ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

قصر السكاكيني بالقاهرة.. متحف يضم إبداعات الفراعنة في الطب والتحنيط Palais Saqâkinî en Egypte

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاحـد 17 ذو الحجـة 1432 هـ 13 نوفمبر 2011 العدد 12038
الصفحة : عين الشرق
القاهرة : طه علي


صاحبه اشتغل بتجارة الأسلحة البيضاء واهتم بجمع البرديات


قصر السكاكيني بالقاهرة

كثيرا ما كان يقرأ عنه الزائرون في أمهات الكتب بشأن إسهامات القدماء في الطب، بدءا من العصر الفرعوني، وحتى العصر الإسلامي مرورا بالعصور القبطية والرومانية واليونانية.

إنه قصر السكاكيني التاريخي، الواقع في قلب حي الظاهر بالعاصمة المصرية القاهرة، الذي صدر بشأنه قرار حكومي بتحويله إلى متحف طبي. ذلك أن القصر يضم في جنباته مختلف الآثار الدالة على الطب في مختلف عصور مصر منذ تاريخ المصريين القدماء (الفراعنة) وما بعدها. وبالتالي، سيتاح لهواة الآثار والعاديات فرصة الاطلاع على القطع التاريخية الفريدة، التي تعكس ثراء الطب عند القدماء في مبنى يجمع وظيفة المتحف الطبي، وجمال المعمار التاريخي البديع.

القصر، الذي ينتظر أن تستغرق عملية ترميمه ما لا يقل عن سنة، يضم مقتنيات عدة نادرة، منها مكتشفات وأدوات استخدمها المصريون القدماء منذ 4500 سنة، في العمليات الجراحية، والمعالجات الطبية على مر العصور.

ولكن قبل عرض المقتنيات، سيجري تنسيق المعروضات داخل قاعات المتحف، بما يتناسب مع تاريخ تطور الطب في مصر عبر العصور المختلفة، وبصورة تعكس ريادتها في هذا المجال. وبين المعروضات أدوات جراحية أثرية فرعونية كان قد عثر عليها في منطقة «أبيدوس» بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، ومناطق أخرى كثيرة، إضافة إلى البرديات الطبية مثل بردية «أبيس» الطبية المكتوبة بالخط الهيروغليفي، وعليها وصفات علاجية للكثير من الأمراض.

الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «إن سيناريوهات العرض المتحفي لقصر السكاكيني ستركز على إبداعات القدماء في ممارسة التحنيط، وإبراز دورهم في الإلمام بتشريح الجسم، ومقالاتهم التي سجلوها على البرديات الطبية. ومن بين البرديّات التي حواها باطن الأرض المصرية في سياق التحنيط، واحدة تشهد بدايات معرفة أسرار الطب في العصور القديمة، وتتناول حركات القلب ومعرفة أعضائه وأوعيته التي تذهب لكل عضو بجسم الإنسان، فحيث يضع الطبيب إصبعه، سواء كان على الرأس أو اليدين، أو على القلب نفسه أو الساقين، فإنه يحس بشيء من القلب إذ تذهب أوعية من ذلك العضو إلى كل جزء من أجزاء الجسم، وهذا هو السبب في أن القلب (يتكلم في كل أوعية الجسم)..».

وتابع «على هذا النحو كان المصريون القدماء يفهمون الطب، وهو ما سيعمل سيناريو العرض المتحفي على تنفيذه لإبراز إبداعات القدماء في علوم الطب المختلفة، إما عن طريق برديات أو أدوات أو وصفات كانت تستخدم لكثير من الأمراض وإبراز أهم من أبدعوا في هذا المجال مثل حابو وأمحتب وإبرس».

