في الذكرى المئوية لميلاد الشيخ إمام 1918 - 1995

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 23-06-2018
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


الشيخ إمام.. حين تبنّته الناصرية


<article4781|cycle|docs=5698,5699,5700,5701,5702,5703,5704>


تحت عنوان “مئة سنة حلوة الشيخ إمام”، يحتفل “مترو المدينة” ويغني بمناسبة العيد المئة للشيخ إمام في حفل يقام يوم الاثنين 2 تموز. بدأ الشيخ الضرير مشواره في مرحلة متقدمة من العمر، ولمع اسمه بعد هزيمة 1967 حين تبنّته الدولة في خريف 1968 وعمدت إلى إطلاقه إعلاميا بشكل واسع، غير أنها عادت ونبذته بسرعة وحجبت اسمه بشكل كامل.

في تشرين الأول/أكتوبر 1968، تحدّث الناقد المصري، رجاء النقاش، عن الشيخ إمام بحماسة بالغة، وتطرّق إلى تجربته الفنية في البرنامج الناجح “شريط تسجيل”، وتمنّى له الوصول إلى الجمهور العريض، وناشد المسؤولين الاهتمام بإنتاجه. وتابع هذه الدعوة من خلال مجلة “الكواكب” التي كان يومها يرأس تحريرها، ونقل في زاويته الأسبوعية في 22 أكتوبر خبراً يقول إن عاصي الرحباني استمع إلى شريط سُجّلت عليه بعض ألحان الشيخ، فقال: “هذا الشيخ إمام فنان كبير وألحانه حادثة مهمة في موسيقانا العربية”. وأضاف الكاتب معلّقا: “هذا ما قاله عاصي الرحباني، والعهدة على الراوي، والراوي هو محرم فؤاد الذي حمل إلى بيروت بعض ألحان الشيخ إمام، وسمعها عاصي الرحباني منه”.

في هذا السياق، تحدّث النقاش عن أحمد فؤاد نجم، وكتب معرّفاً به: “شاعر جديد يُسعد الكواكب ان تُقدّم بعض قصائده في هذا العدد. ونجم يذكرك في شعره وفي شخصيته بأمير الشعر الشعبي بيرم التونسي. انه من مدرسته ومن تلاميذه في نفس الحيوية والعذوبة والسخرية والدهاء والانطلاق الفني وسهولة التعبير. وفيه انه ابن مخلص للشعب وتجاربه ومشاعره المختلفة. وقد كان من حسن الحظ انه التقى الشاعر نجم بالملحن الشيخ امام، فكوّنا معا ثنائيا ممتازاً سوف يكون له شأن في الفن العربي خلال الفترة القادمة”. كرّست “الكواكب” صفحتين من صفحاتها لهذا الشاعر الجديد، ونشرت من نتاجه ثماني قصائد، وهي: بيرم، بقرة حاحا، جوازة، الغربة، خالتي مباركة، الحاوي، عالمحطة، شوف الحكاية، على حسب وداد جلبي.
من جهة أخرى، حمل العدد مقالة أخرى تنوّه بالشيخ إمام حملت توقيع الكاتب راجي عنايت. مثل رجاء النقاش، رأى صاحب المقالة ان الشيخ إمام “موهبة تحتاج إلى الاهتمام”، وهي ابنة هذا المجتمع الذي “يتحوّل إلى الإشتراكية”، والدولة مدعوة إلى تبنّيها، لا سيّما أنها تثمر في زمن تتحوّل فيه مجالات العمل الفني إلى قطاعات عامة، منها مؤسسة للسينما ومؤسسة للمسرح ومؤسسة للنشر. اعتبر راجي عنايات ان الشيخ امام لم يصل بعد إلى الجمهور “لأنه رجل عجوز فقير، شكله غير لطيف أو وسيم، ونطاق اتصالاته الفنية والصحفية ضعيف وفقير”، وأضاف متهكّما: “ليس مهما ان يكون موهوبا، ومسألة ثانوية ان يكون الفن الذي ينتجه يشكّل احتياجا في وقتنا هذا. هذه مسائل فرعية. انما سيزيحه من الطريق فنان آخر محدود الموهبة، يعرف كيف يصل إلى ميكروفون الإذاعة، أو خشبة المسرح. من المسؤول عن هذا؟ هل هذا عيب في تطبيقنا الاشتراكي؟ هل هو عيب في تكوين مؤسساتنا الثقافية؟”.

