كشكول الخواطر، أمين الريحاني (لبنان)، مقالات اعداد ودراسة جان داية - دار فجر النهضة

, بقلم محمد بكري


 أفكار لزماننا في «كشكول» أمين الريحاني


جريدة الحياة


الأربعاء، ٤ يونيو/ حزيران ٢٠١٤
جريدة الحياة
لطيف زيتوني


اكتشف الكاتب جان داية خمسين مقالة مجهولة للكاتب النهضوي امين الريحاني منشورة في جريدة «الهدى» النيويوركية بين العامين 1901 و1904 وكان دأب على نشرها تحت عنوان «كشكول الخواطر» وهو في مقتبل شبابه. هذه المقالات نشرها داية حديثاً في كتاب عنوانه «كشكول الخواطر» (دار فجر النهضة) وكتب له مقدمة ضافية تطرق فيها الى قصة هذه المقالات ومتوقفاً عند خصائصها وموقعها في مسار ادب الريحاني. هنا قراءة في هذه المقالات.

قبل الحديث عن كتاب «كشكول الخواطر»، وهي بذورُ أفكارٍ ستنمو وتنضج مع الزمن، أرغب في إبداء ملاحظتين. الأولى أن امين الريحاني نشر هذه الخواطر في السنوات الأربع الأولى من القرن العشرين. والثانية أنه كان في الخامسة والعشرين حين بدأ بنشرها.

غاية الملاحظة الأولى هي التنبيه الى جدة الأفكار التي حملتها هذه الخواطر في زمانها، أي بالمقارنة بما كان سائداً في الفكر العربي يومذاك. فقراءة النصوص خارج معطيات زمانها قد تحرمها من جدتها، وقد تغير معناها أو تمنحها أبعاداً لم تخطر ببال كاتبها.

أما الملاحظة الثانية فغرضها توجيه النظر الى الثقافة الواسعة التي حصّلها الريحاني في هذه السن المبكرة. فهو يتوقف عند الداروينية فينتقدها، وعند أعمال تولستوي فيبدي ملاحظاته عليها، وعند أفكار فولتير وكتبه فيعلق عليها، ويستشهد بجان جاك روسو، ويتحدث في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتغيير. وهو في كل ذلك يجاهر بانحيازه الى الفكر التنويري الذي زرعه فلاسفة القرن الثامن عشر والذي أنبت ثورة فرنسية قلبت كل المفاهيم الموروثة ورسمت أسس الدولة الحديثة والمجتمع العلماني الحر.

ومن يقرأ «كشكول الخواطر» يجد روح التنوير هذه قد صارت روح الريحاني، وستبقى إياها مع مرور السنين. فقد نضج الريحاني مع العمر، وترقى أسلوبه في البلاغة وتنوّع وتلوّن وقوي في التعبير، لكن روحه بقيت واحدة، يستشفها القارئ في النفَس الذي رافق كتاباته، وفي الخلفية الفكرية التي سندتها، من «كشكول الخواطر» الى «قلب لبنان» - الكتاب الجميل الذي لم يكتمل.

هذه الروح التنويرية لم يبتدعها الريحاني، ولا فلاسفة عصر الأنوار في اوروبا، ما دام جان جاك روسو في كتابه «خطاب في اللامساواة» يقدم التحية الى مفكري عصر النهضة كتاسيت وبلوتارك وغروتيوس. ولعل أبلغ تعريف لها هو قول الفيلسوف كانط Kant في كتابه «ما هي الأنوار»: انها انعتاق الفرد من حالة اللانضج، أي من العجز عن الإدراك من دون توجيه شخص آخر. ويحمّل كانط المسؤولية عن هذه الحالة للفرد نفسه لأنه لا يملك الارادة ليحاول الادراك بمفرده ومن دون الاستعانة بأحد.

روح الأنوار

تتمثل روح الأنوار في «كشكول الخواطر» بمجموعة من المبادئ المبثوثة فيها من غير نظام.

المبدأ الأول هو التفكير النقدي: يستشهد الريحاني في الكشكول بمقدمة كتاب «نقد العقل الخالص»، التي يقول الفيلسوف «كانط» فيها إن القرن الثامن عشر هو «القرن الخاص بالنقد الذي ينبغي أن يخضع كل شيء لأحكامه». ثم يبني على هذا القول قولاً آخر، هو أن سلطة العقل ينبغي أن تعلو على سلطة الدين والدولة. وعليه يصبح العقل هو المرجع الصالح الوحيد للنظر في صحة الشرائع أو خطئها، ومن يرفض حكم العقل يدين نفسه بنفسه.

