عبدالكريم الخليل : مِشعل العرب الأول 1884-1915، يوسف خازم (لبنان)، تاريخ ساحة البرج في بيروت تستعيد اليوم أبناءها الأبرار

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٣١٦٩ السبت ٦ أيار ٢٠١٧
جريدة الأخبار
ادب وفنون
«ساحة البرج» تستعيد اليوم أبناءها الأبرار : عبدالكريم الخليل... شهيد العرب الأول


«ساحة البرج» تستعيد اليوم أبناءها الأبرار : عبدالكريم الخليل... شهيد العرب الأول


للمرة الأولى منذ 42 سنة، ستتوجه عائلات شهداء السادس من أيار اليوم إلى ساحة الشهداء في بيروت للاحتفال بالذكرى السنوية لإعدام مجموعة من أبنائها الأبرار على يد الحاكم العثماني لبلاد الشام آنذاك أحمد جمال باشا. وكانت الاحتفالات بهذه المناسبة الوطنية، توقفت في ساحة الشهداء بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975، وبادرت عائلات الشهداء بالتنسيق مع محافظ بيروت القاضي زياد شبيب إلى استعادة الساحة هذه السنة للمرة الأولى بعد الحرب الأهلية لإحياء هذه الذكرى قرب تمثال الشهداء الشاهد على تلك الحرب والذي اخترقته رصاصات المتقاتلين آنذاك.

يتخلل الاحتفال توقيع كتاب «عبدالكريم الخليل: مِشعل العرب الأول 1884-1915» (دار الفارابي) لمؤلفه الباحث الصحافي يوسف خازم. يكشف هذا الكتاب معلومات تُنشر للمرة الأولى، عن دور الشهيد عبد الكريم الخليل في النهضة العربية أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وتأسيسه أول جمعية عربية سرية في استانبول سنة 1905 تنهج العمل السياسي والعسكري من أجل انفصال البلاد العربية عن الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الدولة العربية المستقلة. شمل نشاط الشهيد الخليل كل بلاد الشام إلى جانب العراق ونجد والحجاز واليمن، حيث كانت له اتصالات مع أعيانها وقادتها، خصوصاً إمام اليمن حينها يحيى حميد الدين. اعتمد المؤلف في جزء من الكتاب على مخطوطات كان يُعدها المؤرخ الراحل عجاج نويهض لكتابة سيرة الخليل، إلى جانب شهادات شفوية من عائلة الشهيد، ومصادر أخرى وأوراق كانت مبعثرة كتبها معاصرون. وكشف جمعُ كل تلك المعلومات بعد وضعها في سياقها الدور الرائد والمميز لعبد الكريم الخليل في استنهاض الأمة وتأثيره الكبير في الحركات الثورية التي نشطت بعد استشهاده. أدرك عجاج نويهض وهو يبحث في سيرة الشهيد الخليل مطلع الخمسينات الدور الخطير لهذا الرجل، فأطلق عليه صفة «شهيد العرب الأول... وشهيد العرب المكرم... ومشعل العرب الأول». وزاد في مخطوطاته أنه كان «لسان حال العرب في الحركة (العربية). بروزه القومي لا يجعله قائد الرعيل ورأس القافلة وكفى، بل كشف بأخلاقه الفريدة عن شخصية نادرة المثيل في التجرد والإخلاص، ودفعت الناس بكل قواها على القضية العربية». يكشف الكتاب الدور المهم لعبد الكريم الخليل خلال مفاوضاته مع الدولة العثمانية باسم العرب للحصول على حقوقهم المدنية علناً، ونشاطه السري في الوقت ذاته، لتنظيم التعبئة العسكرية بين الضباط والعسكريين العرب في الجيش العثماني وحضهم على المشاركة في برنامجه للاستقلال عن الدولة. ويعرض للمرة الأولى كيف كان نشاطه السياسي القومي العربي مصدر قلق للحركة الصهيونية التي زرعت جواسيس في مقره «المنتدى الأدبي»، وربما كان عملاؤها من بين الذين تسببوا في اعتقاله ثم إعدامه لاحقاً على يد جمال باشا.

