فن الأفيش في السينما المصرية

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
السبت 27-06-2015
الصفحة : ثقافة
محمد حجيري


فن الأفيش في السينما المصرية... قصة حب


<article4780|cycle|docs=5693,5694>


راجت في السنوات القليلة الماضية، العودة إلى أفيشات السينما المصرية وحكاياتها ونجومها وناسها، وصدر في هذا الخصوص أكثر من كتاب وكتالوغ، وافتتح أكثر من معرض خلال المهرجانات الثقافية، كلها تروي حكاية الأفيش السينمائي المصري ودوره، إلى درجة أن الناقد السينمائي محمود قاسم قال: “الدنيا أفيش”... الراحل سمير قصير، وفي اطار مهرجانات بيت الدين 2003، كتب مقدمة كتالوغ “قصة حب السينما العربية في ملصقاتها”، وتبيّن أن صاحب الفكرة آثر الاستعاضة عن نشر كاتالوغ مجلد، ومبوّب في شكل متعارف عليه، بإعطاء الملصقات مساحة التعبير عن نفسها بنفسها. دار الشروق أصدرت “أفيشات السينما المصرية” مع مقدمة موجزة للناقد السينمائي محمود قاسم، يتناول فيها تاريخ هذا الفن وأشهر فنانيه. وقدر للناشر اللبناني عبودي أبو جودة أن يقبض على الزمن من خلال جمعه ملصقات السينما العربية والأجنبية أيام زمان في مكتبته، لم يكن الناشر هاوي جمع الملصقات يتوقع أنها ستغدو مع الأيام ثروة ثقافية يتبارى منظمو المهرجانات والمواسم على عرضها في المناسبات والتظاهرات الثقافية والسينمائية. وفي نفس سياق ما ذكرناه، تأتي اعمال المصري سامح فتحي، فهو أصدر في البداية “الأفيش الذهبي في السينما المصرية” و"أنبياء في السينما العالمية"، وقبل مدة قصيرة، أطلق عمله الأهم “فن الأفيش في السينما المصرية”، يقدم مجموعة جديدة نادرة من أفيشات الأفلام المصرية، وينم ذلك عن عشقة للسينما وتاريخها.

يقول سمير سيف في تقديمه للكتاب إن سامح فتحي في وصفه لرحلة أفيش الفيلم المصري منذ بدايته وحتى اليوم، يتنقل بين موضوعات مختلفة لا ضابط لها، ولا تخضع لتبويب ما، مثل: “الأفيش والرقابة”، و"الحقبة اليونانية أثرها في صناعة الأفيش المصري"، وهو ينطلق في وصف لعدد من الأفيشات يعبّر عن انطباع الكاتب وذوقه الشخصي، ولا يتردد في التحسر على الأفيشات التي تعتمد على التصميم ورسم اليد، والتي تنم عن مهارة الفنان ودقة احساسه وتوفر عنصر إنساني فيها تفتقده الأفيشات المصممة في الكمبيوتر... ويقر فتحي بأن الذي جعله يتجه الى هذا المجال، أي تجميع الأفيشات، أنه وجد بعض الأجانب خاصة اللبنانيين والأميركيين، يحتفظون بأفيشات السينما المصرية، يتباهون بها ويتفاخرون فيها ويعرفون قيمتها، “مما أشعرني بالغيرة على فن مصري خالص”.

