سينما

“غدي” جورج خبّاز يحاكم المجتمع اللبناني

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٢١٣٨ الاثنين ٢٨ تشرين الاول ٢٠١٣
جريدة الأخبار
ادب وفنون


الشريط الذي يتناول ذوي الاحتياجات الخاصة، يتميّز بجمالية الصورة والكادرات والاحتراف في التصوير. إلا أنّ المخرج أمين درة الذي عرفناه في مسلسل الويب «شنكبوت»، يعتمد الإيقاع السريع الموحّد في تقطيع مشاهد العمل الذي ينزلق إلى تكريس الكليشيه.


بانة بيضون


يتابع فيلم «غدي» حياة ليبا الطفل الخجول الذي يكبر ليصبح مدرّس موسيقى ويتزوج من حبيبة الطفولة لارا ويستقرا بسعادة في حيّ «المشكل» ذي الطابع التقليدي، إلى أن يرزقا بطفلهما الثالث غدي الذي يعاني من «متلازمة داون». يدخل ليبا في صراع مع أهالي الحي الذين لا يتقبّلون غرابة ابنه الذي يزعجهم صراخه المستمر من النافذة حيث يحلو له أن يجلس ليلاً ونهاراً. في محاولة للتهدئة من غضب الأهالي، يخبرهم ليبا أنّ غدي هو في الحقيقة ملاك، وصراخه المستمر ما هو إلا عقاب أنزله الله لمعاقبتهم على خطاياهم. يتمكّن ليبا مع فريق من سكّان الحي يعاونه في الخفاء، من إقناع الأهالي بصحة روايته، فيتحوّل غدي إلى الملاك الحارس لحي «المشكل».

القصة التي لا تخلو من الابتكار ولا الطرافة، تصطدم بالنزعة الاستعراضية في أسلوب الإخراج الذي يصلح لفيديو كليب أكثر منه للأفلام الروائية الطويلة. ورغم جمالية الصورة والكادرات المختارة وحتى الاحترافية في التصوير، إلا أن المخرج أمين درة الذي عرفناه من خلال مسلسل الويب الدرامي «شنكبوت» يعتمد الإيقاع السريع الموحّد ذاته في تقطيع المشاهد من أول الفيلم إلى آخره. ويبدو في أحيان كثيرة كأنّما يفرض نفسه على تطور الدراما ولا يحاكيها. باستثناء بعض اللقطات، يصعب التحدث عن لغة سينمائية مدروسة بعناية تضيف إلى السيناريو المكتوب ما يتخطى البديهي. السيناريو الذي كتبه جورج خباز الذي يعدنا من خلال القصة التي يتناولها، بنموذج سينمائي مختلف يبتعد بنا عن المواضيع المكرسة في السينما اللبنانية كالطائفية والحرب، لا يخرج فعلياً عن الكليشيه اللبناني في طريقة تناوله للأحداث وبناء الشخصيات. صحيح أنّ حي «المشكل» بطابعه المسيحي الموحّد لا يقدم لنا نموذجاً تعليمياً آخر عن ثقافة العيش المشترك كما درجت عليه العادة وهذه نقطة تسجَّل لصالح الفيلم، إلا أننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام كاريكاتور تقليدي مصغّر عن المجتمع اللبناني ورسم كوميدي لحشريته وثرثرته. ورغم أن حس الفكاهة الذي يطغى على الحوارات بين أهالي الحي وتفاعلهم في ما بينهم ممتع في البداية، إلا أنه سرعان ما يقع في دائرة التكرار والمبالغة خصوصاً أنه يأخذ حيزاً كبيراً من الفيلم ويجعله أقرب إلى البرامج الكوميدية التلفزيونية. من خلال القصة الدرامية الذي يتناولها العمل، لا يمكن تصوّره ضمن إطار كوميدي بحت، إلا أنّه لا ينجح فعلاً في مزج الدراما بالكوميديا إلا ربما من خلال شخصية ليبا الذي يجسدها جورج خباز. الممثل اللبناني الذي عرفناه من خلال أعمال تلفزيونية وسينمائية كمسلسل «إلى يارا» أو فيلم «تحت القصف» يفضح دوماً بتلقائيته وبراعته في التمثيل مدرسة الافتعال التي يبدو كأنما تخرَّجت منها غالبية الممثلين اللبنانيين. كما في «إلى يارا»، كذلك في «غدي»، يتضح الفرق الهائل في الأداء بين خباز والممثلة لارا مطر التي تلعب دور البطولة إلى جانبه. نستطيع وصف تمثيل لارا مطر بالتجرّد الكلي وما ينقذ أداءها ويجعله مقبولاً إلى حد ما هو ميل الشخصية التي تجسّدها إلى الصمت كما يفسر لنا ليبا عندما يصف حبيبته في أول الفيلم.

الطرافة الذكية والمبتكرة التي تنتقد سذاجة المعتقدات الدينية هي نقطة قوة الفيلم من حيث الكتابة والإخراج. وهي تتجسد عبر اقتناع أهالي الحي بأنّ غدي ملاك فيأتون يومياً للصلاة تحت نافذته. لعل مشهد غدي وهو يصرخ على الجماهير التي جاءت لطلب الغفران، من ثم ضحكه هو من أجمل مشاهد الشريط. هو يبدو كأنما يسخر منا جميعاً ومن الحياة نفسها ويجعلنا نتساءل من العاقل فعلاً بيننا. إيمانويل خير الله الذي يلعب دور غدي ويعاني من «متلازمة داون»، يمثّل ببراعة غير متوقعة إلى جانب جورج خباز، والتفاعل الحقيقي بينهما هو أجمل ما يقدمه هذا العمل السينمائي. ومع تقدّمه في الوقت، يتجه الشريط تدريجاً صوب الافتعال والمبالغة، فيفقد حس الطرافة البسيط والذكي الذي نتلمسه في البداية ويغرق في اللا معقول أو السريالي تماماً كما نرى في اجتماع أهالي الحي تحت النافذة وليبا من فوق الذي يخطب بهم بصفته ملاكاً. في النهاية، يتحوّل العمل إلى نوع من الاستعراض الكوميدي المجاني.

«غدي» فيلم يطرح قضية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ورفض المجتمع للاختلاف. لكنّ التطوير السينمائي لهذا العمل المتنازع بين تكريس الكليشيه من ناحية، والبحث عن الابتكار في نواح أخرى هو ما جعله منتجاً هجيناً كأنه لم يجد هويته بعد.


عودة أنطوان ملتقى

تشهد افتتاحية فيلم «غدي» عودة أحد روّاد الخشبة اللبنانية في عصرها الذهبي. إنّه أنطوان ملتقى، مؤسس ملتقى «حلقة المسرح اللبناني» وقسم المسرح في الجامعة اللبنانية. يعود ملتقى إلى الشاشة هذه المرة بعد غياب طويل عن الخشبة كان أشبه بطلاق نهائي بحسب وصفه هو. يحلّ ملتقى ضيف شرف على الفيلم، حيث يؤدي دور أستاذ ليبا الذي يعلمه الموسيقى في طفولته. ولا يبدو اعتباطياً اختيار ملتقى لهذا الدور الصغير الرمزي في بداية هذا العمل السينمائي، كأنما يقدمه للمشاهد. لكن رغم سطوته، إلا أنّ حضور ملتقى لا يكفي لملء الفراغات الدرامية التي يعاني منها الفيلم في ما بعد.



عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)