لبنان دفاتر الرؤساء، غسان شربل (لبنان)، توثيق دار رياض الريس - 2014

, بقلم محمد بكري


 جريدة الحياة اللندنية


جريدة الحياة


الخميس، ١٧ يوليو/ تموز ٢٠١٤
جريدة الحياة
بيروت - «الحياة»


«لبنان دفاتر الرؤساء»... جديد غسان شربل


عندما تُجمع الحوارات الصحافية التي تُجرى مع شخصيات سياسية أو ثقافية في كتاب تكتسب طابعاً مرجعياً وتتحرر من ظرفية العمل الصحافي الصرف، لا سيما إذا أوجد لها صاحبها الذي أجراها، سياقاً عاماً، موضوعياً وسياسياً، حتى ليبدو كأنّ الحوار يكمّل الآخر وإن على اختلاف في وجهات النظر، بل وكأنّ الشخصيات نفسها التي تمّت محاورتها، تتحاور بعضها مع بعض حول قضايا ومواقف وأفكار، بعدما التقت في كتاب.

الزميل غسان شربل، رئيس تحرير «الحياة» دأب خلال مساره الصحافي على محاورة رؤساء دول ووزراء ورجال سياسة ومفكرين، لكنه لم يدع هذه الحوارات وقفاً على طابعها الصحافي، بل سعى إلى جمع الكثير منها في كتب لتكون في متناول القراء والباحثين، نظراً إلى شمولية هذه الحوارات وبعدها الوثائقي واحتوائها معلومات ووقائع دقيقة ومرجعية، لا سيما أن السياسيين الذين حاورهم هم من صانعي القرار والمضطلعين بأدوار رئيسة والمتبوئين مواقع متقدمة في السلطة والحكم، والشاهدين على مجريات الحياة السياسية. واللافت أن شربل اعتمد منهجاً موضوعياً في جمع الحوارات كي تشكل كتباً ذات قضية محورية تتعدد فيها الأصوات لتصب من ثم في حقل سياسي متداخل العناصر. وفي هذا القبيل يبدو شربل كأنه يؤلف كتبه تأليفاً، مرتكزاً إلى طبيعة القضايا التي دارت الحوارات حولها. وما يميز حوارات شربل أنها ذات طابع سجالي وبحثي واستقرائي بحيث تبدو الأسئلة، براهنيتها وإشكالياتها، حافزاً على التفكير والبحث.

بعد كتبه السابقة التي باتت تشكل مراجع لقراءة الحياة السياسية، لبنانياً وعربياً، صدر للزميل شربل كتاب جديد يدور حول «القضية» اللبنانية عنوانه «لبنان دفاتر الرؤساء» وهو صدر حديثاً عن دار رياض الريس للكتب والنشر- بيروت، ويضم حوارات مع سياسيين لبنانيين كان أجراها خلال أعوام. والسياسيون هم: الوزير السابق فؤاد بطرس (ذاكرة الجمهورية وميزان الشهابية)، عميد حزب الكتلة الوطنية الراحل ريمون إده (عميد المنفيين)، الرئيس الراحل صائب سلام (البيروتي العتيق)، الرئيس الراحل شفيق الوزان (المظلوم كثيراً)، الرئيس كامل الأسعد (الديموقراطية بنكهة البكوات)، الرئيس حسين الحسيني (حارس الطائف). وتضمن الحوار الأول حديثين جانبيين مع المفكر منح الصلح والمحامي كريم بقرادوني، يدوران في جو القضايا الإشكالية التي طرحها فؤاد بطرس في حواره الطويل.

ويصدر الكتاب في مرحلة هي من أشد المراحل اللبنانية تأزماً واحتداماً بخاصة في خضم الفراغ الرئاسي الذي يشهده لبــــنان وما يحيط به من مشكلات حادة ترتبط بالواقع الإقليمي المضـــطرب. ومن خلال جمعه هذه الحوارات، سعى شربل إلى معالجة ما يسمى «فكرة» لبنان كما تجلت في هذه المرحلة والحــالة التي انتهت إليـــها لا ســـيما بعد التحولات الجذرية التي طـــرأت بعد اتفاق الطـــائف الذي لا يزال يشكل مادة سجالية بين اللبنـــانيـــين. وتعبر وجهات النظر التي تنمّ بها هذه الحوارات عـــن عمــق التعددية السياسية التي طالما تميز بها لبنان والتي لم تجد سياقها الملائم سياسياً وتاريخياً لتنضج وتثمر.