هكذا ظهر اسم الشيخ إمام إعلاميا “في زمن رسوخ الخلق الاشتراكي”، وبروز الدعوة إلى “تربية الجماهير اشتراكيا”. في العدد التالي، أعلنت الكواكب تنظيمها لأمسية فنية تقدّم فيها الملحن الجديد، وقالت إن المطربة الشهيرة، فادية كامل، ستقدّم الشيخ إمام وتؤدي بعض ألحانه، وأوضحت الأسباب التي دفعتها إلى تنظيم هذا الحفل، وكتبت في هذا الصدد: “الشيخ امام مقدرة فنية جديدة ورائعة، وعندما تولد هذه المقدرة، فمن الضروري، ما دامت قد ظهرت، ان نحتضنها. قد تولد المقدرة الفنية، ولا يلتفت أحد. لأن أحداً لم يكلف نفسه عناء البحث عنها. وقد تنتهي هذه المقدرة كما ولدت، من دون ان يدري بها أحد. ونكون قد خسرنا شيئا عظيما، لكن عندما نجدها، فيجب أن نحافظ عليها. صحيح ان الفنان الشيخ امام قد عاش سنوات خلف الأضواء، كان من يعرفونه على قلّتهم، يتساءلون: لماذا لا تسلّط الأضواء على هذه الموهبة الكبيرة؟ ولم تكن هناك إجابة. والتقت الكواكب بالشيخ امام، ورأت فيه موهبة فنية أصيلة. موهبة هي بنت الظروف التي نعيشها. رأت فيه انفعالا جديدا، يمكن ان يحرك الركود الذي يسود حياتنا الغنائية، ويمكن ان يكون شاطئا جديدا، ترتاح عنه الأغنية العربية. واهتمت الكواكب بالشيخ امام، الفنان الذي ضاعت من عمره سنوات خلف ستار النسيان، لأنّها تؤمن بالمواهب الجديدة وترعاها، وتحاول بكل جهدها ان تفتح أمامها كل الأبواب والنوافذ”.

في عددها الصادر في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، عمدت المجلة إلى إبراز الحفل المنتظر. وقالت إنه سيقام في دار نقابة الصحافيين وأنها دعت إليه مجموعة كبيرة من الفنانين والنقاد “ليروا موهبة فنية جديدة يجب ان تسلّط عليها الأضواء، فتثبت وجودها”. ونشرت المجلة شهادات في الشيخ إمام، منها شهادة من أحمد فؤاد نجم، وأخرى من الأديب عبد الرحمن الخميسي. استعاد أحمد فؤاد نجم سيرته مع الشيخ إمام، وقال إنه التقاه لأول مرة في سهرة أقيمت في منزل صديقه سعيد الموجي الكائن في حارة حوش قدم، في منطقة الغورية، وأن صاحب الدعوة قال له يومها: “عايز اعرف رأيك في راجل فنان اصيل ما حدش عايز يعترف بيه، قال ايه دقة قديمة”. في هذه السهرة، “غنى الشيخ لمشايخ الملحنين وجهابذة الطرب”، وكان “يعطي الألحان القديمة العظيمة إضافات لا تقل غنى وأصالة عن الألحان الأصيلة نفسه”. تكررت اللقاءات، فسأله نجم: “لماذا لا تلحن يا مولانا؟”، فقال: “مش لاقي الكلام الكويس”، فردّ عليه وقال: “طيب انا عندي كلام”. مرّ شهران، ولم يلحن فيهما الشيخ إمام أي من القصائد التي أمدّه بها الشاعر، إلى أن تمّ اللقاء بشكل مباغت في سهرة أخرى أقيمت في منزل سعد الموجي. في هذه الأمسية، قرأ نجم من شعره، وأخد الشيخ يردد المقطع، وفي خلال خمس قائق ولد أول عمل مشترك بينهما، “وبعدها انبثق النبع المتدفق ليغرقنا في بحر من الألحان المصرية الأصيلة النغم الشجي النابع من أعماق بيئتها الشعبية الخصبة”. بحسب رواية الشاعر، هكذا جمع المطرب بين الأداء والتلحين، ولحّن العديد من أشعاره، كما لحن من أشعار فؤاد السبكي، محمد جاد، حسن الموجي، وفؤاد قاعود، و"الفنان الذي ينتج هذه الكمية الرائعة في مثل صمت وتواضع وفقر الشيخ امام، هو بغير شك فنان عبقري".

