كتاب الرحلة الشامية، الأمير محمد علي، مصر

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ١١ أبريل/ نيسان ٢٠١٥
جريدة الحياة
أنيس الأبيض


الأمير المصري محمد علي في كتابه «الرحلة الشامية»


ضمن سلسلة الكتب التي تضمّنت أخبار الرحالة العرب إلى الديار الشامية في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، وقفنا على كتاب الأمير محمد علي «الرحلة الشامية»، إذ نقرأ في مقدمة الكتاب الأسباب التي دفعت صاحبها إلى تنظيم هذه الرحلة بعد ما أمضى نحو ثلاثين يوماً في جو البلاد الأوروبية، حتى أنّه لم يترك شيئاً من آثارها التاريخية ومعاهدها العلمية ومعالمها الصناعية إلا وزاره.

شدّ الرحال إلى دمشق عاصمة بلاد الشام على رغم المشقّة وعدم توافر وسائل الراحة. ولقد تسنى لصاحب الرحلة سماع بعض الأخبار عن بعض الطوائف في تلك البقاع التي يحسن أهلها اختيار الخيل ويجيدون ركوبها على أتمّ ضروب الفروسية وأكمل خواصها، وأخصهم في هذا المعنى وأشهرهم به «فوارس الدنادشة وأبطال العكاكرة».

تبدأ رحلة الأمير من بور سعيد في 21 ربيع الأول سنة 1328 /1910 باتجاه مدينة بيروت التي وصلها يوم السبت في 22 من ربيع الأول.

يصف الأمير الاستقبال الذي أعدّ له في ميناء بيروت من جانب كاتب أسرار الولاية وقومندان الجندرمة ومندوب الحكومة العثمانية لدى شركة السكك الحديدية ثم ناموس متصرف جبل لبنان مع بعض أعيان مدينة بيروت وأعضاء المجلس البلدي فيها، وكان منهم أيضاً دولة ناظم باشا الوالي وأركان الولاية وأعيانها الذين استقبلوه في فندق «أوروبا».

ثم ينقلنا إلى زيارة متصرف جبل لبنان «يوسف باشا فرانكو». وبعد أن يصف طبيعة الاستقبال الذي خصّه به المتصرف عند مدخل السراي بفرقة من العساكر ومعها موسيقاها، يبدي إعجابه بفرقة العساكر الموجودة عند مدخل السراي وبارتداء الجند السلط والسراويل، وبأنّهم رجال ضخام الأجسام طوال القامة فهم صفوة الفرسان».

ثم ينقلنا إلى القشلاق حيث فيه مركز جناب قومندان الموقع العسكري في حكومة بيروت. مما لفت نظره في بهوه الكبير ساعة كبيرة تدق «للساعات العربية والإفرنكية» وهي هدية منحها إمبراطور ألمانيا حينما ساح سياحته في البلاد الشامية وجاء إلى بيروت ونزل في تلك الثكنة حيث أعدّ له مكان خاص فيها مدة وجوده في المدينة.

ينوّه الأمير بزيارة المدرسة الحربية أو كما يصفها بالمدرسة العسكرية الابتدائية وكان موقعها من المدينة في قسم الباشورة وهي تحتوي على سبعين تلميذاً يبلغ سن الواحد منهم من سبع سنين إلى أربع عشرة سنة»، أما العلوم التي يتدارسونها فهي علوم الجغرافية والهندسة والتاريخ.

ولا ينسى أن يعرّج على « المدرسة الملكية» حيث رحّب به بخطاب تركي أحد التلاميذ. وبعد تجواله في المدرسة وزيارة جميع أقسامها أثنى الأمير محمد علي على رئيس المدرسة الشيخ أحمد أفندي عباس الذي سعى إلى حض التلاميذ على الاهتمام بالتعليم.

ثم يتحدث عن نزهة في ضواحي المدينة، ويخصّ بالذكر غابة كبيرة من شجر الصنوبر «كان أمر بغرسها جدنا المرحوم إبراهيم باشا الأكبر».

