فيلم البقرة للمخرج محمد حميدي - 2016 Film La Vache de Mohamed Hamidi - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الإثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
باريس - حميد عقبي، سينمائي وكاتب يمني مقيم في فرنسا


فيلم “البقرة” للمخرج الجزائري الفرنسي محمد حميدي


ملخص قصة الفيلم بسيط وغير معقد ويشارك في بطولته عدد من الأسماء الكوميدية على رأسهم فاتح بومحمد وجمال الدبوز وتنطلق الأحداث مع شخصية تتسم بالبساطة “فتاح”، الذي يحلم أن تشارك بقرته (جاكلين) لتنافس في المعرض الزراعي بباريس وبسبب هذا الحلم يواجه الكثير من المعاناة والسخرية من جانب أهل قريته بالجزائر، وبالرغم من حبه الكبير لزوجته وابنتيه لكن جاكلين تظل رفيقته القريبة حيث يبالغ في الاهتمام بها ويشعر أنها تحسّ به وتحبه.

وفعلا يتحقق الحلم بتلقيه دعوة للمشاركة بالمعرض ورغم العائق المادي إلا أنه ينطلق في مغامرة رحلة طويلة وشاقة إلى فرنسا مع بقرته، يصل مارسيليا ومن هنالك يواصل الرحلة إلى باريس سيرا على الأقدام، فيمر بحقول وقرى فرنسية، ويلتقي العديد من النماذج البشرية وتكون مواقف وأحدث كوميدية ومضحكة لكن تتخللها حكايات ومفارقات بين هنا وهناك ونتعمق لمعرفة فتاح هذا الفلاح الجزائري البسيط وتلك القرية الفقيرة والمعزولة عن العالم.

يوضح المخرج أن فتاح يخوض هذه الرحلة من الجزائر إلى فرنسا كما فعل الأباء من قبل وكانت لديه رغبة لتخليد هذه الذاكرة وحتى لا ننسى جذورنا الأصلية وأنه صور فرنسا التي يحبها بشكل ايجابي رغم أن فرنسا المضيافة للأجانب يقل وجودها يوما بعد يوم لكن لحسن الحظ تظل موجودها، وقدوم فلاح هذه الشخصية الطيبة مع بقرته، هنا البقرة رمز للحياة والخير والأمومة وتسميتها جاكلين هو اسم فرنسي محض وقديم.

ويرى المخرج أن بلدان المغرب تكاد تكون الحافظ للثقافة الفرنسية كوننا نجد من يتكلم الفرنسية ويردد أغاني فرنسية ويتابع الأفلام والرياضة والسياسة الفرنسية وقسم من هؤلاء يحلمون بفرنسا ويجدون أنفسهم أقرباء مع الفرنسيين ، كما أن الفيلم يعرض مشاكل الفلاحين في فرنسا ومعاناتهم المادية.
جمال دبوز يرى مسيرة ورحلة فتاح هذا الفلاح البسيط مع بقرته الجميلة، هذه الرحلة بمصاعبها الكثيرة تحمل الكثير من الرسائل القوية ويتحدث عن البقرة جاكلين التي تم تدريبها ولعبت دورها بمهارة وتفوقها كنجمة تستحق جائزة سيزار، وفتاح كشخصية تذكرنا بشخصية فرناندل أي تلك الكوميديا المشبعة بالإنسانية وليس الضحك الرخيص الذي يسخر من القيم.

ظهر جمال دبوز في الفيلم يتقمص شخصية حسن صهر فتاح رجل متزوج فرنسية شقراء ولديه أطفال وشبه منقطع عن أهله هناك ويخفي حياته الخاصة المليئة بالخداع والزيف والفشل فهو يعيش في حي شعبي فقير ويخفي كل هذا ولكن بفضل قدوم فلاح يكتشف أخطائه وحقيقته ويحن إلى جذوره وأهله.
لامبرت ويلسون وهو ممثل فرنسي كبير كان لمشاركته تأثيرا مهما، يلعب دور رجل استقراطي مفلس ولديه مشاكل شخصية ويصادف فتاح وبقرته وهكذا يشترك في الرحلة وهذا التعارف مع فتاح الذي جعله يخرج من عالم مظلم ومكتئب أي أن فتاح حمل الروح والحلم لمن يصادفه وكذلك يكتشف فتاح حبه لزوجته وضعفه في التعبير عن هذا الحب.

من المهم الحديث عن صورة القرية الجزائرية الصغيرة ذلك المجتمع البسيط وتلك الأحلام البسيطة ونجد تعاون القرية مع فتاح ودعمهم المعنوي في متابعة رحلته ونتوقف مع زوجته هذه كنموذج للمرأة الجميلة والمخلصة وماتحيط بها من أخطار فهناك من يطمع فيها وينظر إليها في شهوانية وفي رحلته يحضر فتاح حفلا في احدى القرى ويرقص ويغني مع فتيات وتكون الصدمة بوصول الصور إلى القرية وغضب زوجته منه، هذه المنغصات كشفت الكثير في شخصية فتاح وعلاقته بزوجته فهو يحبها لكنه يبدو كرجل بدائي يفشل في التعبير عن أحاسيسه، فكلمة عزيزتي أو حبيبتي تبدو كلمة عيب، فالزوجة نناديها بكلمة امرأة أو حرمة، هذا الجفاف في المخاطبة ضمن عادتنا اليومية يحرمنا من متعة سعادة من نحب.

بعض المخرجين العرب في فرنسا يمارسون جلد الذات في أفلامهم وتغريهم الكوميديا بتصوير هنا ــ مجتمعاتهم ــ بالتخلف ويعكسون صورة مشوهة ومرعبة، فيكون الضحك على حساب كل ماهو إنساني وروحي وتكون السفالة مكان القيم، فيلم “البقرة” لمخرجة محمد حميدي لم يقع في هذا الهفوة وانتقل بنا بين هنا وهناك ليظهر مجتمعات إنسانية تتوق للحلم ولدى كل مجتمع مشاكله وقيمه وقدوم فتاح من هناك يحمل رسالة الرغبة في التواصل والتفاهم والتعايش ضمن روابط ثقافية وإنسانية وليس لغرض مصالح زائفة وكذا البقرة الفرنسية جاكلين تستوطن هناك وتجد من يحبها ويهتم بها وتجد السعادة والمحبة وعندما تخوض الرحلة مع صاحبها تصادف نماذج مختلفة، فهناك من يسخر منها وهناك من يحبها.

نختم حديثنا مع هذا الفيلم الذي حاز على شهرة جماهيرية وأكثر من مليون متفرج بالصالات السينمائية وهو رقم جيد حققه الفيلم، وهذا يدفع للتفاؤل أن الفيلم الجيد والكوميديا لا تعني الوقوع في وحل السذاجة، فنحن مع نموذج لسينما الطريق تكتشف حكايات صغيرة لتشكل لوحة بهيجة مسلية وتحمل معاني عميقة وإنسانية دون ذم والسخرية من هنا أو هناك.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية


من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية :

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)