يبدأ الكتاب (12 فصلاً في 423 صفحة) بعرض كيفية جمع معلومات كانت مبعثرة وغير معروفة وينشرها للمرة الأولى عن عبد الكريم الخليل ودوره في تأسيس الحركة العربية واستنهاض الأمة العربية مطلع القرن العشرين. ثم يعود إلى تاريخ نسب عائلته المهاجرة من قرية شحور في جنوب لبنان إلى ضاحية بيروت الجنوبية، ويسرد سيرته الذاتية إلى جانب وقائع تعكس توجهه السياسي والثقافي والاجتماعي. يتناول يوسف خازم في الفصل الرابع «عبد الكريم الخليل وحال الأمة» واضعاً هذه الشخصية المميزة في سياقها التاريخي، فيعود إلى الحقبة التي ولد فيها سنة 1884 وما بعدها خلال نشأته ثم إقامته في إستانبول للدارسة والعمل السياسي، ليصف حال البلاد العربية آنذاك. ثم ينتقل إلى نشاطه في الجمعيات العربية وتأسيسه عدداً منها، خصوصاً «المنتدى الأدبي». يكشف في هذا السياق تأسيسه أول جمعية عربية سرية باسم «الشبيبة العربية» كانت تعمل لانفصال البلاد العربية عن الإمبراطورية العثمانية باستخدام العمل المسلح. ويُبين كيف التحق أنصار عبد الكريم الخليل وأعضاء جمعيته السرية بعد استشهاده بالثورة العربية الكبرى التي قادها شريف مكة حسين بن علي وابنه الأمير فيصل وأدت إلى طرد العثمانيين من البلاد العربية سنة 1918 بمساعدة بريطانيا، خلافاً لخطة الخليل التي كانت تسعى لثورة عربية خالصة من دون التعاون مع البريطانيين أو أي جهة أجنبية.

ويكشف الكتاب الدور الرائد الذي مارسه الخليل، قبل مئة سنة، في وضع برنامج لتوحيد التعليم في البلاد العربية، وتركيزه على أهميته في استنهاض أبناء الأمة الذين كانوا ضحية محاولات التتريك وإلغاء عروبتهم. ثم يعرض حال الدولة العثمانية في فترة نضاله السياسي قبل أن يتطرق إلى المؤتمر العربي الأول الذي انعقد في باريس سنة 1913 وقراراته ودور الخليل في منع أنصار فرنسا في المؤتمر من فرض أجندتهم على قرارات المؤتمر. الفصل العاشر يسرد تفاصيل تحضيرات الخليل لثورته على الحكم العثماني، وهي تُنشر للمرة الأولى أيضاً، إلى جانب الوشايات ضده ودور الحركة الصهيونية العالمية في التجسس عليه وربما الإيقاع به، وصولاً إلى اعتقاله وسوقه إلى ديوان الحرب العرفي في عاليه مع رفاقه ومحاكمتهم ثم إعدامهم. في الكتاب، تفاصيل أخرى مثيرة عن مساعدة والدة عبدالكريم الخليل ابنها في شراء أسلحة لرجاله، وعن سر خديوية بلاد الشام الذي باح به جمال باشا لعبد الكريم الخليل. وكذلك تفاصيل عن زرع الحركة الصهيونية جواسيس في «المنتدى الأدبي» للتجسس على نشاط الخليل في منع هجرة اليهود إلى فلسطين وشراء أراض فيها، وكلمته أمام السلطان العثماني محمد الخامس في هذا الشأن.

عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية

المقال ص 1 بالـ Pdf في جريدة الأخبار

المقال ص 2 بالـ Pdf في جريدة الأخبار


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا



جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٣١٦٩ السبت ٦ أيار ٢٠١٧
جريدة الأخبار
ادب وفنون
«ساحة البرج» تستعيد اليوم أبناءها الأبرار : عبدالكريم الخليل... شهيد العرب الأول

لندن - سعيد محمد


رحلة البحث عن مُشعل شرارة النضال الأولى


يوسف حازم

قبل 64 عاماً، وصف المؤرخ عجاج نويهض (1896-1982)، عبدالكريم الخليل في رسائل منفصلة بعث بها إلى عدد من أقاربه بأنّه «شهيد العرب الأول... وشهيد العرب المكرم... ومِشعل العرب الأول». وقال عنه إنه «القائم بأمر المنتدى (الأدبي) ولسان حال العرب في الحركة (العربية مطلع القرن العشرين). فبروزه القومي لا يجعله قائد الرعيل ورأس القافلة وكفى، بل كشف بأخلاقه الفريدة عن شخصية نادرة المثيل في التجرد والإخلاص، ودفعت الناس بكل قواها على القضية العربية». واعتبر نويهض أن «تدوين سيرة عبدالكريم الخليل، الذي أصبح مجرد اسمه رمزاً إلى التضحية الخالصة لوجه الله والوطن، لا يقتصر على كونه واجباً قوميّاً، بل إن التقصير في القيام بهذا الواجب يُعد جريمة وطنية».

نتحدث هنا عن الشهيد عبدالكريم الخليل الذي أعدمه الحاكم العثماني لبلاد الشام أحمد جمال باشا في 21 آب (أغسطس) 1915 في ساحة البرج (ساحة الشهداء اليوم) وسط بيروت مع 10 من رفاقه، ضمن ما عرف لاحقاً بـ «القافلة الأولى».

وفي 6 أيار (مايو) من السنة التالية 1916، أعدم جمال باشا «القافلة الثانية» التي ضمت 14 شهيداً في الساحة نفسها، و8 آخرين في ساحة المرجة وسط دمشق. واختير يوم السادس من أيار للاحتفال بالمناسبة، لأنه اليوم الذي أعدم فيه أكبر عدد من الشهداء الذين كانوا يسعون لإنهاء الحكم العثماني في البلاد العربية.

ومناسبة الحديث اليوم عن الشهيد عبدالكريم الخليل والبحث في سيرته، بعد مئة سنة وسنتين من إعدامه، لم تكن فقط لما حض عليه المؤرخ نويهض بضرورة تدوين سيرته واعتباره عدم القيام بذلك «جريمة وطنية». إذ كنت بدأت العمل على كتابي «عبدالكريم الخليل مِشعل العرب الأول 1884-1915» خلال الإعداد للذكرى المئوية لاستشهاده سنة 2015. كان الدافع آنذاك خليطاً شخصياً ومهنياً. إذ تربطني بالشهيد عبدالكريم الخليل علاقة عائلية من جهة والدي ووالدتي، فوالدته فضة قاسم خازم هي عمة جدي لأبي يوسف حسن خازم، وهو عم والدتي - شقيق أبيها الحاج زين - الذي ولدت في منزله وتربيتُ على سيرة شقيقه التي كان يتناقلها أهل بيته، لكن بصيغ غير مكتملة ومختلفة. وهنا دخل العنصر المهني عندما كبرت واخترت الصحافة مهنة دفعتني إلى محاولات أولى لتوحيد تلك الصيغ واستكمال البحث عن المعلومات غير المكتملة. وزاد اهتمامي نحو التعمق والتقصي والتحقيق في حقائق دور عبدالكريم الخليل كلما زاد بحثي في تاريخ هذا الرجل. وفي ذلك كان يزداد يقيني.. كم أجحف مؤرخو تلك الحقبة في حقه ولم ينصفوه. فهو كما اكتشفت الدكتورة بيان نويهض الحوت حديثاً ورددت أمامي: «أنه إنسان غير عادي..غير عادي...».

