طرابلس اللبنانية .. “متحف حي” معالمه العثمانية الثمينة مهملة ومهددة بالهدم

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الإثنين 3 ديسمبر/كانون الأول 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
طرابلس (شمال لبنان) / حمزة تكين / الأناضول


تختزن مدينة طرابلس، كبرى مدن شمال لبنان، المئات من المعالم الاثرية القديمة، معظمها من الطراز العثماني، لدرجة أنها وصفت بـ”المتحف الحي”، إلا أن “ثروتها” هذه لا تحظى بالاهتمام اللازم، والكثير من ابنيتها التاريخية مهددة بالهدم.
وتُعتبر طرابلس، التي تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 85 كلم إلى الشمال، المدينة الأولى بثروتها التُراثية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد مدينة القاهرة، وتمثل متحفاً حياً يجمع بين الآثار الرومانية والبيزنطية، والآثار الفاطمية والصليبية، والعمارة المملوكية والعثمانية.

وبحسب رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس خالد تدمري، فإن تاريخ مدينة طرابلس “يرتبط بالحضارة التركية بشكل خاص”، فقد عاشت تحت حكم المماليك ومن ثم العثمانيين، لفترة تاريخية تزيد عن 725 عاما، مشيرا الى أن المعالم التي تدل عليهم ما زالت موجودة وقائمة الى اليوم في المدينة.

ولفت تدمري خلال مقابلة مع “الاناضول” الى أن هناك اكثر من 200 معلم أثري من الحقبتين المملوكية والعثمانية لا يزالون يميزوا طرابلس، منها “خان الصابون الذي أوقفته زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني لصالح القدس الشريف وخدمة قبة الصخرة والمسجد الأقصى”، واصفا المدينة بأنها “متحف حي بتكاملها ونسيجها العمراني المتشكل من الأزقة والمنازل والأسواق”.

ويُعتبر عهد العثمانيين من أطول “العهود الإسلامية” التي خضعت طرابلس لسلطتها، وذلك لأكثر من 4 قرون، وكانت “ساعة التل” آخر ما تركه العثمانيون من آثار في المدينة.

زاد العثمانيون من عمران وتطور طرابلس، وتضاعف عدد مساجدها ومدارسها وزواياها وتكاياها وحمّاماتها وخاناتها، حيث بلغ عدد مساجدها ومدارسها قبل 300 سنة حوالي 360 والخانات فيها 44. ووصل الامر لوصف هذه الفورة الاعمارية والتعليمية بالقول ان بين مدرسة واخرى، كان هناك مدرسة.

ومن أهم المعالم العثمانية في المدينة، “تكية الدراويش المولوية”، و”حمّام العظم”، و”جامع محمود بك السنجق”، و”جامع محمود لطفي الزعيم”، و”الجامع الحميدي”، و”سبيل الباشا الوزير محمد باشا”، و”سبيل الزاهد”، و”التكية القادرية”، و”ساعة التل”.

وتضم المدينة عدداً كبيراً من البنى التاريخية والأثرية، المتكاملة بأحيائها، وأسواقها، ودورها، وأزقتها المتعرجة الملتوية، والمسقوفة، مع كتابات ونقوش مميزة.

وشرح تدمري واقع أهم المعالم الأثرية في المدينة، خاصة تلك المهددة بالهدم “بحجة إنشاء أبنية كبيرة”.
وأوضح أن طرابلس “عانت منذ الاحتلال الفرنسي وتأسيس الجمهورية اللبنانية شتى أنواع المعاناة، حيث هجرها سكانها الأصليون وانتقلوا للعيش بالقسم الحديث منها، وساهمت المخططات، التي ادعي أنها تحديثية، بالقضاء على الكثير من المعالم الأثرية”.

وأكد أن الكثير من هذه المعالم “هدمت عمدا، بدون أي مبرر، كالسرايا العثمانية التي كانت موجودة في وسط ساحة التل، وهدمت في ستينيات القرن الماضي”، مشيرا الى أن هذه السرايا “أسسها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لتكون وسطا جديدا لطرابلس، لتتلائم مع التنظيم الإداري الذي وضعته الخلافة العثمانية”.

وأضاف أن مسرح “الإنجا” العثماني، الذي كان يعد أول مسرح ترفيهي في لبنان “هدم مؤخرا أيضا”، محذرا من أن الأبنية العثمانية “أصبحت هدفا لتجار البناء، الذين يهدمونها عمدا وبطرق غير شرعية وغير قانونية ليفقدوا المدينة تراثها العثماني من جهة، وإنشاء أبنية من الإسمنت لا هوية لها لمجرد الاستفادة المادية من جهة أخرى”.

وأشار الى أن من بين المعالم العثمانية التي هدمت في طرابلس أيضا، خلال السنوات القليلة الماضية “الدرسة السلطانية ، بأمر من وزارة التربية اللبنانية، وهبة مقدمة من السعودية تحت حجة بناء مدرسة ضخمة مكانها”، لافتا الى أن هذه الأعمال “تتم بمساهمة من قبل المسؤولين والمعنيين في الدولة اللبنانية”.

وطالب تدمري بـ”الحفاظ على مدينة طرابلس، وتجنيبها المعارك المسلحة، التي كانت تندلع بين فترة وأخرى” مؤخرا، معتبرا أن هذه المعارك “تؤثر على الثروة التاريخية والأثرية للمدينة”.

وأوضح أن منطقة “باب التبانة”، التي شهدت الكثير من المعارك والاشتباكات خلال الفترة الماضية “هي منطقة عثمانية، كانت تشكل أهم سوق تجاري في كل بلاد الشام”، مضيفا أنها “كانت المعبر لدخول البضائع التجارية من حمص وحماة في سوريا الى مرفأ طرابلس ومنه يتم تصديرها الى أوروبا”.

وأشار الى أن المعارك الأخيرة التي شهدتها المدينة في أكتوبر/ تشرين الاول الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحين، دارت في الأسواق القديمة لـ”المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990″، لافتا الى أنها “تسببت بأضرار مادية إضافية للآثار والمعالم العثمانية”.

وكان وفد من “وكالة التعاون والتنمية” (تيكا)، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التركية، ووزارة الثقافة ووزارة الأوقاف، جال في طرابلس عام 2009 للاطلاع على سبل تنشيط عملية ترميم المعالم الأثرية العثمانية وتأمين هبات لها على غرار “التكية المولوية”، التي تقوم حاليا “تيكا” بترميمها في المدينة.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية


من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية :

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


عن الصورة المرفقة بهذا المقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)