وتكمن أهمية الكتاب في المقدمة الشاملة التي وضعها المؤلف وفيها عالج الواقع الراهن الذي يشهده لبنان في ظل الظروف الإقليمية المعقدة. فلبنان كما يعبر الكاتب، يعيش الآن في منطقة بالغة الصعوبة، فدول الخليج قلقة، ومصر تصارع للخروج من محنتـــها، واليـــمن يشهد حالاً من التفكك، وكذلك العراق وسورية. ناهـــيك بحدود لبنان المنتهكة والأصوليات الجوالة داخله والتعايش الأهلي «المريض». وفي ظل هذه الظروف لا يستطيع لبنان أن ينأى بنفسه عن رياح المنطقة وسمومها. وجاء اندلاع الربيع العربي أخيراً ليزيد من حال الارتباك اللبناني، فالوطن الذي كان منهكاً جراء الاغتيالات والتجاذبات اندفع سريعاً إلى «قدره» السوري عندما شب حريق الثورة في سورية. اجتاز شبان من الطائفة السنية في شمال لبنان الحدود ليدعموا المعارضة السورية ثم أعلن حزب الله دخول قواته في الصراع الدائر في سورية مؤازرة للنظام. وكان على الثورة السورية أن تكشف مقدار التمزق الذي أصاب المعادلة اللبنانية.

في هذه الظروف المأزومة لبنانياً ارتأى غسان شربل أن يعود إلى حوارات مهمة كان أجراها سابقاً بحثاً عن أجوبة لأسئلة ملحة أعادت الأزمة الراهنة طرحها. عاد إلى حوارات له مع سياسيين ورؤساء تحدثوا فيها عن أبرز الأزمات في العهود التي تولوا فيها موقع المسؤولية أو اضطلعوا بدور المعارض لها. وكان على يقين أن هذه الحوارات إذا جمعت في كتاب تعطي صورة عما فعله سياسيون ورؤساء لم يحملوا البنادق وعارضوا زمن الميليشيات ولعبوا أدواراً في وصول رؤساء وتشكيل حكومات. إنها العودة إذاً إلى ماض سياسي قريب جداً التي لا بد منها لقراءة الحالة اللبنانية التي كانت ولا تزال بمثابة مختبر سياسي.

في ختام المقدمة يقول شربل: «لا يدعي هذا الكتاب تأريخ مرحلة أو ما يشبه ذلك. إنه كتاب صحافي يطمح إلى أن يحرض القارئ على المزيد من الأسئلة والمقارنة بين الروايات. لست معنياً بتلميع دور أو إدانة آخر. ولعل هاجسي خلال رحلة الحوارات هذه كان هاجس معظم اللبنانيين، وهو: هل كان يمكن هذه الأقاليم أن تلتقي ذات يوم في دولة ووطن؟».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



 وكالة رويترز عربي


رويترز


رويترز
الأربعاء 16 يوليو / تموز 2014
بيروت من ليلى بسام


الكاتب اللبناني غسان شربل يفتح دفاتر الرؤساء في كتاب جديد


في ظل الأزمة اللبنانية حيث الفراغ الرئاسي والشلل في عمل مجلسي النواب والحكومة إرتأى الكاتب والصحافي اللبناني غسان شربل فتح دفاتر الرؤساء السابقين وإستعادة حوارات مهمة كان قد أجراها بحثا عن أجوبة لأسئلة ملحة أعادت الأوضاع الراهنة طرحها.

عاد شربل في كتابه الجديد “لبنان دفاتر الرؤساء” إلى حوارات له مع سياسيين ورؤساء تحدثوا فيها عن أبرز الأزمات في العهود التي تولوا فيها موقع المسؤولية أو أضطلعوا بدور المعارض لها. وكان على يقين ان هذه الحوارات إذا جمعت في كتاب ستعطي صورة عما فعله سياسيون ورؤساء لم يحملوا البنادق وعارضوا زمن الميليشيات ولعبوا أدوارا في وصول رؤساء وتشكيل حكومات.