حفل كتاب فتحي (اصدار خاص) بمئات من نماذج أفيشات (أو ملصقات أو بوسترات) السينما المصرية، ما يمكّن من اعتباره سجلاً حافلاً ووثائقياً لها. ولا شك أن فن الأفيش (المصري)، شأنه شأن نظيره في السينما العالمية، مر بمراحل وتطورات، بل ومنعطفات مهمة منذ أن ظهر الى الأن، فقد ظهر من خلال تلك المراحل التأثر التام بالفن السينمائي الذي يدور فن الأفيش في فلكه. كما توصل فتحي الى العديد من النتائج منها تأثر الأفيش المصري بالأجنبي، وهو ما يعكس “سيطرة الغرب على كثير من مناحي الحياة المصرية”، حيث أن الفنان المصري يضيف لمسات لـ"تمصير الأفيش"، لتعطي له “المذاق المصري مع الروح الأجنبية”، فقد انتقلت ظاهرة الاقتباس من القصص والموسيقى إلى الأفيشات، وتكاد هذه الظاهرة تركز على الاقتباس من السينما الأميركية لما لها من تأثيرها العالمي، فأفيش فيلم “حواء والقرد”(1968)، اخراج نيازي مصطفى، على النمط نفسه لأفيش فيلم “مليون سنة قبل الميلاد”(1966) وفيلم “عريس مراتي” الذي أنتج في العام 1959، مثلاً أخذ من ملصق الفيلم الأجنبي “الطبقة الأرستقراطية” الذي أنتج في العام 1956، الذي قام ببطولته فرانك سيناترا مع غريس كيلي وبنغ كروسبي. وأفيش فيلم “ارحم حبي”(1959) أخد عن الفيلم الاجنبي “الاستحواذ الرابع”(1954) بطولة روك هيدسون وجين وايمان... ولم تكن الأفيشات تخضع للرقابة الرسمية بصورة كبيرة، نظرا لأنها لوحات تعبر عن وجهة نظر صانعيها، وهي رسومات أقل إثارة بالطبع من شريط العمل السينمائي، لذلك فقد شهدت الأفيشات المصرية فترة طويلة من الحرية في التعبير خاصة في الستينات والسبعينات، لكن كانت هناك رقابة أشد من الرقابة الرسمية، تلك هي رقابة المجتمع التي كانت من الممكن ألا تقبل أفيشا لجرأته أو خروجه عن أعراف المجتمع، مما يجعل ذلك المجتمع يحاول تغيير ما في الأفيش باليد والاستهجان والتمزيق مثلما حدث في أفيش فيلم “شهر عسل بدون ازعاج”(1968) للمخرج أحمد فؤاد، حيث رسم صانع الأفيش عبد العليم الفنانة ناهد شريف عارية من الخلف...

ويرى سامح فتحي أن الفضل في صناعة الأفيش وفنه يعود إلى الأجانب من الجنسية اليونانية، إضافة الى أن هؤلاء حملوا تلك الصناعة من بلادهم، وكانت لهم علاقة قوية بفني التصوير الفوتوغرافي والرسم. ومن هذا المنطلق بدأ هؤلاء الذين كانوا في البداية يتمركزون في الإسكندرية بمواكبة ذلك الفن الجديد، وهو فن السينما الذي جاء إلى مصر بعد انطلاقة مباشرة في باريس في كانون الأول (ديسمبر) 1895 فكان أول عرض سينمائي في مصر في مقهى “زواني” في الاسكندرية في يناير 1896، وتبعه أول عرض في القاهرة في 28 كانون الثاني (يناير) 1896. ويسجل للإسكندرية أيضاً صدور أول مطبوعة مهتمة بالفن السابع الوليد آنذاك عام 1924، حين نشر الناقد والمؤرخ السينمائي السيد حسن جمعه مجلة “معرض السينما”. ثم شهدت المدينة أيضاً نشرة أخرى بعنوان “مينا فيلم” قبل أن تطلق في القاهرة مجلة “نشرة أولمبيا السينماتوغرافية” عام 1926.

ورغم المعلومات العديدة التي يتضمنها كتاب سامح فتحي فإن أبرز ما فيه والذي يشكل عموده الفقري هو حديثه عن فناني لأفيش عبر مرحله المختلفة، اذ لطالما كان السؤال عن هوية الذين يرسمون الملصقات، فهم أشبه بجنود يعملون في الظل، يرسمون النجوم ونادراً ما نرى صورهم أو نعرفهم. في الإطار، يوقعون على أعمالهم ولا يقيمون معارض لرسوماتهم التي تنتمي إلى فن الـ"بوب آرت" والـ"كيتش" إذ جاز التعبير.

