فيلم الشيخ حسن (ليلة القدر) - رجل الدين في السينما المصرية

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة التاسعة والعشرون العدد 8850 الجمعة 9 حزيران (يونيو) 2017 - 14 رمضان 1438هــ
كمال القاضي - كاتب مصري


رجل الدين في السينما المصرية… بين المثالية والخوف من الأزهر


إزاء الخلاف حول بعض القضايا الدينية واستسهال الفتاوى، واتهام المؤسسات الرسمية بالنمطية، وإغلاق باب الاجتهاد والإصرار على الخطاب الديني التقليدي، بدأت موجات الاحتجاج من جانب العديد من دعاة التنوير، والراغبين في استمرار الجدل لخلق مساحات واسعة في الفضائيات للمتاجرة بالقضايا العقائدية الأكثر حساسية، الأمر الذي أدى إلى انقسام بين فئات المجتمع حول حرية المناقشة في هذا الموضوع وجدواها، وقد انتقلت الظاهرة ذاتها إلى السينما ففتحت المجال لاستدعاء الصورة القديمة لرجل الدين على الشاشة، وتحليلها في ضوء المقارنة، بين ما كان بالأمس وما يحدث الآن، حيث اختلف الشكل والمضمون وتغيرت الانطباعات.

على مدار سنوات حافظت السينما المصرية في معظم ما طرحته من وجهات نظر على هيبة رجل الدين، باعتباره رمزاً للاستقامة والالتزام والخلق الكريم، وسواء كان وروده في السياق الفني والدرامي عارضاً أو أساسياً، حرص الكتاب والمخرجين على تكريس الشكل والمضمون الإيجابيين، كي تظل الصورة متجانسة مع الطبيعة العامة للشيخ المبجل ودورة الديني والدنيوي الإصلاحي بالدرجة الأولى، ومنذ فيلم «الشيخ حسن» الذي قدمه الفنان حسين صدقي في أربعينيات القرن الماضي، ولفترة طويلة جداً من عمر السينما، لم يحدث أي نوع من التعدي على شخصية رجل الدين، ليس بحكم الرقابة الفنية والأزهرية المشددة التي تراعي التدقيق في كل تفصيله صغيرة أو كبيرة، تختص بالشخصية الدينية وحسب، وإنما لوجود ثقافة دينية واجتماعية عامة لا تقبل المساس بما هو مقدس وغير قابل للتشكيك. فالفيلم المذكور الذي يعد باكورة التناول الصريح لشخصية رجل الدين على الشاشة، كان محاولة لتقريب المفاهيم الدينية الصحيحة للجماهير، من خلال شخصية البطل، وقد بدأت الرقابة في قراءتها الأولية للسيناريو بالتحفظ على عنوان الفيلم «ليلة القدر» فتم تغييره إلى «الشيخ حسن» نسبة إلى اسم البطل في الأحداث، وبناء على هذا التغيير تم التصريح بالتصوير والعرض، وقوبل باحتفاء شديد في دور العرض، وحقق إيرادات غطت التكلفة الإنتاجية، وفاضت إلى حد مقبول من الناحية الربحية، وربما كان ذلك مشجعاً في ما بعد لتكرار تقديم الشخصية في إطارات مختلفة، مع الالتزام بتحري الدقة في ما ينسب لرجل الدين من سلوكيات وتصرفات وأفعال، لتبقى الصورة العامة مطابقة للواقع في ما يتصل بوقاره واحترامه، واجتهاده الديني وعمله على تثبيت القيم والمعايير المنصوص عليها في الكتاب والسنة، ابتغاء مرضاة الله. والوارد من صور فنية وسينمائية في الأفلام المصرية كثير، ويصح أن يكون محل نقاش، فهناك فيلم «جعلوني مجرماً» على سبيل المثال الذي قدم من خلاله الفنان يحيى شاهين، شخصية شيخ الجامع، العلامة الأزهري المتعاطف مع فريد شوقي ربيب الإصلاحية المغترب في مجتمع قاس، لم يغفر له سابقته الأولى التي كانت سبباً في إيداعه الإصلاحية لسنوات. وبالمنطق نفسه كرر يحيى شاهين أيضاً شخصية الشيح حسن في فيلم «الأرض» في دلالة على صلابة وقوة رجل الدين الأخلاقي، وتضامنه مع الحق ضد مغتصب أرض الفلاحين محمود بك، الإقطاعي صاحب النفوذ، الساعي إلى إقامة جسر من السكة الحديد وسط حقول الفلاحين، متجاهلاً توسلاتهم بالابتعاد عن أراضيهم ليتمكنوا من زراعتها والتعايش من ريعها، وهذه الشخصية من أهم الشخصيات التي قدمها يوسف شاهين مع الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في هذا الفيلم، إبان فترة الستينيات، في إسقاط واضح على واقع كان أهم ملامحه الظلم الاجتماعي قبل قيام ثورة يوليو/تموز وفق الرؤية الأدبية والسينمائية، وبالقياس ذاته وبرؤية قريبة جداً من رؤية الشرقاوي وشاهين، قدم المخرج حسين كمال مع الكاتب ثروت أباظة نموذجاً سينمائياً روائياً آخر هو «شيء من الخوف» الذي تضمن كذلك صورة إيجابية لرجل الدين المتسق مع مبادئه وتعاليم دينه ورسالته الطبيعية في الحياة، صورة الشيخ إبراهيم، وهي ثالث شخصية قدمها يحيى شاهين بالمواصفات نفسها، لتكون دليلاً على معنى الجهاد في سبيل الله لدفع الضرر ومواجهة الظلم والتضحية بكل غال ونفيس من أجل تحقيق الرسالة المنشودة، حتى أن الشيخ إبراهيم فقد ولده فلذة كبده جراء تحديه لعتريس الذي يمثل الطغيان والظلم.

ولم تتجرأ السينما المصرية ولا كتابها ولا مخرجوها على رجل الدين بعلمه وثقافته وكينونته، ولكنها فضحت أدعياء الدين والأشباه، ووجهت لهم نقداً حاداً في أفلام مهمة مثل «الزوجة الثانية»، حيث استهدفت النوع الذي ينتمي إليه الشيخ الذي أفتى بصحة زواج «فاطمة» سعاد حسني من «العمدة» صلاح منصور، بعد طلاقها القسري من «أبو العلا» شكري سرحان في إلماح إلى الضعف المهين أمام السلطة الباطشة، وهو معنى قدمه المخرج صلاح أبو سيف، متضمناً داخل النسيج الدرامي بحرفية عالية، ليفرق بين نموذجين مختلفين، رجل الدين المسؤول، ومدعي التدين، وفي ذلك إعلاء من شأن رجل الدين الحقيقي في مواجهة ذلك المزيف، وبناء عليه كان لصلاح أبو سيف فضل في الفصل بين نوعين مختلفين ومتناقضين من رجال الدين، ولا شك أن الجدل حول هذه القضية أدى إلى ثراء المضمون السينمائي وتنوع الرؤى، حتى إن كان هناك من غالى في استغلال حق النقد، وقدّم النموذج الأقرب إلى السلبية لكن تظل هذه حالات فردية لا تمثل النظرة العامة للسينما، ولا تنقل وجهة النظر الكلية للمجتمع في رجل الدين، وإنما تؤكد ما ذكرناه سلفاً عن الأشباه والأدعياء.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.



فيلم الشيخ حسن (ليلة القدر) - 1954


فيلم الشيخ حسن (ليلة القدر) - 1954



الفيلم على موقع السينما.كوم

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)