في المقابل، كتب عبد الرحمن الخميسي في شهادته: “سمعت الشيخ امام، فبهرتني سيطرته على الأنغام، وطواعيتها له. انه يغترف من قلب مصر، ويصوغ مشاعرها في لغة النغم المصري، وهو ينحو نحو منحى التصوير المذهل، فيصور الأنين والسرور كما يصور السخرية، مستقاة من طبائع الانسان المصري، ومسقية من تراث، ومورقة في تطلع جديد. ويقيني انه ليس للشيخ امام نظير بين الملحنين المصريين من حيث قدرته على التصوير الفني. هناك ظاهرة أخرى جديرة بالتسجيل حول الكلمات التي نظمها احمد فؤاد نجم والألحان التي صاغها لهذه الكلمات الشيخ امام. ان الشعر الشعبي واللحن يؤلّفان لدى المستمع وحدة عضوية واحدة لا يمكن ان ينفصل جزء منها عن سواه، فلا يصوّر الكلام شيئا يغترب عن اللحن، ولا يتّجه اللحن إلى منحى لا يصوّره الكلام. والحقيقة ان هناك تعانقا بين الصياغتين في الشعر واللحن من نوع ذلك التعانق الذي يجعل الاثنين واحدا. وعندي ان الشيخ امام واحمد فؤاد نجم يستطيعان ان يشقا طريقا جديدا للحن المصري وللكلمة الشعبية المصرية، وهو تتويج لأحلامنا الطيبة في خلق الحان مصرية أصيلة ليست مستوردة ولا تضع المساحيق فوق وجهها، وانما تبلّ ملامحها السمراء بقطرات من مياه النيل، وتلّوحها الشمس، وتمضي رافعة الهامة من خلفها أغاني الحقول، ومن امامها أناشيد المصانع”.

أُقيم الحفل في الموعد المحدّد، وشارك في الغناء الصوتان “الجديدان” ليلى نظمي ومحمد حمام. واحتفلت الكواكب بالحدث، ونشرت في 12 تشرين الثاني/نوفمبر تقريرا مفصلا حوله. كان عدد المدعوين أربعمئة، فحضر ألف مستمع، و"تحقّق لأول مرة خروج الحان الشيخ امام من دائرة الأصدقاء والمعارف والدعوات الخاصة على مستوى أرحب، الى اللقاء الحي مع الجماهير". غنت فادية كامل “حي على الفلاح”، وأعادتها أكثر من مرة تحت الحاح جمهور الحفل. وغنى الشيخ إمام، وردّد الجمهور ألحانه بحماس وحرارة، “وكانت موجة الاعجاب والحماس تتصاعد بين الجميع حتى وصل الشيخ الى لحنه العظيم عن غيفارا، فانفجر الاعجاب والحماس الى حد هستيري”.