وربما كان هذا الإجحاف بحق عبدالكريم الخليل غير مقصود في معظم الأحيان، فهو لم يترك لنا من المعلومات عنه سوى قليل جدّاً، لكنه كان كافياً ليُبيِّن لنا أفكارَه ومنهجَه في عمله السياسي العام للقضية العربية. وتلك المعلومات القليلة هي في غالبيتها خطب علنية ألقاها في مناسبات مختلفة، إلى جانب بعض المقالات عن نشاطاته نُشرت في صحفٍ مصرية حينذاك. أما وثائقُه وأوراقُه الخاصة التي كانت في منزله، أو تلك التي كانت في مقر جمعية «المنتدى الأدبي» التي أسسها في إسطنبول، فقد أُتلفت أو أُحرقت قبل ساعات من اعتقاله أو بعد الاعتقال، كذلك أحرق القريبون منه والعاملون معه كل الأوراق المتعلقة بعملهم السري معه.

لذلك، كان من الصعب جدّاً - ولا أقول من المستحيل - على أي مؤرِّخ جمع الحقائق كاملة عن الدور الرائد لعبدالكريم الخليل في إطلاق الحركة العربية واستنهاض أبناء الأمة ونشر الوعي القومي بينهم. وأمام هذا القحط من المعلومات، لم يكن أمامي سوى جمع أكبر عدد من المعلومات الشفوية والمكتوبة المتاحة عنه وعن حركته السياسية، وربطها، وفق منهج علمي دقيق بعد التحقق منها. كادت تلك المعلومات تقترب من تشكيل مادة كتابٍ متكاملٍ حين قرأت مقابلة صحافية أجرتها سلوى التميمي مع الدكتورة بيان نويهض الحوت تقول فيها إن والدها المؤرخ عجاج نويهض كان قبل وفاته أودع مخطوطات بقلمه تتضمن حوارات ومقابلات، «ستعطي روحاً جديدة لرجال كبار. إن أبرز هذه الشخصيات عبدالكريم الخليل، واكتشفت من خلال ذلك النقاش (في المخطوطات) سرّاً جديداً هو توقيت وكيفية بدء النضال العربي من أجل بناء دولة عربية مناضلة، فما كان سائداً أو معروفاً أن حركة التحرر العربي كانت رد فعل على الظلم التركي، لكن من خلال هذه الأوراق اكتشفت وجود جمعية اسمها «الشبيبة العربية»، سنة 1905 وكانت جمعية سرية سعت لإقامة دولة عربية. وكان مؤسسها عبدالكريم الخليل، ومن أبرز أعضائها عبدالستار السندروسي وهو مَن تكلم عن هذه الجمعية في مقابلاته مع الوالد».

اتصلت هاتفيّاً من لندن في 16 شباط (فبراير) 2016 بالدكتورة بيان التي أبدت اهتماماً كبيراً ببحثي، وقامت بجهد كبير لمساعدتي في الحصول على كل المخطوطات المتعلقة بالشهيد عبدالكريم الخليل التي كان يُعدها والدها المؤرخ في النصف الأول من القرن العشرين. وكان ينوي إصدارها في كتاب من ثلاثة أجزاء عن الحركة العربية الأولى وأبرز قادتها، وتوفاه الله قبل أن ينجز هذا العمل. وتعمل الدكتورة بيان على إنجاز ما جمعه والدها في «أحاديث ومراسلات عجاج نويهض: حول الحركة العربية الأولى».

تتضمن المخطوطات مراسلات بين المؤرخ نويهض وعدد من معاصري الشهيد عبدالكريم الخليل ورفاقه وأقاربه، وهم: مساعده الشخصي في بيروت حسن علي الخليل، وأحد أعضاء جمعية «الشبيبة العربية» السرية في بيروت عبدالله علي الخليل، والسياسي اللبناني كاظم إسماعيل الخليل، وأحد أقرب رفاقه إليه في «الشبيبة العربية» و«المنتدى الأدبي» في استانبول عبدالستار السندروسي، وأحد الناشطين المتعاونين معه في دمشق الفلسطيني من طولكرم سليم عبدالرحمن، وأحد مؤسسي «المنتدى الأدبي» الذي كان يرأسه عبدالكريم الخليل في إستانبول، الأمير فايز الشهابي. أكدت مخطوطات المؤرخ نويهض كثيراً من المعلومات التي كنت جمعتها، وصححت بعضاً منها، وأضافت إليها كثيراً.

