قبضة ماء، أسمهان الزعيم (المغرب)، رواية دار الأمان - الرباط - 2012

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


السنة الثامنة والعشرون العدد 8517 الأربعاء 6 تموز (يوليو) 2016 - 1 شوال 1437هــ
جريدة القدس العربي
ثقافة
محمد يوب ـ ناقد أدبي


المتكلم داخل الرواية : قراءة في رواية «قبضة ماء» للمغربية أسمهان الزعيم


1 ـ تقديم

تعتبر رواية «قبضة ماء» العمل السردي الثاني في تجربة أسمهان الزعيم؛ وهي كاتبة مغربية واعدة تتمتع بنَفَسٍ سردي مثير في بناء المتن الروائي؛ بتناولها قيما إنسانية جميلة مثل قيمة الحب بتفرعاتها من عطف وحب وصداقة وعشق؛ وليس الحب في شقه العاطفي فقط، وإنما باعتباره قرارا ينبغي تنفيذه، ابتداء من حب أم إيهاب لولدها وهي التي سلمته مظروفا فيه سر وجوده في الحياة وهو أنه ابن رجل عراقي «لا يعنيك إن كان أبوك الذي رباك سوريا أو أبوك الذي أنت من صلبه عراقيا؛ المهم والأهم بالنسبة إليك أنت ابن حلال… وشاءت الأقدار أن نفترق أنا وأبوك بعد شهر واحد على زواجنا»؛ ومن جهة أخرى حب (مها) لبسام وجدي كاظم وهي التي ظلت تنتظره لمدة عقدين كاملين؛ ومن جهة ثالثة حب إياد للشخصيات الثلاث؛ وهو الحب المضمر في قيمة الصداقة باعتباره صديقا لهم جميعا وخاض مغامرة تدبير اللقاء بينهم؛ ومن هذا المنظور نشعر بأن الرواية كتلة من العواطف والأحاسيس صرفتها الكاتبة جملا سردية.

2 ـ في عمق الرواية

«قبضة ماء» ليست رواية واحدة وإنما هي روايتان في رواية واحدة؛ الرواية الأولى تحكي أحداثها علاقة الحب التي تجمع بين بسام وجدي كاظم العراقي بالمغربية (مها) التي ظلت تحافظ على حبها له لعقدين من الزمن؛ وهي التي رفضت الزواج به وفق شريعته الخاصة «أراد أن يكون حبه لمها مختلفا؛ بلا قيود؛ متحررا تماما من القانون والدين والأعراف والتقاليد» ليغيب عنها منشغلا بمشاريعه في دول خليجية إلى حين عودته للسؤال عنها عندما أخبره صديقه (إياد) بأنها في أحد المستشفيات فاقدة للوعي بعدما تعرضت لحادثة سير أثناء مرورها بجانب إحدى التظاهرات.

والرواية الثانية هي الإطار الذي تناسلت منه الأحداث الأساسية، وهي ذات ارتباط وثيق بـ(إيهاب) الذي سلمته أمه ظرفا فيه قصة وسر وجوده في الحياة؛ كونه من صلب رجل عراقي طلق أمه بعد زواجهما لمدة شهر واحد؛ لتتزوج برجل سوري غني؛ أخفت عنه الحمل انتقاما لزوجها العراقي؛ حيث قالت في رسالتها «لا يعنيك إن كان أبوك الذي رباك سوريا أو أبوك الذي أنت من صلبه عراقيا؛ المهم والأهم بالنسبة إليك أنك ابن حلال؛ حملت بك بالحلال حين كنت على ذمة أبيك العراقي؛ وشاءت الأقدار أن نفترق أنا وأبوك بعد شهر واحد على زواجنا…) ليستلم (إيهاب) مسؤولية البحث عن والده عبر كوة السرد الروائي «سأبحث عنه في آخر الدنيا… أود أن أتملاه… أود أن أعرف منه كيف طلق والدتي ولماذا… هذه قصة قديمة اعتراها الصدأ» ليلتقي به أخيرا في المغرب أثناء زيارتهما لمَهَا في المستشفى بترتيب من صديقهما إياد «تركَتْ لي والدتي ضمن ما تركته مغلفا فيه رسالة طويلة تحوي صورة لإياد رفقتك؛ بها رقم هاتفه الذي استعنت به للوصول إليك» وبالفعل كان لإياد القدرة على ربط هذا التواصل عندما قال لإيهاب: «ما أود أن أقوله لك هو أن القدر أتاك فجأة وعلى حين غرة بالرجل الذي جئت تبحث عنه؛ وقطعت من أجله القارات والبحار…».