فمع افتتاح أستوديو مصر في العام 1935، كأحد مشاريع شركة مصر للتمثيل والسينما التي أسسها طلعت حرب عام 1925، انتقل الثقل السينمائي إلى القاهرة ولم يطل بعدها المقام بالملصق السينمائي قبل أن ينتقل فنانوه إلى القاهرة بفعل مغريات شركات الإنتاج الموجودة فيها، ليؤسسوا ورشاً عدة ورثها عنهم المصريون لاحقاً بعدما تشربوا سر الصنعة. وكان من أشهر الورش في هذا المجال، ورش إعلان ضخمة مثل ورشة إعلان الثغر (وصاحبها خميس الثغر السكندري أصلاً) وورشة محمد مفتاح، وورشة عبده محمد، وورشة على جابر، وورشة المصري لصاحبها وحيد شعير، و"مطابع السينما العربية" للفنان جسور، وهي مؤسسة أهلية عملت عشرات الأعوام على تنفيذ ملصقات لمئات الأفلام.

ويؤكد سامح فتحي أن بداية صناعة الملصق المصري بأيد مصرية كانت على يد جيل الرواد المصريين الذي عمل مع اليونانيين متمثلاً في الفنانين راغب وعبدالرحمن. راغب الذي عمل في مجال التمثيل وظهر كشخصية ثانوية مع أنور وجدي في فيلم “العزيمة”، رسم العديد من الملصقات من مثل ملصقات أفلام “يحيا الحب” و"شاطئ الغرام". وقد تخرج في مدرسته الكثير من رسامي الأفيشات لعل أشهرهم الفنان جسور، الذي تعود شهرته إلى قدرته البارعة في رسم الوجوه وصوغها. وتعادل موهبته في تصميم الملصقات موهبة جمال قطب في تصميم أغلفة الكتب. من يتتبع مراحل تطور جسور خلال ثلاثة عقود من الزمن، يجد أن طفرات ملحوظة حدثت في رحلة هذا الفنان... ففي فيلم “لقاء في الغرب”، لم تكن ملامح الابطال واضحة بالصورة نفسها التي رأيناها على ملصق أو افيش فيلم “اعتداء”، ما يعكس تطور الفنان، واسمه الحقيقي حسن مظهر، وصمم الملصقات لعدد من الأفلام منها “لقاء في الغروب”، و"أحمر شفايف"، و"بحبوح أفندي"، وهو مصمم أغلفة روايات نجيب محفوظ، “بين القصرين” و"قصر الشوق"، و"السكرية".

كما أن الفنان عبدالرحمن من رواد رسم الأفيش المصري مع راغب، وقد رسم العديد من ملصقات الأفلام مثل أفيشات أفلام: “الجريمة والعقاب” و"النمرود" و"قلبي يهواك" و"الهاربة". وقد كان الخواجة ديمتري اليوناني الأصل منفذاً لأفيشات عبدالرحمن بعد أن كان متخصصاً في تنفيذ أفيشات مواطنه فاسيليو الذي يعد من أفضل رسامي الأفيش اليونانيين، وظهر مع جسور الذي جعل من الفنان أحمد فؤاد منفذاً أساسياً له، في أواخر الأربعينات، ثم ظهر بعدهما عبدالعزيز ومرسيل اليوناني الأصل، وكان هؤلاء الأربعة هم أهم رسامي الأفيشات المصرية في فترة الخمسينات والستينات. ثم تلى هذا الجيل جيل الفنان أنور علي الذي ظهر أواخر الخمسينات ورسم أكبر كم من الأفيشات بداية من السبعينات إلى التسعينات. ثم ظهر الفنان مرتضى أوائل السبعينات، وكان تلميذاً لعبد العزيز الذي اتخذ من الفنان وهيب فهمي منفذاً أساسياً له. وبداية وهيب فهمي في فن الأفيش مع جسور الذي علم وهيب فهمي فن تنفيذ الأفيش على الزنك، وهيب فهمي نفذ في بداياته أفيشين لجسور هما “الغجرية” و"النغم الحزين"، ثم عمل في تنفيذ كل أعمال عبدالعزيز....