* صحافي وباحث ومستشار إعلامي خبير في تأسيس وإعادة هيكلة مؤسسات إعلامية وتطويرها. عمل في هذا المجال مستقلاً ومع هيئة «بي.بي.سي» و«ورلد سيرفيس تراست» البريطانية و«المجلس الثقافي البريطاني» و«المعهد السويدي لتعليم الصحافيين» و«إنترنيوز يوروب»، في كلٍّ من مصر والأردن وعُمان والسعودية وسوريا ولبنان والمغرب وليبيا والسودان وأوغندا وبريطانيا، و«المحكمة الدولية في لاهاي»، هولندا. عمل صحافياً لأكثر من 35 سنة في مؤسسات إعلامية عدة من بينها «السفير» في بيروت و«الحياة» و«الشرق الأوسط» في لندن و«الوطن» و«آراب نيوز» في جدة، وصحيفة «الوسط» الإلكترونية في القاهرة. غطى حروباً وأحداثاً ميدانية في أكثر من 16 بلداً، وهو حاصل على الماجستير في وسائل الاتصال الجماهيري من جامعة «ليستر» البريطانية.

عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية

المقال ص 1 بالـ Pdf في جريدة الأخبار

المقال ص 2 بالـ Pdf في جريدة الأخبار


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا



جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٣١٦٩ السبت ٦ أيار ٢٠١٧
جريدة الأخبار
ادب وفنون
«ساحة البرج» تستعيد اليوم أبناءها الأبرار : عبدالكريم الخليل... شهيد العرب الأول

لندن - سعيد محمد


شريف مكة قاد الثورة بجيش الخليل ورفاقه


يكشف كتاب «عبدالكريم الخليل : مِشعل العرب الأول 1884-1915» أنّ غالبية هذه الشريحة المذكورة كان أعدها عبدالكريم الخليل وعبأها ونظمها قبل عشر سنوات منذ عام 1905 من خلال جمعيات سرية أبرزها «الشبيبة العربية» في أهم مدن بلاد الشام، وعلنية أهمها «المنتدى الأدبي» في إستانبول. وكان الخليل حدّد ساعة الصفر لثورته لتنطلق من دمشق صيف 1915، لتكون ثورة عربية خالصة من دون أي تعاون مع القوى العظمى آنذاك، بريطانيا وفرنسا، باعتراف أحمد جمال باشا نفسه الذي قال في مذكّراته:

«كانت سوريا في ذلك الوقت على أسوأ حالة وأشدها خطراً، فقد نزل الإنكليز والفرنسيون إلى الدردنيل وجعلوا يصعِّدون هجماتهم العنيفة كل يوم، وتلبية لرغبة القيادة العليا أرسلتُ إلى الآستانة الفرق الثامنة والعاشرة والخامسة والعشرين التي كانت في سوريا ولحقت بها في ما بعد فصائل الرشاشات بأسرها، وبالاختصار أرسلت كل الرجال والمهمات التي طلبها الدفاع عن الدردنيل، وكان متعيناً عليّ أن أحافظ على النظام الداخلي في تلك المنطقة الممتدة من جبال طوروس إلى المدينة المنورة وأحمل (وأحول) دون إنزال أية جنود معادية. كل ذلك في حين أنني لم يكن لدي سوى فرقة أو اثنتين من العرب وكتيبة من متطوعي المولوية الدراويش... فلو نشبت وقتئذٍ ثورة في جبهة من الجبهات بفعل الدسائس الأجنبية لما كانت ثمة وسيلة تمنعها ولفقدت الحكومة العثمانية سائر ولاياتها العربية. فلو ضمن الإنكليز أو الفرنسيون مساعدة الأهالي (أي جيش عبدالكريم الخليل) فأنزلوا فرقتين في أي نقطة على الساحل السوري مثلاً في بيروت أو حيفا، لوجدنا أنفسنا بلا جدال في موقف اليأس التام. ولكن نظراً إلى الثقة العظمى التي وضعتها في الأهالي لم أتردد في أن أنيط بالجنود العربية سلامة البلاد وأترك المناطق الساحلية بلا مراقبة... وإني لعلى يقين بأن الإنكليز لو دخلهم أقل ارتياب في ولاء أهالي سوريا وفلسطين الملكيين لما ترددوا لحظة في إنزال جنودهم. ولم تكن بدأت بعد أعمال الخيانة من الشريف حسين. كما أنني ما كنت أعرف شيئاً عنهم (أي عن ثوار عبد الكريم الخليل)... ».