يورد الأمير أسماء العديد ممن التقاهم في بيروت، ومنهم البلّوني المسكوفي كونت برانتيبيسكي أحد عظماء بلاد روسيا.

ولا ينسى أن يذكر زيارته لمجلس بيروت البلدي إجابة لدعوة رئيس البلدية الذي أعدّ له مأدبة شاي جميلة في حديقة الحرية، وهي في باب سراي الحكومة وكانت تسمى بالحديقة الحميدية منذ عشرين سنة. وبحضور الوالي ناظم باشا والمتصرف يوسف باشا فرانكو ارتجل الحاج مليح أفندي رمضان خطاباً في غاية الدقة والرزانة ثم قام الشيخ أحمد طبارة وألقى كذلك خطبة أشاد فيها بروابط الوداد وعلائق الاتحاد بين الشعبين المصري والشامي.

يبدي الأمير إعجابه بمدينة بيروت، فهي أكبر ميناء في بلاد الشام وعدد سكانها نحو 150 ألف نسمة وعدد العسكر فيها يقرب من 1100 جندي منهم 800 من البيادة والطوبجية ونحو 300 من السواري.

أما مدارس المدينة فكثيرة، إذ تبلغ نحو مئة مدرسة، للمسيحيين منها سبعون مدرسة، أربعون للبنين وثلاثون للبنات وللمسلمين ثلاثون مدرسة خمس وعشرون للذكور وخمس فقط للإناث. كما أنّ للمسيحيين ما يزيد على الأربعين كنيسة بينما مساجد المسلمين لا تربو على خمس وعشرين.

يبدي الأمير إعجابه بمستوى التعليم في مدينة بيروت مما يسر أنصار العلم وعشاق المعارف ومحبي التقدم والرقي، لهذا كان يرى أنّ معظم الأهالي يجيدون القراءة والكتابة «وقلّما وجدت مدينة أهلها كذلك في كل بلاد الشام».

أما مطابع بيروت، فإنّها ليست أقل أهمية من مدارسها، وأقدمها الأميركان ثم اليسوعيين ثم مطبعة «حديقة الأخبار»، ومما امتازت به هذه المدينة عن سائر مدن الشام أنّها تصدّر كثيراً من مطبوعاتها إلى البلاد الشامية وغيرها من البلاد الأجنبية.

ثم يورد أنه يوجد في المدينة معامل لحل الحرير الإفرنكي وللصابون والدباغة والفخار».

السفر إلى دمشق

وتحط هذه الرحلة الشامية بالأمير في دمشق الشام، حيث خفّ لاستقباله روحي بك مدير البوليس وفخر الدين بك مدير الأمور الأجنبية وحسين بك قومندان الدرك وأحمد أفندي الحسيبي وكيل رئيس البلدية.

كما قام بزيارة بعض وجهاء دمشق كسعادة محمد باشا العظم الذي زاره في داره الشامية الأثرية، كما يبدي تقديره لأهل الشام الذين لا يزالون محافظين على آثار أسلافهم وتاريخ عمائرهم.

ولا ينسى زيارة أسواق دمشق، كسوق الحميدية الجديدة وسوق الخوجة وسوق محمد علي فهمي وخانات المدينة، إلا أنّ أقدمها هو خان أسعد باشا وخان سليمان باشا.

كما يشير إلى وجود بعض الأعاجم الذين اتخذوا محال لنقش الأختام، وجماعة كثيرة من الكتاب العموميين يجلسون متفرقين في طول السوق وحولهم زحام من أهل البلد يستكتبون لهم العروض والجوابات.

ولا ينسى الإشارة إلى مدرسة « الظاهر بيبرس» ومكتبة الحكومة التي جمعت عند قبره واشتهرت في تلك الدائرة بنفائس الأسفار العربية وغرائب الكتب الفنية.

