قراءات - Comptes rendus de lecture

عتبة ثقيلة الروح، مايا أبو الحيات (فلسطين)، رواية ’Ataba Thaqîlat Al Rouh, Maya Abu Al-Hayat (Palestine), Roman

, بقلم محمد بكري


الروائية الفلسطينية الشابة مايا أبو الحيات

من رؤى مغايرة، وزوايا نظر مختلفة تبني الرواية الفلسطينية الشابة مايا أبو الحيات، في روايتها « عتبة ثقيلة الروح »، منشورات مركز أوغاريت الثقافي بدعم من دبي الثقافية – 2.11، حكايتها الروائية من حالة عشق تعيشها بطلتها الشابة بجموح صاخب تندفع معه للبحث عن الحياة والغوص عميقاً في تياراتها المتلاطمة غير عابئة بالضوابط الإجتماعية التي تجعل الحب يضطر للسير في ممرات المسموح، أي الذي تبيحه العادات والتقاليد والأعراف السائدة.
وللتعرف على هذه الرواية نقدم لكم بعض المقالات المنشورة على الشبكة بشأنها في جريدة الحياة العالمية التي تصدر في لندن، وجريدة الإتحاد الإماراتية، وجريدة الأيام الفلسطينية، وجريدة إيلاف الالكترونية، بالإضافة إلى الفصل الأول من الرواية المنشور على موقع فيصل قاسم عبد الهادي، والحوار التي أجرته وكالة أنباء الشعر العربي مع الكاتبة في بداياتها.

 جريدة الحياة

جريدة الحياة

الإثنين، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011
جريدة الحياة - راسم المدهون

هل من حرية بلا انسان متحرر؟

من رؤى مغايرة، وزوايا نظر مختلفة تبني الرواية الفلسطينية الجديدة عالمها الزاخر بالضرورة بكل آلام العيش هناك على أرض فلسطين وفي ظلّ الإحتلال، لكن من دون أن تقف «القضية» في بؤرة الحدث الروائي، على النحو الذي ساد طويلاً، والذي يؤثر الروائيون الشباب مغادرته فكرياً وفنياً، للبحث عن صور حياتهم هم بكل ما يعتمل فيها، وما يجعلها عصيّة، طافحة بالألم.

الروائية الفلسطينية الشابة مايا أبو الحيات تصنع حكايتها الروائية من حالة عشق تعيشها بطلتها الشابة بجموح صاخب تندفع معه للبحث عن الحياة والغوص عميقاً في تياراتها المتلاطمة غير عابئة بالضوابط الإجتماعية التي تجعل الحب يضطر للسير في ممرات المسموح، أي الذي تبيحه العادات والتقاليد والأعراف السائدة.

«سلمى» الشابة التي تعيش حالة عشق كاملة تبحث طيلة رواية مايا أبو الحيات «عتبة ثقيلة الروح» (منشورات مركز أوغاريت الثقافي بدعم من دبي الثقافية – 2.11) عن تحقيق ذاتها فتندفع في الحب حتى ذروته الكبرى: أن تمنح حبيبها عذريتها، ولكن في سياق فهمها هي، أي بإرادتها هي التي تعبر عن حريتها الكاملة. كأن «سلمى» أرادت بذلك أن تبدأ من حريتها في امتلاك جسدها، وما يرتبط به إجتماعيا من قيم «كبرى»، إمتلاكه لا من أجل احتجازه و«صيانته» في تلك البوتقة الضيقة من القيم والعادات، ولكن تماما من أجل إطلاقه في فضاء الحرية، باعتباره العتبة الأولى والأهم التي لا بد أن تجتازها في طريقها الى الحرية.

في الرواية تكريس لشخصية سلمى، المسكونة بروحها الداخلية، والباحثة عن علاقة جنسية كاملة مع حبيبها، علاقة سنلحظ أنها لا تساوي عندها الشهوة، ولا ترمز لها، بقدر ما تساوي الحرية معنى وممارسة واقعية. مايا أبو الحيات تضعنا منذ السطور الأولى لروايتها أمام رغبة بطلتها الجامحة في الرقص، هي التي طالما رغبت أن ترقص له وحده، هو الحبيب، الأثير، والذي يسعدها أن تبهره برقص جسدها، ولكنها بعد التجارب الأولى تصل برغبتها في الرقص إلى مقام أعلى: أن ترقص فقط لترقص، أي أن تطلق لجسدها حرية التعبير من دون غاية إرضاء الشريك، والذي يبدو لنا خلال ذلك خارج الحالة تماماً، أو لنقل على خط سير مختلف وبعيد.

مستويان متباعدان

في المستويين المتباعدين عن هارموني الإنسجام مع الحياة يقف الرجل والمرأة كتكثيف لحالة إجتماعية فلسطينية تبرع مايا في تصوير دقائقها وتشريح صورتها التي تختفي عادة تحت العناوين السياسية، وربما أيضاً الشعارات الوطنية، تلك التي يراد لها في كثير من الأحيان أن تكون الصورة كاملة وأن لا تسمح بظهور نقائضها التي قد تنتقص من «هيبة» المثال الوطني وكفاحيته.

مدى واسع يفصل هذا الذاتي، الطافح بالأنوثة والرجولة، عن تلك العوالم الرسمية بكل ما فيها من أسباب إحباط: هنا بالذات أعتقد أن الكاتبة برعت في بناء عالمها الروائي من انتباهاتها العميقة لصورة المجتمع الفلسطيني في العاصمة الفلسطينية الموقتة رام الله: صورة الإحتلال لا تغيب، وإن حضرت في الخلفية، ومعها في الخلفية أيضاً صورة الواقع الرسمي الفلسطيني، وما يتفرع عنها من تفاصيل العيش، التي نراها خلال الرواية تشير الى ندرة الإمكانات على العيش: ثمة فضاء جغرافي ضيق ومحدود الرقعة، سنكتشفه مع بطل الرواية حين تجري مقارنته مع العاصمة البريطانية لندن، المدينة الشاسعة، والتي تضج بالحياة لبشر تراهم في زحامهم مسرعين ولا تتكرر رؤيتهم بسهولة كما يحدث هناك في رام الله، حيث الوجوه ذاتها، في إشارة خفية وضمنية لاستبداد الجغرافيا أيضاً.