إنها العودة إذا إلى ماض سياسي قريب جدا لا بد منها لقراءة الحالة اللبنانية التي كانت ولا تزال بمثابة مختبر سياسي.

يضم الكتاب الصادر حديثا عن دار رياض الريس للكتب والنشر- بيروت حوارات مع سياسيين لبنانيين كان أجراها بالتعاقب خلال أعوام. والسياسيون هم: وزير الخارجية الاسبق فؤاد بطرس (ذاكرة الجمهورية وميزان الشهابية).

كما يضم حوارا مع ريمون إده (عميد المنفيين) وهو زعيم سياسي لبناني قدم عدة اقتراحات أصبحت قوانين من أهمها قانون السرية المصرفية والأبنية الفخمة والحساب المصرفي المشترك وقانون من أين لك هذا؟ كما شارك بالحكومة اللبنانية كوزير بعدد من الحكومات وحمل أكثر من حقيبه وزارية واختار المنفى في باريس بعد تعرضه لعدة محاولات لاغتياله.

ومن بين الذين يتناولهم الكتاب والد رئيس الحكومة الحالي تمام سلام رئيس وزراء لبنان الاسبق صائب سلام (البيروتي العتيق) ورئيس وزراء لبنان أبان الاجتياح الاسرائيلي للعاصمة بيروت عام 1982 شفيق الوزان (المظلوم كثيرا) ورئيس مجلس النواب الاسبق لمرات عدة كامل الاسعد (الديمقراطية بنكهة البكوات) ورئيس البرلمان الاسبق حسين الحسيني (حارس الطائف) الذي كانت له مساهمة كبيرة بالتوصل إلى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية عام 1990.

وتضمن الحوار الأول حديثين جانبيين مع المؤرخ منح الصلح واحد أبرز مؤرخي الحرب الاهلية التي دارت على مدى 15 عاما كريم بقرادوني يدوران حول القضايا الاشكالية التي طرحها وزير الخارجية الاسبق بطرس.

ومن خلال جمعه هذه الحوارات التي يكمل احداها الآخر سعى شربل إلى معالجة ما يسمى “فكرة” لبنان كما تجلت في هذه المرحلة والحالة التي إنتهت اليها لا سيما بعد التحولات الجذرية التي طرأت بعد إتفاق الطائف الذي لا يزال يشكل مادة سجالية بين اللبنانيين.

وتعبر وجهات النظر التي تكشف عنها هذه الحوارات عن عمق التعددية السياسية التي طالما تميز بها لبنان والتي لم تجد السياق الملائم سياسيا وتاريخيا لتنضج وتثمر.

وتكمن أهمية الكتاب في المقدمة الشاملة التي وضعها المؤلف وفيها عالج الواقع الراهن الذي يشهده لبنان في ظل الظروف الأقليمية المعقدة. فلبنان كما يرى الكاتب يعيش الآن في منطقة بالغة الصعوبة فدول الخليج قلقة ومصر تصارع للخروج من محنتها واليمن يشهد حالا من التفكك وكذلك العراق وسوريا ناهيك عن حدود لبنان المنتهكة والأصوليات الجوالة داخله والتعايش الاهلي “المريض”.

وفي ظل هذه الظروف يرى الكاتب ان لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن رياح المنطقة وسمومها. وجاء إندلاع الربيع العربي أخيرا ليزيد من حال الإرتباك اللبناني فالوطن الذي كان منهكا جراء الإغتيالات والتجاذبات اندفع سريعا إلى “قدره” السوري عندما شب حريق الثورة في سوريا. اجتاز شبان من الطائفة السنية في شمال لبنان الحدود ليدعموا المعارضة السورية ثم أعلن حزب الله الشيعي دخول قواته في الصراع الدائر في سوريا مؤازرة للنظام. وكان على الثورة السورية ان تكشف مقدار التمزق الذي أصاب المعادلة اللبنانية.

ويقول شربل في ختام مقدمة الكتاب “لا يدعي هذا الكتاب تأريخ مرحلة أو ما يشبه ذلك. إنه كتاب صحافي يطمح إلى أن يحرض القارئ على المزيد من الأسئلة والمقارنة بين الروايات. لست معنيا بتلميع دور أو إدانة آخر. ولعل هاجسي خلال رحلة الحوارات هذه كان هاجس معظم اللبنانيين وهو: هل كان يمكن لهذه الاقاليم ان تلتقي ذات يوم في دولة ووطن؟”."

