“لا تكذبي” القصيدة والأغنية للمصري كامل الشناوي

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس 3 مايو 2018
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«لا تكذبي» لكامل الشناوي : ذروة مؤلمة لشاعر العاطفة والوطنية


«لا تكذبي إني رأيتكما معا/ ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا/ ما أهون الدمع الجسور إذا جرى/ من عين كاذبة فأنكر وأدعى/ إني رأيتكما.. إني سمعتكما../ عيناك في عينيه.. في شفتيه.. في كفيه.. في قدميه/ ويداك ضارعتان.. ترتعشان من لهف عليه - تتحديان الشوق بالقبلات تلذعني بسوط من لهيب/ بالهمس، بالآهات، بالنظرات، باللفتات، بالصمت الرهيب - ويشب في قلبي حريق ويضيع من قدمي الطريق/ وتطل من رأسي الظنون تلومني وتشد أذني/ فلطالما باركت كذبك كله ولعنت ظني - ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقي إليك؟/ ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفا عليك؟/ أأقول هانت؟.. أأقول خانت/ أأقولها؟.. لو قلتها أشفي غليلي.. يا ويلتي../ لا، لن أقول أنا، فقولي.. - لا تخجلي.. لا تفزعي مني.. فلست بثائر/ أنقذتني.. من زيف أحلامي وغدر مشاعري - فرأيت أنك كنت قيداً حرصت العمر ألا أكسره/ فكسرته!/ ورأيت أنك كنت لي ذنباً سألت الله ألا يغفره/ فغفرته - كوني كما تبغين لكن لن تكوني/ فأنا صنعتك من هواي، ومن جنوني/ ولقد برئت من الهوى ومن الجنون!!».

من الواضح أننا هنا، أمام قصيدة تتألف من جمل قصيرة وكلمات في منتهى البساطة تكاد تبدو عامية. لكنها تتألف، أكثر من هذا، من كمّ كبير من المشاعر والعواطف التي تقول من خلال اللوم والعتب قصة حب من الواضح أنها دمرت الشاعر. ومن الواضح أكثر أنها لا يمكن إلا أن تكون حكاية حقيقية بالنظر إلى أن كمية المرارة والصدق التي تحملها الكلمات وتعبر عنها، لا يمكن إلا أن تكون صادقة منتزعة من قلب الحياة نفسها، من قلب الحدث الذي لا شك أن الشاعر قد عاشه بنفسه. لم يتخيّله ولم ينقله عن آخرين.

والحال أننا نتساءل هنا: مَن مِن مستمعي الأغاني العرب لا يعرف هذه القصيدة بل هذه الأغنية التي تحمل عنوان بيتها الأول، ولكن أيضاً صرخة الشاعر الملتاع مع حفاظه على كرامته «لا تكذبي»؟. فهذه الأغنية سواء أحضرت بصوت محمد عبدالوهاب أو بصوت عبدالحليم حافظ، أو حتى بنصف الدزينة الأخرى من الأصوات التي غنتها على مدار أربعة عقود من السنين، ولكن خصوصاً بصوت «صاحبتها» الأصلية، نجاة الصغيرة، تعتبر واحدة من أجمل وأشهر الأغاني العربية. ولعلها تتفرد بين الأغاني العربية الحديثة بكونها، على جمال موسيقاها التي وضعها ملحنها المبدع محمد عبدالوهاب -في صياغة درامية تعبيرية تكاد تجعلها لحظة الذروة في أوبرا ميلودرامية -، تتميز بتلك الحساسية المفرطة في كلماتها، والواقعية القاسية التي تطبعها، وهما حساسية وواقعية تعوضان بالطبع على بساطة كلماتها ووصولها الى حدود العادية في بعض اللحظات.