العقل هو الهادي الى الحقيقة، والشك هو طريقها والمفتاح. لذلك ينصح الريحاني المؤمن بأن يجعله ملحقاً لإيمانه. أما من يرى في الشك وسوسة من الشيطان فنصيحة الريحاني له ألا يعادي الشيطان.

المبدأ الثاني هو الإرادية: وهي الاعتقاد بطاقة الارادة على إحداث التغيير في المجتمع والسلطة والأحداث والواقع. لقد نظر الريحاني الى الواقع فوجده ناقصاً، جامداً، فاسداً أحياناً. فوجد الإخاء غائباً. ديموقراطية الأكثرية عوجاء، لأن الأصوات تشرى بالمال. ووجد المجتمعات بعد الثورات ما زالت حيث كانت قبلها. ووجد بضاعة المفكر كاسدة لأن الإنسان يقدّم بطنه على قلبه، وقلبه على عقله. مع ذلك لم يتوقف عن دعوة قرائه الى التطلع صوب المستقبل. فأسس الحياة في نظره هي الصحة والعقل والبشاشة. ومن يملك هذه الجواهر الثلاث لا ينبغي أن يهمه الماضي الذي مضى، بل الحاضر الذي يعيش فيه والمستقبل الذي عليه أن يصنعه.

المبدأ الثالث هو المساواة: وهذه الفكرة التي أطلقها جان جاك روسو وتبنتها الثورة الفرنسية لا تقتصر على المساواة السياسية بل تشمل المساواة الاجتماعية والاقتصادية أيضاً. لهذا يقف التنويريون دائماً ضد الامتيازات. ولذا يرتفع صوت الريحاني ضد الألقاب: «الرجل بأدبه وليس بلقبه». وهو يشبه الشرف الموروث بالمال الموروث، فكلاهما يأتيان من دون عناء ويذهبان الى الفناء. وهو يذهب الى ابعد من ذلك حين يرى أن الشريف غالباً ما يتستر بلقبه لارتكاب القبائح، فيتساءل: لماذا يكون أكثرُ الأشراف غالباً غيرَ شريفين؟

ويبدو ان الريحاني يميز بين اللقب الموروث واللقب المستحق كاللقب العلمي. فالأول كالمال يقسَّم ويورَّث ويوهَب، فالأمير يتزوج فلاحة فتصبح أميرة، بينما ذو العقل لا يمكن ان يورّث عقله أو يهبه. قال: «يستطيع [السلطان] عبدالحميد أن يجعل الدكتور صروف بيكاً، ولكن الدكتور صروف لا يقدر أن يمنح عبدالحميد قسماً من عقله».

ولا تتوقف المساواة عند الريحاني على المساواة في الامتيازات وحقوق المواطنية، بل في الفرص الاقتصادية ايضاً. ها هو في مقالة له بعنوان «رائحة اشتراكية» يسلّط الضوء على مشكلة قديمة متجدّدة، هي الفقر فيبدأ بتقديم نتائجها الاجتماعية: «الفقر هو حليف الجهل». ثم يقدّم ما هو أدهى من أسبابها: الفقر يبعد الصبيان عن المدرسة ويرميهم بين الآلات والبضائع والمركبات. أي أن الفقر يؤدي الى عمالة الأطفال، وعمالة الأطفال تزيد أرباح اصحاب المصانع، وأصحاب المصانع يتولون السلطة والتشريع. إنها الدائرة التي ستبقى تدور ما بقيت السلطة حَكراً على أصحاب المال. ويستعير الريحاني من كتاب «الرجل الضاحك» لفيكتور هيغو صورة غوينبلان Gwynplaine، فيتخيل تولستوي وقد انتخب نائباً في البرلمان وقام يخطب في زملائه داعياً الى سن قوانين تصون حقوق الشعب، أو قام يقرأ فصلاً من روايته «البعث» أمام زملائه المشرّعين ويطالبهم بالعمل بمبادئها. ويسأل الريحاني القارئ عن النتيجة التي يتوقعها. ويجيب: سيعامَل تولستوي كما عومل غوينبلان، اي سيشتمه زملاؤه ويقذفونه بكل كلمة قبيحة.

إلا أن الأخذ بمبدأ المساواة لم يمنع الريحاني من النظر الى المرأة نظرة تظهرها غير مساوية للرجل. أيتحدث عن المرأة في زمانه أم عن المرأة في المطلق؟ لا شك في أن نظرته أقرب الى النظرة العملية التي تلتقط ما هو قائم. فالمرأة في ذلك الزمن كانت محرومة من الفرص التي تسمح لها بتحقيق خبرتها في السياسة وإدارة الشأن العام. فبقيت دون الرجل في ذلك. لهذا كان لا بد للريحاني، كمصلح اجتماعي، من أن يعالج هذا التأخير بتشجيع المرأة على العلم، وأوصاها بالاعتماد على نفسها في كل ما تستطيعه من شؤونها.