وفي مخطوطات المؤرخ عجاج نويهض، يتحدث أحد قادة الثوار الذين كان يعتمد عليهم الخليل في ثورته من دمشق، سليم عبد الرحمن إلى المؤرخ في عام 1955، ويقول:

«في ذات ليلة (لم يحدد التاريخ) كنت ماشياً في ساحة المرجة. فلحق بي شخص، وقال أن أذهب وأرى عبدالكريم قاسم الخليل، الموجود الآن في «مقهى الزهرة»، وأن أقابله في فندق إنكلترا في نصف الليل. فذهبت فوجدت عنده توفيق الحلبي، وهو من أبناء الشام، وثلاثة شباب لم أعرفهم. فأنهى حديثه معهم وانصرفوا.

«وبعد شرب القهوة جلسنا نحن الثلاثة معاً. فوجّه سؤالاً إلى الحلبي: كم عدد أفراد الشرطة الترك في دمشق؟ وعدد العرب؟ وكم لدينا من الذين نستطيع الاعتماد عليهم (للقيام بعمل عسكري)؟ فأجابه: الترك نحو 100 بوليس و300 أولاد عرب بوليس، ومديرهم توفيق بك - تركي قبيح - وأمّا الشبان الذين نستطيع أن نلبسهم أثواب شرطة ودرك، فلا أقل من 800 شخص أو شاب. «ثم التفت عبدالكريم إليّ وقال: أخي، نحن اتصلنا ببعضنا كثيراً واجتمعنا، والثقة متبادلة. وقد أيّد الإخوان وجوب مفاتحتك لتقوم بإبلاغ جميع ضباط الخدمة المقصورة، أن يتمردوا على الذهاب إلى جناق (جنق) قلعة ومختلف الجهات. وعليهم أن يبقوا في دمشق وضواحيها. نؤمِّن لهم أماكن الاختفاء لأننا مقبلون على القيام بثورة في دمشق وتوابعها وإعلان استقلال الولايات العربية استقلالاً تامّاً. وسنبدأ بالاستيلاء على دار الولاية (مقرّ الحكومة) والقشلة (الثكنة) الحميدية ومقرّ قيادة الجيش بواسطة الجنود العرب. وتناصر هذه الثورة، قوانا في السواحل، وتشكيلاتنا في الداخل، لأنا نخشى أننا إذا لم نعلن انفصال ولايتنا عن تركيا أن تحتلّ فرنسا بلادنا وبريطانيا العراق. وقد يتساهل الترك في عقد الصلح بين الدولتين مضحّية بالبلاد العربية ليسلم الأناضول. فرجائي إليك العمل أنت وإخوانك بكل ما أوتيت من قوة لعدم خروج ضباط الخدمة المقصورة من سوريا على الأقل».

وفي هذه الفترة تحديداً، كان شريف مكة بدأ اتصالاته مع البريطانيين في ما عرف لاحقاً بـ «مراسلات حسين- مكماهون» نبه إلى تبادل الرسائل بينه وبين المفوض السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون لتحديد مستقبل البلاد العربية بعد طرة العثمانيين. «لا يحتاج كلام عبدالكريم الخليل في لقائه سليم عبدالرحمن إلى توضيحات كثيرة، لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا اللقاء، الذي لم يذكر عبدالرحمن تاريخ حصوله، جرى بالتأكيد بعد 19 شباط (فبراير) 1915، لأن الخليل طلب من عبدالرحمن إبلاغ جميع ضباط الخدمة المقصورة، أن يتمردوا على الذهاب إلى (معركة) جناق قلعة ومختلف الجبهات... والثابت أن معركة جناق قلعة بدأت بعد هجوم شنته البحريتان البريطانية والفرنسية يوم 19 شباط على هذه المنطقة المطلة على مضيق الدردنيل.

