قصيدة النثر وما تتميز به عن الشعر الحرّ، عبدالقادر الجنابي (العراق)، دراسة موقع ايلاف ودار الغاوون

, بقلم محمد بكري


جريدة الرياض السعودية


النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية
السبت 5 جمادى الاخرة 1435 - 5 ابريل 2014م - العدد 16721
الصفحة : ثقافة اليوم


فاطمة المحسن


يسهم الشاعر والمترجم عبدالقادر الجنابي في كتابه “قصيدة النثر وما تتميز به عن الشعر الحرّ” الصادر بالتعاون بين موقع ايلاف ودار الغاوون، في تفعيل الجدل حول اشكالية الشعر العربي المعاصر، ولعلها إشكالية تتعدى الجانب التاريخي لحضور الشعر في الثقافة العربية إلى ما يمس الصيغة المعرفية لصنّاع حداثته، والمآل الذي دفع بهذا الشعر اليوم إلى مواقع الظل في هذه الثقافة. وفي مقاربة المؤلف تحولات الحداثة الشعرية الغربية على مستوى الثقافتين الانكلوسكسونية والفرانكوفونية وربطها مع ما جاء به العرب من ثورات شعرية، يعطي انطباعاً بترجيحه الأسباب الخارجية في كل ما انجزه الشعر العربي الحديث وخاصة قصيدة النثر.

هذا الكتاب حصيلة شغف الجنابي بالشعر وإطلالته الواسعة على عوالمه الغربية والعربية، ولعل أفضل ما فيه المتعة التي يوفرها لقارئه، شأنه شأن أحاديث الجنابي نفسه، التي تفيض بحماس صاحبها وتشعّب مصادره. انه أقرب الى جهد متعدد الجوانب جمع الكثير من الأطراف المبعثرة في سلة واحدة. ومع ان نصوصه مجموعة مقالات سبق ان نشرها المؤلف، غير انها تترابط في بنية واحدة وتدور حول موضوع راهن في الأدب العربي. ويستكمل الكتاب مهمته في نصوص وتعريفات وتعليقات وترجمات لرواد قصيدة النثر الفرنساويين.

يدخل المؤلف إلى كتابه من مدخل الشعر العربي، ومن تواريخ انتقالاته، وخاصة قصيدة الشعر الحر التي كتبها السياب والملائكة، تلك التي جرى الجدل حول اسمها ونوعها. فالاعتراض الذي قدمه جبرا ابراهيم جبرا، كما يقول الجنابي، حول عدم صلاحية تسمية هذا الشعر بالحر، وانما يجب ان يُطلق هذا الاسم على شعره وشعر توفيق صايغ ومحمد الماغوط، لا يتفق كما يؤكد، مع من يعرف جيدا بتاريخ التحولات في الشعر الانكليزي، فأفضل القصائد الانكليزية التي سميت ب “الشعر الحر” هي تلك التي كتبها شعراء متضلّعون بالعروض استطاعوا التلاعب بالتفاعيل وبالمقاطع النبرية وغير النبرية لخلق وحدة وزن جديدة لقصائدهم. ويورد مثالًا قصيدة إليوت “أغنية حب جي ألفريد بروفوك” المسكونة بخماسي التفاعيل الإيامبي.

وكي تكتمل الصورة في هذه المقارنة، يرى المؤلف ان دفاع نازك الملائكة عن الوزن ورفضها لحرية تصل النثر بالشعر، لا يختلف عن تصريحات رواد الشعر الحر كوليم كارلوس وليامز وباوند وإليوت، المضادة لشعر أخذ ينتشر باسم “الشعر الحر” في اللغة الانكليزية، بينما هو في نظرهم شعر نثري. كذلك يربط بين ما جاء في كتاب الملائكة “قضايا الشعر المعاصر” حول بداية الشعر الحر وظروفه، وبين مقالتي إليوت “الموسيقى في الشعر” و”تأملات في الشعر الحر" فهو يرى أن أفكارها هي عين الأفكار التي أتى بها إليوت. فكل تلك الآراء تصدر عن موقف دفاعي يخشى عواقب التمرد كما يقول. كما يكتب في التفاتة جميلة عن وجه الشبه في كل الثقافات في المواقف من الجديد الشعري، كما حصل في الثقافة الفرنسية حيث شَجَر النقاش حول من كتب القصيدة الحرة اولا، ومثلما حصل في العربية، اعتبر المحافظون الشعر الحر مؤامرة أجنبية.

