فرنسا قلقة على أجبانها

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الأحد 08-10-2017
المدن - محطات
محمد السعدي


فرنسا قلقة على أجبانها


يقضي التقليد الفرنسي بتقديم سلة من الأجبان بعد الغداء (Getty)


يقول مثل فرنسي قديم: “وجبة من دون جبن ليست وجبة فرنسية”. فالفرنسيون متمسكون بالجبن، الذي يتفننون في تحضيره من حليب الأبقار والماعز والنعاج. وتخصص العائلات للجبن 7% من مصروف البيت، أي ما مجموعه نحو 8 مليار يورو سنوياً. وتلك نسبة معتبرة، بررت إعلان 9 نيسان “يوم الجبن الوطني”.

لكن، التقاليد الغذائية تصطدم بالضرورات الصناعية والتجارية والتسويقية، حتى في بلد مثل فرنسا، “غيور” على إرثه. هكذا، لأسباب اقتصادية، “انقرض” زهاء 50 نوعاً من الأجبان الفرنسية خلال العقود الأربعة الماضية، منها مثلاً “غاليت دو موندور”، الجبن العريق منذ أربعة قرون، إثر وفاة آخر صانعيه. وعرف “أزرق تيرمينيون” و"ڨاشران دابوندانص" مصيراً مشابهاً.

ولاختفاء تلك الأجبان أسباب عدة، منها تدني المردودية بسبب وسائل تحضيرها الحرفية اليدوية، التي تتطلب عناية وجهداً، بل وشيئاً من الولع بات متعارضاً مع الإنتاجية الصناعية المعاصرة. وهناك أيضاً ضرورة الامتثال لمواصفات نوعية تفرضها المجموعة الأوروبية في بروكسيل، لا تتماشى وطرق تحضير بعض الأجبان. كما تقلص عدد المحال المتخصصة في بيع الجبن والزبد والقشطة، بينما أغلقت بعض الأسواق الكبرى أقسام بيع الجبن، التي توظف باعة لهم “ثقافة جبنية”. ما أدى إلى التخلي عن أجبان لا تُسوق سوى بتلك الطريقة التقليدية، إذ لا يمكن تغليفها وعرضها في الرفوف المبردة كباقي الأنواع الجاهزة.

والأجبان المحضرة بالحليب النيء (غير المبستر) من أكثر “ضحايا” ظاهرة الانقراض تلك. ومنها “كولومييه” و"كاممبير" بالحليب النيء. إذ أعزيت إليها بضع إصابات ببكتيريا “ليستيريا”. رغم ذلك، وفق الاختصاصيين، قد تصيب تلك البكتيريا أي نوع جبن، حتى المبستر، وأيضاً اللحوم والأسماك كلها، وليس الجبن بالحليب النيء فحسب. لكن، تفوح من هذا النوع رائحة قوية إن أُسيء حفظه. فسابقاً، كان يُحفظ على لوحة خشبية في مكان جاف وبارد ومظلم، ويغطى “بالناقوس” (لشبهه بالجرس). أما أبناء آخر زمان، فصاروا يقحمونه في الثلاجة، فتطغى رائحته على الغلال الأخرى. وحين ينسونه فترة طويلة، ثم يعودون فيفتحون باب البرّاد، تنبعث رائحة تجعلهم يظنون إنهم لم يفتحوا الثلاجة، إنما مكاناً آخر من المنزل.

ويقضي التقليد الغذائي الفرنسي بتقديم سلة الأجبان بعد الانتهاء من “صحن المقاومة”، مثلما تدعى الأكلة الرئيسية، وقبل التحلية. فالوجبة النموذجية تتألف من “مقدمة وقلب ومؤخرة”: المقدمة هي المقبلات، والقلب هو الصحن الرئيسي، والمؤخرة هي التحلية. أما الجبن، فهو “الميمنة” و"الميسرة" معاً. لكنها “معركة” للذوق الرفيع. يأتون أولاً بالمقبلات، متمثلة بمأكل خفيف، ثم يُقدم الصحن الأساسي، المسمى “طبق المقاومة”، والمقصود مقاومة الجسم لمتطلبات النهار.

وأخيراً، تبتهج الأسارير حين يأتي دور صينية الجبن، فيقتطع كل شخص ما يستهويه. مثلاً “أسطوانة معزة الرماد” (لأنها على شكل قالب أسطواني مغطى بمادة تحاكي رماد السيجارة لوناً وشكلاً، لكنها جزء من الجبن، تتكون حوله بشكل طبيعي بسبب طريقة تخميره)، أو “كاممبير” الشهير، نسبة إلى منشأه في مقاطعة نورماندي، وهو أكثر أنواع الجبن شيوعاً منذ أن “اخترعته” المدعوة ماري آريل في العام 1791.

وطبعاً، لا مكان في تلك الوجبات التقليدية للجبن “المصهور”، المقدم في مثلثات مغلفة بالألمنيوم. فهذا النوع لا يليق إلا بالصغار أثناء الاستراحة المدرسية، أو... للتصدير. ومن أشهر أنواعه “البقرة الضاحكة”، التي لم يعرف أحد بعد ما هي النكتة التي ضحكت عليها، ولا تزال منذ عقود، قبل “جنون البقرة” بكثير.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة

حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)