صيف مع العدو، شهلا العجيلي (سورية)، رواية منشورات ضفاف والاختلاف - 2018

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثلاثون العدد 9284 الجمعة 24 آب (أغسطس) 2018 - 13 ذو الحجة 1439 هـ
ابراهيم عبد المجيد - روائي مصري


«صيف مع العدو» لشهلا العجيلي… ملحمة السنين


منذ روايتها الأولى «عين الهر» يقفز أمامك عالم النساء الوحيدات. يتنقل بين التاريخ والمكان إلى العصور الوسطى في رواية «سجاد عجمي» حيث الحرب حول مصحف عائشة إلى عصرنا في «سماء قريبة من بيتنا»، روايتها الفذة التي رصدت فيها سنوات ما قبل التاريخ الكولونيالي إلى ما بعدها في سوريا والشام عموما، وعالمنا العربي وظهور «داعش».

مفتتح الرواية هو نهايتها في العنوان رغم السنين والآلام، فالسماء قريبة من بيتنا حاسمة لأمر هؤلاء المجرمين القاتلين باسم الإسلام.. ثم تأتي هذه الرواية الساحرة، «صيف مع العدو». بلاد الغرب التي يعدها الإسلامويون عدوا فرحلت إليه الشعوب المسلمة هجرة أو لجوءا بسبب ما تفعله فينا هذه الجماعات.

تأخذنا شهلا العجيلي في روايتها الصادرة عن منشورات (ضفاف/ مجاز/ الاختلاف) 2018، من تحت قبة كاتدرائية في كولونيا إلى قصص الحرب العالمية الثانية وقبلها، وأحيانا إلى الحرب الروسية العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر. وتصل بنا إلى الشرق الأوسط من خلال حكاية الجدة كرمة». التي كانت تعمل في فرقة بديعة مصابني. ونرى الحياة في فلسطين والشام ومصر وفي القلب منها مدينة الرقة في سوريا.

الجدة كرمة تنجب نجوي أم لميس ونجيب خالها ونجوي تنجب لميس فنكون أمام ثلاثة أجيال. لميس تتنقل بنا، هي التي استقرت أخيرا في كولونيا في ألمانيا، بين التاريخ والبلاد وبين الماضي والحاضر من خلال سردها أو حكايات شخوص روايتها. لكل من شخصيات الرواية عالمه وأصدقاؤه، ورغم تعددهم حولك فالرواية تسيطر على موضوعها، ولا تتبعثر بك كما يتبعثر الأحباء، ليس خلف آمال، لكن من جراء إحباط ورعب وحصار وخيانة. عائلتها تظهر ابتداء من الجدة إلى الأب والأم والخال وأصدقائهم وأصدقائها، وأكثرهم حضورا صديق طفولتها «عبود» الذي ينتهي إلى تشيكوسلوفاكيا أيضا، والذي عاشت على ذكرى إثم لم يحدث معه حين أقنعها، وهما طفلان أن يرتدي هو جورب أمها القديم في رأسه ويطل على جدتها من النافذة ليخيفانها فيجدونها في الصباح قد ماتت. وقرب نهاية الرواية حين تقابل عبود مرة أخرى خارج البلاد تصرخ لأنها لا تنسى ما فعلاه، بينما الحقيقة أن الجدة ماتت بشكل طبيعي وليس الأمر أكثر من صدفة.

«أحب حكايات جدتي عن القدس وبيت لحم! وتنثال الحكايات التي تجعل للرواية أفقا في السماء، وأسأل جدّتي: لماذا يعيش الناس مع بعضهم وهم لا يحبون بعضهم؟ تقول: هناك ما هو أبقى من الحبّ! وتردّ أمي: ليس هناك ما هو أبقى من الحبّ».

ونعرف في ما بعد أن الأم أخرجت الأب من غرفة «أحلام» وقد أصيب بجلطة أثناء مضاجعتها. نقلته إلى المستشفى، وادّعت للأطبّاء أنّه كان معها. «بقي الأمر طيّ الكتمان إلى أن سمعتها تصرخ في وجه جدّتي، وتقول لها الحقيقة. لم تعد أمي إلى البيت بعد شفاء أبي، وكانت أيّامنا ينطبق عليها وصف الجحيم. بعد أكثر من سنة، التحق أبي بعمّي فارس في اليونان. احتضنني قبل السفر. ثماني سنوات في الخارج ثم يموت هناك». لم يعد هناك مكان للبشر إلا بلاد العدو. وتفقد لميس أو «لولو» كما كانوا ينادونها وهي طفلة أمها في الطريق، تموت تحت القصف وبين الألغام.

من جيل الوسط نيكولاس الألماني الذي وفد إلى الرقة ليقوم برصد السماء في الموقع الذي يحاكي مرصد الفلكي العربي «البتاني»، الذي عاش بين أنطاكية والرقة في القرن الثالث الهجري، وصحح الكثير من أوهام بطليموس عن الأبراج والنجوم وحركة الأرض.

يبني نيكولاس مرصدا ويصبح محور اهتمام وحب النساء بمن فيهم أم لميس نفسها التي خانها زوجها. والخيانة حديث يتجدد مع كارمن في ألمانيا بعد قصة حبها في سوريا لبسام الفلسطيني واكتشاف خيانته. الخيانة حديث النساء كأنه مصير.