في «عتبة ثقيلة الروح» تتداخل تقنيات السرد فتمزج مايا مونولوغها الفردي، بما فيه من وقائع وأيضاً من بوح امرأة، بسرد آخر يقوم على استرجاع وقائع وأحداث وحتى حوارات، لكننا في الأحوال كلها نجد أنفسنا أمام كتابة روائية تقوم بصورة أساسية على التكثيف، خصوصاً أن الكاتبة تترك للوقائع الروائية أن تشير للأحداث، لكنها في الوقت ذاته تمنحها قوّة الرمز، وما يختزنه من دلالات مضمرة أعتقد أنها واحدة من أبرز ما حملته هذه الرواية، بل لا أبالغ إذ أقول إن جانباً مهماً من عمل مايا أبو الحيات في «عتبة ثقيلة للروح» يقع في تلك المستويات الرمزية لوقائع قدمتها الكاتبة باعتبارها جزءاً من الحكاية. هنا أيضاً ثمة ما لا بد من الإشارة له في بنائية الكاتبة للشخصية الرئيسة «سلمى»، والتي أعتقد أنها جاءت متوازنة الى حد كبير، إذ جمعت بين صورة وملامح المرأة الفلسطينية «الجديدة»، وبين الشخصية ذات البعد الدرامي ذي الظلال، وأعني هنا الشخصية غير المكتملة في صورة نهائية، بل تلك التي تتأثر بالواقع فتتطور معه، وتستجيب سلباً أو إيجاباً.

هي شخصية يجوز لنا أن نقول أنها بؤرة الرواية ومركزها، ولكنها مع ذلك تفسح مجالاً لشخصيات الرواية الأخرى أن تلعب أدوارها لا باعتبارها «كومبارس» الحدث الروائي أو إكسسواراته التجميلية، ولكن كضرورات تقدم جوانب أخرى من الصورة تحقق حيويتها.

في المشهد الختامي لرواية «عتبة ثقيلة الروح» تكتب مايا أبو الحيات المآل الأخير لحب عاصف في حالة غرق كامل في العادي والمألوف والشائع... حب ذهب وأخلى مكانه لشيء آخر مختلف: «عتبة ثقيلة الروح» رواية من «هناك» حيث تعصف السياسة بالمجتمع، فتقبض على العناوين الكبرى، وتلغي من الحدقات رؤية الروح الإنسانية لنساء ورجال، لهم هم أيضا أحزانهم «الصغيرة» التي لا تبتعد كثيراً عن الحدث السياسي، بل هي بصورة أو أخرى تنبع منه، من حجر الإحتلال الثقيل الذي يكرّر لعبة السقوط في بركة المجتمع الراكدة فتتكرر معها دوائر تتسع وتصغر لكنها في الحالات كلها تنبئ عن حراك مجتمعي، تمور في شرايينه حياة كاملة.

عن جريدة الحياة

يقدم موقع دارالحياة.كوم، إضافة إلى المحتوى الخاص به الذي ينشر على مدار الساعة، محتوى المطبوعات التي تنتجها« دار الحياة »، بنسخها الإلكترونية، وهي : الصحيفة اليومية « الحياة » الطبعة الدولية على العنوانين الأول أو الثاني، والحياة السعودية الطبعة السعودية، والمجلة الأسبوعية لها. ويضم دارالحياة.كوم أيضاً حاضنة للخدمات الرقمية على العنوان.

دارالحياة.كوم محطة تزود الزوار بالمستجدات والتقارير والتحليلات وبمواد أدبية، من صحافيين ومراسلين من الحياة، ومتعاونين آخرين. ويسعى إلى تأمين التواصل بين القراء وكتاب المطبوعات. كما يؤدي دور الواجهة التي تروج لمحتوى المواقع الثلاثة الأخرى. كذلك، يرعى دارالحياة.كوم مشاريع صحافية مستقلة ويستضيفها.


 جريدة الإتحاد

جريدة الإتحاد الإماراتية

الأحد، 4 سبتمبر/أيلول 2011
جريدة الإتحاد

مايا أبو الحيّات ترصد الخبرات الشخصية للفلسطيني في حياته المعيشية

صدر حديثاً للشاعرة والروائية الفلسطينية مايا أبو الحيّات رواية بعنوان “عتبة ثقيلة الروح” في مائة وإحدى عشرة صفحة من القطع المتوسط.

تحكي “عتبة ثقيلة الروح” الصادرة عن منشورات مركز أوجاريت الثقافي برام الله وبدعم من شهرية “دبي الثقافية”، عن الخبرات الشخصية للفرد الفلسطيني في العيش اليومي التي يمتلكها شيئا فشيئا من انخراطه في الفعل الاجتماعي بأبعاده السياسية والاقتصادية وكل ما يحيط به من مؤثرات تنعكس عليه سلبا وإيجابا، وكذلك على موقفه من العالم المحيط به. واللافت في الأمر هنا أن الروائية مايا أبو الحيات تتحدث عن تلك الخبرات الشخصية أثناء ما تكون في أطوار تشكلها لدى الفرد وليس عند اكتمالها، بل لعل هذا الأمر هو ما يتيح لقارئ بعيد أن يطلّ من شرفة الرواية على نوع من أنواع التفكير الذي من خلاله يمكن رصد جانب من جوانب الحراك الاجتماعي في فلسطين الآن، حيث تجري الأحداث في الرواية كما في الواقع في الزمن الراهن.

غير أن الشخصيات كما الأحداث تجيء مكثفة إلى حدّ بعيد وخالية من الفائض ويتم رسم الشخصيات ليس بأبعادها النفسية وحدها إنما عبر تفاصيل الواقع والبيئة وحاضنتهما الاجتماعية وما تقبل به أو ترفضه، خصوصا في ما يتعلق ببعض القِيَم العامة التي بات الإجماع الاجتماعي حولها بأقل مما كان في السابق.

وتتميز هذه الرواية الثانية لأبو الحيّات، بعد روايتها الأولى “حبّات السكّر”، بأنها أقرب إلى الصوت الخافت للفرد الفلسطيني غير مسموع الصوت. صحيح أن الرواية ما من فعل احتجاج فيها لكنها لجهة تقنية الرواية واستخدام ضمير الأنا في الزمن الحاضر وكذلك لجهة موضوعها وما تتناوله فيها هي فعل احتجاج على كتابة روائية سائدة بلغت حدّ التنميط لدى البعض بل تحنّطت لدى البعض الآخر من الكتّاب.

