قصيدة لا تصالح للشاعر أمل دنقل

, بقلم محمد بكري


لا تصالح


(1)

لا تصالحْ!

..ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى..:

ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،

هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..

وكأنكما

ما تزالان طفلين!

تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

صوتانِ صوتَكَ

أنك إن متَّ:

للبيت ربٌّ

وللطفل أبْ

هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ ..

تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب!

(2)

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

سيقولون:

جئناك كي تحقن الدم..

جئناك. كن -يا أمير- الحكم

سيقولون:

ها نحن أبناء عم.

قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

إلى أن يجيب العدم

إنني كنت لك

فارسًا،

وأخًا،

وأبًا،

ومَلِك!

(3)

لا تصالح ..

ولو حرمتك الرقاد

صرخاتُ الندامة

وتذكَّر..

(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)

أن بنتَ أخيك “اليمامة”

زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-

بثياب الحداد

كنتُ، إن عدتُ:

تعدو على دَرَجِ القصر،

تمسك ساقيَّ عند نزولي..

فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-

فوق ظهر الجواد

ها هي الآن.. صامتةٌ

حرمتها يدُ الغدر:

من كلمات أبيها،

ارتداءِ الثياب الجديدةِ

من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!

من أبٍ يتبسَّم في عرسها..

وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..

وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،

لينالوا الهدايا..

ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)

ويشدُّوا العمامة..

لا تصالح!

فما ذنب تلك اليمامة

لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،

وهي تجلس فوق الرماد؟!

(4)

لا تصالح

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟

وكيف تصير المليكَ..

على أوجهِ البهجة المستعارة؟

كيف تنظر في يد من صافحوك..

فلا تبصر الدم..

في كل كف؟

إن سهمًا أتاني من الخلف..

سوف يجيئك من ألف خلف

فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة

لا تصالح،

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

إن عرشَك: سيفٌ

وسيفك: زيفٌ

إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف

واستطبت- الترف

(5)

لا تصالح

ولو قال من مال عند الصدامْ

“.. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام..”

عندما يملأ الحق قلبك:

تندلع النار إن تتنفَّسْ

ولسانُ الخيانة يخرس

لا تصالح

ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

كيف تنظر في عيني امرأة..

أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

كيف تصبح فارسها في الغرام؟

كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

 كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟

لا تصالح

ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

وارْوِ قلبك بالدم..

واروِ التراب المقدَّس..

واروِ أسلافَكَ الراقدين..

إلى أن تردَّ عليك العظام!

(6)

لا تصالح

ولو ناشدتك القبيلة

باسم حزن “الجليلة”

أن تسوق الدهاءَ

وتُبدي -لمن قصدوك- القبول

سيقولون:

ها أنت تطلب ثأرًا يطول

فخذ -الآن- ما تستطيع:

قليلاً من الحق..

في هذه السنوات القليلة

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيلٍ فجيل

وغدًا..

سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

يوقد النار شاملةً،

يطلب الثأرَ،

يستولد الحقَّ،

من أَضْلُع المستحيل

لا تصالح

ولو قيل إن التصالح حيلة

إنه الثأرُ

تبهتُ شعلته في الضلوع..

إذا ما توالت عليها الفصول..

ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

فوق الجباهِ الذليلة!

(7)

لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم

ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..

كنت أغفر لو أنني متُّ..

ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.

لم أكن غازيًا،

لم أكن أتسلل قرب مضاربهم

أو أحوم وراء التخوم

لم أمد يدًا لثمار الكروم

أرض بستانِهم لم أطأ

لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!

كان يمشي معي..

ثم صافحني..

ثم سار قليلاً

ولكنه في الغصون اختبأ!

فجأةً:

ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..

واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!

وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ

فرأيتُ: ابن عمي الزنيم

واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم

لم يكن في يدي حربةٌ

أو سلاح قديم،

لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

(8)

لا تصالحُ..

إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

النجوم.. لميقاتها

والطيور.. لأصواتها

والرمال.. لذراتها

والقتيل لطفلته الناظرة

كل شيء تحطم في لحظة عابرة:

الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة

يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة

كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة

والذي اغتالني: ليس ربًا..

ليقتلني بمشيئته

ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

لا تصالحْ

فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..

(في شرف القلب)

لا تُنتقَصْ

والذي اغتالني مَحضُ لصْ

سرق الأرض من بين عينيَّ

والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

(9)

لا تصالح

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

والرجال التي ملأتها الشروخ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

لا تصالح

فليس سوى أن تريد

أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

وسواك.. المسوخ!

