فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، أحمد أمين (مصر)، تاريخ أحمد أمين إبراهيم (1886 - 1954)، أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب مصري

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٦ أبريل/ نيسان ٢٠١٥
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«فجر الإسلام وضحاه وظهره» لأحمد أمين : التاريخ مُعقلناً


على رغم أن الكتب التي صدرت طوال القرون الفائتة عن الإسلام وتاريخه، لا تعدّ ولا تحصى، فإن مجموعة واحدة من الكتب ظلت خلال النصف الأول من القرن العشرين، على الأقل، معتمدة بوصفها ترسم التاريخ العقلاني الأوضح والأكثر شمولاً للفكر العربي مرتبطاً بتاريخ الإسلام نفسه. وهذه المجموعة هي بالتأكيد تلك المؤلفة من ثلاثة أقسام يقع كل منها في ثلاثة أجزاء، وضعها المفكر الموسوعي المصري أحمد أمين مطلقاً على أقسامها «فجر الإسلام» و»ضحى الإسلام» و»ظهر الإسلام». وهذه المجموعة التي صدرت منذ عام 1929 قال عنها أحمد أمين نفسه في سياق تفسيره الدوافع التي حدت به إلى كتابتها: «تعلمت في (الجامعة) أن ميزة هذه عن المدرسة هي البحث. فالمدرسة تعلم ما في الكتب، أما الجامعة فتقرأ الكتب لتستنتج منها جديداً. المدرسة تعلم آخر ما وصل إليه العلم، والجامعة تحاول أن تكتشف المجهول من العلم. فهي تنقد ما وصل إليه العلم وتعدّله وتحلّ جديداً محل القديم، وتهدم رأياً وتبني مكانه رأياً آخر(...). وأخذني ذلك التفكير إلى التمهيد لمشروع واسع في البحث وضعته مع كل من الدكتور طه حسين والأستاذ عبد الحميد العبادي خلاصته أن ندرس الحياة الإسلامية من نواحيها الثلاث في العصور المتعاقبة من أول ظهور الإسلام، فيختص الدكتور طه بالحياة الأدبية والأستاذ العبادي بالحياة التاريخية وأختص أنا بالحياة العقلية. فأخذت أحضّر الجزء الأول الذي سمي «فجر الإسلام» وصرفت فيه ما يقرب من سنتين(...)» ويتابع أحمد أمين في حديثه هذا قائلاً أن العوائق حالت بين زميليه وإخراج نصيبهما «فاستمررت أنا في إخراج «ضحى الإسلام» الذي ترقيت في منهج تأليفه» ليستأنف بعده كتابة القسم الثالث فيصبح المشروع كله مشروعه. أما عن الطريقة التي يقول أمين أنه قد «ترقى بها» في منهج تأليفه فيفصّل قائلاً: «... حيث أنني هنا قد رتبت الموضوعات التي تستغرق ثلاثة أجزاء وأحضرت ملفات كتبت على كل ملف منها اسم المعتزلة وآخر الخوارج وثالث أثر الجواري في الأدب، ورابع الثقافة الهندية....». وعلى هذا النمط كما يقول أخرج الجزء الثاني والثالث من «ضحى الإسلام» استناداً إلى فكرة الملفات. ليعقبه القسم الثالث الذي جاء في أربعة أجزاء هذه المرة إذ وجد موضوعه - الحياة العقلية والفكرية في الإسلام - أكثر اتساعاً بكثير مما كان الأمر عليه في القسمين الأولين. والحال أن هذا القسم من الموسوعة يبدو لنا اليوم الأكثر احتفالاً بالتفاصيل والأكثر تجديداً، وبالتالي الأكثر إثارة لشتى أنواع السجال لاحقاً حيث أن التحليل يتركز هنا على وصف الحالتين الاجتماعية والعقلية عبر وصف التيارات والفرق والمدارس منذ عهد المتوكل حتى أواخر القرن الهجري الرابع، وهي الحقبة التي شهدت معظم ضروب المنازعات الفكرية والانشقاقات الاجتماعية والدينية وكلها كما نعلم استندت إلى الأفكار والتأويلات لتبرر نفسها. ولا شك أن أحمد أمين كان يفكر بهذا كله حين قال فيما يشبه النقد الذاتي، أنه يعتقد أن الهجومات التي تعرض لها هذا القسم ناتجة من استناده فيما كتب «إلى ما قال الخصوم عن خصومهم، وكان الواجب أن استند إلى كتب القوم أنفسهم. وقد يكون ذلك صحيحاً في بعض المواقف، لكني في «ضحى الإسلام» نقدت بعض آرائهم نقداً نزيهاً عقلياً مستنداً إلى كتبهم، فغضبوا أيضاً».