من أجواء الرواية نقتطف: “في بيته، تبدو الأشياء أجمل من حقيقتها. ترخي ثقلها على إصبع قدمها الكبيرة وهي تخطو حافية من غرفة إلى أخرى. لا تجهد نفسها في البحث: الأشياء طافحة مكتنزة وتنتظر من يفضّ عنها بكارة الدهشة.

تزاوجٌ في اللون والتكوين: الجدار السماويّ واللوحة الصفراء؛ الكرسيّ المعلّق على الجدار البنفسجيّ، يتدلّى من أسفله خيط ينتهي بوردة جوريّة مجفّفة. الغرفة التي لا تبدو كذلك، لوحة بمساحة خمسة أمتار طولاً وثلاثة عرضاً، ملوّنة بكل شيء في تداخل لا هو مبهر ولا هو غير مبالٍ، كانعكاس لشخصية رتبت بعضاً من فيضها في مساحة فراغية حوّلت صفاتها أثاثاً وألواناً ومسافات. “الإحساس أقوى من العقل، العقل أقوى من المنطق”. تتلبّس الأشياء الفكرة ذاتها، القوة ذاتها تتوالد في مجالها المغناطيسيّ، ومن المقطوعة الصادحة في الأذن التي تركها خلفه وخرج - لا أجمل من رجل يترك خلفه الموسيقى ويخرج من البيت- تخرج روحي لتنظر إلى جسدي الفاعل الذي خلا فجأة من إدراك ما يصيبه”.

عن جريدة الاتحاد


 جريدة الأيام

جريدة الأيام الفلسطينية

الثلاثاء 21 يونيو/حزيران 2011
جريدة الأيام - نائلة خليل

عتبة ثقيلة الروح... رواية جديدة للكاتبة مايا أبو الحيات

“عتبة ثقيلة الروح” هي الرواية الجديدة للكاتبة مايا أبو الحيات، التي نظّم مركز خليل السكاكيني، الأسبوع الفائت، حفل توقيع لها بحضور الكاتبة وعدد من المثقفين والمهتمين.

في روايتها تتناول أبو الحيات “الحب بين امرأة ورجل”، وتنمو القصة وسط أجواء من الاختناق، المرأة يقيدها مجتمع يتقن مراقبة حركاتها، ويجد دائماً سبباً جاهزاً لإدانتها، حب ينمو في جو من الحصار والترقّب.

المرأة في “عتبة ثقيلة الروح” تبحث عن الحب وتجده في رجل يفعل ما بوسعه لتضييعه، يبدأ الحب مدهشاً ويموت عادياً، لتدرك أن “مشروع” حبها انتهى ببساطة هكذا، لا يوجد وصفة سحرية لإنعاش حب يدير الطرف الآخر له ظهره، ولا يبادر إلى فعل أي شيء تجاه علاقة تحاول المرأة فيها دائماً أن تحسم، والرجل يجتهد ليتهرّب من النهايات على الرغم من كثرتها في الرواية.

تحاول صاحبة “حبات السكر” أن تعكس وعياً وخبرةً أكبر في الحياة من خلال روايتها الثانية
“عتبة ثقيلة الروح”، وكأنها تقول إنها فهمت الحياة أكثر، حيث يبدو ذلك واضحاً في عبارات مثل: “الحياة قاسية، لا ترفعي سقف احتمالاتك بالأشياء كي لا تصيبك الحياة بالمرض”، و"الإحساس أقوى من العقل، والعقل أقوى من المنطق".

وفي تعقيبها على الرواية، قالت الشاعرة داليا طه في أمسية توقيع الرواية : “أعتقد أن ما أعطى الرواية نفساً مختلفاً هو أن الكاتبة لم تسمح لنفسها ولو للحظة أن تبعد عيناً مراقبةً عن البطلين، وهو يعكس تطوراً في وصف الحالة الفلسطينية والحصار الذي تعيشه، فالحاجز الإسرائيلي الذي يصور عادة ككلاشيه، دفعت الكاتبة به إلى عمق آخر، وهو تسلل الاحتلال والظروف الاجتماعية المقيدة التي يعيشها الفلسطيني إلى مساماته، القهر اليومي الذي يمر به أصبح جزءاً من ذاته، بحيث لا تخلو أية لحظة يعيشها من هذا الشعور، فالبطلة لم تنفلت ولو للحظة من الشعور بأنها قيد المراقبة والفحص”.

وتتابع:" هي رواية البحث عن التحرر والانعتاق، رواية تشير إلى هذا الجو الخانق من السيطرة والتحكم والمراقبة وعدم القدرة على اتخاذ قرار، هي رواية الجو السياسي والاجتماعي الذي نعيشه".

وجاء على الغلاف مقتطفات من الرواية: “كان الأمر واضحاً ولا يحتاج إلى وعي خارق، الرجل المشروع يملك ثلاثين مشروعاً على ظهر السفينة ذاتها، مشاريع الرجل شائكة حادة المزاج، الأولويات غير واضحة، أي شخص غير خبير في الاختلاف بين الطبائع الذكورية والأنثوية سيقول: الأمر بسيط جداً، وليس بحاجة إلى هذا الفرد والثرثرة، الرجل هو مشروع الأنثى الأبدي، والحياة بكل تفصيلاتها هي مشروع الرجل، لكنني لا أوافق على الأمر، لأن ذلك سيكون ممكناً لو كان هو أيّ رجل، ولو كانت هي أي أنثى، كان مشروع الأنثى رجلاً بثلاثين مشروعاً، أي أن الأنثى تملك واحداً وثلاثين مشروعاً، أحدهم معلوم الأولويات، والبقية مبعثرة تعتدي على بعضها بعضاً، كل يريد أن يكون في المقدمة”.

الرواية من منشورات مركز أوغاريت الثقافي، والغلاف للفنان هاني زعرب.

عن جريدة الأيام


 جريدة إيلاف

موقع ايلاف على الإنترنت

السبت، 26 مارس/آذار 2011
جريدة إيلاف الإلكترونية - تهاني فجر

عتبة ثقيلة الروح لـ"مايا أبو الحيات"

استطاعت الرّوائية الفلسطينية الشّابة مايا أبو الحيات أن تتجاوز تجربتها الأولى “حبّات السكر” بقفزات ثابتة عبر روايتها الجديدة “عتبة ثقيلة الرّوح” الصادرة حديثاً عن “مركز أوغاريت الثقافي – فلسطين” في 111 صفحة من القطع المتوسّط.