أهم ما يمكن استخلاصه عند تأمل الأفيشات، هو قدرتها على التعبير عن العصر الذى ظهرت فيه، فالكتاب يحتشد بأفيشات منذ عام 1933 حتى سنة 2012، وهي مدة زمنية طويلة توضح كيف تبدلت الأحوال في مصر، ففى الفترة من الأربعينيات حتى السبعينيات لم تكن هناك مشكلة في أن يحتوي الأفيش على صورة نجمة نصف عارية، أو مشهد يصور قبلة حارة بين البطل والبطلة، على ان تلك الملصقات القديمة التي غابت عن واجهات السينما اليوم باتت أشبه بأقنعة تدل على زمن غابر، تحمل في طياتها إشارات إلى التحولات التي طرأت على عالم الميديا والصورة والرسم، بل تدل على التحول في السينما نفسها، فهي باتت في مرحلة التصوير بطريقة تسمى “ثلاثية الأبعاد” والتي أتت بعد موجة السينما المنزلية التي كسرت هالة الصالة وعتمتها.

كان الملصق الملون بألوان حادة وبراقة وجذابة يروج للأفلام السينمائية العربية والأجنبية، نرى صورة البطل في مشهدية مؤثرة تتراوح بين الإغراء والقوة والرومنسية، كأن الملصق هو صلة الوصل الأولى بيننا وبين الفيلم داخل الصالة، أحياناً يكون لرسام الملصق قدرته على خداعنا من خلال طريقته في إبراز مشهد ساحر. يقول سامح فتحي “لقد ولى زمن صناعة الأفيش القيم الذي كان يعتمد على الرسم وأنواع الخطوط العربية التي يبدع فيها الخطاطون، فقد ولى هذا الزمن، وأخذ معه روائعه وأصول المهنة وجمالياتها، وقد رحل معه معظم مبدعي ذلك الأفيش التقليدي”..

أكثر ما يمكن قوله من خلال كتاب سامح فتحي، ان الملصقات باتت من علامات النوستالجيا، الملقصات التي كانت تبعث الحميمية للمشاهد، أصبحنا نراها في الكتب أو في بعض المجلات أو المعارض، فتحفز إلهامنا على القراءة والكتابة.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.



قراءة في كتاب “فن الأفيش في السينما المصرية” للناقد سامح فتحي

د. المهدي شبو

ظهر الملصق (الأفيش) السينمائي في فرنسا بالتزامن مع ميلاد السينما، إلا أنه لم يشهد ولادته الحقيقية إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ في هذا البلد أخد الأفيش أبعاده التجارية والفنية متأثرا بالنمو الكبير لصناعة الإشهار.

في البداية كانت وسائل الدعاية للفيلم السينمائي محدودة وتتمثل في الإعلانات في الصحف والمجلات و الوصلات الإذاعية عبر الأثير والأشرطة الدعائية في القاعات السينمائية، لذا فرض الأفيش نفسه كدعامة أساسية في الدعاية للفيلم السينمائي، وكان من وظيفته جذب فضول المارة في الشوارع وإثارة رغبتهم لمشاهدة الفيلم من خلال الرسم الورقي بتشكيلاته وتفاصيله التي تمتد على حيز مساحي ضيق جعل المخرج الكبير ستانلي كيبريك يصف فن الأفيش بأنه القدرة على اختزال ما صوره المخرج السينمائي في 350000 لقطة في صورة واحدة .

في عقد الخمسينات من القرن الماضي تحول الشغف بالأفيش السينمائي إلى هواية سينيفيلية، وباتت الكثير من الأفيشات تحفا فنية تضاهي في قيمتها الجمعية الأعمال التشكيلية.