ومهما يكن من أمر الغاضبين فإن عدداً كبيراً من المؤلفين والباحثين يرون أن ليس ثمة ما يفوق، في مجال التأريخ للفكر الإسلامي في سنوات نشأته الأولى، ما جاء في مجموعة الكتب هذه. ولو لم يكتب أحمد أمين غير هذه الدراسات لكان في الإمكان اعتباره واحداً من كبار نهضويي وتنويريي الفكر الإسلامي. غير أن أحمد أمين، الذي رحل عن عالمنا عام 1954 عن عمر لا يزيد على الثمانية والستين عاماً، زوّد المكتبة العربية والإسلامية كتباً عدة أخرى يقف كل واحد منها، وعلى الأقل في زمن كتابته وصدوره، فريد نوعه في مجاله، فمن تأريخه لفكر عصر النهضة في «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» حيث ألقى أضواء كاشفة على العديد من أبرز المفكرين الذين سعوا للتجديد في الفكر الإسلامي وليس داخل مصر وحدها بالطبع، إلى أجزاء كتابه الفذ «فيض الخاطر» الذي جمع فيه، في ألوف الصفحات، مقالاته النقدية والفكرية المتنوعة، ثم خاصة إلى سيرته الذاتية التي نشرها بعنوان «حياتي» وكانت فتحاً في هذا المجال، لأن أحمد أمين رسم فيها صورة صادقة وحنوناً لحياته، ومسارها المعيشي والفكري ندر أن رسم مثلها قلم من قبله، في حضارة عربية - إسلامية اعتادت قبله أن تضع «الأنا» في الصف الأخير من الأهمية.

ناقداً ومؤرخاً ومفكراً كان أحمد أمين، من طينة إبراهيم المازني وجرجي زيدان وأحمد لطفي السيد، وهو سار على الطريق الموسوعي التنويوي نفسه الذي سار عليه، مفكرون من طراز عباس محمود العقاد وطه حسين. وجميعهم ينتمون إلى ذلك الرعيل الذهبي من المفكرين الذين صنعوا للفكر العربي - الإسلامي نهضته الليبيرالية منذ نهايات القرن الفائت وحتى بدايات سنوات الخمسين، أي بالتحديد حتى الزمن الذي رحل فيه أحمد أمين، فكان موته أقرب لأن يكون علامة ذات دلالة.

ولد أحمد أمين في 1886، وهو لئن كان شامل الاتجاهات وغامضها في سنوات شبابه الأولى فإن حادثة دنشواي ثم ثورة 1919 وتعرّفه على بعض المقربين من سعد زغلول، كل هذا أحدث لديه تلك الانعطافة الفكرية والحياتية، حيث نراه يبدأ كتابة هادفة وطنية موجهة، في عز اندلاع الثورة. وهذا التوجه لن يبارح كتاباته بعد ذلك، هو الذي جعل من غائية الأدب وارتباطه بالمجتمع مقياساً لا يحيد عنه. وأحمد أمين يروي لنا في سيرة حياته، على أي حال، خط سيره الذي قاده من مسقط رأسه في حي الخليفة بالقاهرة إلى تربعه عرش الفكر العقلاني في مصر، ويقول لنا إن التأثيرات الأولى التي مورست عليه كانت خطب الجمعة وقراءاته البدائية والشاعر الشعبي في الحي الذي كان يحكي أجمل القصص. ويقول أمين إن ذلك كله قد نبهه باكراً إلى أن الثقافة العربية ثقافتان، واحدة رسمية نشأت في القصور بعيداً عن الشعب، والثانية شعبية نشأت في أحضان الشعب فتأثر بها هذا وساهمت في تكوينه. الثقافة الرسمية تأمنت لأحمد أمين عن طريق أبيه الأزهري الذي «وضع لي برنامجاً مرهقاً لا أدري كيف احتملته». وعن طريق المدارس الحديثة التي ألحقه أبوه بها. أما الثقافة الشعبية فلقد أمنها له اختلاطه بالثورة الشعبية التي نما في أحضانها، وما راقبه منذ طفولته من صنوف القص والعوائد الشعبية. والحال أن أحمد أمين الذي تقلب في العديد من الوظائف الحكومية بعد أن درس الإنكليزية باكراً وأتيح له أن يسافر إلى تركيا ثم إلى أوروبا بتوجيه من أحمد لطفي السيد، ظل طوال عمره موزع الهوى بين عقلانية الثقافة الرسمية وخيالية الثقافة الشعبية، وإن كان تأثير أبيه عليه قد ألحقه بالنزعة العقلانية بصورة نهائية، وجعله، هو الذي كان برماً بصرامة والده، يسير في نهاية الأمر على منوال ما اختطه له هذا الأخير.

إذن، بين الرحلات والعمل السياسي والتدريس والوظائف الحكومية، أمضى أحمد أمين تلك الحياة الغنية التي مكنته من أن يبرز كواحد من أهم أصحاب الفكر العقلاني، ومكنته من أن يسم بعقلانية تلك العصور الإسلامية التي درسها في موسوعته الشهيرة، محاولاً أن يستنهض ما فيها من نزعات فكرية أصيلة تتناغم مع العقل، ونعني بذلك موسوعة «ضحى الإسلام» وما تلاها، ولعلنا لا نجانب الصواب كثيراً إن أشرنا هنا إلى أن أحمد أمين، إلى إنجازاته الفكرية العديدة وإلى عقلانيته - التي كان البعض يراها متطرفة - كان من أبرز النقاد الذين سعوا لأن يفرضوا على الأدب وظيفة اجتماعية ومن هنا كانت جزالة أسلوبه اللغوي وبساطته، هو الذي كان واحد من همومه الأساسية «التوصيل» أي نشر الكتابة لدى أعرض الطبقات الممكنة من الناس. وفي اعتقادنا أن نجاحه في هذا المجال كان - ولا يزال حتى يومنا هذا - كبيراً.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)