ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

عند الأمين.. أشهر مطاعم مراكش الشعبية Restaurant populaire - Marrakech - Maroc

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
السبـت 12 ربيـع الاول 1433 هـ 4 فبراير 2012 العدد 12121
الصفحة : عين الشرق
مراكش : عبد الكبير الميناوي


مطبخ «المدينة الحمراء» جزء من تاريخها.. وبعض أكلاتها يعدها الرجال فقط


مطعم «عند الأمين».. حيث المحافظة على أصول الأكلات الشعبية المراكشية («الشرق الأوسط»)

ساحة «جامع الفنا» ليست مجرد ساحة للفرجة فقط، بل هي أيضا فضاء للتعرف على ما يزخر به «المطبخ المراكشي» من وجبات بعضها يؤرخ للأكل في «المدينة الحمراء»، أبرز المدن السياحية العريقة في المغرب.

زوار مراكش يعرفون أن زيارة ساحة جامع الفنا لا تكتمل من دون تناول وجبة مشويات أو «طنجية» مراكشية في أحد المطاعم الشعبية في وسط الساحة أو في جنباتها، وهي أكلات بطعم مراكشي وبأسعار في المتناول. ويعتبر «عند الأمين» أحد أشهر هذه المطاعم الشعبية.

المطعم يديره الحاج مصطفى النكير، الذي دأب، منذ سنوات طويلة، على إعداد مأكولات مغربية خالصة، يكون عليك أن تقبل عليها من دون مقدمات، «طنجية» أو وجبة شواء، أو كما يطلق عليها «المشوي»، وهي خرفان تطبخ داخل فرن يوجد في المحل نفسه. وهنا كل شيء يعتمد على الوزن «ربع كيلو» أو «نصف كيلو» أو أكثر، حسب رغبة الزبون وقدرته الشرائية. ثمن الكيلوغرام من لحم المشويات في حدود الـ150 درهما (18 دولارا أميركيا) ويبلغ سعر الكيلوغرام من وجبة «الطنجية» المراكشية 120 درهما (15 دولارا). اللحم المشوي له ثمنه أما ابتسامة ولطافة الحاج مصطفى النكير فيوزعها على زبنائه مجانا.

يعتبر الحاج مصطفى النكير، في الواقع، من أشهر المتخصصين في المشاوي بـ«المدينة الحمراء» الأمر الذي يخوّله عن جدارة الحديث عن طرق إعدادها ونكهاتها أكثر من غيره. ويمتلك الحاج مصطفى مطعمين يقدمان، إلى جانب المشاوي، مختلف أنواع المأكولات، بما فيها «الطنجية»، أحدهما يقع بزقاق «بجكني» المتفرع عن شارع جيليز، وثانيهما بـ«سوق أبلوح»، في عمق ساحة جامع الفنا. وكل ما يحتاجه الحاج في محله بجامع الفنا خرفان مشوية وميزان وسكين للتقطيع. أما في محله الثاني في زقاق «بجكني» فيقترح مأكولات مراكشية بالشوكة والسكين.

لا يتردد الحاج مصطفى البتة في التكلّم عن الطبخ المراكشي وما يتميّز به من أصناف لعل أشهرها «الطنجية»، وهو يقول إن «تاريخ المطبخ المراكشي هو من تاريخ مراكش، ذلك أن طبيعة الأطباق المراكشية وأشكالها وطرق إعدادها تأثرت كثيرا بحياة سكان المدينة على امتداد تاريخها المجيد».

وبحماسة وعشق واضحين يتحدث الحاج مصطفى عن «الطنجية» المراكشية، مشيرا بالخصوص إلى تاريخ هذه الأكلة وما يميزها عن غيرها من الأطباق. ثم يقول شارحا إن «المغرب كان موزّعا في الماضي، على مستوى الصناعة التقليدية، بين مدينتي فاس ومراكش. وكانت فاس تزوّد شمال المغرب بالمصنوعات التقليدية من أوان وملابس ومصنوعات جلدية وفخارية وغيرها، في حين كانت مراكش تزوّد الجنوب المغربي بكل ذلك».