خرج الشيخ إمام من دائرة الظل، وغنّى في حفل زفاف الناقد الفني مجدي نجيب بمشاركة ليلى نظمي، وبات حديث المثقفين والنقاد. في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، توقف الناقد الموسيقي كمال النجمي أمام هذه الظاهرة، ووصفها بـ"موضة الموسم الفني بلا جدال"، وكتب في تحليله لهذه التجربة الغنائية: “سمعت حتى الآن من ألحان الشيخ امام ما يكفي للقول بأنه لن يكون موضة الموسم الحالي ثم يتوارى وينساه المستمعون. فالشيخ امام يرتبط بحركة الغناء العربي الحضاري والشعبي، وهي ليست حركة عابرة، وانما هي حركة اصيلة انضجتها في عصرنا عوامل عميقة تتصل بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. وهو يرتبط بهذه الحركة ارتباط من يريد ويحاول ان يضيف اليها، لا من يكتفي بالسير وراءها بلا جهد ولا ابتكار. وهذا ما أتاح له، وهو الشيخ القديم، ان يبدو جديدا في الأسماع، بل ان يبدو أكثر جدة من بعض المجددين. وليس عجيبا ان تكون للشيخ امام هذه الصورة الجديدة عند الناس، وهو الشيخ القديم الذي لم يأت بجديد، ولم يخرج قيد أنملة عن المقامات العربية والإيقاعات التي يعرفها جميع الملحنين، ولم تبارح أداءه لكنة الأداء القديمة التي نعرفها عن المشايخ الفنانين ومطربي الجيل الماضي. فالحقيقة ان الجديد في الشيخ هو توظيفه إمكانيات الغناء العربي التقليدي في التعبير المباشر الصريح اللاذع عمّا يملأ صدور الناس، ويفور في حياتهم اليومية العادية”.

فتح هذا المقال باب السجال، فنشرت صحيفة “الأهرام” مقالة حول علاقة المثقفين بالشيخ إمام، ورد حسن حفني على هذه المقالة في مقالة مطوّلة نشرتها “الكواكب” في 17 كانون الأول/ديسمبر. دخل محمد عبد الوهاب في هذا النقاش حين استضافه وجدي الحكيم في برنامج “ليالي الشرق”، وقال إن ألحان الشيخ إمام تنتسب إلى مدرستي سيد درويش وزكريا أحمد، وأبدى اعجابه بقدرته على الأداء، ورأى أن “متحمس سواء في أدائه او في ألحانه”.

في الخلاصة، ظهر اسم الشيخ إمام بشكل مفاجئ وسطع إعلاميا في خريف 1968، ثم عاد واختفى بشكل شبه كامل في السنة التالية. تخلّت “الكواكب” عن الفنان التي تبنّته بشغف، وحجبت أسمه بشكل تام، وكذلك فعلت الصحافة المصرية الرسمية. تتضارب الروايات في هذا الشأن، والأكيد أن الشيخ إمام أكمل مشواره مع أحمد فؤاد نجم في المعتقل، قبل أن يعود ويبرز عربيا في السبعينات، متخطيا الحدود “القومية” التي رسمتها له الصحافة المحلية في بداية انطلاقته.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.



جريدة الحياة


الخميس 12 يوليو / تموز 2018
جريدة الحياة
شريف صالح


الشاشة الكبيرة أنصفت الشيخ إمام... بالقطّارة


مرت قبل أيام مئوية المغني والملحن المصري الشيخ إمام عيسي المولود في 2 تموز(يوليو) 1918 في الجيزة، والذي شكل ثنائياً شهيراً مع الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، فعبّرت أغانيهما عن وجع النكسة، والتهكم من ثقافة الاستهلاك والتبعية للغرب، كما في «شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الوترغيت» أو «فاليري جيسكار ديستان». وكان من الطبيعي أن يدفعا ثمن «النضال الغنائي» اعتقالاً وسجناً في عصري الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات.

والمفارقة أن يكون الغرب وبعض الدول العربية أكثر احتفاءً بالثنائي، حيث ذاع صيتهما من خلال حفلات في فرنسا وتونس ولبنان. فلمَ غُيب الثنائي الأشهر في الأغنية السياسية، عن الفيلم السياسي المصري ولو جزئيّاً؟

بهية والعصفور والغيبوبة

يبحث «العصفور» 1972 في أصداء ما بعد النكسة واختار مخرجه يوسف شاهين أغنية الثنائي «مصر يا أمه يا بهيه» مقدمة وخاتمة للفيلم، مع صيحة محسنة توفيق «هانحارب.. هانحارب». نفس الأغنية عاودت الظهور في مسلسل «نابليون والمحروسة» للمخرج شوقي الماجري بعدما فرضت نفسها على ألبوم الأغاني الوطنية المصرية، وأصبحت «بهية»/ نجم وإمام ـ الرمز الأشهر لمصر، لذلك لم يكن غريبًا أن تُستعاد أيضًا بعد عشرين عامًا في فيلم وطني أنتج بدعم حكومي هو «الطريق إلى إيلات» عام 1993، للمخرجة إنعام محمد علي.

