غادة السمان ومجلة أدونيس والعلاقة “الكاملة”

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الخميس 18-02-2017
المدن - ثقافة
محمد حجيري


غادة السمان ومجلة أدونيس والعلاقة “الكاملة”


ماذا تعني بـ"كاملة"؟


خلال الأيام القليلة الماضية، من باب الفضول الانترنتي، قرأت مقالات وحوارات تدور في فلك الكاتبة السورية غادة السمان، وفي ثناياها بعض ما ينبغي التوقف عنده، والتأمل في فحواه ومكنونه. فالكاتبة الدمشقية والمتمردة والبرجوازية، التي لمع اسمها في الستينيات، وكثر الكلام عن رسائل غسان كنفاني وأنسي الحاج إليها في السنوات الاخيرة، أُجريت معها مقابلة ثقافية في مجلة “مواقف” تحت عنوان "الثورة الجنسية، الثورة الشاملة"(*).

والمقابلة غير مذيلة بتوقيع، أي أنها جاءت باسم المجلة، وقد تكون من “إبداعات” رئيس التحرير، الشاعر أدونيس، ومعظم الاسئلة تمحور حول الأخلاق والتحرر والجسد والثورة الجنسية في “إطار ثورة الانسان العربي”. وأفاضت صاحبة “عيناك قدري” في الحديث عن معظم الجوانب الجنسية والفكرية وحتى المثلية وعقلية السرير و"حزام العفة" و"شرف المرأة" و"عود الكبريت"، ومنطق الاستغلال وبعض آراء المفكرين والفلاسفة التي تفوح منها رائحة الرجعية والذكورية. وفي خضم الأسئلة الفكرية وإجابات غادة “النارية” و"التفجيرية" غير التقليدية، أتى سؤال مجلة “مواقف” الأدونيسية، الى غادة السمان، بمتخيل ربما ينسف كل شيء: “هل تؤيدين قيام علاقات جنسية كاملة قبل الزواج؟”.

كان يمكن للسؤال ان يكون عابراً لولا كلمة “كاملة”، وهي كلمة، إن دلت على شيء في اللاوعي، فإنها تدل على ما يقوله الشارع وحتى المجتمع ككل. فالإيلاج وما معناه “الجنس الكامل”، هذيان المجتمع الشرقي، من منطلق المثل القائل “الشرف مثل عود الكبريت الذي لا يشتعل إلا مرة واحدة”، وهو المثل الذي تسخر منه غادة السمان في مقابلتها، ولم تكن إجابتها على “علاقات جنسية قبل كاملة” على نحو ما نسمع من فنانات اليوم أو مشاهير الشاشة، ولم تقم برد فعل سلبي على نحو ما يفعل البعض، ولم تقع في فخ الارتباك، وكان الجواب التهكمي: "ماذا تعني بـ"كاملة"؟ هل تعني التحام جسدين كما يحدث لذكور وإناث الحيوانات جميعاً؟ هل تعني بـ"كاملة" عدداً من السنتيمترات في جزء من جسد المرأة يتوغل فيه الرجل لدقائق؟ بالنسبة إليّ، العلاقة الجنسية الكاملة لا يمكن أن تكون “كاملة” إلا إذا كانت علاقة التحام إنساني كلي يبدأ من الرأس، وغوصاً متبادلاً في الأعماق آخر وحدة قياسية له هو التقويم العشري كما هي الحال في قياس المسافات المسطحة وهكذا في حال نشوء علاقة جنسية “كاملة” بالمفهوم الذي ذكرت أنا، فإن تلك العلاقة لا يمكن أن تقوم قبل الزواج أو بعده.. انها بحد ذاتها زواج مع الاعتذار من المأذون ودوائر الطابو والطوابع الأميرية"...

وما تقوله السمان ان لديها فهمها للجنس، يتجلى في المنظور الإنساني وليس المكانيكي، بينما صاحب سؤال مجلة “مواقف” يركز على كلمة “كاملة” لأنه يعتبر الجنس طبقات، ومراحل، فالمرأة التي تقبل بقُبلة قد لا تقبل بمداعبة، والإيلاج هو “نهاية التاريخ” إذا جاز التعبير. وصاحب سؤال المجلة الأدونيسية، في لاوعيه، أن المرأة “تحتفظ” ببكارتها وعذريتها حتى ليلة زفافها كشرط من شروط قبول الزواج في المجتمع التقليدي والبدائي... وربما السؤال ادعاء جرأة ونزوع نحو التلصص في المتخيل على الأديبة التي تحب ارتداء الميني جيب. بدت غادة السمان متقدمة بسنوات ضوئية على صاحب السؤال، الذي أتى في مرحلة كانت تضج بالتحرر وسقوط المحرمات بعد ثورة أيار 1968، وكان أحد شعاراتها “تمتعوا وتلذذوا واحيوا حياتكم الجنسية بامتلاء ومن دون عراقيل”. وأدى التحرر الجنسي هذا إلى فتح المجال للإتيان بأمور وتوجهات شتى منها: حرية الجنس، سواء كان المرء متزوجاً أم لا، منع الحمل وحبوب منع الحمل، العري العلني، حركة تحرير المثليين الجنسيين، الدعوة إلى تحرير الرغبة بالإجهاض، الزواج بين الأعراق المختلفة، العودة إلى الولادة الطبيعية، حقوق المرأة وحركة تحرير المرأة أو الأنثوية.

ومضى أكثر من أربعة عقود على مقابلة غادة السمان وهذيان “الجنس الكامل”، وما زالت القضية تتكرر ونشهد ما يسمى “امتحان العذرية” في مصر و"جرائم الشرف" هنا وهناك
(لبنان، سوريا، الأردن، حتى المهجر...). والمفارقة الأبرز ان غادة السمان صاحبة الآراء التمردية، قيل انها تزوجت زواجاً “تقليدياً” من ناشر دار “الطليعة”، بشير الداعوق، العام 1970. وتقول الكاتبة إنها منذ لحظات تعارفهما الأولى شعرت انه: “يضع حجر الأساس في علاقتنا بحرصه على أن أكتب وأكتب، ولم يكن مصاباً بالازدواجية، وكان يحتضن ما أخطّه كالنبلاء والملوك الذين يتبنون فناً أعجبهم ووجدوه يستحق الحياة”. وتروي السمان حكاية لقائها الأول مع الداعوق، يوم كانت تحضّر لكتابة تحقيق صحافي عن “ازدواجية الثوريين العرب في سلوكهم الرجعي نحو المرأة”، وقابلت حينها العديدين منهم، واكتشفت منذ اللحظة الأولى ان بشير الداعوق كان شيئاً آخر، ولم تمض ثلاثة أسابيع حتى كان قرار الخطوبة قد اتخذ، وتزوجت.

وما تقوله غادة السمان عن ازدواجية الثوريين العرب، نجد مرآته في سيرة أروى صالح، مؤلفة كتاب “المبتسرون”، وابنة الحركة الطلابية المنتمية إلى اليسار، التي ألقت بنفسها من الطابق الثاني عشر في العمارة التي كانت تقطنها في القاهرة، في 7 يونيو 1997. أروى، وقد ذكرت الصحف أنها انتحرت نتيجة للعنف الذكوري، وما تقوله غادة السمان، درس لواقع الجنس في العالم العربي، خصوصاً في الوسط الثقافي، إذ ما زالت الفصامية هي السائدة...

(*) العدد 12 في 1 ديسمبر 1970

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)