تلتقط أبو الحيات الواقع الفلسطيني عبر تفاصيل العلاقات الإنسانية وما ينشأ عنها من علاقات حب، دون إغفال التشوه الذي طرأ على تلك العلاقات نتيجة تراكمات الإحتلال وظروفه وتأثير ذلك على تركيبة الإنسان الفلسطيني وسلوكه.

رواية “عتبة ثقيلة الرّوح” هي رواية قائمة على الخيبات العارمة التي تُشكّل الحجر الأساس لعلاقة حب قوية وهشّة في الوقت ذاته تنشأ بين “سلمى” الفتاة التي تحاول أن تتخلّص من كل القيود الإجتماعية، وبين “ناصر” الشّاب المعيد في الجامعة والذي يعيش وحيداً في المدينة، فيكون حرّاً في علاقاته النسائية المتعدّدة، تهب سلمى نفسها لناصر في عيد ميلاده كهدية ثمينة له، فتثمر هذه العلاقة عن طفل سرعان ما يتخلّصان منه قبل أن يتكوّن بطريقة سريّة عند أحد الأطباء.

لناصر حيوات أخرى كثيرة تنسيه في كثير من الأحيان سلمى التي لا تتصور الحياة من دونه، حتى بعد اكتشافها خيانته لها بعد ارتباطها به رسمياً ونشوء الفتور والبرود بينهم فتقرر أن تستسلم للرّوتين كي تحفظ لابنها حياة نفسية صحية، إضافة إلى أنّها لا تستطيع العيش من دون ناصر.

إن أهم ما خرجت به رواية أبو الحيات هذه هو تحررها من قيد المقاومة والإحتلال الذي تناولته بطريقة غير مباشرة من خلال تأثيره على السلوك الفردي للإنسان الفلسطيني عبر تراكمات المدى البعيد من خلال الجيل الذي وُلد وكبر في ظل الإحتلال، وإبراز التأثير الغير مباشر لذلك الإحتلال في نفسيته، لقد أظهرت أبو الحيات التشوه السّلوكي والأخلاقي الذي أصاب الفرد الفلسطيني جرّاء الإحتلال فدخل ذلك التشوه ضمن الجينات الوراثية تماما كما فعلت أحداث هيروشيما فغيرت جينات الإنسان الياباني، إن الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين على مدى عقود أثّر بشكل بالغ على طبيعة السلوك الفردي وعلى كيفية التعامل بين الأشخاص، وهذا ما تبيّنه أبو الحيات من خلال سلمى بطلة الرواية التي تحاول الإنعتاق من كل القيود الإجتماعية التي يفرضها المجتمع الذّكوري، وذلك من خلال فعل الرّقص الذي يتحوّل إلى فعل تحرّر تقوم به البطلة لخلق وسيلة اتصال فعلية مرئية ومحسوسة بينها وبين حبيبها “ناصر” ظاهرياً فقط، لكن غايتها الحقيقية من وراء فعل الرّقص هو التحرّر من القيود المفروضة ذاتياً أي التي تفرضها هي على نفسها نتيجة المجتمع الذّكوري المتسلط الذي تعيش فيه، ومن ثمّ قيود المجتمع المفروضة عليها، لقد أرادت من فعل الرّقص ومن علاقتها الغير شرعية أن تثبت لنفسها أنّها قادرة على فعل التحرّر هذا، وهنا ثمّة التباس وتناقض يلبس البطلة على أية حال فهي تنشد الحريّة والتحرّر من المجتمع، وتستسلم للذكورية المتسلطة عبر استمرار علاقتها بناصر !

جاءت لغة مايا أبو الحيات خليط من الشعر والفلسفة في آن معاً بقالب سردي بسيط، فإذا ما نظرنا إلى البداية نلاحظ تلك اللّغة الشعرية الواضحة بوصف دقيق للمكان :

“في بيته، تبدو الأشياء أجمل على حقيقتها، ترخي ثقلها على إصبع قدمها الكبيرة وهي تخطو حافية من غرفة إلى أخرى، لا تجهد نفسها في البحث. الأشياء طافحة مكتنزة وتنتظر من يفضّ عنها بكارة الدّهشة، تزاوج في اللّون والتكوين: الجدار السّماوي واللّوحة الصفراء، الكرسي المعلّق على الجدار البنفسجي، يتدلّى من أسفله خيط ينتهي بوردة جورية مجفّفة، الغرفة لا تبدو كذلك، لوحة بمساحة خمسة أمتار طولاً وثلاثة عرضاً، ملونة بكل شيء في تداخل لا هو مبهر ولا هو غير مبال، كانعكاس لشخصية رتبت بعضاً من فيضها في مساحة فراغية حوّلت صفاتها أثاثاً وألواناً ومسافات،(الإحساس أقوى من العقل، العقل أقوى من المنطق)”.

مايا أبو الحيات تؤسّس مشهداً روائياً شبابياً حديثاً، قادر على التعبير عن نفسه بأسلوب حداثي ينتمي إلى هذا الزّمن الذي يختصر كل شيء بما فيها علاقات الحب الواضحة والرّغبات الأوضح التي لا يجب أن يكون هناك حياءاً في التّصريح عنها، بل إن عدم التّصريح يُنافي الواقع ولا يعبّر عنه :

“هنا رقصتُ له الرّقصة الأولى لأكمل التكوين بالحركة الطافحة من ذراعيّ وساقيّ، الجفنان أسدلا خجلاً، في بيجامتي الزّهرية الشّفيفة. السّاتان يداعب الحلمتين البارزتين المتحرّرتين إلاّ من ثنية الحياء المصاحبة للرّقصة الأولى والعري الأول”.

عن جريدة ايلاف الالكترونية

ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :

  • مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
  • يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
  • كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.

 موقع فيصل

الفصل الأول من رواية « عتبة ثقيلة الروح » الصادرة عن دار أوغاريت- رام الله

في بيته، تبدو الأشياء أجمل من حقيقتها. ترخي ثقلها على إصبع قدمها الكبيرة وهي تخطو حافية من غرفة إلى أخرى. لا تجهد نفسها في البحث: الأشياء طافحة مكتنزة وتنتظر من يفضّ عنها بكارة الدهشة.