كما ظهرت أغنية «صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر» في فيلم «الهجامة» 1992، من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد النجار. ولاحقاً باتت الأغنية عنوان ثورة كانون الثاني (يناير) «الورد اللي فتح في جناين مصر»!

وكان فيلم «الغيبوبة» 1997، للمخرج هشام أبو النصر، - والذي شارك في كتابته ولعب بطولته الممثل الشاب يومها شريف صلاح الدين، الذي حقق شهرته بتجسيد شخصية طه حسين طفلاً في مسلسل «الأيام» ثم حاول لعب بطولة بعض الأعمال لم تصادف نجاحاً -، الأكثر سخاءً في استثمار التجربة حيث وظف أغنيتين ضمن السياق الدرامي هما «العيسوي بيه» و «شرفت يا نيكسون بابا»، على رغم ما تنطويان عليه من حس هجائي حاد أكثر من «مصر يا أم يا بهية» و «صباح الخير على الورد اللي فتح» لكن أداء المغني طارق فؤاد، وأسلوب التوزيع الموسيقي، أفقدهما الكثير من الجمال.

«الفاجومي»

تؤرخ تجربة نجم - إمام لنصف قرن من الغليان السياسي موثقة للنكسة والاستنزاف وحرب تشرين الأول (أكتوبر) ومعاهدة السلام وانقلاب السادات على اشتراكية عبد الناصر. ومن ثم تتوافر فيها جميع عناصر الدراما، لكنها ظلت «محظورة» سينمائياً إلى أن قرر المخرج عصام الشماع تقديم «الفاجومي» 2011، والذي يعد المحاولة السينمائية الأولى والوحيدة التي تناولت باستفاضة تجربة الثنائي، علماً أن البطولة كانت للشاعر لا للمغني، فالعنوان في الأساس مأخوذ من اللقب الذي عُرف به «نجم»، وتم استخدام أسماء محاكية، تجنباً على ما يبدو لأية مشاكل قانوينة، فالشاعر «أدهم نسر» بدلاً من أحمد فؤاد نجم، ولعب دوره خالد الصاوي، والمغني «الشيخ همام» بدلاً من «الشيخ إمام»، وجسده صلاح عبدالله. صحيح أن ثمة ملاحظات كثيرة على ضعف الإنتاج في هذا الفيلم، ومدى ملاءمة الممثلينِ للملامح النفسية والجسمانية للشخصيتين.. لكنها تظل تجربة جديرة بالاحترام.

وإذا كان الفيلم الروائي لم يستثمر إلا نادراً هذه التجربة، فالأمر نفسه يتكرر مع الفيلم الوثائقي، حيث قدمت قناة الجزيرة ضمن سلسلة «الممنوعون» فيلم «الشيخ إمام»، والمؤسف أنه لم يخل من توجيه ورقابة وحذف ألفاظ وردت على لسان رفيق دربه أحمد فؤاد نجم.

استدعاء خجول

إلى جانب الأعمال الروائية والوثائقية شبه النادرة، والاستثمار المحدود جداً لأغانيهما، كان هناك استدعاء خافت للشخصيتين، مثلاً في «زوجة رجل مهم» 1988، للمخرج محمد خان، يظهر عمار الشريعي بالنظارة والعود مع الإشارة إلى كانون الثاني (يناير) 1977 عام انتفاضة الخبز أو «انتفاضة الحرامية» وفق تعبير السلطة. من الواضح أن إطلالة الشريعي إشارة إلى دور إمام ونجم في تلك الانتفاضة، لكن الرقابة حذفت شيئاً ما من المقطع، حيث لا يُعقل أن يظهر موسيقي بحجم الشريعي لمجرد الدندنة على العود!