لم ينل الأفيش السينمائي ذات الاهتمام في مصر والعالم العربي، فلم يؤرخ قط للأفيش، ولم يحظ باهتمام الدارسين وهي ملاحظة سجلها المخرج سمير سيف في تقديمه للكتاب، بينما يفاجئونك في أوربا وأمريكا بالحديث عن أول أفيش للفيلم السينمائي، ثم يثيرون دهشتك حين يميزون الأفيشات اللاحقة مرتبة بتواريخها بحسب المرات التي يعاد فيها طرح الفيلم بالقاعات السينمائية، في حين ضاعت ثروة سينمائية لا تقدر بثمن بفقدان أفيشات العرض الأول لكثير من أفلام السينما المصرية، وحتى الأفلام التي رصدنا لها أكثر من أفيش، يجد المؤرخ السينمائي صعوبة في القطع بترتيبها الزمني، اللهم إذا تضمنت بياناتها عناصر تدلل على تواريخها، وتعود الظاهرة في تقديري بجانب التحلل الطبيعي للأفيش الورقي في غياب أدوات للحفظ، إلى أن الأفيش كان يتعرض للإتلاف من تمزيق وحرق وعبث بعد أن يركن الفيلم في الرفوف، ومن وحي المشاهدة الشخصية عاينت استعمال الأفيشات لتلميع زجاج واجهات السينما، بينما حوفظ على هذا التراث السينمائي في الغرب بفضل جهتين مهمتين نفتقدهما في بلداننا العربية وهما الخزانات السينمائية Cinématiques Les والجماعون the collectors، وقد عجبت كثيرا أن جماعي الأفيشات في مصر وهي مهد الصناعة السينمائية في الشرق يقتنون أفيشات سينماهم من أوربا وأمريكا وبعض الدول العربية حسبما حكى مؤلف الكتاب في تقديم تجربته الشخصية .

لقد وجدت هذا التقديم ضروريا لوضع الكتاب في سياقه وإبراز أهميته، وقبل سامح فتحي، صدرت عدة كتب عن موضوع الأفيش، أخص منها بالذكر لا الحصر “أفيش السينما المصرية” لسيف سلماوي و"الأفيش في السينما المصرية والعربية" لمحمود قاسم، إلا أن كتاب سامح فتحي تميز عن غيره في اعتقادي، لأن مؤلفه جامع وهاوي أفيشات، ويستطيع الشغوف دائما أن يتجاوز العالم في مجال تخصصه.

من حيث الشكل والإخراج، اختار المؤلف مقاسا أثيرا عند مؤلفي هذا الصنف من الكتابة السينمائية في الغرب هو 28 × 22 سنتيمترا، وتضافر هذا الاختيار مع انتقاء الورق المصقول في إبراز جماليات أفيشات العصر الذهبي للسينما المصرية، وقد يعجب البعض من التركيز على هذه التفاصيل التقنية، لكني أرى بأنها اختيارات مفصلية، لأن الكتاب لا يقدم مضامين معرفية فقط، وإنما يتجاوزها إلى تقديم مضمون بصري يحتاج إلى إبراز جمالياته، وهيمنة الجانب البصري باد من خلال الحيز التي احتلتها صور الأفيشات من مجموع الكتاب ( 192 صفحة من أصل 248).

بدأ المؤلف كتابه ببوح شخصي وسمه بـ"رحلتي مع الأفيش" في عرض لتجربة شخصية تشابه تجارب جميع جماعي الأفيش، من استعجاب الآخرين والمحيط بالشغف وصعوبة استكمال المجموعة ومما يستتبعه ذلك من تكاليف مادية باهظة يٌبدل فيها الغالي، وتحتاج إلى التنقل والبحث المضني. هذا التقديم كان لابد منه لتثمين مادة الكتاب، فالمؤلف على العكس ممن سبقوه، لم يعتمد ما تقدمه محركات البحث على الانترنت، وإنما لمس كل أفيش وضعه في الكتاب بدليل إشارته إلى أن أفيشاته خضعت للمسح الضوئي بطريق الكومبيوتر قبل وضعها في الكتاب.