(10)

لا تصالحْ

لا تصالحْ

عن موقع أدب


قصيدة لا تصالح بصوت الشاعر أمل دنقل



جريدة الحياة


الجمعة 25 مايو 2018
جريدة الحياة
ابراهيم العريس

«لا تصالح» لأمل دنقل : شعر مدهش للمرارة والغضب


«لا تصالحْ!/ ولو منحوك الذهبْ / أترى حين أفقأ عينيكَ/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما... هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى..: ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،/ حسُّكما- فجأةً- بالرجولةِ،/ هذا الحياء الذي يكبت الشوق... حين تعانقُهُ،/ الصمتُ- مبتسمين- لتأنيب أمكما... وكأنكما ما تزالان طفلين!/ تلك الطمأنينة الأبدية بينكما (...)/ هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟/ أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء... تلبس -فوق دمائي- ثياباً مطرَّزَةً بالقصب؟ إنها الحربُ! قد تثقل القلبَ... لكن خلفك عار العرب/ لا تصالحْ... ولا تتوخَّ الهرب. لا تصالح على الدم... حتى بدم! لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ، أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟ أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! وهل تتساوى يدٌ... سيفها كان لك/ بيدٍ سيفها أثْكَلك؟ (...). لا تصالح... ولو حرمتك الرقاد/ صرخاتُ الندامة/ وتذكَّر...

(إذا لأن قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة) أن بنتَ أخيك «اليمامة» زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا- بثياب الحداد/ كنتُ، إن عدتُ: تعدو على دَرَجِ القصر، تمسك ساقيَّ عند نزولي... فأرفعها/ -وهي ضاحكةٌ- فوق ظهر الجواد/ ها هي الآن... صامتةٌ حرمتها يدُ الغدر: من كلمات أبيها (...)/ فما ذنب تلك اليمامة/ لترى العشَّ محترقاً... فجأةً،/ وهي تجلس فوق الرماد؟!. لا تصالح/ ولو توَّجوك بتاج الإمارة/ كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟/ وكيف تصير المليكَ.../ على أوجهِ البهجة المستعارة؟ كيف تنظر في يد من صافحوك... فلا تبصر الدم... في كل كف؟/ إن سهماً أتاني من الخلف... سوف يجيئك من ألف خلف (... لا تصالح/ ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام/ وارْوِ قلبك بالدم.../ واروِ التراب المقدَّس.../ واروِ أسلافَكَ الراقدين.../ إلى أن تردَّ عليك العظام!(...). لا تصالح/ ولو ناشدتك القبيلة/ باسم حزن «الجليلة»/ أن تسوق الدهاءَ/ وتُبدي -لمن قصدوك- القبول/ سيقولون: ها أنت تطلب ثأراً يطول/ فخذ -الآن- ما تستطيع: قليلاً من الحق... في هذه السنوات القليلة/ إنه ليس ثأرك وحدك،/ لكنه ثأر جيلٍ فجيل (...). لا تصالح ولو قيل إن التصالح حيلة/ إنه الثأرُ/ تبهتُ شعلته في الضلوع.../ إذا ما توالت عليها الفصول.../ ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس) فوق الجباهِ الذليلة!(...)./ لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم/ ورمى لك كهَّانُها بالنبأ.../ لا تصالحُ... إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة: النجوم... لميقاتها والطيور... لأصواتها والرمال... لذراتها/ والقتيل لطفلته الناظرة.

كل شيء تحطم في لحظة عابرة: الصبا- بهجةُ الأهل- صوتُ الحصان- التعرفُ بالضيف- همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي- الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ- مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة/. كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة/ والذي اغتالني: ليس رباً.../ ليقتلني بمشيئته ليس أنبل مني... ليقتلني بسكينته/ ليس أمهر مني... ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة/. لا تصالحْ فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ... (في شرف القلب)/ لا تُنتقَصْ/ والذي اغتالني مَحضُ لصْ/ سرق الأرض من بين عينيَّ/ والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!/. لا تصالحْ/ ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ/ والرجال التي ملأتها الشروخْ/ هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ/ وامتطاء العبيدْ/ هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينه/ وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ/. لا تصالحْ/ فليس سوى أن تريدْ/ أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ/ وسواك.. المسوخْ!. لا تصالحْ/ لا تصالحْ».

> لا شك أن القارئ قد تعرف في السطور السابقة على واحدة من أقوى وأقسى القصائد العربية التي كنبت خلال العقود الفائتة ومنع نداولها حينها في بلدان عربية عدة. ولا شك أيضاً أن القراء تعرفوا على صاحب القصيدة الذي اختزل حكاية حياته يوماً بقوله: «...عملت في وظائف مختلفة، وحتى الآن لم استقر في عمل معين. اخترت عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة عام 1980. وأصبت بمرض السرطان وأجريت عمليتين جراحيتين عام 1979 و1980، ولا أزال رهن العلاج حتى الآن. تزوجت عام 1978 من صحافية في جريدة الأخبار القاهرية، ولم أرزق أطفالاً حتى الآن». والشاعر هو طبعاً المصري أمل دنقل الذي كتب من وحي المرض وإقامته في المستشفى في شهور حياته الأخيرة، بعض أكثر قصائد الشعر العربي الحديث قوة ومرارة.

