلا ويكون نعمان مع أحدهما”.

الجد والحفيد

قال الحاج زهير ميموني (65 سنة) عضو نادي الشباب الرياضي في الرباط عن البيتانك لعبته المفضلة، “يعود الفضل لتعلمي هذه اللعبة إلى صديق من مدينة نيس الفرنسية، قبل أكثر من ثلاثة عقود. وبفضل المشاركة في هذه اللّعبة تعرفت على زوجتي بهيجة، فقد كانت تلعب في الفريق المنافس لفريقي. وكانت فتاة نشيطة وتلعب بمهارة وخفة وتركيز، فلفتت نظري إليها”.

ويضيف ضاحكا “لم أكن أعرف أن نهاية عزوبيتي ستتم بسبب المشاركة في لعبة البيتانك، وتوقعني في شراك الحب”.

ويستطرد ميموني قائلا “لا يمر أسبوع دون أن أشارك في واحدة من مقابلات هذه الرياضة. أقول عنها رياضة بالرغم من أن المسؤولين عن تنظيم الألعاب الأولمبيّة لم يعترفوا بها كرياضة أولمبيّة لحد الآن”.

ويضيف “أحببتها وأحبّها معي حفيدي رضا الذي أصطحبه معي في أغلب المباريات التي نجريها. وأضمّه للمشاركين بجعله مؤشرا فيها؛ فاللّعبة تضمّ ثلاثة لاعبين من كل جانب منافس أو أقل من هذا، وحتى يمكن لعبها بلاعبين فقط. ودور مؤشر المسافات في كل رمية ضروري لكل فريق لتحديد الضربة الموفقة، فهو بمثابة الحكم في كرة القدم أو كرة اليد، رضا حفيدي صار يجيد حساب المسافات، وعمله مهم لكي يتم تقرير أي من الفريقين حصل على نقطة أو لم يحصل”.

وانشغل الحاج زهير عنا بتهيئة الكرات الحديديّة، التي سيتناوب على رميها المتنافسون، وكرة الحديد مصنوعة من خشب الصندل الصلب وتسمى “البوشون”.

وقال عنها “كرة خشب صغيرة يطلقون عليها تسمية بوشون أوالبولينغ، وهي بقطر 30 ملم، ومسموح بزيادة أو نقصان قطرها بميلمتر واحد فقط”.

وهيأ الحاج بعد ذلك أداة قياس المسافة، بينما انشغل رضا برسم دائرة قطرها 50 سنتمترا على الأرض لوضع كرة البوشون وسطها وجعلها هدفا لرمي الكرات الحديديّة. والكرة الأقرب من كرة البوشون ستسجل نقطة لراميها. وحين تخرج الكرة الحديديّة خارج حدود الرمي تعتبر رمية ميتة. وتسجل نقاط فوز الفريق بـ13 نقطة.

وقال الحاج زهير، وهو يقلب كرة حديديّة في كفيه، “يجب أن تكون الكرة مصنوعة من المعدن. وفي العادة تكون مصنوعة من الحديد بقطر(70.5 ــ 80 ملم)، ويجب أن يكون عليها اسم الشركة المصنعة لنضمن أنّها خالية من الرمل أو خبث الحديد، وغير ذلك، مما يغير مواصفاتها”.

أما مساحة ساحة اللعب فهي إما مربعة أو مستطيلة، وتكون بطول 15 مترا إذا كانت مربعة. أما إذا كانت مستطيلة، فيكفي أن تكون بعرض 4 متر وبطول 15 مترا. وهناك ساحات لعب نموذجية تقدر مساحتها بين1200ــ2016 مترا مربعا.

اللعبة دواء

سعيد بناني (45 سنة) موظف، قال لـ”العرب” “كل صباح أحد يكون ضمن برنامجي لعب البيتانك، فهي رياضة مسلية وبسيطة، كما أنَّها توسع آفاق اللاعب وتعلمه الصبر. واتّخاذ القرار السريع ستكون نتيجته خسارة الفريق نقطة، ونقطة الفوز في هذه اللعبة عزيزة لأنَّ مجموع نقاط الفريق الفائز هي 13 نقطة فقط”.

وأضاف بناني “في أغلب صباحات الآحاد أحضر إلى ساحة اللعب وأنا محمل بتعب أسبوع من العمل وضغوط الحياة الكثيرة، لكنني بعد أن أشارك في هذه اللعبة تختفي كل الأفكار السلبية التي كانت تدور في نفسي عن الحياة، وأستقبل بقية يومي بصدر منشرح ونفس راضية”.

وأكد أن “هذه اللّعبة خير دواء لمن يعاني من صدمات نفسية أو لاقى في حياته فشلا في جانب من جوانبها، ففي كل رمية لكرة حديدية وكأني أرمي معها همومي وقلقي من المستقبل”.