وفي «البحث عن أم كلثوم» 2017 للمخرجة الإيرانية شيرن نيشات، لعب الممثل قيس ناشف دوري «أحمد/لطيف» وكليهما أقرب إلى شخصية «أحمد فؤاد نجم» وثمة إشارة صريحة عندما طلبت منه أم كلثوم قصائد فرد بأن أعماله يلحنها «الشيخ إمام» فسألته: «الشيخ إمام الأعمى؟»

تغييب متعمد

ثمة صعوبة في استقراء المدونة السينمائية كاملة بحثاً عن آركيولوجيا «الشيخ إمام» ومن الواضح أن التجربة تم تغييبها لأسباب متشابكة، أولها قلة حظوظ الموسيقيين على شاشة السينما، باستثناء الحضور النمطي الكاريكاتوري، فليس ثمة أفلام تليق بأسماء بينها عبد الوهاب أو أسمهان، وكانت أم كلثوم الاستثناء الوحيد إضافة إلى تجربة «سيد درويش» 1966 للمخرج أحمد بدرخان.

السبب الآخر قلة الأفلام السياسية التي تتلاءم مع تجربتهما الغنائية. فمعظم الأفلام تأخذ منحى تاريخياً، وإيجابياً مثل «السادات» أو «ناصر 56» بعيداً من أي إدانة للسلطة‘ نظراً لتحكم القطاع العام في الإنتاج السينمائي، وكذلك رغبة المنتج الخاص في تجنب مصادرة فيلمه، علاوة على دور الرقابة القائمة إلى اليوم ـ في تنقية الشرائط من كل ما يثير غضب السلطة.

لذلك فإن الأفلمة السياسية الجادة والقليلة كما في تجربة عاطف الطيب، تعرضت كثيراً لبطش الرقابة. وبعضها الآخر كان يُمرر بوصفه إدانة لنظام سابق، فأفلام ما بعد تموز (يوليو) تدين الملكية، وأفلام السبعينات تدين المرحلة الناصرية كما في فيلم «الكرنك». لذلك جاء استدعاء الشيخ إمام/نجم، أو استثمار أغانيهما، مرتبطاً بالموقف السياسي لصناع تلك الأعمال وقدرتهم على فرض رؤيتهم، خصوصاً إذا كانوا أسماء بحجم يوسف شاهين ومحمد خان وأسامة أنور عكاشة.

كأن الأمر أقرب إلى «شطحات» فردية، قابلة للتمرير من الرقابة، ومقبولة من الحس التجاري للسينما. والمرة الوحيدة التي أطلقت السينما شريطاً كاملاً عن التجربة في «الفاجومي» جاءت متزامنة مع السيولة السياسية عقب ثورة كانون الثاني (يناير).

ولعل ما صعّب مهمة استحضار التجربة، أنها ظلت «نخبوية»... صحيح أنها تحاكي أوجاع المهمشين والعمال والفلاحين لكنها كانت محصورة في جلسات خاصة وحفلات شبه نادرة، مع استبعادها من المجال العام. وتلك إحدى تناقضات الإبداع اليساري الطابع، فعلى رغم إصراره على الانحياز إلى هموم البسطاء، يظل عاجزاً عن التواصل معهم. يضاف إلى ذلك حدة خطاب نجم وإمام ضد كبار الفنانين، وضد الإبداع المسموح بتداوله، ما خلق حالة عداء ضدهما من قبل شخصيات نافذة ولعل أبلغ دليل كواليس قصيدة «كلب الست» التي تهجو كوكب الشرق.

أيضاً للثنائي أغنية بعنوان «صندوق الدنيا» لا تخلو من التعريض بقصص السينما المصرية ورموزها:

«واتفرج يا سلام / أفلام القرع كوس / حتقدم فيلم خام/ من مخرج الروايح

ومسبب الزكام/ عن قصه واقعية / من تشخيص المدام / والفيلم لجل خاطرك /واخد مليون وسام»

ولعل الفضل لثورة يناير، ومقاطع «اليوتيوب» في إعادة الوهج لصعلوكين اختارا العيش على الهامش في حارة «خوشقدم»... على رغم قدرتهما على إرعاب السلطة بأغنية شجاعة مدندنة على العود.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


الشخ إمام على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)