> أمل دنقل كان واحداً من ثلاثة صعيديين، «غزوا» القاهرة ذات يوم بأشكالهم الغريبة التي تشبه، أكثر ما تشبه، تراب الصعيد المصري: يحيى الطاهر عبدالله، أمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي، وهم يوم غزوهم للعاصمة المصرية حملوا معهم شفافية اللغة الشعرية، حتى وإن كان توجههم اختلف عن بعضهم البعض، فاتجه يحيى الطاهر عبدالله إلى القصة، وعبدالرحمن الأبنودي إلى الشعر الشعبي، بينما تحول أمل دنقل ليصبح مـنذ ديوانه الأول المنشور «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» (1969) واحداً من أبرز شعراء الحداثة العربية في مصر.

> ولئن كان شعر أمل دنقل تميز باستلهامه التراث العربي وتوظيف حكاياته ورموزه في قصائد تدل على الحاضر بأكثر مما تدل على الماضي، فإن هذا الشعر كان في الوقت نفسه، وبالنسبة إلى صاحبه، شعر صراع، ولعل هذا ما ميزه عن رفيقيه الصعيديين الآخرين، اللذين رحل أولهما، يحيى الطاهر عبدالله، عن عالمنا كما كان حال أمل دنقل، شاباً، بينما عاش الأبنودي سنوات عديدة بعدهما يحمل ذكرى الإثنين يملأ بها ثنايا قصائده.

> ولد أمل دنقل في قرية «القلعة» القريبة من مدينة قنا في صعيد مصر في العام 1940، وتلقى علومه الابتدائية والثانوية في قنا، وإن كان ظل يفخر حتى آخر أيامه بأنه لم يستفد من التعليم المدرسي بقدر ما استفاد من مكتبة أبيه العامرة بكتب الأدب والتراث والفقه. فوالده، الذي توفي وأمل في العاشرة من عمره، كان من علماء الأزهر ورجل علم وأدب. في العام 1960، وكان في العشرين من عمره، وبعد محاولة دراسية في كلية الآداب في جامعة القاهرة سرعان ما انقطعت، ترك أمل دنقل الدراسة وانخرط في سلك الوظيفة في محكمة قنا ثم في الجمارك. وفي تلك الآونة بدأ ينشر قصائده في الصحف المصرية وراحت تلك القصائد تلفت الأنظار. وما أن بات معروفاً بعض الشيء حتى حقق حلماً أثيراً لديه، وهو أن يترك الوظيفة وينصرف إلى الكتابة. وأتيح له في تلك الفترة أن يعمل صحافياً في مجلة «الإذاعة» وكان يشغل تلك الوظيفة حين صدرت مجموعته الأولى وبات علماً من أعلام جيل الستينات. وهذا مكنه من أن يحصل، العام 1971، على منحة تفرغ من وزارة الثقافة المصرية، لكي يحقق عملاً شعرياً عن قناة السويس. لكنه لم يتمكن أبداً من إكمال هذا العمل.

> في العام 1971، وكانت الثقافة المصرية بدأت تتراجع عن الازدهار الطليعي الذي عرفته في الخمسينات والستينات، أصدر أمل دنقل مجموعة شعرية ثانية نشرت، مثل الأولى، في بيروت. وترسخت مكانته كشاعر رؤية وقضية في الوقت نفسه، وبدأت هذه المكانة تترسخ عربياً، ليصبح صاحبها واحداً من أكبر شعراء الطليعة، خصوصاً أن الظروف السياسية في مصر، جعلت قصائده الغاضبة ضد ما يحدث، تنشر، وأكثر من مرة دائماً، في الصحف العربية. وحين صدرت مجموعته الجديدة «مقتل القمر» في بيروت أيضاً في العام 1974، لتتبعها في العام التالي مجموعة جديدة بعنوان «العهد الآتي»، لم يعد أمل دنقل في حاجة لأن يعرّف قراء الشعر العربي بنفسه، لكنه بدأ يزداد قلقاً ومرارة عن ذي قبل، فالأوضاع السياسية التي لا ترضيه، ترهقه، ووضع الثقافة المصرية والعربية في انهيار.

> ما تبقى لديه في تلك الآونة كان شعره، ووظيفة صغيرة شبه رمزية ضمنت له حياة كريمة بعض الشيء في منظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية. وهو، على عكس زملاء له كثيرين، آثر أن يبقى في مصر، على رغم كل ما يحدث، ولم يلحق بركب الهاربين من سياسة أنور السادات، على رغم معارضته هذه السياسة. كل هذا زاد من قلقه وزاد من غضبه، ومن هنا حين زار الرئيس السادات إسرائيل كتب أمل دنقل قصيدته «لا تصالح» التي كانت فاتحة في الشعر السياسي العربي الحديث، وهي قصيدة ضمتها مجموعته «أقوال جديدة عن حرب السويس» التي صدرت في القاهرة، عام 1983، بعد رحيله، في العام الذي صدرت فيه مجموعته الأخيرة، المتحدثة عن مرضه وموته بعنوان «أوراق الغرفة 8».

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


أمل دنقل على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)