التساهل

المبدأ الرابع هو التساهل: والمقصود هو التساهل الديني بالدرجة الأولى. وهذه اللفظة أفضل في رأيي من لفظة التسامح التي تحمل شيئاً من الإدانة الضمنية المسكوت عنها. التسامح يمنع العنف، أما التساهل فيمنع التشدد والتعصب. وللريحاني جملة في الكشكول تصلح شعاراً لهذا المبدأ، وهي «للسماء أبواب عدة». لذا لا حاجة الى التدافع على الأبواب. ولا خوف على أحد من أن يبقى خارجاً، ففي السماء متسع للجميع. والتساهل دليل على المتساهل، فالعاقل لا يتخلى عن الشك، ولا يجزم قبل ان يقابل بين الوجوه المتناقضة، ويتفهم وجود التناقضات.

المبدأ الخامس هو الاصلاح: يقرن الريحاني الاصلاح بالوعي. ويرى أن الثورات لا تغير الواقع طالما بقي الناس منقادين انقياداً أعمى الى زعمائهم. ولا سبيل الى الخروج من هذه الحال إلا بتهذيب الشعب: «قبل أن تقوّضوا أركان الحكومة القديمة هذّبوا الشعب، أوجدوا رجالاً حكماء نزهاء ليتولوا زمام الحكومة الجديدة». ولكن من سيتولى تهذيب الشعب؟ كل أديب في رأي الريحاني يفضّل أن يدعى مصلحاً من أن يلقب بيكاً. ولكنه إن أهمل إصلاح نفسه لا يعود أهلاً لإصلاح وطنه. ويرى الريحاني صورة المصلح في هؤلاء المهاجرين الذين «تفقهوا وأفاقوا لواجباتهم الحقيقية ومسؤوليتهم الخطيرة وحقوقهم المقدسة». المصلح إذاً ينبغي أن يتحلى بخمس صفات هي المعرفة والوعي والوطنية والمسؤولية ثم الصدق الذي يعني تطابق كلام المصلح وأفعاله. وكما يحتاج الاصلاح الى مصلحين، يحتاج أيضاً الى مبادئ صالحة. والمبدأ قبل صاحبه في نظر الريحاني. فالإنسان الصالح قد يَفسد، أما المبدأ القويم فلا.

إن توجُّه الريحاني الى الإصلاح ورسمَه المبادئ الصالحة له دفعاه الى غربلة العقائد والتعاليم. فوجد أن كثيراً من الشرائع التي سُنَّت للناس لا تعبر عن تطلعاته. فأخذ في سن شرائع تلائم قناعاته.

إن تبني الريحاني لمبادئ الأنوار لم يمنعه في هذه السن الصغيرة من الإشارة الى صعوبة تطبيق بعضها، كمبدأ الإخاء الذي ما زال لفظاً في القاموس لم يخرج بعد الى التطبيق. ولم يمنعه من نقد استغلال بعضها الآخر، كالحرية التي يؤدي انفلاتها الى جرائم شنيعة. وهذه الانتقادات هي اليوم، في هذا القرن الجديد، موضع تفكر ومراجعة. فمبدأ الحرية أساسي، لكن اطلاق الحرية من غير ضوابط هو تشريع لأشكال الارهاب الديني والاقتصادي والسياسي والفكري.

بهذه الثقافة وهذا الوعي بدأ الريحاني الكتابة. فكان «كشكوله» مشتت الموضوعات بينما خواطره مركزة واضحة صادرة عن عقل قرأ تجارب الشعوب وأفكار مثقفيها فأحسن تحديد الخيارات التي تصلح لشعبه. إن افكار الكشكول هي أفكار لزماننا، لأنها تحمينا من التطرف والاستبداد والاستغلال، وتشحن ارادتنا على المواجهة، وتحضّنا على الانخراط في سياسة بلادنا والمشاركة في حركة زماننا.

إنها افكار لزماننا الذي يعاني من السلفية الدينية التي تمتهن التفجير والتهجير باسم الصفاء الديني، والسلفية القومية التي تنبش الجذور وتعيد رسم الهوية وتخلق الصراعات باسم الصفاء العرقي. وهاتان السلفيتان تهددان التعايش في مجتمعات العالم كلها.