صحيح أن هذا الأسلوب كان يميز، في شكل عام، نتاجات عدد كبير من مبدعي شعر العامية المصرية من الذين أوصلوا الأغنية العربية العاطفية، إلى مستويات شاعرية مدهشة وعلى رأسهم صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي، ولكن كذلك مرسي جميل عزيز في أروع تجلياته، كان هو نفسه الذي يميّز أيضاً وربما في شكل خاص، شعر مؤلف الأغنية كامل الشناوي، لكنه هنا وصل الى حدود قصوى جعل الكثير من المستمعين يستنتجون أن كامل الشناوي إنما كتب قصيدته هذه انطلاقاً من تجربة غرامية حقيقية كانت شديدة القسوة عليه، دفعته إلى تفريغ شحنة حساسيته في تلك الكلمات العنيفة العتابية القاسية التي خلدتها جمل محمد عبدالوهاب الموسيثية، وأصوات مغنّي «لا تكذبي»، لا سيما بالطبع نجاة الصغيرة، الفنانة الكبيرة التي ما أن غنت الأغنية، يومها، حتى راحت الصحف الفنية تطلب في الحديث عن علاقتها، هي بالذات، بالأغنية وبكتابة كامل الشناوي لها، واصلة إلى حد الافتراض أن الشناوي إنما كتب الأغنية كردّ فعل مباشر على «ضبط» المغنية الكبيرة، مع صحافي كبير في وضعية مريبة- تصفها كلمات الأغنية بإبداع بسيط-، هي التي قالت الحكاية إنه كان مغرماُ بها وأنها هي في المقابل قد عيّشته في أوهام مبادلته الحب مستفيدة من شعره وعواطفه ومكانته، ربما على نسق العلاقة التي قامت بين أحمد رامي وأم كلثوم. بيد أن في إمكاننا أن نقول اليوم إنه لئن كان أصل كتابة كامل الشناوي لـ «لا تكذبي» واقعياً وصحيحاً فإن علاقة نجاة الصغيرة بها ليست مؤكدة. وربما لا يكون أدلّ على هذا من أدائها الأغنية وهي عارفة بالشائعات المتناقلة من حولها!.

المهم على أيّ حال أن ذلك الحديث نفسه قد استعيد لاحقاً بل ازداد حدة، وبالتحديد في خريف العام 1965 حين رحل كاتب الأغنية، كامل الشناوي، عن عالمنا وهو في عزّ عطائه. ازداد الحديث ونزل إلى الساحة العامة بحيث أن صحفاً جدية وجدت لزاماً عليها أن تذكر «الجمهور العريض» بأن كامل الشناوي ليس فقط الشاعر العاشق الذي كتب «لا تكذبي» وغيرها من تلك الأغنيات العاطفية المفرطة التي انتشرت في ذلك الحين، بل أنه أيضاً سياسي كبير وصحافي كبير، وكذلك شاعر وطني كتب بعض أجمل الأشعار الوطنية التي تحولت إلى أغنيات على كل شفة ولسان من «المحيط إلى الخليج»، وفق التعبير الذي كان يسود في ذلك الحين.

مهما يكن فان لحظة الذروة في مسار كامل الشناوي كمنت في كونه، ذات يوم، أول صحفي عربي أو عالمي، يقابل الرئيس جمال عبدالناصر ويجري حديثاً معه، بعد نجاح حركة الضباط الأحرار، وهو امتياز قابلته الأوساط الصحفية والسياسية المصرية بكثير من الاستغراب، يومها، لأن ذيوع شهرة كامل الشناوي وحظوته لدى السلطات الحاكمة خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة، «كل هذا جعل البعض يتوقع أفول نجمه في يوليو 1952»، وفق ما يؤكد الكاتب لمعي المطيعي مضيفاً «أنه -أي كامل الشناوي- استطاع أن يتجدد مع الثورة صحفياً وكاتباً وشاعراً وعاش في أجوائها نجماً لا يأفل وشعلة لا تنطفئ».