تزاوجٌ في اللون والتكوين: الجدار السماويّ واللوحة الصفراء؛ الكرسيّ المعلّق على الجدار البنفسجيّ، يتدلّى من أسفله خيط ينتهي بور دة جوريّة مجفّفة. الغرفة التي لا تبدو كذلك، لوحة بمساحة خمسة أمتار طولا وثلاثة عرضا، ملوّنة بكل شيء في تداخل لا هو مبهر ولا هو غير مبال، كانعكاس لشخصية رتبت بعضا من فيضها في مساحة فراغية حوّلت صفاتها أثاثا وألوانا ومسافات. “الإحساس أقوى من العقل، العقل أقوى من المنطق”. تتلبّس الأشياء الفكرة ذاتها، القوة ذاتها تتوالد في مجالها المغناطيسيّ، ومن المقطوعة الصادحة في الأذن التي تركها خلفه وخرج - لا أجمل من رجل يترك خلفه الموسيقى ويخرج من البيت- تخرج روحي لتنظر إلى جسدي الفاعل الذي خلا فجأة من إدراك ما يصيبه.

هنا رقصتُ له الرقصة الأولى، لأكمل التكوين بالحركة الطافحة من ذراعيّ وساقّيّ. الجفنان أسدلا خجلاً، في بيجامتي الزهرية الشفيفة. الساتان يداعب الحلمتين البارزتين المتحرّرتين إلا من ثنية الحياء المصاحبة للرقصة الأولى والعري الأول. لم أحاول أن أرسم في ذهني صورتي تلك اللحظة. خشيت المراقبة عن بعد. ربما راقب هو ولم يدرك. الفعل الخارج عن جسدي وروحي تلبّسه ففعل. كان مفعولاً به منذ اللحظة الأولى.

***

الآن تستطيع أن ترى جسدها يدور ويدرك. يتزاوج مع الأرضية والسقف الأبيض، فينكسر الجمود، وتعانقها اللوحة الصفراء بأجسادها الساقطة المتحلّلة. “الإحساس أقوى من العقل، العقل أقوى من المنطق”.

كان يجلس على كرسيّ، طويلاً كنخلة، وكانت تجلس على كرسيٍّ - توأمٍ مقابل، طويلة كنخلة. تلك الجملة تدفقت وحدها: “سأرقص لك”. في الجملة حركة ومساحة وخيال ولون أزرق لم يطغَ بعد. غواية سرّبتها بكامل البراءة، وكأنّ الأمر لا يعنيها. “سأرقص لك”! جملة أنثوية بحتة تعلم وقعها في ذهن رجل يختار لأيامه إيقاعاً مختلفاً كلّ مرة. “سأرقص له”! لاكت الكلمة بلسانها؛ عجنتها باللعاب؛ مضغتها بشهوانية، حرّكت فكّها السفليّ عدة مرات، لتستدرك عاقبة الفكرة في الفم. سجّلت عنوان المنزل خلف ورقة مهملة في حقيبتها، وتسرّب إليها الشك في قدرتها على تلك الفعلة.

حاولت طرد الفكرة من رأسها. تلهّت طوال اليوم بأشياء لا تفهمها جيدا، علّها تنتصر بفكرة جديدة طازجة على السيطرة الذهنية التي تلبّستها، لكن لا شيء أزاح ترنيمة الجملة في أذنها : سأرقص لك! سأرقص لك! سأرقص لك! كأنّها تسمع الجملة كلّ مرة لأوّل مرّة. سأرقص لي! سأرقص لنا ! سأرقص بنا! سأرقص علينا! سأرقص لأجلنا! سأرقص لأجلها! سأرقص لأجله! سأرقص لأرقص! لحن مداعبة لمارسيل خليفة، طريّ على الأذن والجسد، مناسب لرقصة أولى لا تقدّر العواقب: سأكون الميوز التاسعة. الغواية. الخطيئة الأولى.

الكلمات مفاتيح الصناديق المغلقة. “سأرقص لك”، قالت تلك اللحظة دون أن تعي ما تفعله بها اللغة، وما تفتحه من أبواب الرغبات الزرقاء والبرتقالية.

  • بسَط !
  • لمَس !

ماذا تفعل هنا؟ من الخطر أن تطرح السؤال هذه اللحظة. الدخول من الذهن إلى الجسد سيلغي المكان بتفاصيله، وهي اختارت التفاصيل. قالت : “ينقصني الخروج من العناوين البارزة المعلّبة إلى فتات الأشياء”، واختارته. اختاره المكان للدقّة ليكون الطريق : طريقاً تشبه ما تحبّه. ما تظنّ أنها تريده. باباً بقبضة خوف خارجيّة، وقبضة أمان داخليّة، لكلّ ما يريده جسدها وروحها في هذه المرحلة. تجرّب معه خفّة الأشياء على حضورها في المنزل. الذكريات ليست لها. الألوان، وإن كانت تشبهها، لم تتشكّل لأجلها. طارئة خطوتها على السجادة البرتقالية، بمعرفة مسبقة أن الصوف سيعود إلى وضعه الأول ما إن ترفع قدمها للخطوة التالية.

***

متى سيتكلم؟ يحدّق من نافذة السيّارة في الشارع الفارغ، وينسى أنني موجودة لعدة دقائق، ثم يعود بوجهه جهة المقعد الذي أجلس فيه، متكوّمة في اتجاه جسده، فيبتسم ثانيتين ويسألني السؤال ذاته للمرة الثالثة :

  • كيف كان العمل اليوم؟

وأجيبه الجواب ذاته للمرة الثالثة، وكأنّني أجيبه للمرة الأولى، ويسألني للمرة الأولى :

  • لا بأس، لا شيء مهمّاً يحدث.