وردا على سؤال عن توقيت أصدار كتابه الآن فيما يعاني لبنان أزمة فراغ رئاسي إنعكست سلبا على الحياة السياسية في لبنان أجاب الكاتب “لأن لبنان يعيش حالة من الشغور الرئاسي. ليس بسيطا أن يكون البلد بلا رئيس للجمهورية فيما ينقسم أهله حول الوضع في سوريا وبعضهم يقاتل هناك إضافة إلى أن البلد يستضيف أكثر من مليون نازح سوري مع كل ما يعنيه ذلك اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
”يزيد من خطورة الفراغ الرئاسي أن المنطقة تتفكك ودولها تعيش أزمة مكونات وسلسلة من الحروب الأهلية والمذهبية في العراق وسوريا وصولا الى اليمن. ويصعب الاعتقاد أن لبنان يستطيع الاحتماء من رياح التفكك هذه."

وعن اختياره هذه الشخصيات السياسية بالذات وهي تنتمي الى مرحلة مضت مرحلة الجمهورية التي تعاني حالة من التفكك لم تبلغ ما بلغته اليوم قال شربل لرويترز “أصدرت سابقا كتاب”أين كنت في الحرب؟" وهو تضمن حوارات مع أبرز المحاربين. أردت في الكتاب الجديد تسليط الضوء على تجارب من لم ينخرطوا في الحرب ولم يحملوا البنادق وتصرفوا بأسلوب رجل الدولة على رغم اخطاء ارتكبوها."

وأضاف “أردت التذكير بأن اللبنانيين حاولوا في عهود سابقة بناء دولة ومؤسسات وذهبوا الى الانتخابات وقبلوا بنتائجها واحتكموا إلى الدستور ... تنافس اللبنانيون سابقا لكنهم لم ينسفوا الجسور. كان قرارهم اللقاء في الدولة والعيش في ظل مؤسساتها. اليوم الدولة مفككة ومعطلة والرهانات كبيرة وخطيرة وما يعيشه لبنان يفوق قدرته على الاحتمال خصوصا أن نار المنطقة بدأت في التدفق إليه.”

ومضى رئيس تحرير صحيفة الحياة العربية الصادرة في لندن قائلا “لا خيار أمام اللبنانيين غير القيام بمحاولة جديدة. أن يتبادلوا التنازلات وأن يتخلوا عن أوهام الانتصار عبر التحالف مع أقوياء في الإقليم. الخلاصة هي أن يعودوا إلى لغة منتصف الطريق أو إلى أقرب نقطة منه. الوضع بالغ الخطورة هناك من يعتقد أن عودة العراق إلى ما كان عليه مستحيلة. والأمر نفسه بالنسبة الى سوريا. تركيبة لبنان تجعل الطلاق مستحيلا لهذا لا بد من العودة الى ترميم التعايش وهي مهمة لا تنفصل عن بناء الدولة.”

واستطرد “لعل الكتاب موجه خصوصا إلى الشبان الذين لم يعايشوا تلك الحقبة التي كانت الديمقراطية اللبنانية فيها موضع إهتمام في المنطقة وربما موضع حسد ايضا. أنا لا أزعم العثور على إجابات لكنني أضع حصيلة هذه التجارب معا علها تساعد على إعادة التفكير في سبل الخروج من المأزق الحالي.”

(إعداد ليلى بسام للنشرة العربية تحرير أميرة فهمي)

عن موقع رويترز العربي



 جريدة النهار اللبنانية


جريدة النهار اللبنانية


جريدة النهار اللبنانية
12 تموز / يوليو 2014
أدب فكر فن


كتاب - “لبنان دفاتر الرؤساء” لغسان شربل : سياسيون لبنانيون تحدثوا عن أزمات العهود


صدر كتاب جديد للصحافي والكاتب غسان شربل بعنوان “لبنان دفاتر الرؤساء” (دار رياض الريس) ويضم حوارات مع شخصيات سياسية عن قضايا إشكالية عدة تدور حول لبنان فكرة وكياناً ودولة ومؤسسات، ومن هذه الشخصيات : ريمون إده، فؤاد بطرس، حسين الحسيني، صائب سلام، شفيق الوزان، كامل الاسعد... ووضع شربل مقدمة للكتاب هي بمنزلة قراءة للأزمة اللبنانية التي ما زالت محتدمة نظرا الى تعقد الظروف اللبنانية والاقليمية.