ثم يستطرد «كانت مراكش حينذاك بمعامل تقليدية عرف كل واحد منها باسم (الفْنيدْقة)، وكان يشتغل بكل واحدة منها ما بين 20 إلى 30 صانعا، كل بحسب تخصصه. وكانت كل مجموعة من (الصنايعية) أو الحرفيين اليدويين، التي تشتغل داخل كل معمل، تكلف فردا متخصّصا من بينها لطهو الطعام وإعداده. ونظرا لعددهم، وطبيعة مداومتهم على العمل، ابتكروا أكلة (الطنجية)، التي لا تتطلب الكثير لجهة التحضير. ومن ثم، كانوا إذا انتهوا من عملهم مع أذان العصر.. قاموا فغسلوا أيديهم وأفرغوا (الطنجية) في صحن خاص بذلك لسد جوعهم والاستمتاع بلذتها في الوقت ذاته».

ويتابع الحاج مصطفى أن ما تتميّز به «الطنجية» المراكشية أنها «بدأت كأكلة يعدّها الرجال ليأكلها الرجال، ولم تكن تهيأ خلال أوقات الدوام في معامل الصناعة التقليدية، فقط، بل إن (الصنايعية) كانوا يغتنمون راحة يوم الجمعة للخروج إلى حدائق مراكش وفضاءاتها الخضراء، التي كانت تحيط بالمدينة مثل حدائق المنارة وأكدال، للنزهة والترويح عن النفس بعد أسبوع من العمل الشاق والمتعب. وكانت (الطنجية) أحسن وجبة تؤكل خلال هذه النزهات والجلسات».

والحقيقة أن «الطنجية» تتشارك مع مراكش في أن لهما نفس النكهة والطعم، تقريبا، إذ تتركان لدى الزائر أو المتذوّق طعما خاصا ومختلفا عن كل ما شاهده أو أكله من قبل. وقد غدا معروفا أن كل من زار مراكش من دون أن يتذوق «الطنجية».. كأنه لم يزرها أو يستمتع بنكهتها.

كلمة «طنجية» هي مزدوجة المعنى، إذ تدل على إناء فخاري مصنوع من الطين المنتفخ، وأيضا على وجبة من لحم الخروف أو العجل تخلط بها البهارات وتطهى في الإناء ذاته وتطمر تحت الرماد الساخن.

وتبدو «الطنجية» طبقا غريبا ليس في مذاقه فحسب، بل، أيضا، في طبيعة تهيئته وأصوله المتواضعة، فضلا عن أنها وجبة لا تطهى على نار مشتعلة ولا حتى هادئة، بل تطهى على ما بعد اشتعال النار وخمودها، وبالتالي، على دفء الرماد.

ولكن «لئن كانت (الطنجية) هي العنوان الرئيس للطبخ المراكشي، فإن ذلك لا يعني - كما يقول الحاج مصطفى - أن هذا المطبخ لا يحفل بأصناف وأنواع أخرى من المأكولات، مثل (البسْطيلة) بالدجاج، والوزانية، وأخيرا أطباق السمك، وذلك بعد التطور الذي صار يعرفه مجال الطبخ المغربي، عامة والمراكشي، خاصة».

ويضيف «ثم هناك الحلويات، مثل (الشباكية) المراكشية، التي تعدّ بمناسبة شهر رمضان، و(كعب الغزال) و(تمقشرت) و(غريبة)، وغيرها من الحلويات، التي ترافق كأس الشاي الذي يسبق تقديم الوجبات الرئيسية».

وفي ارتباط بتاريخ المراكشيين وعاداتهم على مستوى الأكل، لا ينسى الحاج مصطفى الإشارة إلى أكلتي «الكرعين» (الكوارع) و«البيصارة»، مع العلم أن المراكشيين كانوا يتناولون هذين الطبقين في الصباح. ويبرّر الحاج مصطفى هذه العادة بقوله «كثيرون يتعجّبون من عادة أكل (الكرعين) و(البيصارة) في هذا الوقت المبكر، لكننا حين نعرف ترتيب ساعات اليوم والعمل بالنسبة للمراكشيين وعاداتهم مع الأكل، سيبطل العجب. فقد كانوا يتوجهون إلى أعمالهم ومحلاتهم وصناعتهم التقليدية مع أولى ساعات الفجر، وبالتالي، كانوا يتناولون إفطارهم باكرا ثم ينخرطون في أشغالهم. وحين يتناولون وجبات (الكرعين) أو (البيصارة) في الساعة الثامنة أو التاسعة صباحا، فإن ذلك يجعلنا بصدد الحديث عن فرق أربع أو خمس ساعات بين وجبة الإفطار التي تناولوها عند الفجر ووجبة الغداء، فضلا عن أن الجهد الذي يبذل في العمل يتطلّب أكلا يفي بمتطلبات الجوع والتعب».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)