كنت أودّ لو أضيف : “خارج دائرتك، لا يوجد ما يستحقّ الذكر”. تراجعت عن إخباره بما قالته لي تلك المرأة في العمل، حول العلاقة بين برج الأسد وبرج الثور. لا أريد أن أضع عراقيل إضافيّة. تلك الغبيّة لا تستوعب وجود طفرات في كلّ شيء. ماذا تعني بسيطرة الثور الزوج على أحلام الأسد؟ ماذا تعني أنّ الثور قبل الزواج متعِبٌ بما لا يقوله وبعده متعب بما يقوله؟ هي غبية وحاقدة بلا شك، وتريد إغاظتي لأنها شاهدت زوجها يقطع الشارع في اتجاهي ذلك الصباح ليمشي معي حتى باب المؤسسة. لحقت بنا وكأنّها اكتشفت جريمة، ووجّهت لي كلمات لا مكان لها، تفيد بأنها تثق في زوجها. كانت تنظر في اتجاهي كأنّها تريد أن تقول : “أنت، لا أثق بك. أنت السبب في أنّه قطع الشارع في اتجاهك”. كنت أريد أن أخبرها أنني لو وجدت زوجها معروضاً على البسطة “الخمسة منه بفلس” فلن أنظر في اتجاهه، لكني أكملت اليوم غاضبة، لأنني العزباء الوحيدة في المؤسسة، وأشكّل خطراً على تلك المرأة وغيرها.

يشغّل السيارة ولا يتوقف عن السؤال: “إلى أين أنت ذاهبة؟” واحتار أنا إلى أين أذهب. تحججت لأبي بتسجيلي في دورة مسائية لأستطيع رؤيته بعد انتهاء ساعات الدوام. لم يمض سوى نصف ساعة، والدورة الافتراضية تمتدّ لساعتين.

  • عليّ أن أكتب مقالة لمجلّة تصدر في لندن قبل انتهاء هذا الشهر، مشغول جدّاً هذه الأيام.
  • حسنا، سأنزل في شارع المكتبة.
  • إلى أين أنت ذاهبة؟
  • سأمشي قليلا نحو منتصف البلد، أو أفعل شيئا. لا أدري!
  • حسنا يا أميرة، اعتني بنفسك.

تعجبني كلمة أميرة التي يقولها حين ينكشف ضيق داخلي على وجهي، فتعيد لي وجها مشرقا إلى حين.

***

ساعة ونصف الساعة عليها أن تمضي. وليكن بوجع أقل. منذ عرفته تعلّمت التفكير بايجابية، ورؤية العُشْر الممتلئ من الكأس. رأيته لعشر دقائق. هذا يكفي، عليّ أن أكون سعيدة لأنني كنت ذلك الشخص الذي قرّر هو أن يهبه وقته؟ فإذا افترضنا أن هذه الدقائق القليلة التي قضاها معي ستكون الأخيرة المتبقيّة له، فسيكون هذا في قمّة التميّز. هذا ما أدعوه التفكير الإيجابي الذي أدرسه يوميا لأجعل ذهني مرناً في مواجهة كلّ الخيبات القادمة.

“عليك أن تختار مع من تقضي دقائقك، وكأنّها الأخيرة كل مرة”. لو تستطيع إيصال هذه الفكرة له! لو كانت قادرة على أن تطلب منه تحديد أولويات دقائقه الأخيرة والتفاني لأجلها! لكنّها سترتبك وتلتف حول الفكرة مئة دورة، وتصفها بكلمات عديدة، ولن تشعر بأنها أوصلت له ما تريد. كان عليها أن تتعلّم الوصف الدقيق قبل أن تتعرّف به. الآن لم يعد الأمر ممكناً. يجب أن يعلّم الأمر في المدارس. عبّر عن نفسك عن مخاوفك عن أحلامك شفهيّاً بسطر واحد وبمدة لا تتجاوز الدقيقة. تمرين في البوح المباشر الدقيق. ولنقل الجريء. نعم، الأمر يحتاج إلى الجرأة والشعور بأنك تملك الحقّ في الاستفسار والطرح وإيجاد الحلول واقتراح الأفكار.

لك الحقّ. كلّ شيء في الذهن. امتلاك الحقّ وعدمه أمرٌ أنت توجِده ذهنيا. قالت منهية الأمر في نفسها: “كلّ شيء في الذهن”. ردّدت في ذهنها تلك الجملة التي تتبجح بأنّها اكتشافها الخاص، وعندما أخبرها أن الغزاليّ هو صاحب هذه الفكرة، زادها الأمر إعجاباً بذاتها، لأنها لم تكن قرأت للغزالي، وهذا يعني أنها اشتركت معه في فكرة كونية اكتشفتها وحدها.

ساعة ونصف الساعة عليها أن تمضي بأيّ حال. إن وصلت البيت قبل الخامسة والنصف، سيكون عليها اختراع آلاف الكذبات لتفادي أسئلة أمّها. تصوّرت لو أنّها تستطيع أن لا تكذب ليوم كامل. تجلس في البيت متى شاءت، وتخرج متى شاءت. تقابل من تحبّ، وترفض مقابلة من لا تريد. لا شيء يفرض، أو تحكمه ساعتان مسروقتان بكذبة، عليها أن تستغلهما إلى أقصى حدّ، وإلا ضاعت الكذبة سدى، فتضطر لمقابلته في هذا الوقت المخصّص للقيلولة، وليس للدوران في الشوارع.

عن موقع فيصل قاسم عبد الهادي


 وكالة أنباء الشعر

الروائية والشاعرة الفلسطينية مايا ابو الحيات في لقاء مع الوكالة : هناك تقصير من الأدباء الشباب في فلسطين لأنهم لا يلعبون دوراً ريادياً في ظل اتجاههم للعمل الفردي

مايا أبو الحيات روائية وشاعرة فلسطينية شابة من مواليد بيروت عام 1980 ، انهت بكالوريوس هندسة مدنية من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس بالضفة الغربية عام 2004، تعتبر من الأديبات الفلسطينيات الواعدات ، نشرت روايتها الأولى “حبات السكر” في العام 2003 عن بيت الشعر الفلسطيني كما صدر لها ديوان شعري بعنوان “ما قالته فيه” في العام المنصرم . تدير موقعا أدبيا للأدباء الشباب وتعمل على روايتها الثانية حاليا .ترى أبو الحيات في لقاء مع الوكالة أن هناك تقصيرا من الأدباء الشباب في فلسطين لأنهم لا يلعبون دورا رياديا في الحركة الثقافية الفلسطينية خاصة عندما يتحولون إلى الفردية وينسون الفعل الشبابي.تدعو ابو الحيات إلى تقييم مستقل وبناء للمؤسسات الثقافية في فلسطين وللمشاريع التي تقدمها والاشخاص المستفيدين منها.تؤكد أن الاحتلال والتخلف عدوان خطيران يدمران المجتمع

