أدب عالمي - ترجمة - كارلوس فوينتس - رواية أورا

كارلوس فوينتس يصوغ من العاديات مساحة أدبية كبيرة Carlos Fuentes, Aura, Roman

, بقلم محمد بكري

جريدة السفير
الثلاثاء 08/01/2013 - العدد 12375
إسكندر حبش


جريدة السفير اللبنانية


رواية «أورا».. الرجل معذور والمرأة ساحرة


من تلك العمارة الروائية الكبيرة التي تركها وراءه، يبقى ما نقل لغاية الآن إلى العربية قليلا جدا، قياسا إلى الأعمال الكثيرة التي جعلت منه أحد أكثر كتّاب أميركا اللاتينية حضورا على الساحة العالمية. بالطبع لا أقصد أن كارلوس فوينتس كاتب «مجهول» بلغتنا، لكن فقط هناك كتب أخرى تنتظر، كي تكتمل الصورة وليصبح ما أنجزه الكاتب المكسيكي واضحا.

من هنا تأتي ترجمة «أورا» (ترجمة خالد الجبيلي، نشر مشترك بين «طوى للنشر والإعلام»، و«منشورات الجمل») لتضع طابقاً إضافياً في سيرة هذه الرؤية التي تركها فوينتس خلفه، ربما كي تتوضح أكثر وبخاصة أن «أورا» رواية قصيرة جداً، على خلاف تلك الرواية الكبيرة الحجم التي اعتاد الكاتب نشرها. لكن وبخلاف الحجم، تبقى الكتابة في العبق عينه.

قد تكون السمة البارزة في «أورا» هي محاولة الروائي معالجته موضوعة الأنوثة المتعددة الاتجاهات، إذ ينجح في الدخول إلى قلب هذه الفكرة التي «سيطرت» على متخيل البشر منذ فجر الإنسانية. كلنا نعرف أن جزءاً كبيراً من هذه الرموز درسها كارل غوستاف يونغ إذ أعاد صوغها عبر رموز متعددة أسماها «نموذج الجدة». من هنا تقترب قصة فوينتس من تتابع هذه الرموز لتلاحق بطريقة مفصلية موضوعة الأنوثة عند «اورا».

في كتاب مقالات له بعنوان «كيف كتبت» (وفق الترجمة الفرنسية) يقول فوينتس إنه كتب هذه الرواية «تحت تأثير واعٍ لكل من هنري جيمس (Aspern Papers) وتشارلز ديكنز (Great Expectations) وبوشكين (La Dame De pique)، إذ يرى أن هذه الكتب الثلاثة تملك بنية متشابهة بكونها «تنتمي إلى العائلة الأسطورية عينها». والمقصود بهذه العائلة الأسطورية أن وجوهها الثلاثة البارزة هي السيدة العجوز والمرأة الشابة والرجل الشاب. حيث يتعرّف الشاب إلى سرّ العجوز، بينما كان على الشابة أن تنهمك لمعرفة السرّ قبل أن ترحل العجوز وتموت.

مع «أورا» يقدم فوينتس تنويعاً آخر على هذه البنية، إذ إن «أورا» و«كونسولو» تشكلان في النهاية شخصية واحدة، وهما من انهمكتا في انتزاع سرّ الرغبة من فيليبي، أي بمعنى آخر نجد أن فوينتس قد بدّل المفهوم العام، بحيث أن الشاب هو الذي تمّت خيانته في النهاية، وليذهب إلى أبعد من ذلك إذ يرى في المرأتين التجسيد لما كانت عليه ساحرات القرون الوسطى. من هنا نفهم استشهاده في مفتتح الكتاب بمقطع لميشليه الذي يجد أن «الآلهة مثل الرجال: يولدون ويموتون على صدر امرأة».

التنويع الذي يقدمه فوينتس في جعل المرأتين كأنهما شخص واحد، يتأتى من كون الكاتب يقدم أورا تحت مظهرين: الشابة والعجوز، وهو بذلك ينحو إلى لعبة قديمة في الأدب أيّ اللعب على الإيهام والإبهام في هوية هاتين الشخصيتين، إذ إن ذلك يسمح له بإظهار أن كل امرأة من هاتين المرأتين ليست في النهاية سوى كائن على كثير من التعقيدات والعقد، لتبتعدا بذلك عن كونهما «فكرة» مجردة، وبطريقة بحتة. لكن ومع رغبته في أن يباعد بينهما إلا أنهما في النهاية يكتملان، كلّ واحدة بالجزء الذي تمثله وانطلاقاً من العمر: لعبة التضاد العجوز/ الشابة.

قصة طويلة أم رواية قصيرة؟ لا أعتقد أن السؤال الأساسي يطرح هنا عند قراءتنا «أورا»، بل ثمة سؤال كتابي كبير لم ينجح فيه سوى قلة في هذا العالم، ومن دون شك، مثّل كارلوس فوينتس جزءاً من هذه القلّة التي تعرف كيف تصوغ من الأشياء العادية مساحة كبيرة من.. الأدب. وهذا الأهم. أعتقد.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية


صدر العدد الأول من جريدة السفير في 26 آذار 1974، وكانت ولا تزال تحمل شعاري “صوت الذين لا صوت لهم” و “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
اليوم، وبفضل تقنيات الاتصال الحديثة والإنترنت، تخطت السفير مصاعب الرقابة والتكاليف الباهظة للطباعة في الخارج وتمكنت من الوصول إلى قرائها في القارات الخمس.
تتضمن صفحات السفير الأخبار والتغطية الميدانية للأحداث في السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والرياضة والترفيه، بالإضافة إلى التحقيقات الميدانية والعلمية والبيئية.
وتتولى تغطية الأحداث اليومية مجموعة صحفيو السفير ومراسلوها في واشنطن وباريس ولندن والقاهرة وفلسطين ودمشق وعمان وموسكو وروما وبون، مستعينون كذلك بالخدمات الإخبارية التي توفرها وكالات الأنباء العالمية.
لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)