وجاء في المقدمة بعد التصرف ببعض المقاطع:

ليس بسيطا ان يرى اللبنانيون سوريا تتخبط في دمها، وان ينقسموا على ما يجري فيها. هذا يتحدث عن ثورة على الطغيان، وذاك عن قمع هجمة ارهابية، وثالث يعتبر الحرب الاهلية هناك جزءا من الحرب المذهبية المستعرة في الاقليم.

لا يستطيع لبنان الهروب من قدره السوري. أحكام الجغرافيا مبرمة. وتتضاعف وطأتها على البلدان التي تكون تعددية الانتماءات فيها مرادفة للهشاشة. يدفع لبنان الثمن مرتين: الأولى حين تكون سوريا قوية ومستقرة، والثانية حين يتوزع السوريون محاربين وقتلى ومذعورين ونازحين يملأون مدنه وقراه.

حين اندلع “الربيع العربي” كان لبنان منهكاً بفعل الاغتيالات والتجاذبات واثمان اعوام الجمر. وحين شب الحريق في سوريا اندفع سريعا الى قدره السوري. شبان من الطائفة السنية في شمال لبنان اجتازوا الحدود لدعم المعارضة السورية. ولاحقا اعلن “حزب الله” تدخل قواته في الصراع الدائر في سوريا. انقسم السنة والشيعة على سوريا وفيها، وتعمق الانقسام بينهم في لبنان.

كشفت المأساة السورية مقدار التمزق الذي أصاب المعادلة اللبنانية. اتخذ لبنان موقعه على خريطة النزاع السني - الشيعي المفتوح. حاول لبنان الرسمي التغطي بشعار “النأي بالنفس” لكن الواضح ان اللبنانيين كانوا ذهبوا الى النار السورية، وانها قد لا تتأخر في التدفق على طريق دمشق - بيروت. افتقدت الدولة اللبنانية المتداعية صمامات الأمان. ضاعف الخطورة انحسار دور الموارنة بفعل تراجع حضورهم الديموغرافي والاستنزاف الذي تعرضوا له في مواجهاتهم خلال الحرب الاهلية مع المنظمات الفلسطينية والسورية، وقبل ذلك بفعل الاستنزاف في الحروب المارونية - المارونية التي قزّمت ادوارهم وسهّلت تهميشهم ومحاولات تنصيب رؤساء لهم خلافا لارادتهم. بدا الموارنة أضعف من الاضطلاع بدور تاريخي هدفه حماية التركيبة وترميمها. غاب سلاحهم وانحسرت علاقاتهم واهتمام الغرب بهم وتعمقت غربتهم في منطقة شهدت صعود الاصوليات وهجرة الاقليات.
بدت المجتمعات العربية عاجزة عن اقتناص فرصة “الربيع”. ظهرت القوى الشبابية حائرة والقوى الديموقراطية هشة وتقدمت الاحزاب الدينية. وبدل ان يكون “الربيع” فرصة للتصالح مع العصر او الانتماء اليه تحوّل فرصة لتأكيد الاصطدام به. وسرعان ما تقدمت “القاعدة” لملء الفراغ. ساهم تقاطر “المقاتلين الجوالين” الى سوريا في تظهير الصورة المخيفة. انه سقوط الحدود ومعه سقوط التعايش.

يعتقد المتشائمون ان سقوط الحدود وسقوط التعايش واستهداف الاقليات كلها عناصر تعلن فشل فكرة لبنان في حد ذاتها. يقوم لبنان أصلاً على اعتراف متبادل، الاعتراف بالاختلافات، وقبول الآخر وحقه في الاختلاف. حقه في ان يقرأ في كتاب آخر. وان ينهل من منابع غير متطابقة. وكان اختلاف الانتماءات والكتب والاغاني يعتبر مصدر تنوع وثراء تحت سقف دولة تجتمع فيها الوان الطيف اللبناني من دون ان يتاح لواحد منها فرض الزي الموحد والغاء الوان الآخرين. المتشائمون انفسهم يلفتون الى وهن الضلع الماروني في المثلث اللبناني والى التغيير العميق الذي طرأ على الضلع الشيعي بفعل صعود “حزب الله” والى خطر تنامي الاصولية في الضلع السني اذا طالت الحرب في سورية وطال النزاع المذهبي في المنطقة.