ولد كامل الشناوي في كانون الأول (ديسمبر) 1908، وقد سماه والده، وكان قاضياً شرعياً، باسم الزعيم الوطني مصطفى كامل، وكان من الواضح أن حمل الفتى لهذا الاسم اشتغل في شكل جيد على حياته، بحيث نراه منذ صباه يهتم بالوطنية والصحافة والثقافة في آن معاً، وصولاً إلى الفخامة إالى «الحزب الوطني» في 1927. وهو بعد ذلك بثلاث سنوات دخل جريدة «كوكب الشرق» مصحّحاً بعد أن نشرت له الجريدة واحدة من أولى قصائده الوطنية. ومنذ ذلك الحين سوف يتماشى الشعر والصحافة في مسيرة كامل الشناوي، وسوف نراه منذ العام 1935 وقد انتقل من «كوكب الشرق» إلى صحيفة «الأهرام» حيث عمل مندوباً لها في مجلس النواب، وهو نفس المجلس الذي سيصبح عضواً فيه بعد ذلك بتسعة أعوام. وكان في أثناء ذلك قد أضحى رئيساً لتحرير «آخر ساعة» وذلك في واحدة من تنقلاته العديدة بين الصحف، حتى استقر أخيراً في صحيفة «الجمهورية» التي أصدرتها حركة الضباط الأحرار، وكان كامل الشناوي واحداً من ستة رؤساء تحرير حملت الصحيفة أسماءهم إلى جانب ناصر الدين النشاشيبي وإسماعيل الجروك (الذي تقول الشائعات المتعلقة بالحكاية الواقعية الكامنة وراء «لا تكذبي» أنه كان هو غريم الشناوي على قلب الفنانة!).

طوال ذلك الوقت كله لم يتوقف كامل الشناوي عن كتابة الشعر، وكان ما يميز شعره بساطة لغته، بحيث أن التعابير الفصحى كانت تبدو لديه وكأنه عامية، ما جعل «الجمهور العريض» يحفظ أغنياته، الوطنية والعاطفية، تماماً كما يمكن له أن يحفظ ويردد أشعار بيرم التونسي وصلاح جاهين. والحال أن اسمي كامل الشناوي وصلاح جاهين، ارتبطا دائماً معاً لكون الاثنين من أبرز الشعراء، وكتاب الأغنية، الذين وقفوا إلى جانب ثورة جمال عبدالناصر ورفدوها بأشهر الأشعار التي كانت سرعان ما تتحول الى أغنيات من ألحان محمد عبدالوهاب في شكل خاص. ولقد غنّت أم كلثوم بعض أجمل أغنياتها الوطنية من أشعار كامل الشناوي كما من أشعار صلاح جاهين، كما أن بعض أبرز أغنيات عبدالحليم حافظ العاطفية باللغة الفصحى كانت من كتابة كامل الشناوي.

ومع هذا لم يصدر الشناوي في حياته سوى ديوان شعر واحد هو «لا تكذبي». أما قصائده الأخرى العديدة فلقد جُمعت بعد رحيله في كتب حملت عناوين «اعترافات أبو نواس» و«ساعات» و«شعر كامل الشناوي»، كما صدرت له كتب نثرية منها «بين الحياة والموت» و«زعماء وفنانون وأدباء».

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



قصيدة لا تكذبي


لا تكذبي ..

إنى رأيتكما معا

ودعى البكاء ... فقد كرهت الأدمعا

ماأهون الدمع الجسور إذا جرى

من عين كاذبة فأنكر وادعى ! !

***

إنى رأيتكما ... إنى سمعتكما

عيناك فى عينيه ... فى شفتيه

فى كفيه ... فى قدميه

ويداك ضارعتان

ترتعشان من لهف عليه ! !

تتحديان الشوق بالقبلات

تلذعنى بسوطٍ من لهيب ! !

بالهمس ، بالآهات

بالنظرات ، باللفتات

بالصمت الرهيب ! !

ويشب فى قلبى حريق

ويضيع من قدمى الطريق

وتطل من رأسى الظنون

تلومنى وتشد أذنى ! !

فلطالما باركت كذبك كله

ولعنت ظنى.

لعنت ظنى!!

***

ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقى إليك ؟

ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفاً عليك ؟

أأقول هانت ؟

أأقول خانت ؟

أأقولها ؟

لو قلتها أشفى غليلى ! !

ياويلتى . .

لا ، لن أقول أنا ، فقولى . .

***

لا تخجلى .. لا تفزعى منى .. فلست بثائر !!

أنقذتنى من زيف أحلامى وغدر مشاعرى !

***

فرأيت أنك كنت لى قيدًا

حرصت العمر ألا أكسره

فكسرته !

ورأيت أنك كنت لى ذنباً

سألت الله ألا يغفره

فغفرته !

***

كونى . كما تبغين

لكن لن تكونى ! !

فأنا صنعتك من هواى

ومن جنونى .. !

ولقد برئت من الهوى

ومن الجنون .. ! !







عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)