فتاة مصر، يعقوب صروف (لبنان)، رواية

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ١٠ فبراير/ شباط ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«فتاة مصر» ليعقوب صروف : صورة للمجتمع المصري أوائل القرن العشرين


من المفترض اليوم أن يكون السجال الكبير الذي كان يدور بين الفينة والأخرى من حول «الرواية العربية الأولى» قد حُسم. وتحديداً في اتجاه أن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل ليست هي الرواية الأولى التي كتبت في مصر كما في أنحاء أخرى من العالم العربي. فمنذ زمن صارت هناك أماكن لعشرات الروايات العاطفية والتعليمية والتاريخية التي صدرت قبل رواية «زينب» وصارت هناك أماكن لعشرات الكتاب الذين سبقوا هيكل الى فن الرواية. فهناك علي مبارك (في «علم الدين») وجرجي زيدان (في رواياته عن تاريخ الإسلام) وفرنسيس المراش ومحمد لطفي جمعة وبخاصة محمد المويلحي (في «حديث عيسى بن هشام») ويمكن للائحة أن تطول، لكننا سنكتفي بأن نضيف إليها هنا اسماً قد يستغرب كثر وجوده: اسم عالم كبير وصحافي عريق هو يعقوب صروف الذي كانوا قلة الى فترة قريبة، أولئك الذين يعرفون أنه خاض في فن الرواية. بل كتب ثلاث روايات، على الأقل، صدرت وقُرئت قبل «زينب» بسنوات، وهي «فتاة الفيّوم» و «أمير لبنان» و «فتاة مصر». ولئن كانت هذه العناوين تحيل الى لبنان ومصر تباعاً فما هذا إلا لأن الكاتب عاش ونشط في البلدين وكان يعرفهما جيداً حتى وإن صدرت الروايات الثلاث في الشقيقة الكبرى.

وتعتبر رواية «فتاة مصر» الأشهر بين روايات صروف. بل لعل في الإمكان حسبانها بين الروايات الأقوى سبكاً والأسلس لغة، والأقرب الى حراك المجتمع المديني المصري وتقلباته خلال الفترة التي تتحدث عنها، وهي على أية حال، الفترة التي كتب صروف الرواية فيها، أي الأعوام الأولى من القرن العشرين. ولعل في إمكاننا هنا أن نصف الرواية بأنها من أول الأعمال الاجتماعية القصصية في الأدب العربي. إذ في وقت كان الكتاب العرب يتوجهون الى الماضي، أو الى الرومانسية المفرطة أو الى الإغراق في الحس التعليمي، وجد صروف نفسه يرصد المجتمع المصري القاهري رصداً دقيقاً ليعكس الحياة اليومية المصرية في حكاية قد لا تخلو من بعد ميلودرامي ومن خطّية في السرد ومن شيء من الافتعال في تراكم الحوادث وانعكاسها على الشخصيات، لكنها في الحقيقة من نوع تلك الحوادث التي يمكن أن تقع في أي زمان ومكان.

لقد كان من الطبيعي ليعقوب صروف الآتي من المجتمع الراقي في لبنان، والمنتمي في مصر، بالتالي الى نفس ذلك المستوى من المجتمع ألا يكون مطّلعاً على أحوال المجتمعات المصرية الأخرى، البائسة والتي تكتظّ بها أحياء شعبية لا مكان لها في الرواية، فكان من الطبيعي ان يجعل ميدان روايته الطبقة الثرية في مصر. تلك الطبقة التي، يصوّر لنا انتماء عائلاتها الى كل من الأديان الثلاثة التي يتوزع المجتمع المصري إليها، الإسلام والمسيحية واليهودية. ومن هنا نجده يدخل بنا منذ الصفحات الأولى الى أوساط ثلاث عائلات موسرة ينتمي كل منها إلى إحدى الطوائف الثلاث. والأهم من هذا أن العائلات متداخلة في بعضها بعضاً وتقيم في ما بينها علاقات عائلية عنوانها الصداقة بين الحسناوات الثلاث بنات تلك العائلات. ولكن في ما وراء ذلك هناك العلاقات الغرامية التي تشكل أحد مواضيع الرواية، من ناحية بين الفتاة القبطية التي تغرم بالإنكليزي وينتهي بها الأمر الى الزواج منه. واليهودية التي يتطلع الى الزواج منها شقيق القبطية والمسلم التركي حليم والمرابي اليهودي عزرا. والمسلمة التي يطلق النار عليها شاب من اهلها ترفض الزواج منه. فيقعدها الحادث حتى تذوي تدريجياً ولعل اللافت هنا أن للصبية اليهودية مدرساً هو شيخ عالم مسلم يكاد يكون صورة طبق الأصل عن الإمام محمد عبده!.