درجت منذ اعوام على زيارة اقليم كردستان. فهو جزء من العراق حتى اشعار آخر ثم انه متاخم لقوتين اقليميتين هما ايران وتركيا، فضلاً عن سوريا. عدت من زيارتي الأخيرة في ربيع 2014 بحصيلة مقلقة. قال لي رئيس الاقليم مسعود بارزاني “ان العراق يتفكك وان التعايش بين مكوناته يلامس السقوط وان سوريا لن ترجع كما كانت”. واعرب عن اعتقاده أن الخرائط التي اصطنعت بعد الحرب العالمية الاولى مهددة بالانفجار والتفكك ما لم يعتنق المقيمون فيها قيم التعايش وقبول الآخر والديموقراطية.

يعيش لبنان في منطقة بالغة الصعوبة: دول الخليج قلقة. مصر تصارع للخروج من محنتها. تفكك في اليمن. وتفكك في العراق. وتفكك في سوريا. حدود منتهكة. واصوليات جوالة. وتعايش مريض. لا يستطيع لبنان ان ينأى بنفسه عن رياح المنطقة وسمومها. لا يستطيع لأن ابناءه منخرطون في هذه النزاعات والتمزقات. واذا كانت سوريا أخرى ستولد من هذا الجحيم الذي تعيشه فليس من الغريب ان يولد لبنان آخر على رغم ما تفرضه تركيبته ومعادلاته السكانية من ضوابط تحول دون فوز الصقور بحصة الاسد.

يواجه لبنان تحدياً غير مسبوق. لن يكون سهلاً التعايش مع نزاع مدمر وطويل في سوريا. تتخطى المسألة الشظايا المتطايرة عبر الحدود. الرحلة السورية لمقاتلي “حزب الله” قد تمتد طويلاً. ثم ان لبنان الذي يئن تحت ارتباكه السياسي والامني والاقتصادي يستضيف من اللاجئين السوريين ما يناهز ثلث سكانه. ثم ماذا يفعل لبنان اذا ترسخت في سوريا خطوط تماس مذهبية وجلس النظام على جزء من الخريطة وتوزعت المعارضات على أجزاء أخرى؟ وماذا لو انقسمت سوريا؟.

في الشهور الماضية وفي ظل هذه الصورة القاتمة ومع اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان تجدد الحديث عن الانتخابات والفراغ والرؤساء. لاحظت ان كثيرين من الشبان يتحدثون كأن تاريخ لبنان بدأ مع الحرب الاهلية التي عاشها. وفي ذلك خطأ وظلم. لا يحق لنا تجاهل ان لبنان حاول بعد استقلاله بناء دولة ومؤسسات. صحيح ان تلك التجربة سقطت تحت وطأة مطالب الداخل وتجاذبات الخارج، لكن الصحيح ايضاً ان لا معنى للبنان ان لم يحتفظ ببعض روح تلك التجارب.

أعادتني نصيحة من الصديق الناشر رياض الريس الى اوراق كنت تركتها في عهدة النسيان. أعادتني الى حوارات اجريتها مع سياسيين ورؤساء وتحدثوا فيها عن أبرز الازمات في العهود التي تولوا فيها مواقع المسؤولية او اضطلعوا بدور المعارض لها. وخامرني شعور ان وضع هذه الحوارات معا في كتاب ربما اعطى صورة عما فعله سياسيون ورؤساء لم يحملوا البنادق وعارضوا زمن الميليشيات ولعبوا ادوارا في وصول رؤساء وتشكيل حكومات.

مطلع التسعينات، وكنت اعمل في صحيفة “الشرق الاوسط”، قصدت منزل الاستاذ فؤاد بطرس نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق الذي يتفق كثيرون على ان دوره كان اكبر من لقبه على اهميته. اجريت معه حوارا بعنوان “ثلاثة عهود شهابية وفكرة الدولة”. وارفقت الحوار بشهادات لمن عاشوا تلك المرحلة عن قرب احتفظ منها هنا بشهادتين ثمينتين للمفكر منح الصلح والاستاذ كريم بقرادوني. بعدها وخلال عملي في مجلة “الوسط” التي كانت تصدر عن “دار الحياة” أجريت الحوارات الاخرى التي يتضمنها هذا الكتاب.