«والمرجح أن هذا اللقاء حصل في النصف الأول من نيسان أو خلال أيار (مايو) 1915. لأن الخليل أمضى نهاية شباط ومعظم آذار في القدس وبئر السبع مع جمال باشا، ثم مع الضباط العرب، وكان يعقد سلسلة اجتماعات في صيدا وصور في نهاية نيسان.

«ونستفيد من حديث عبد الرحمن أيضاً في هذا اللقاء، أن عبدالكريم الخليل:

1- أعد خطة عسكرية شاملة للثورة في بلاد الشام انطلاقاً من دمشق «وإعلان استقلال الولايات العربية استقلالاً تامّاً» بحسب تعبيره.

2- جهز تشكيلات عسكرية من المتطوعين في صيدا وصور وجبل عامل. لكن لم تظهر معلومات، حتى الآن، عن استعداداته في فلسطين والعراق، حيث كان له أنصار وفروع لجمعيته.

3- ترتيباته اللوجستية شملت تأمين أماكن يختبئ فيها الضباط والجنود العرب في دمشق إلى حين استدعائهم في ساعة الصفر للثورة.

4- حدد نقطة انطلاق الثورة بالسيطرة على المرافق الحيوية في الدولة. وأشار إلى دور للجنود العرب، وهؤلاء غير الضباط والجنود في الخدمة المقصورة الذين طلب من عبدالرحمن إبلاغهم التمرد وعدم الذهاب إلى جناق قلعة: «وسنبدأ بالاستيلاء على دار الولاية (مقرّ الحكومة) والقشلة (الثكنة) الحميدية ومقرّ قيادة الجيش بواسطة الجنود العرب».

5- تحدث عن دور للمتطوعين والتشكيلات العسكرية في الداخل وفي السواحل (ربما شملت بدءاً من اللاذقية حتى عكا ويافا بما في ذلك طرابلس وبيروت وصيدا وصور).

6- وفي الجانب السياسي من حديث الخليل، كان لافتاً قوله: «لأنا نخشى أننا إذا لم نعلن انفصال ولايتنا عن تركيا أن تحتلّ فرنسا بلادنا وبريطانيا العراق. وقد يتساهل الترك في عقد الصلح بين الدولتين مضحّية (مُضحين) بالبلاد العربية ليسلم الأناضول». ما يعني أن ثورته لم تكن فقط للانفصال عن الدولة التركية، بل أيضاً لحماية البلاد العربية من احتلال بريطاني - فرنسي محتمل، وهيأ وسائل القوة لمقاومته. وهنا تظهر الرؤية الثاقبة، السياسية والاستراتيجية العميقة لهذا الرجل، فعلى الرغم من أن الحرب العالمية الأولى كانت في بداياتها، لكنه أيقن أن الدولة العثمانية قد تتساهل في التضحية بالبلاد العربية لتحافظ على كيانها التركي، وتسمح لبريطانيا وفرنسا باحتلال البلاد العربية. وحصل ما كان يخشاه عبدالكريم الخليل بعد استشهاده».

وأستحضر هنا ما ذكره في هذا الشأن كاظم إسماعيل الخليل في مذكراته التي تضمنت نشاط والده، إلى جانب عبدالكريم وحركته السياسية. ويقول بعد أن يشير إلى اجتماع سري عقده عبدالكريم في صور ضم عدداً كبيراً من الشخصيات الفاعلة:
«... ومن أهم المقررات التي اتُّخذت خلال الاجتماع، قرار باستعمال الفرق الأهلية المسلحة التي نظمت في المناطق الساحلية لأجل حماية الشواطئ البحرية من غزو الحلفاء لها... ». ما يعني حرص عبدالكريم تكليف أبناء الساحل مهمة المقاومة المسلحة في مواجهة أي محاولة غزو بريطاني أو فرنسي، وفي الوقت نفسه يستعد لإسقاط الدولة في الداخل السوري.