ينتقل المؤلف إلى قسم أضحى ثابتا في مثل هذه المؤلفات وهو التقديم للأفيش وأهميته وبداياته ورحلة تطوره، لكنه هنا يقدم معطيات تاريخية عن الأفيش المصري محقبا له بعقود القرن العشرين متوقفا على مميزات كل فترة على حدة والتطور الذي أضافته لهذا الفن مع التمثيل لكل فترة بعينة من الأفيشات توقف عندها الكاتب بالتحليل، والجميل أن القارئ يستطيع أن يتابع تحليلات الكاتب بمطابقتها بالأفيشات الملحقة بالدراسة، وكان بإمكان للعملية أن تتم بيسر لو أن الكاتب أحال على رقم الصفحة بجانب كل أفيش تعرض له بالإشارة أو التحليل في الصفحة ذاتها.

بعدها يتفرغ المؤلف لظاهرة مشهودة في العالم كله وهي ظاهرة الاقتباس التي قاربها من منظور تأثر الأفيش المصري بالأجنبي، والظاهرة ليست قاصرة على الأفيش المصري، وإنما هي عامة وناتجة عن نضوب الأفكار في مجال تصميم الأفيش وتشابهها، وقد قدم الكتاب نماذج من الأفيشات المصرية المنحولة، وإن كانت النماذج المعروفة أكثر من تلك التي أحصاها وعرض لها بالمقارنة.

يتوقف المؤلف على ظاهرة أخرى تتصل بعلاقة الأفيش بالرقابة، وسجل أن الأفيش المصري تمتع طويلا بحرية ملحوظة في التعبير عن الفيلم، وهي حرية مشهودة إذا ما تمت مقارنتها بتشدد الرقابة في كثير من الحالات مع مضامين بعض الأفلام، إلا أنه يستطرد ويورد أمثلة ليس من الرقابة الرسمية، وإنما من الرقابة الشعبية التي حاكمت جرأة بعض الأفيشات بالتعرض لها وإتلافها.

بعد تمهيد عن تأثير المرحلة اليونانية في تطور الأفيش في السينما المصري، ينتقل الكاتب للتعريف بأبرز رسامي الأفيش، واختار منهم ثماني فنانين هم على التوالي حسن جسور ومحمد عبد العزيز وفاسيليو ووهيب فهمي وأنور علي ومرتضى أنيس ثم ناجي شاكر فسارة عبد المنعم، وقد توقف عند أسلوب كل منهم، مستعرضا بالتحليل نماذج من الأفيشات التي خطتها أناملهم، وحتى يجري نوعا من التسلسل المجسد لمساهمة كل منهم في تطوير فن الأفيش خص كل منهم بلقب ؛ فوصف جسور بشيخ الطريقة المصرية في صناعة الأفيش ؛ ووسم عبد العزيز بفنان البراويز ؛ وفاسيليو بعمدة فناني الأفيش من اليونانيين ؛ واعتبر وهيب فهمي من أفضل منفذي الأفيش ؛ وأصبغ على أنور علي لقب رائد الأفيش المعبر عن طبيعة العمل ؛ وعلى مرتضى رسام ومصمم أفيش التساؤل وخص ناجي شاكر برائد الفن التشكيلي في الأفيش وسارة بمصممة الأفيش الحديث.

ختم المؤلف كتابه بمجموعة مواضيع وهي إن بدت متفرقة إلا أن قاسمها المشترك يبقى اتصالها بالأفيش ؛ فعرض لتقسيمه للأفيش من الناحية الفنية والتقنية ولتفريعاته من جانب المضمون، بجانب مسائل تقنية بحتة كحجم الأفيش وأنواع الطباعة ومراحل صناعة الأفيش وتنفيذه، وكلها مسائل قد تبدو تقنية محضة، إلا أنها تبقى مفيدة للقارئ غير المتخصص الذي قد يتملكه الفضول لاستكشاف عوالم الأفيش السينمائي.

خرج سامح فتحي في عمله بمجموعة من الانطباعات؛ أبرزها تقاطعه مع كل الهواة والمتخصصين في الكتابة في هذا الفن، في أن الكرافيك وبرامج الكومبيوتر أنهت اللمستين الفنية والجمالية في الأفيش السينمائي، ويحسب له - ولو عن طريق الغير- عناء ترجمة مضامين الكتاب إلى اللغة الانجليزية، ففتح بذلك لكتابه آفاق رحبة للذيوع في العالم بأسره.