الفلسطيني.وفيما يلي نص الحوار :

-قمت باطلاق موقع الكتروني للأدباء الفلسطينيين الشباب يعنى بابراز ابداعاتهم ويؤرخ لمجموعة متميزة من الأدباء،هل لك أن تقدمي لنا عن فكرة اطلاق المنتدى ومتى وكيف تم تأسيسه ؟ومن يشارك فيه؟وما هي أهميته؟

تم اطلاق الموقع بمبادرات شخصية وبكثير من النية الطيبة، لجمع أعمال الكتاب الشباب ضمن وجهة واحدة ، كان ذلك في بداية العام الماضي 2007 ، لقد احسست شخصيا بالحاجة إلى منبر للبوح والاستمرار ،خاصة مع فقدان الثقة المتصاعد بالمؤسسات الثقافية التي تعنى بالشباب، وكان الشعور أن المشكلة ليست بالمؤسسات لكن بطريقتنا بالتقديم لأنفسنا وطريقة إيصال الأعمال للجمهور ،هناك تقصير منا كأدباء شباب “ربما ليس الجميع” فنحن ننتظر من يهتم بنا دون أن نلعب الدور الريادي في الأمر وخاصة حين نتحول إلى الفردية وننسى الفعل الجماعي _ربما كل ما يحيط بنا يدفعنا إلى ذلك _ خاصة الأحداث العالمية التي نريد أن نتجاهلها بعنف كي ننجو بإنسانيتنا . لكن لنؤسس لمشهد يشبهنا علينا التخلي عن الفردية ولو لفترة زمنية ونلوث أيدينا بالحقيقي وبعدها يمكن أن نطلب من التاريخ محاكمة عادلة.يشارك في الموقع العديد من الأسماء الأدبية الفلسطينية الشابة أذكر منهم “أحلام بشارات ، سعيد أبو معلا ، مايا أبو الحيات ، داليا طه ، سناء الجريري ، نصر جميل شعث، نهيل مهنا ، سناء شعلان ،محمود ماضي ،هلا الشروف ....”.

-لا توجد مجلة ادبية متخصصة في فلسطين حاليا،جميعها متوقفة،هل يمكن أن تلعب المواقع الالكترونية من هذا النوع دورا في سد الفراغ؟

لا شيء يغني عن المجلات الأدبية ، فملمس الورق يعطي النص بعدا أخر أكثر وجودا وقربا. لكن هذا لا يقلل من أهمية المواقع الأدبية التي تسهل عملية البحث والتواصل، كل شيء يأتيك بكبسة زر ، ربما هي سهلة أكثر من اللازم وتفقد الأشياء قدسيتها ،وتفقد متعة البحث والوصول ، لكن هي أمر واقع لا بد من التعامل معه بموضوعية .

-لماذا قمت باطلاق تسمية “الذين رقصوا للفراغ”على ابرز اركان هذا الموقع؟

الرقص فعل تحرر ...وحين يكون الرقص للفراغ فهو لا يريد شيء سوى ذاته والهالة التي يصنعها حوله في محاولة لخلق فعل تواصله الخاص ، الفعل نفسه هو الهدف ..وهكذا هم الراقصون للفراغ لا يسعون إلا إلى النص- فراغهم الخاص- الذي يتحول بعد ذلك إلى فراغ جمعي يؤثث به القراء مشاعرهم وانطباعاتهم وسطوتهم.

-قلت من قبل أن أدباء فلسطين لا يمكن حصرهم أو تحديد هوياتهم التي تتفرع من كونهم يعيشون الخاص والعام ،الحميمي والكوني في قلب تجربتهم الفلسطينية البحتة وروح العالم الواسع،ماالذي تقصدينه بذلك؟

الحالة الفلسطينية مختلفة لأنها حالة غير منتهية وغير مستقرة وهي حالة الأوطان المصابة بلعنة وطاقة التشرد والفقد، الجميع يدور في نفس الهاجس في الوقت الذي ينفرد به بهاجسه الخاص، لا أدري كيف يمكن التقسيم إن كان الأمر ضروريا لكن تجربة الفرد الفلسطيني مكثفة بشكل ملفت ربما يمكن التقسيم على أساس :

فاقد ،غير فاقد، مسجون ، حر مسجون ،خلف الجدار، داخل الجدار، ...لا يوجد حصر للأمر.

-سبق أن قلت أن هناك فقدانا بالثقة تجاه المؤسسات الثقافية التي تعنى بالشباب في فلسطين، كيف لنا أن نعيد تلك المؤسسات إلى السكة الصحيحة؟

يجب أن يتم عمل تقييم مستقل وبناء لهذه المؤسسات والمشاريع التي تقدمها والاشخاص المستفيدين منها وأن تشعر هذه المؤسسات ونشعر نحن أيضا بأهمية الدور الذي تلعبه في الحياة اليومية ، المشكلة أن هناك تغييب لأهمية الثقافة والمؤسسات الثقافية بشكل عام وهذا ذنب الجميع من إعلام ومؤسسات تعليمية ومؤسسات ثقافية ومثقفين.

-ما هو تقييمك لأداء الأدباء الشباب في فلسطين؟وهل برأيك أن معاصرة هذا الجيل لانتفاضتين وفر له الأرضية الخصبة للإبداع؟

لست قادرة على تقييم أحد لأنني لا أملك المقومات لذلك لكن رأيي الشخصي أن وضع الأديب الفلسطيني بشكل عام هو خاص ومتميز جدا ... لقد عايشنا تعب يومي غير منتهي وتعاملنا مع ظروف حياة صعبة ردتنا إلى أعماقنا وطرحت الكثير من الأسئلة التي أجبرتنا على التوقف ولم تستطع تفاصيل الحياة أخذنا بتوافهها ، هذا ما يميزنا تعاملنا مع طرفي المستقيم جدلية السماء والأرض ، الموت والحياة المهم واللامهم ، الحقيقي والزائل ...

-"حبات السكر “هو باكورة رواياتك،ما الذي تعنيه هذه الرواية في نفسك ؟

كان لا بد أن تخرج تلك الرواية لأتحرر من العبء ، هي روايتي الأولى لكنها الآن غريبة ولا أحب أن أقرأها حتى.