ان مبادئ عصر الانوار في خطر اليوم، لأن التطرف أعاد البشر الى حالة اللانضج التي وصفها الفيلسوف كانط. ولا سبيل للخروج من هذه الحال إلا باعتماد المبادئ الانسانية الايجابية. وهذا يتطلب ان نعود الى أفكار عصر التنوير كما وعاها أصحابها وكما تمثلها أهل الفكر من بيننا وفي طليعتهم الريحاني. ويتطلب أيضاً أن نعيد صـوغها في ضوء اسئلة الحاضر لتأتي الأجوبة ملائمة للحاضر، وأن نرسم لها الضـوابـط لنمنع استغـلالها في غيـر غايتها. إن تشديد الريحاني في الكشكول، وخصوصاً في كتبه اللاحقة، على الإرادية هو دعـوة الى الخـروج من الانتظار والاستسلام، والى الايمان بالانسان، والى الثقة بقــدرتـه على تغيير مجرى التاريخ.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



 جان داية… أمين الريحاني في نتاج مجهول له


جريدة القدس العربي


السنة السادسة والعشرون ـ العدد 7769 السبت 7 حزيران (يونيو) 2014 ـ 9 شعبان 1435هـ
جريدة القدس العربي
بيروت ـ (رويترز) ـ من جورج جحا


يروي الباحث اللبناني جان داية في كتاب جديد له كيف انه كان يسعى الى الحصول على نتاج لجبران خليل جبران لم يكن متوفرا له ولكنه عوضا عن ذلك عثر على عدد كبير من المقالات للشخصية الادبية الاخرى في ذلك العهد أي امين الريحاني.
وقد استند الى قول دارسين لسيرة كل من جبران والريحاتي الأدبية ان لهذين الاديبين الكبيرين نتاجا ضخما في صحيفة عربية من تلك التي كان يصدرها لبنانيون في المهجر الامريكي الشمالي هي جريدة «الهدي». الا انه عثر فيها على نتاج لواحد منهما فقط.

وكان جان داية يتحدث في مقدمة كتابه الذي حمل عنوانا هو «أمين الريحاني ..كشكول الخواطر ..خمسون مقالة مجهولة» والذي أعده الباحث وأجرى دراسة عن محتوياته.

وقد جاء الكتاب في 271 صفحة متوسطة القطع وصدر عن مؤسسة «فجر النهضة». وقد احتوى على 62 مقالة للريحاتي منها 50 مقالة مجهولة نشرت تحت عنوان كشكول الخواطر و12 مقالة اعاد الريحاني نشرها في مجالات اخرى.

وفضلا عن أمين الريحاني (1876- 1940) فان لداية عددا من الكتب عن عدد من رجال النهضة الحديثة مثل المعلم بطرس اليستاني وجبران خليل جبران والشبخ عبد الرحمن الكواكبي والدكتور خليل سعادة واخرين غيرهم.

وتحت عنوان «الإهداء» تحدث داية عن عمله على جمع مواد كتابه الحالي في الولايات المتحدة فاهدى مؤلفه «الى المدير السابق لقسم الشرق الادنى في مكتبة الكونجرس (الامريكية) المؤرخ الدكتور جورج عطية الذي اذن لي بتصوير حلقات «كشكول الخواطر» من مجموعة جريدة «الهدى» المفقودة وقتذاك (1983) من كل مكتبات العالمين العربي والغربي».
وانتقل جان داية الى القول «أكد بعض دارسي سيرة جبران والريحاني الادبية الصحفية بانهما اغرقا جريدة «الهدى» العربية النيويوركية لصاحبها نعوم مكرزل بنتاجهما الادبي خصوصا في بداية حياتهما القلمية. ولحظة قرأت هذه المعلومة كنت غارقا في ورشة كتابي «عقيدة جبران» في اوائل ثمانينات القرن الماضي.

«أغلقت باب الورشة مؤقتا أملا بالحصول على مزيد من الكتابة الجبرانية وبخاصة البواكير. وعرضت اعداد «الهدى» في مكتبة الكونجرس منذ العدد الاول الصادر في 22 شباط فبراير 1898 حتى العدد الصادر في 15 نيسان/ابريل 1931 تاريخ وفاة جبران فلم اعثر الا على كلمة صغيرة لجبران ألقاها في مهرجان خطابي دعا اليه مكرزل بمناسبة وفاة سليمان البستاني في نيويورك ونشرت الخطبة في «الهدى» بتاريخ 9 تموز يوليو 1925.