لا أخفي سرا أن ما دفعني لتقديم هذه القراءة عن الكتاب، هو اشتراكي مع المؤلف في الشغف بفن الأفيش السينمائي، وكنت أتمنى لو قارب ثلاثة مواضيع كانت ستجعل مؤلفه متكاملا من جميع الجوانب؛ أولها أن فن الأفيش المصري لا يتوقف عند الثمانية الذين قدم لهم، فلم يتطرق لتجارب جميع رواد الأفيش المصري، وكنت أتمنى على سبيل التمثيل لو قدم نبذة عن سيرة وأسلوب أحمد عدلي الذي كان نشاطه مشهودا من بداية الأربعينات حتى عهد تأميم السينما في بداية الستينات، وقد تخصص بشكل خاص في أفيش الفيلم الاستعراضي والغنائي، وصمم أجمل أفيشات أفلام فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ ومحرم فؤاد وغيرهم.

وددت أيضا لو انبرى سامح لتتبع تأثير مدارس الفن التشكيلي على مضامين الأفيش المصري، وقد تطرقت دراسات في كثير من بقاع العالم لتأثير المدارس الكبرى للفن التشكيلي في فن الأفيش، قد يشفع فقط للكاتب أن الأفيش المصري كسينماه، ظل في معظمه محافظا وافيا للمقولة المعروفة “الجمهور عايز كده”، بتركيز تصاميمه على نظام النجم، وتسخير جميع أدوات الرسام لإبراز النجم الذي يحمل العمل كتوظيف تقنية البورتريه واللقطات المقربة التي تركز على الوجه.

تتركز المؤاخذة الثالثة على اقتصار الكتاب على الأفيش المصري المنجز في مصر، مغفلا أفيش الفيلم المصري المنفذ بالخارج، ففي العصر الذهبي للسينما المصرية، كان الأفيش الأصلي للفيلم يٌصمم وينفذ في مصر، وبالموازة مع ذلك كان الموزع الخارجي مخيرا بين أن يحتفظ بالأفيش الأصلي مع إضافات طفيفة ترتبط بترجمة العنوان وكتابة أسماء الطاقم باللغة الأجنبية أو أن يصمم أفيشا خاصا مختلفا عن الأفيش الأصلي.

كانت أغلب شركات التوزيع الخارجي كريجان فيلم ووابر فرنس وفرنكوريكس مستوطنة في فرنسا وتتمتع بامتياز توزيع الفيلم المصري في فرنسا ودول المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس)، وكانت تقوم - بالنسبة لبعض الأفلام دون غيرها ولاعتبارات نجهلها- بتنفيذ أفيشات مختلفة في تصاميمها وأفكارها عن الأفيش الأصلي المنجز في مصر.

في معظم الأحوال كان الرسام المصري متفوقا على الرسام الأجنبي بحكم انتمائه للبيئة المصرية ومعرفته الدقيقة بنجوم السينما المصرية، لكن في حالات محددة رصدنا تفوق الأفيش المنفذ بخارج مصر على الأفيش المنفذ داخلها، لذا يستحسن لو قُدر للكاتب أن يستمر في نهجه في التعريف بالأفيش المصري فيما يستقبل من كتب أن يراعي هذه الخصوصية التي لا تخدم إلا تنوع الأفيش المصري.

يٌعد كتاب “فن الأفيش في السينما المصرية” الإصدار الثاني للمؤلف في هذا الصنف من الكتابة بعد كتاب “الأفيش الذهبي في السينما المصرية” الذي لم تتح لي فرصة الاطلاع عليه للأمانة العلمية، ولا أملك كهاوي للأفيش السينمائي الفني إلا أن أثمن هذا المجهود حاثا المؤلف وغيره على الاستمرار في هذا النهج، لأن حفظ ذاكرة السينما المصرية يحتاج إلى مثل هذه الأعمال ذات البعد التوثيقي التي يغذيها الشغف.