في 1994 حاورت الرئيس حسين الحسيني الذي تعرفت اليه خلال عملي في “النهار” وحين كان صالون رئيس تحريرها ميشال ابو جودة يضم نخبة بينها الحسيني وتقي الدين الصلح وريمون اده ومنح الصلح . وفي السنة التالية قصدت العميد ريمون اده في منفاه الباريسي وسألته عن الرئاسة والرؤساء. وفي 1996 حاورت الرئيس صائب سلام “البيروتي العتيق” وامتدت الذكريات من وصول فؤاد شهاب الى وصول بشير الجميل. وفي 1999 نشرت حوارا كنت اجريته مع الرئيس شفيق الوزان تطرق فيه الى الاحتلال الاسرائيلي لبيروت عام 1982 وقصة “اتفاق 17 ايار”. وفي 2001 حاورت الرئيس كامل الاسعد وسألته عن ابرز المحطات في علاقاته بالرؤساء.

تسلط الحوارات الضوء على ازمات ومواقف وممارسات. هل صحيح ان فؤاد شهاب كان يتعاطف مع ثورة 1958، وانه ابلغ كمال جنبلاط ذلك ولو في صيغة مواربة؟ وهل صحيح انه كان يريد التجديد لكن من دون ان يطلب؟ وهل صحيح ان شارل حلو كان يحلم منذ وصوله بانهاء الشهابية؟ وهل صحيح ان الرئيس سلام رشح سليمان فرنجية للرئاسة حول طاولة الزهر؟ وهل صحيح ان حافظ الأسد لم يطلب صراحة من كامل الاسعد ارجاء جلسة انتخاب بشير؟ ولماذا أيّد الياس سركيس وصول بشير بعدما كان يكره الشاب “الازعر”؟ وما هي قصة اتفاق الطائف وانتخاب الرئيسين رنيه معوض والياس الهراوي؟ وما هو فن
كتابة خطب الرؤساء؟

اسئلة اخرى كثيرة تراود قارئ الحوارات. هل كان رئيس الجمهورية اسير القصر وضوابط التركيبة اللبنانية، ام اسير طائفته التي لم يكن زعيمها؟ هل كان اسير التوازنات العربية؟ هل كان عليه ان يفكر قبل اتخاذ قراره بجمال عبد الناصر ولاحقا بحافظ الاسد؟.

رئيس ما بعد الطائف ليس كرئيس ما قبله. لكن انحسار الصلاحيات لم يضبط لعاب بعض السياسيين الموارنة. لم تغيِّر الاخطار المحدقة بالاقليات في المنطقة شهياتهم ولم تضعف كراهياتهم. في حكايات الرؤساء جزء من مأساة كيان هش اسمه لبنان وجزء من قصة الموارنة فيه وهي جميلة وشائكة.

لا يدعي هذا الكتاب تأريخ مرحلة او ما يشبه ذلك. انه كتاب صحافي يطمح الى ان يحرض القارئ على المزيد من الأسئلة والمقارنة بين الروايات. لست معنيا بتلميع دور او ادانة آخر. ولعل هاجسي خلال رحلة الحوارات هذه كان هاجس معظم اللبنانيين وهو هل كان يمكن هذه الاقاليم ان تلتقي ذات يوم في دولة ووطن.

عن موقع جريدة النهار اللبنانية

جريدة النهار اللبنانية

النهار هي صحيفة لبنانية سياسية مستقلّة رائدة. وقد صدر العدد الأوّل في 4 أغسطس/آب 1933 في أربع صفحات. بدأت الصحيفة التي كان عدد موظّفيها خمسة بينهم المؤسّس جبران تويني، مع رأسمال من 50 قطعة ذهبية جُمِعَت من الأصدقاء، وكانت تُوزِّع 500 نسخة فقط. ولاحقاً تولّى ابن جبران، غسان تويني، وحفيده الذي يحمل الاسم نفسه، جبران تويني، رئاسة التحرير والنشر. حالياً تشغل نايلة تويني منصب رئيسة التحرير ورئيسة مجلس الإدارة.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)