«هنا يمكن القول ان المعلومة الخاصة بجبران كانت خاطئة بنسبة 99.99 بالمئة ومن المرجح بل المؤكد ان اختراع هذا الشق من المعلومة كان ثمرة فرضية كاتبها تقديرا منه ان جبران لا بد ان يكون نشر بواكيره في «الهدى» وكالعادة ردد الاخرون هذه المعلومة من غير ان يكلفوا خاطرهم في العودة الى جريدة نعوم مكرزل للتأكد من صحتها او بعدها عن الحقيقة…»

اضاف يقول «ولكن الشق الخاص بالريحاني في المعلومة صحيح بالنسبة ذاتها لخطأ المعلومة الخاصة بجبران. فقد نشر الريحاني في جريدة صهره مكرزل عشرات المقالات ومعظمها تحن عنوان «كشكول الخواطر» خاصة خلال السنوات الممتدة من 1901 حتى 1904 .

«وكان يمكن ان يرتفع منسوب المقالات الريحانية في «الهدى» لولا سببان وجيهان احدهما شخصي عائلي يعود الى خلاف مكرزل مع زوجته ادى الى الطلاق والثاني فكري سياسي اذ ان صاحب «الهدى» محافظ وطائفي في حين ان الريحاني راديكالي وعلماني. وهنا يمكن الاستنتاج ان «طلاق الريحاني مكرزل» كان سيحصل حتى لو لم يتم طلاق مكرزل لاخت الريحاتي. ولعل أحد المؤشرات على ذلك الخلافات التي حصلت بين الرجلين خلال سنوات العسل المر وقد أدى احدها الى غياب الريحاني عن «الهدى» حوالى السنة.

«…وبالمناسبة فان كل حرف من كشكول الخواطر اضافة الى ما نشر الريحاني في «الهدى» خارج تلك السلسلة يتمحور على عقيدة سياسية اجتماعية مناهضة بقوة للصراع الطائفي الذي كان مكرزل احد قادته».

وفي مجال آخر قال داية إن الريحاني منذ مطلع القرن العشرين حتى لحظة سقوطه عن الدراجة الهوائية في بلدته الفركية ورحيله سنة 1940 نتيجة هذا الحادث «استمر الريحاني على مفاهيمه الاصلاحية في الدين والسياسة والأدلة كثيرة اكتفي منها بثلاثة.

«الدليل الأول وعنوانه البهائية وهو الذي دفع البعض الى الاعتقاد بان الريحاني كان بهائيا نظرا لمفاهيمهما المشتركة حيال الاديان ووحدتها وعدم تعارضها مع المباديء السياسية والاجتماعية والقومية التي تتمحور عليها دساتير الامم. لم يكن الريحاني بهائيا ولكنه كان صديقا للبهائيين ومحبذا لعقيدتهم».

اضاف ان الدليل الثاني هو ان الريحاني الذي كان يحمل على رجال الدين وعلى البطريرك الماروني انطون عريضة والمطارنة تصالح مع البطريرك الذي زاره في منزله في الفريكة ردا على زيارة الريحاني له قال للبطريرك ’اننا يا مولاي نكبركم ونجلكم لا لانكم تدافعون عن المكلف اللبناني وتجاهدون المرهقين له من وطنيين واجانب.

«لا لانكم تحملون العلم والصليب من اجل الفلاحين والعمال البائسين.. اننا نجلكم ونكبركم لا لهذه الاعمال الشريفة وحدها بل لانكم وضعتم كذلك الاسس المتينة للسياسة اللبنانية العتيدة الموالية للجيران الداعية للتفاهم والتعاون المشيدة للوطن وبناء الاخاء العام.

«ولعل أطرف ما في الزيارتين ان الريحاني الذي كفّره كهنة الجالية (المارونية) في نيويورك… استقبله رئيسهم الاعلى في مقر البطريركية الشتوي في بكركي ورد له الزيارة في الفريكة».

وقال المؤلف ان الدليل الثالث هو وصية الريحاني التي كتبها في 7 ايلول سبتمبر 1931 والتي توزعت على عشرين بندا «يتمحور نصفها مباشرة او مداورة على الدين».

في البند 15 من الوصية يقول انه يتخيل نفسه يقف «أمام صاحب السجل السماوي وهو يسأل ويكتب… ثم يبتسم لمسيحيتي الشاملة ويطأطىء رأسه عندما انطق بكلمة (التوحيد) اني من الموحدين وان في مرآة توحيدي لتنعكس وجوه الانبياء والرسل اجمعين كونفوشيوس وبوذا وزرداشت وسقراط وموسى ويسوع ومحمد وبهاء الله… وان وجوههم كلها لتتآلف وتتمازج ثم تنعكس وجها واحدا هو الرمز الاقدس لوجه الله». (إعداد جورج جحا للنشرة العربية – تحرير محمد هميمي).

عن موقع جريدة القدس العربي

 المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)