زهرة الصقلي (28 سنة) عضو في النادي الفيدرالي الرياضي بالدار البيضاء، تحدثت لـ”العرب” عن بداية تعلقها بهذه اللّعبة، قائلة “بدأ شغفي بهذه اللعبة في سن مبكرة .. فقد كنا نسكن في حي المعاريف قرب ساحة واسعة يستغلها الكبار للعب الكرة الحديدية، وكنت أصحب والدي، وأخط للاعبين الدائرة التي ينبغي أنْ تستقر في مركزها كرة البوشون، وأحمل علبة الكرات الحديديّة التي اشتراها والدي. أتذكر أنَّه اشترى كل واحدة بمئة وخمسين درهما من فرنسي، وقد سجلت على الكرات مواصفاتها ووزنها وسنة ومكان صبَّها. وعرفت بعد ذلك أنَّ كل تلك المعلومات ضرورية لضمان عدم الغش في اللّعبة”.

واستطردت الصقلي مازحة “كنت المشجّعة الوحيدة للفريق الذي يلعب ضمنه والدي. وتعلمت خلال متابعة اللعب شروط اللّعبة، ومارستها بعد فترة قليلة. في البداية واكبت اللعبة كمؤشرة، ثم لاعبة بعد ذلك. وسجلت في كل لعبة خضتها نتائج طيبة، أحببت لعبة البيتانك حتى أنني لا أعتقد أني سأترك هذه اللعبة حتى لو صرت جدّة، بالرغم من صعوبة إيجاد ساحة مناسبة لهذه الرياضة، واللعب مع فريق مناسب بعد أنْ انتقلنا إلى مدينة الرباط بسبب عملي”.

وتضيف زهرة “ولتحقيق رغبتي باللّعب انتميت مؤخرا إلى نادي مولاي الحسن بالرباط. وسأشارك الفريق الذي يلعب في النادي؛ وليس مهماً أن يكون الفريق من الرجال أو النساء، فاللّعبة يلعبها الرجال والنساء بفرق مختلطة مكونة من ستة لاعبين ولاعبات أو من أربعة أو حتى بلاعبين، لاعب من كل فريق، ولا يهم جنسه”.

وأكملت “البيتانك لعبة فاتنة يعشقها من يلعبها لأنَّها بسيطة ولا تحتاج إلى لوازم رياضية شخصية، ولا إلى ملعب خاص. وهي تعلم اللاعب التركيز وسرعة الحركة والدقة والروح الرياضيّة والتسامح، ولا تقوم على العنف كباقي الألعاب التنافسيّة.

وقد أقيمت عدة دوريات عالمية لها في المغرب، لكن للأسف لم يعترف بهذه اللعبة بعد كرياضة أولمبية كغيرها من رياضات الساحة والميدان”.

عدنان حسين (26 سنة) الكاتب العام لنادي شبيبة النهضة للرياضة والشباب بالرباط، قال لـ”العرب” “تعتبر هذه اللّعبة من الألعاب الرياضية التي يحبها الأجداد والأحفاد. وقد انطلقت في مدينة نيس بفرنسا العام 1907، والآن تجاوز عمرها القرن بعقد كامل.

وعرفت لعبة البيتانك أبطالا معروفين ونجوم مجتمع في الكثير من الدول العربية والأوروبية، كهناء الدريدي ونادية عبدالسلام من تونس، وسعيدة بنشريف من المغرب، ومن أوروبا كبيتكوفيتش ميروسلاف من الجبل الأسود، ولويجي بالو، وايمانويل كباتا من إيطاليا”.

ويقترح حسين أن تدرس هذه اللعبة ضمن دروس الرياضة في مدارسنا في الوطن العربي في التعليم الأساسي والثانوي، وحتى الجامعي لأنَّها ستعلم الطالب التركيز والدقة وحساب الاحتمالات.

وأضاف “الكثيرون من التربويين لا يعرفون مدى أهمية هذه الرياضة، فهي مهمة لتهيئة الطالب نفسيا وفكريا وعمليا لما سيتعلمه من دروس ونظريات وأعمال مخبرية ضرورية في مسيرته العلمية والعملية”.

ويعترف قائلا “لقد أضافت هذه اللعبة لي شخصيا الكثير من المزايا، كالصبر، وسعة الأفق، والحكمة في اتّخاذ القرار المناسب.

وقد سميت اللّعبة باسم دال ‘ثبات القدمين’ وهي ترجمة لتسميتها الفرنسية بيتانك، وهي كناية عن الثبات عند اتّخاذ قرار ما، وعدم التردد فيه”.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)