وكي يصل بيت القصيد في طرحه، يقارب ما تعنيه قصيدة النثر في الثقافة الفرنسية التي بدأت رحلة معكوسة في تحررها من القيود الشعرية، حيث سبقت “”الشعر الحر “فكانت المهاد او الأصل الذي انبثق عنها الشعر الحر. ويرى الجنابي ان كتاب” مانسيل جونز عن “الشعر الحر” الذي طبع في كيمبردج العام 1951، ثم اعيد طبعه العام1968، من أفضل المراجع الأولى حول حركة الشعر الفرنسي، لأهمية تعريفات هذا الكتاب وما تعنيه قصيدة النثر في الشعر الفرنسي. على هذا يرى ان المترجمين العرب بجهلهم به أهدروا فرصة “ستتيح للقاريء العربي أول تقديم تعريفي لمصطلح قصيدة النثر، فتترسخ في ذهنه بعض مميزات هذا الجنس الجديد، ولربما دفع هذا التعريف عددا من الشعراء الشباب آنذاك لارتكاب قصائد نثر عربية رائدة بالمعنى الصحيح للمصطلح” وفي الظن أن هذا الرأي الذي يربط بين الابداع والترجمات النقدية، يحمل قدرا من الوجاهة، ولكنه لا يستند الى تصوّر واقعي في تاريخ كل التحولات الشعرية في العالم. فكتاب سوزان برنار عن قصيدة النثر، كان موضع اهتمام مجلة “شعر” اللبنانية، وتكاد مقدمة انسي الحاج بأكملها في ديوانه الأول، تعتمد ترجمة الشاعر لبعض نصوص هذا الكتاب. كما الحال مع تصورات أدونيس او قواعده التي وضعها عن قصيدة النثر. بيد ان التجارب التي تبنّت قصيدة النثر، بما فيها تجربة أنسي الحاج نفسه كانت على اتصال بذائقة محلية او إبداع شخصي. فالحاج مثلا تضمنت قصيدته الكثير من الرومانسيات الكنسية، التي لا تشبه ما أتت به الترجمات عن قصيدة النثر الفرنسية، في حين كانت قصيدة الماغوط الذي يجهل شاعرها لغة أخرى، فتحاً شعرياً عفوياً من نوع مضاد، كان له تأثير حتى على الشعر الموزون.

يرى الجنابي ان “قصيدة النثر العربية” بقيت محتقرة عروضياً حتى يومنا، لأنها لم تجد متبحّرا واحدا في العروض العربي، يخصص وقتا للعثور على تفاعيل بحور غير معروفة للأذن العربية كي يستطيع تصنيفها او يقوم بقراءة تقطيعية جديدة لها. ولعل هذا الرأي ينطوي على إقرار بأهمية العروض او القواعد كي يحتكم الناس إلى جودة القصيدة، في حين كانت الثورة الشعرية تعتمد في أساسها على نفي قاعدة تقيّد الشاعر بأصولها.

اهتم الجنابي بقضية التأثيرات المتبادلة بين الفرنسية والانكليزية في انبثاق قصيدة النثر والشعر الحر عالمياً، فالشعر الفرنسي لا يعتمد على النبر كما الحال في الانكليزية حيث هناك شبح وزن بسيط يترصد من وراء الستار حتى في الشعر الأكثر حرية، على حد تعبير إليوت. في حين كل ما يحتاجه الشاعر في الفرنسية إلغاء حساب المقاطع. ولا نعرف لماذا يجهد الجنابي في مناقشة التجاذبات المفترضة بين شعر والت ويتمان وبودلير، مستندا على ما يراه “تشوشا كبيرا في الوسط الأدبي العربي حول علاقة ويتمان ببودلير” ولم يدلنا المؤلف عن مصادره العربية حول هذا التشوش. في حين ناقش مصدرين غربيين يتحدثان عن الاختلافات الواضحة في مطرحين من الشعرية العالمية ويتمان وبودلير، يتقاطعان كما هو سائد ومعروف.

ولطالما قرأ الناس عن العلاقة بين شعر إدغار آلن بو وبودلير بعد ان ترجم الأخير شعر بو، واستخدمه ذريعة للتعبير عن حداثة بشّر بها في الحياة والأدب. وحيث كان بو الشاعر الملعون في اميركا، بسبب طبيعة أدبه الذي يحوي العجائبي والفانتازيا وتصوير النزعات الباطنية للشر والقبح سواء في قصصه البوليسية او قصائده، اراد بودلير، بل استطاع، خلق هذا النوع من الإداء الذي يحمل بصمات مرحلة ثقافية واجتماعية في فرنسا، ليتشكّل بعده جيل من الأدباء “الملعوني” وصولا الى السورياليين. لعل عمله هذا يشبه صنيع عزرا باوند وهو يهتدي الى طريقة جديدة في القول الشعري حين اكتشف الكونفوشية وشعر الهايكو للتوصل الى “تصويرية” تكاد ترتبط باسمه رغم ان هناك أسماء سبقته إليها.

وفي الظن ان التجارب الشعرية بما فيها العربية، التي تنتج الجديد يبرز فيها وفي كل العصور عنصر التثاقف بين الحضارات والتلاقح بين اللغات، ولكن جديدها ينبع من زاوية نظر مبتكرة يطل منها المبدع على الثقافات الأخرى ليقدم مشروعه الخاص، او جديده الذي يحمل بصمته الشخصية وهويته الوطنية.

عن موقع جريدة الرياض السعودية
رابط آخر لقراءة المقال


جريدة الرياض أول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية صدر العدد الأول منها بتاريخ 1/1/1385ه الموافق 11/5/1965م بعدد محدود من الصفحات واستمر تطورها حتى أصبحت تصدر في 52 صفحة يومياً منها 32 صفحة ملونة وقد أصدرت أعداداً ب 80-100 صفحة وتتجاوز المساحات الإعلانية فيها (3) *ملايين سم/ عمود سنوياً وتحتل حالياً مركز الصدارة من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، ويحررها نخبة من الكتاب والمحررين وهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100٪) في سعودة وظائف التحرير.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)