* مقتطفات من كتاب يوسف خازم «عبدالكريم الخليل: مِشعل العرب الأول 1884-1915», الذي صدر أخيراً عن «دار الفارابي»


عيد الشهداء

قبل أن يصبح «عيد شهداء الصحافة»، كان «عيد شهداء السادس من أيار»، لعقود، مناسبة وطنية وقوميّة، يحتفل بها في لبنان وسوريا. يُمثل هذا اليوم ذكرى استشهاد نخبة من المثقفين والمفكرين الوطنيين العرب شنقاً في بيروت ودمشق والقدس، عقب سلسلة أحكام جائرة بالإعدام أصدرها الحاكم العثماني أحمد جمال باشا في حقهم، بين 1915 و1917، فأعدم عدد منهم فُرادى على فترات متباعدة، فيما أعدم 11 ضمن قافلة أولى و22 في قافلة ثانية. كان إعدام القافلة الأولى يوم 21 آب 1915 وعلى رأسها الشهيد عبد الكريم الخليل في ساحة البرج وسط بيروت (ساحة الشهداء اليوم)، والقافلة الثانية في 6 أيار (مايو) 1916 في الساحة نفسها، وفي دمشق في ساحة المرجة. واختير يوم السادس من أيار للاحتفال بالمناسبة لأنه اليوم الذي أعدم فيه أكبر عدد من الشهداء. واتهم أحمد جمال باشا هؤلاء الشهداء بالعمل لإنهاء الحكم العثماني في البلاد العربية. هنا أسماء الشهداء وتواريخ إعدامهم وأماكنها:
القافلة الأولى من شهداء 21 آب 1915:
عبد الكريم قاسم بن محمود الخليل (من الشياح)، محمد المحمصاني، محمود المحمصاني (بيروت)، عبد القادر الخرسا (من دمشق ومقيم في بيروت)، نور الدين بن الحاج زين القاضي (بيروت)، سليم أحمد عبد الهادي (من قرية عرّابة التابعة لنابلس في فلسطين)، محمود محمد نجا عجم (بيروت)، الشيخ محمد مسلّم عابدين (مأمور أوقاف اللاذقيّة)، نايف تللو (دمشق)، صالح حيدر (بعلبك)، علي محمد الأرمنازي (حماة).
القافلة الثانية من شهداء السادس من أيار في بيروت: جورجي الحداد (جبل لبنان)، سعيد فاضل عقل (الدامور)، عمر بن مصطفى حمد، عبد الغني بن محمد العريسي (بيروت)، الشيخ أحمد بن حسن طبارة (إمام جامع النوفرة في بيروت)، باترو باولي (يوناني الأصل من مواليد بيروت) محمد الشنطي اليافي (يافا)، توفيق بن أحمد البساط (صيدا)، سيف الدين بن أبي النصر الخطيب (دمشق)، علي بن عمر النشاشيبي (القدس)، محمود جلال بن سليم الآمدي البخاري، سليم بن محمد سعيد الجزائري الحسني، أمين لطفي بن محمد عبد قسومة الحافظ (دمشق)، عارف بن محمد سعيد الشهابي.
القافلة الثانية من شهداء السادس من أيار في دمشق: شفيق بن أحمد المؤيد العظم (دمشق)، الشيخ عبد الحميد بن محمد شاكر الزهراوي (حمص)، الأمير عمر بن عبد القادر الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، سليم الجزائري، شكري بن علي العسلي، عبد الوهاب بن أحمد المليحي الملقب بـالإنكليزي (دمشق)، رفيق بن موسى رزق سلّوم (حمص)رشدي بن أحمد الشمعة (دمشق).


عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية

المقال ص 1 بالـ Pdf في جريدة الأخبار

المقال ص 2 بالـ Pdf في جريدة الأخبار


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا


عن صورة المقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)