وتطوف مع الأمير في رحلته إلى بعلبك عبر سهل البقاع، فيصل إلى محطة رياق حيث يخف لاستقباله «سعادة عبد الحميد الدروبي باشا سيد مدينة حمص وقائمقام بعلبك وحضرة مطران بيك من أسرة مطران الشهيرة في بلاد الشام، ومنها إلى بعلبك التي لا يزيد سكانها آنذاك عن خمسة آلاف ومائتي نفس جميعهم من طوائف المسيحيين، وفيها حامية صغيرة وديران روميان وآخران مارونيان ومدرستان للبنات إحداهما لراهبات القديس يوسف والأخرى للبعثة الإنكليزية، وفيها أيضاً مساجد ومزارات لبعض الأولياء وروضة أنيقة ونبع يسمى برأس العين. وبعد أن يستعرض تاريخ المدينة وأهلها يسهب في الحديث عن قلعة بعلبك وعظمة آثارها.

إلى حمص وحماة

يحط الأمير عصا الترحال في مدينة حمص التي يبلغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة منهم ألفان من الروم الأرثوذكس وألف من اللاتين والباقي من طوائف مختلفة.

ومنها ينتقل إلى حماه حيث في محطتها عظماء الناس وأكابرهم وكان بعضهم من رؤساء البيوت الكبيرة فيها مثل زعيم أسرة الكيلاني الشهيرة ورئيس أسرة الأزهري التي هي من أضخم الأسر في تلك المدينة. ويسجل عن هذه المدينة كبر مساحتها عن مدينة حمص وسكانها يبلغون نحو 9 آلاف نسمة، أما المسلمون فيها فهم متمسكون بدينهم تمسكاً شديداً كما أنهم في غاية الشهامة والشجاعة.

إلى حلب

وبوصوله إلى مدينة حلب خف لاستقباله فخري باشا الوالي وتوفيق باشا قومندان عسكر الأزدي السابع في ولاية حلب وأسعد باشا جابري وحضرات العلماء والرؤساء الروحيين.

ويبدي الأمير إعجابه بالوالي فخري باشا، ويعبر عن ذلك بقوله «وقد كان عطوفة والي حلب حلب يتدفق علماً ويتوقد فطنة وذكاء».

يبدي الأمير إعجابه بقلعة حلب الواقعة وسط المدينة على تل مرتفع مرصوف بالحجارة، ويقال إنّ الذي بنى هذه القلعة هو سلوقي اختطّ حلب وبناها، فهي على هذا عتيقة متوغلة في القدم.

أما سكان حلب، فعددهم يقارب الـ200 ألف نسمة، والثلثان من هذا العدد مسلمون والثلث المتبقي من طوائف مختلفة منهم 12 ألف من الروم ومثلهم من اليهود و4 آلاف من الأرمن المتحدين والمارونيين والكاثوليك. ويوجد فيها جمعية بروتستانتية للإنكليز.

وفيها عدة مدارس ابتدائية وثانوية بعضها للفرنسيسكان، وفيها أيضاً مدرسة للبنات تديرها راهبات القديس يوسف، وأهل المدينة يجيدون اللغة التركية وعدد الإفرنج فيها أكثر من عددهم في مدينة دمشق، ولعل السبب في ذلك هو أنّ حلب بمثابة مستودع لكثير من متاجر الأوروبيين بحكم موقعها الجغرافي. كما يسجّل إعجابه ببيوتات المدينة المبنية من حجارة منقوشة مزخرفة لا فرق في ذلك بين طبقاتها العليا وأدوارها السفلى.

إلى طرابلس

قادت هذه الرحلة الأمير إلى مدينة طرابلس، فبدت من معالم المدينة القائمة على شاطئ البحر الروائح الزكية التي تفوح من أزاهير الأترج والبرتقال.