صحيح ان هذه المصائر تشكّل أساس الرواية، ولكن في ما وراءها هناك المجتمع المصري الصاخب بتجارته وأقلياته وصراعاته ودخول المخترعات الحديثة اليه. وكل هذا رسمه قلم يعقوب صروف رسماً مدهشاً يجعل القارئ يحس وكأنه أمام رواية معاصرة. والحقيقة ان هذا لم يكن غريباً على هذا الكاتب الذي سيقول عنه الأمير شكيب أرسلان يوماً: «... وهو لا يرى نفسه شيئاً، وكلما ازداد عِلماً ازداد تواضعاً، وكلما عجب الناس من سعة علمه عجب هو من كونهم يرونه عَالِماً». هذا الكلام كتبه ارسلان عن صروف في مقال نشر اثر وفاة هذا الأخير، في مجلة المقتطف». والذين عرفوا صروف لا يرون اية مغالاة في الكلام الذي كتبه ارسلان، لأن صروف، الى علمه الغزير ونشاطه الكتابي الدؤوب، واتساع دائرة اهتماماته العلمية والفكرية والثقافية، عُرف بأخلاقه التي كانت اخلاق عالم حقيقي. وكان ارسلان، حين رحل صروف في اليوم الأخير من تموز (يوليو) 1927، واحداً من كثرة من الكتّاب الذين اذا كتبوا عن الراحل ركّزوا حديثهم على اخلاقه، وعلى ارتباط المسألة الأخلاقية لديه بالمسألة العلمية.

يعقوب صروف كان، في المقام الأول، عالماً. وكان واحداً من الذين رأوا ان ثمة فائدة كبيرة للقارئ العربي، في الكتابة عن العلم وظواهر الكون. وهكذا اهتم طوال حياته بهذه الناحية، وكرّس لها تلك المجلة الشهيرة التي كانت من اهم المطبوعات العلمية في تاريخ الثقافة العربية: المقتطف» التي كان بدأ يصدرها مع فارس نمر وشاهين مكاريوس في القاهرة منذ عام 1885، بعد ان اصدرها الثلاثة في بيروت طوال عشرة اعوام سابقة على ذلك. ومن المعروف ان صروف خلال اشرافه على المجلة، اصدر منها واحداً وسبعين مجلداً تعتبر، في مجموعها، موسوعة علمية متكاملة.

ولد يعقوب صروف عام 1852 في قرية الحدث القريبة من بيروت، وتلقى دروسه الجامعية في الجامعة الأميركية في العاصمة، حيث تميز بالرياضيات والفلسفة، لكنه - مثله في هذا الوقت مثل المتنوّرين في زمنه - كرّس للأدب والشعر بعضاً من وقته واهتماماته وهذا ما جعله يخلّف لدى رحيله مجموعة من الكتب والدراسات العلمية، اضافة الى روايات عدة وكتب ادبية مختلفة.

في بداية حياته العلمية مارس يعقوب صروف التدريس، حيث نجده طوال ثلاث سنوات مدرّساً في مدارس صيدا وطرابلس وصافيتا. وفي الموسم الدراسي 1873 - 1874، وكان بالكاد تجاوز الحادية والعشرين من عمره، دعته الجامعة الأميركية (وكانت تدعى الكلية الإنجيلية السورية) ليدرّس فيها العلوم الرياضية والفلسفة الطبيعية وعلم الفيزياء، فانصرف، كما يقول الكونت فيليب دي طرازي في كتابه تاريخ الصحافة العربية» الى الدرس والتدريس و «قرن العلم بالعمل وجعل تلامذته يطبّقون علم الهندسة وحساب المثلثات على مساحة الأراضي ويصنعون الآلات الطبيعية كلفائف الحدوة والأجراس الكهربائية، وكان ذلك دأبه وهو تلميذ، فإنه صنع آلة تدور بالماء على مبدأ مطحنة باركر، وهو يدرس علم السوائل، فأخذها رئيس المدرسة وحفظها بين اجهزة الفلسفة الطبيعية، وهي التي ذكرته به حينما كانت المدرسة تبحث عن استاذ لتدريس علم الطبيعيات».

اذن، من التدريس الى الصحافة والكتابة في العلم، خطوة قطعها يعقوب صروف في عام 1876 حين قرر مع زميليه نمر ومكاريوس تأسيس المقتطف» وكان مقدراً لتلك المجلة ان تصدر في بيروت لزمن طويل مقبل، لكن الأوضاع السياسية في المنطقة لم تمكّنهم من مواصلة إصدارها هناك، فانتقلوا بها الى القاهرة، حيث سرعان ما اصبحت واحدة من اكثر المجلات العربية انتشاراً، وتكوّن عبر دراساتها ومتابعتها لكل جديد، جيل كامل من علماء العرب في ذلك الحين، كما انها دأبت على تبسيط العلوم وتقديمها للقارئ العادي. وكان يعقوب صروف المحرر والمترجم الرئيسي للمجلة، من الافتتاحية الى دراسات تبسيط العلوم، الى التأريخ لكبار العلماء والمخترعين على مدى التاريخ، الى باب الأسئلة والأجوبة الذي كان - في حدّ ذاته - يعتبر موسوعة علمية كاملة. وكان من عادة يعقوب صروف ان ينشر كتاباته على حلقات في «المقتطف» ثم يجمع منها في كتاب ما يستحق هذا الجمع، وهكذا تضم لائحة كتبه روايات نشر بعضها مسلسلاً، وكتباً علمية وتاريخية. من بين رواياته هناك إذاً، «أمير لبنان» التي تتحدث عن هذا البلد خلال احداث ستينات القرن التاسع عشر، و «فتاة الفيّوم» وهي رواية عصرية. أما كتبه العلمية فأشهرها «اعلام المقتطف» ويضم تواريخ حياة رجال العلم والفلسفة منذ عهد سقراط حتى عام 1924، و «فصول في التاريخ الطبيعي في مملكتي النبات والحيوان» و «العلم والعمران» و «بسائط علم الفلك وصور السماء» و «الرواد».

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


يعقوب صروف على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)