أما الدكتور صبري عبد العزيز، الرئيس السابق لقطاع الآثار الفرعونية، فقال إن «من أهم من اشتهروا في مجال الطب خلال العصور القديمة أمحتب، الذي كانت له إسهاماته في مجال الطب، كما كانت له إسهاماته في تطور العمارة الفرعونية، ولقد ظهرت براعته في فن العمارة والبناء بالحجر وتشييده للأهرام والمعابد». وأردف أن «أمحتب كان من رواد فن التحنيط وعلم التشريح، بالإضافة إلى معرفته الكبيرة بعلم النجوم، واختراع الكثير من العقاقير الطبية، وتأسيس مدرسة لتعليم الطب في مدينة ممفيس المصرية. وهذا كله جعل أمحتب يوصف بأنه داعية الشفاء، وفق ما كان سائدا في معتقدات المصريين القدماء، حتى إن معبده في سقارة بالجيزة، كان بمثابة دار للشفاء يزورها المرضى، ومعهد ذاع صيته في أنحاء العالم آنذاك، وانتشرت عنه أخبار كثيرة تعلن نجاحه في شفاء الكثير من الأمراض والعقاقير الناجحة التي اخترعها».

وأضاف «لذلك فإن المتحف المنتظر سيضم جانبا من آثار أمحتب، وغيرها من الآثار الدالة على قيام بعض الكهنة بتعليم الطب في المعابد، خلال سنوات من التدريب».

أما عن المبنى الذي يقع فيه هذا المتحف، فهو يعد من أقدم القصور في مصر، إذ شيّد عام 1897م على يد حبيب باشا السكاكيني، في ضاحية الظاهر بشمال وسط القاهرة، على مساحة 2698 مترا مربعا. وهو يضم خمسة طوابق وبدروم، ويمكن للزائر التجول فيه من خلال مدخله الرئيسي، عبر درجات من الرخام الأبيض. وعلى جانبي المدخل ينتصب تمثالان من الرخام يمثلان أسدين، وفي طابقه الأول بهو مستطيل يتصدره الباب الرئيسي الذي يفضي إلى صالة مستطيلة سقفها مزخرف بزخارف نباتية بارزة غاية في الدقة والجمال. أما أرضية هذه الصالة فمن الرخام الأبيض مع تقابلات صغيرة مربعة من الرخام الأسود. وفي الصالة الرئيسية باب يؤدي إلى غرفة كبيرة ملحقة بها غرفة مستديرة تضم مكتبة حائطية من الخشب. ويرى زائر هذه الغرفة سقفا مزخرفا بزخارف ورسوم زيتية وتماثيل وزخارف نباتية، بالإضافة إلى تمثال يحتمل أن يكون لصاحب القصر.

ويستطيع الزائر الوصول إلى الطابق الثاني عبر درجات خشبية. ويتميز هذا الطابق بصالة كبيرة مزخرفة بزخارف نباتية ملونة غاية في الدقة، أما أرضيتها فهي من «الباركيه» الملون، بينما جدران هذه الصالة مجلدة بدواليب (خزائن) حائطية خشبية ومرايا، في حين تتميز أبواب هذه الصالة بعقود خشبية.

وعبر الدرج الخشبي ذاته يمكن الوصول إلى الطابق الثالث، الذي هو عبارة عن صالة كبيرة واسعة، تحيط بها أربع غرف وشرفة كبيرة في وسطها سلم حلزوني يصل إلى الطابق الرابع، الذي يضم قاعة كبيرة يرجح أنها كانت للطعام، وفي وسطها سلم حلزوني آخر يصل بمستخدميه إلى الطابق الخامس.

من الناحية المعمارية، يجمع القصر بين طرز إسلامية وأخرى أوروبية، وتبدو بصمات العمارة العلوية التي سادت عصر محمد علي قاعاته وجدرانه. ثم إن صاحبه على الرغم من أنه في القاهرة، فإنه تأثر بوالده الذي ولد في دمشق وجاء منها إلى القاهرة. ولذا أراد الابن في عمارة القصر أن تحاكي الطراز البيزنطي، الذي كان منتشرا في أوروبا، واستعين به في سوريا حينئذ. وبناء عليه، حرص السكاكيني على تضمين المبنى الذي شيّده في مصر بالطراز البيزنطي المتناغم بالطرز المعمارية التي سادت عصر الأسرة العلوية.

بقي أن نشير إلى أن صاحب القصر، ورث عن والده مهنة بيع السلاح الأبيض ولذا اشتق اسم العائلة من المهنة. ومن بين ما اشتغل به السكاكيني العمل في حفر قناة السويس. وخلال عمله بها استغل وجود المهندسين الإيطاليين لوضع تصاميم القصر، الذي توصف واجهته بأنها تحفة معمارية على طراز القصور الأوروبية.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)