-قلت في مقدمة روايتك سابقة الذكر”لم يكن هناك من يهز المكان بقضبضته لتتساقط حبات للسقوط"،أحد النقاد وصف هذه الجملة بالغامضة التي لا تدل على شيء قابل للتأويل،هل لك أن تكشفي لنا الغموض الذي يكتنف هذه الجملة؟

السكر عامل تحويل ، هو ذلك السحر الذي يحتاج إلى طاقة الكشف ليعطي مفعوله .. لست أملك أن افسر أكثر لكل نص مفاتيحة الخاصة وغموضه الذي حتى أنا لا أملك تفسيره.

-لقد وصفت جنود الاحتلال في الرواية بـ"الفضائيون"،لماذا استخدمت هذا التعبير وما الذي تعنيه؟

هذا التعبير هو الوحيد القادر على وصف حالتي النفسية اتجاههم ... أنا العائدة من الخارج كنت أجدهم مخلوقات غريبة لا استطيع أنسنتها أو سبر غورها .. كنت قادرة على وصف حركاتهم وشكل مركباتهم ولغتهم لكنني عاجزة عن التواصل معهم كباقي البشر.

-القارئ لروايتك يعتقد أن الفلسطينيين يواجهون عدوين:الاحتلال من جهة والتخلف والانغلاق من جهة ثانية،برأيك اي هذين العدوين أخطر ولماذا؟

العدو الأول أدى بصورة مباشرة إلى حضور العدو الثاني ، الاثنان خطيران وقادران على التدمير.

-"لي فيك يا مدينتي ما يخصني،فاتحي لي ذراعيك،منهكة أنا وينقصني الدفء"،بهذه الكلمات انهيت روايتك الأولى ،فما هو سر هذا الحب الكبير بين مايا ومدينة نابلس؟

هذا سر البطلة مع المدينة وليس سري أن شخصيا ، نابلس مدينة ملتبسة لا تمنحك كل شيء بسهولة، هي مدينة عليك اكتشافها بتجربتك الشخصية ...عليك أن تمشي في حواريها القديمة حتى تشتم عرقها ..قد تخنقك وتسد عنك الأفق، لكنها تمنحك شعور غير طبيعي بالأمان والخوف في ذات الوقت ، كنت أستمع لوالدي ونحن في الخارج وهو يقول أنه يفضل العودة إلى “مزبلة” في نابلس على العيش في كل مدن الدنيا ولم أكن أفهم حينها ولا افهم حتى الآن هذا السر الذي يدفعه للجلوس يوميا على مقعد مقابل لبيت طفولته في البلدة القديمة لنابلس .. ربما هو سر المدن العريقة الذي يكبلك بلغزه.

-هل برأيك ما تتعرض له المرأة من اضطهاد يجعل كتاباتها مختلفة عن كتابة الرجل فتركز على الذات أكثر؟

ليس الاضطهاد لكن التجربة ..فتجربة المرأة مع محيطها وتلقيها للأحداث مختلفة عن الرجل تماما ، لا يمكن المقارنة أبدا.

-استخدمت بعض الالفاظ في روايتك البعض رأى بأنها “الفاظ وحشية” مثل تشبيهك رحم المرأة بحفرة امتصاص ،وولادة البنات بأنه نضح مجاري، لماذا استخدمت مثل هذه التشبيهات في الرواية؟

المفردة تتبع الحالة والوصف ولا يمكن تجنب الألفاظ الوحشية إن صح التعبير .. لا يوجد الفاظ جميلة وأخرى بشعة .. الجمالي يخرج من بطن الوحشي والعكس صحيح.

-"ما قالته فيه" هو عنوان ديوانك الأول هل لك أن تطلعينا اكثر على تفاصيل هذا الديوان؟

“ما قالته فيه” هو مجموعة من القصائد النثرية التي كتبت في الفترة ما بين 2003-2006 لا أعتبر نفسي شاعرة أبدا لكن أنا أكتب بلغة شعرية وأعشق اللحظة الأدبية التي تسرد نفسها بسرعة وبعفوية .. الشعر يريح القلب بين رواية وأخرى.

-كيف تقيمين وضع الشاعرات في فلسطين وما هو المطلوب للارتقاء بدورهن واعطائهن مساحة أكبر على الساحة الأدبية ؟

لا أحب فكرة التقسيم هذه .. فليس هناك وضع شاعرة ووضع شاعر هناك أديب يملك أدوات الوجود وآخر لا يملكها والجميع يحتاج إلى الفرصة إن كان يستحقها .

-أين تجدين نفسك أكثر ،شاعرة ام روائية ولماذا؟

سأحاول التركيز على الرواية لأنني أملك مفاتيحها ... ولأنها حرة أكثر.

-ماذا بخصوص روايتك “الذين رقصوا في الفراغ”؟

هي رواية أحبها لكنها لم تنته بعد ، أحتاج أن أبتعد عنها قليلا كي اتمكن من محاكمتها بإنصاف.

-إلى أي الشعراء والرواة تحبين أن تقرأي؟وايهم تأثرتي به في كتاباتك؟

من الشعراء أحب شعر عبد الرحيم الشيخ والروائيين تأثرت كثيرا بحنان الشيخ.

-هل تولي امرأة منصب وزيرة الثقافة يمكن أن يكون في صالح الحركة الثقافية الفلسطينية؟

للأسف لا أجد للوزارة أي دور في الحركة الثقافية في البلد.

-ما هي تخطيطاتك وأمالك بالنسبة للمستقبل؟ماذا بخصوص أعمالك المقبلة سواء الشعرية او الرواية؟

ما زلت تحت تأثير روايتي الأخيرة وليس لدي ما أقوله بعد.

-هل لك طقوس خاصة تمارسينها عند كتابة الشعر او الرواية ؟(مثلا الكتابة في وقت معين وفي مكان معين)

عادة تتملكني حالة من الجفاف الأدبي بين نصين وهي مهمة جدا لولادة نص وحالة جديدة.

-هل من كلمة أخيرة لقراء وكالة أنباء الشعر العربي؟

اتمنى لهم حياة تشبههم ومساءات مضاءة بالتحقق والقرب.

عن وكالة أنباء الشعر العربي


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)