3 ـ ملامحُ الشخصات وهُوِّيتُها

تعتبر الشخصيات من أبرز مكونات السرد الروائي بها تنمو وتنهض الرواية؛ وينبغي أن نميز بين أنواع ثلاثة من الشخصيات:

أ‌ ـ الشخصية البيوغرافية: الكاتب في حياته الخاصة

ب‌ ـ شخصية المؤلف: وهو يكتب الرواية

ج‌ ـ الشخصية الساردة التي تقدم الشخصيات داخل المتن الروائي.

وهذه الأخيرة هي التي تهمنا في دراستنا النقدية؛ فهي ليست شخصية داخل الأحداث وإنما تقع خارجها؛ توزع الأدوار على شخصياتها الورقية؛ بطريقة تحاول التطابق مع الواقع من أجل إيهام القارئ بحقيقة ومصداقية ما يجري من أحداث؛ وتعطي للزمن والمكان معنى مقنعا.

وفي «قبضة ماء» يبدأ السرد بساردة مشاهدة للأحداث متتبعة لها؛ تعرضها وتعرض حركات شخصياتها وأفعالها؛ وتوزع أحداثها الروائية بين شخصيات أربع أساسية هي: إيهاب؛ إياد؛ باسم وجدي كاظم؛ مها المغربية. ولا يعني ذلك إلغاء الشخصيات الأخرى؛ وإنما تبدو كل شخصية عدا هؤلاء ظلا؛ أو (كومبارس) تدخل لماما ضمن محور الأحداث أو محور علاقتها بالشخصيات الرئيسية مثل: الأم ؛ الأب السوري؛ خالة مها؛ سيمون صديقة بسام…

بمعنى إن الشخصيات الأربع هي العوامل الممثلة التي أضاءتها الساردة من الداخل والخارج من أجل تقديمها للقارئ؛ باعتبارها بؤرة الرواية منها تنطلق وإليها تعود؛ بينت ملامح وهُوية كل شخصية على حدة؛ شخصية إيهاب المتأزمة؛ بسبب الرسالة التي تركتها له أمه؛ وشخصية بسام المزاجي الذي يأخذ قرارات خاصة غالبا ما تكون في غير محلها؛ وشخصية مها المغربية التي ضحت بزهرة عمرها في انتظار الغائب الحاضر؛ وهي التي نعتتها الساردة بأنها مصابة بـ(الحول العاطفي) وهو أن «يخيل للمرء أنه عثر على حبيب وما هو بالحبيب»؛ وشخصية إياد الكاريزمية التي قدمت الشيء الكثير من أجل نهاية سعيدة منطقية للرواية؛ لكن الساردة فضلت أن تنهيه ميتا في سبيل عمله الصحافي لترفع من وتيرة السرد وتزيد من انفعال وقلق المتلقي.

وتتراوح كثافة تأزيم الشخصيات بحسب الحالة الشعورية أو النفسية لكل شخصية؛ ويظهر هذا الاختلاف من خلال تقديم المشاهد ومن خلال مقاطع الحوار الذي من حين لآخر يغادر المساحة الورقية ليصبح مشهدا حيا في الرواية

«ما الأمر؟ لقد قطعت نياط قلبي؛

ما الذي جرى وحدث في غيابي؟

الذي جرى أنك غبت وحصل مكروه لبعض الأحبة.

هل توفي أحدهم؟

لا؛ ليس في الأمر وفاة؛ لقد أصيبت مها في حادثة سير وهي اليوم في المستشفى؛ ما فتئت تستيقظ من غيبوبتها»

إذ أن الحوار هنا لم يقتصرعلى ما تقوله الشخصيات؛ وإنما خرج بالقارئ إلى فضاء آخر وهو فضاء المستشفى وشخصية أخرى هي شخصية مها؛ إذ الحوار لم يبق منحصرا على إياد وباسم، وإنما أصبح منفتحا على شخصية القارئ وردة فعله وتورطه في ملء الفراغات بتخيُّل ما قد تعاني منه مها في المستشفى وهي في حالة غيبوبة، فالساردة هنا داخل الورق تحاول أن تكون واقعية في عرض الأحداث؛ إذ يرى القارئ كثيرا من التفاصيل الحياتية تتتابع كما في الحياة الحقيقية.

4 ـ على سبيل الختم

إن القارئ لرواية «قبضة ماء» للروائية أسمهان الزعيم يشعر بأن هناك حياة أخرى داخل الرواية؛ تأخذنا بلغتها الشعرية إلى عوالم مختلفة؛ تقترح علينا الساردة من خلالها تجارب شخصياتها كيف ننظر إلى الحياة؟ وكيف نتعامل معها؟ وتعلمنا كيف نكتب الحياة أدبا وكيف نخلق من الأدب جمالا؟
كما أن القارئ يطلع عن قرب أن قوة الرواية وعظمتها تعتمد على قوة موضوعها؛ وعلى الطريقة التي اتبعتها الكاتبة في معالجة موضوعها وإبراز تفاصيل وجزئيات شخصياتها.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد القدس العربي للمقال بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)