عن موقع عين على السينما



فن الأفيشة فى السينما المصرية

25/02/2015
عصام سعد

كتاب «فن الأفيش فى السينما المصرية» يحتوى على مجموعة ضخمة من أندر أفيشات السينما المصرية تقدر بحوالى 350 أفيشا بداية من عام 1933 وإلى عام 2012 كلها أفيشات أصلية طبعة أولى تحمل توقيع رسام الأفيش وقد استطاع الناقد سامح فتحى تجميعها والحصول عليها من خلال الرحلات الخاصة التى قام بها إلى بعض البلدان مثل لبنان وأمريكا وألمانيا وعمان ..

يحتوى الكتاب على دراسة خاصة عن الأفيش المصرى تتضمن أهميته وبداياته ورحلة تطوره وتأثره بالأفيش الأجنبى ودور الرقابة وتأثيرها فى فن الأفيش والحقبة اليونانية وأثرها فى صناعة الأفيش المصرى ، ويستعرض الكتاب جهود أهم رسامى الأفيش المصريين بداية من شيخ طريقة صناعة الأفيش المصرى جسور ثم الفنان عبد العزيز ثم عمدة فنانى الأفيش من اليونان فاسيليو ثم وهيب فهمى من أفضل منفذى الأفيش وأنور الذى رسم الأفيش المعبر عن طبيعة العمل بحرفية كبيرة ومرتضى رسام ومصمم أفيش التساؤل وناجى شاكر والفن التشكيلى فى الأفيش وسارة مصممة الأفيش الحديث، وتحتوى الدراسة كذلك على أقسام الأفيش من الناحية الفنية ومن ناحية المضمون والموضوع وتقرير عن حجم الأفيش وعن مطابع الأفيش ومراحل صناعته والمعلومات التى كان يتضمنها الأفيش ويحتوى الكتاب على ترجمة لهذه الدراسة باللغة الإنجليزية، ويقع الكتاب فى 250 صفحة من القطع الكبير والورق الفاخر المصقول والطباعة المميزة وكل ذلك المجهود ليخرج الكتاب فى أبهى صورة ويكون مشرفا للسينما ويهم غرفة صناعة السينما المصرية وأعضاءها ونموذجا مميزا فى المكتبة السينمائية المصرية .

كما قام سامح فتحى بتأليف كتاب «أنبياء فى السينما العالمية» فى صفحات تجاوزت المائة من القطع الكبيرة وفى طباعة فاخرة على ورق مصقول متناولا أفلام دينية تاريخية أبرزها مثل «الكتاب المقدس: من بدء الخليقة حتى قصة إبراهيم» 1966 من جهة عرض المعلومات الخاصة بالعمل وظروف إنتاجه والعاملين به وميزانيته الخ ثم من ناحية تقديم العمل نفسه بطريقة فنية تكاد تظهر العمل كاملا حتى يستطيع من لم يشاهد هذه الأعمال أن يشاهدها مكتوبة مما يجعله يتخيل العمل كاملا ويتعرف عليه عن قرب وبعد ذلك سياحة نقدية داخل العمل متناولا جوانب رقيه وعظمته مثل الديكورات والملابس والتمثيل والإخراج والموسيقى التصويرية والسيناريو والحوار والإضاءة وأخيرا لمحة سريعة من خلال مقارنة فنية بين الفيلم والكتاب المقدس والقرآن الكريم حيث يعتمد الفيلم على الكتاب المقدس كمرجع له وأراد سامح فتحى من خلال هذه المقارنة أن يثبت بالدليل العملى أن الأديان خاصة الإسلام والمسيحية - بها مساحات الاتفاق أكثر جدا من مساحات الاختلاف الأمر الذى يجب أن ينعكس على سلوك أصحاب الديانتين فى تعاملهما سويا فتختفى من مصر نزعات التكفير لأصحاب الديانات الأخرى وتنتهى إلى الأبد ظاهرة العنف الطائفى.

عن موقع الأهرام

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)