وجد في استقباله جمهوراً عظيماً من فرسان العكاكرة وفي مقدمهم سعادة عمر باشا العكاري باحتفال مهيب وسعادة عاكف بك متصرف مدينة طرابلس في مقدمة عدد كبير من رجال الحكومة وأعيان المدينة وعلمائها ووجهائها.

أما طرابلس، فهي أحد ألوية ولاية بيروت وعدد سكانها 30 ألف نسمة. ويبلغ عدد المسلمين منهم نحو 24 ألف نسمة والبقية من طوائف مختلفة أغلبهم من الروم الأرثوذكس، ويوجد في المدينة 14 مسجداً ومعبداً لليهود و14 كنيسة للمسيحيين لكل مذهب عدد يخصّه.

ثم إنّ للراهبات الفرنسيات ملجأ للأطفال ومدرسة للبنات، وللقُسُس الأميركيين مركز للتبشير ومدرسة. كما للمسلمين مكتبات جميلة.

ويورد بعض الأرقام عن واردات طرابلس من الأقطان والمصنوعات التي بلغت نحو عشرة ملايين وسبعمائة ألف فرنك، وأنّ الصادرات من الغلال والصوف والحرير والصابون والإسفنج بلغت تقريباً سبعة ملايين ومائة ألف فرنك. وأهم ما فيها من الصناعات صناعة الحرير، وكذلك صناعة الصابون.

ويورد أنّ ضواحي طرابلس خصبة التربة جيدة المعارف وفيها الكثير من شجر الزيتون والبرتقال والليمون وشجر التوت وهو أكثر من كل المغروسات لتربية دود الحرير. وفيها أيضاً يزرع الدخان الذي لا تزال زراعته تتقدم شيئاً فشيئاً.

أما شوارع المدينة، فهي مرصوفة بالحجارة وعليها أقبية وعقود يذكّر منظرها بالقرون الوسطى، وفيها سوق للحرير الذي يصنع فيها وعدد كبير من الخانات وأجملها خان الصاغة.

عند عودته إلى بيروت سجّل صاحب الرحلة الشامية زيارة المدرسة الأهلية وكلية الأميركان ومكتبتها المدرسية التي تحوي الكتب النفيسة وكذلك المتحف الذي توجد فيه مجموعة كبيرة من حيوانات محنّطة مختلفة أنواعها.

كما التقى في الكلية قنصل أميركا، كما تحدّث عن زيارة لمعمل الخواجة خوري السيوفي، وهو معمل كبير للمصنوعات الخشبية وحركاته الصناعية تجري كلها بواسطة الأدوات والآلات.

إلى صيدا

من بيروت انتقل إلى مدينة صيدا التي يبلغ عدد سكانها 11 ألف نسمة و 500 ألف نسمة منهم 8 آلاف مسلمون و 2500 من اللاتين و800 من اليهود و 200 من المذهب البروتستانتي. وفيها أسقفان للروم الأرثوذكس وأسقف للمارونيين وفيها مدارس إسلامية بعضها للبنين وبعضها للبنات ومدرسة للإسرائيليين تسمى مدرسة الاتحاد الإسرائيلي. كما أن فيها للبعثة الإنكليزية مدرستين إحداهما للذكور والأخرى للإناث، وللاّتين مدرسة للبنين، ولراهبات القديس يوسف مدرسة، وملجأ للأيتام وللجيزويت بعثة تبشير وكنيسة وعدة مدارس وكذلك يوجد فيها للموارنة وللروم الاتحاديين وللروم الأورثوذكس كنائس ومدارس خاصة.

وينهي الأمير رحلته بتسجيل انطباعاته عن الربوع الشامية التي حافظت على القديم من تقاليدها وعوائدها، وأما عوائد الناس وأخلاقهم وأزياؤهم فإنّها لم تختلف عن حالتها الفطرية إلا قليلاً في بعض الجهات التي يكثر فيها وجود الأجانب، كما الشواطئ والمراسي التجارية الشهيرة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)