تعنى شهلا العجيلي بالتفاصيل الصغيرة للمكان وتعنى أكثر بالتفاصيل الصغيرة في عالم النساء حتى تظن أنها تقترب من الواقعية الجديدة التي سادت في أوروبا في الستينيات حين صار للمكان البطولة، لكن هنا رغم حضور المكان الطاغي والمفردات الصغيرة، لا تشعر بانفصال بين الأشياء والشخوص، لكنها تصبح جزءا من الشخوص. من تكوينها الروحي رغم أنها كثيرا، في ما يخص الناس، ما تدور حول الأزياء والزينة والعطور، وما إلى ذلك من عالم النساء، بل نحن نرى المباني والطرق والحدائق ومباريات كرة القدم، وكل ما يجعل من الحياة حياة، رغم ما يبدو من مآس وراء الشخصيات القادرة على التجاوز والنجاة. هي إذن اللغة التي تتميز بها شهلا، التي هي صورة رغم انهمار السرد. كل وصف هو شعر في تراكم المفردات. تمشي شهلا مع كل شخصية أحيانا وحدها فتحكي تاريخا لها ولما حولها وتعود إلى الحاضر، لا يسبب هذا الحكي أي ارتباك للقارئ، وحين تحكي إحدى الشخصيات أو تتحدث، وتأخذ مساحة كبيرة بضمير المتكلم الذي تستخدمه الكاتبة في ما تحكيه لميس، تشعر بأنك انتقلت إلى لغة أخرى غير لغة البطلة الساردة. شهلا العجيلي تعرف وتؤكد كما أكدت من قبل في رواياتها تعدد لغات الشخوص، لتكون الرواية محفلا لها، وليس مجرد حكاية يحكيها الكاتب من الخارج.

تجد ذلك في كل الحكايات التي بضمير المتكلم، سواء كانت الجدة أو كارمن التي وفدت اليهم مع نيكولاس وهي في العشرين من عمرها، وفي لعبة فنية ماهرة تقول «في كلّ مرّة نحكي كنت أتمنّى أن تخلي كارمن وفاضها، وتغلق ملفّ الخيانة نهائيّاً. إنّها تعيدني إلى هناك، إلى منطقتي المعتمة التي أخاف الاقتراب منها. أنا لست مثلها، لست كاتبة، لكنّ لديّ منطقتي المعتمة أيضاً، هي تقول إنّها تستفيد من حوارنا في الكتابة، وأنا لا أعرف ما الذي يمكن لامرأة مثلي، مع كلّ ما تحمله من الفوضى والضياع أن تمنح كاتبة مثلها».

وتتنقل شهلا بين الشخصيات العابرة في لغة تجسدها أمامك مثل، أبو ليلى الذي حين يُسأل لماذا تزوجت أربع نساء، يجيب لأرضي أعمامي الأربعة وأتركهم وأعيش بعيدا، فلا أميز بينهم ولا أظلمهم! والرواية لا تبتعد عن الحياة السياسية، فنرى كيف اعتقل خالها نجيب وما جرى له، وغير ذلك من أحداث، فترى الرواية عالما لا ينحاز إلى رؤية سياسية، لكنها الأحداث والبشر صانعة هذا العمل الكبير. صيف مع العدو فيها من سمات الملحمة الكثير وهي أكبر من أن تكون شهادة على عصر، بل هي تجل باهر لهذا العصر. تحتاج الرواية إلى دراسة أكبر لا يتسع لها المقال، لكن المتعة التي حصلت عليها فائقة، وبين الصفحات تتناثر مقولات حاسمة لرؤى الكثيرين للحياة، لا تجدها بعيدة عما تقرأ وترى وتتوقف لحظات معها تتأمل كيف صنعت الحياة من أبطالها حكماء ببساطة مدهشة.

«صيف مع العدو» تتجاوز الفصول الأربعة لتكون حياة لعصرنا. رواية لا تقارنها بغيرها من الروايات في فهم صاحبتها للأدب والبشر، وفي بناء العمل الفني الذي لا شك بذلت فيه الكثير جدا من الجهد لنقرأ نحن بسلام ومتعة.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للاخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الألكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.



العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
السبت 2018/06/23
الصفحة : ثقافة
بيروت - بيروت


حكايات شائكة للآباء والأبناء

قصة بوليسية للقاصة شهلا العجيلي لا تنفك أسرارها إلا في نهاية الرواية، يمضي فيها القارئ مع الحكايات الشائكة للآباء والأبناء وتفاصيل حياة النساء.

العجيلي تهدي روايتها إلى الرقّة، مدينتها النائية والمدمّرة

تهدي الروائية والقاصة شهلا العجيلي روايتها الجديدة “صيف مع العدو” إلى الرقّة، مدينتها السورية النائية والمدمّرة، كما هي باقية في ذاكرتها.

تتناول الرواية، الصادرة حديثا عن منشورات ضفاف، ومجاز، والاختلاف، حكاية ثلاث نساء، يتعرف القارئ من خلالها إلى مئة عام من تاريخ المنطقة العربيّة وما حولها، عبر سرد للتحوّلات الاجتماعيّة، والقضايا الوجدانيّة، وأطياف الحروب.

تعود المرأة الأربعينيّة “لميس” إلى طفولتها في مدينة الرقّة السورية، وتروي حكاية جدتها “كرمة”، التي كانت راقصة في فرقة بديعة مصابني الاستعراضية الشهيرة، وتتبع أصولها القسطنطينية، فـحرب القرم، ثم بيت لحم، وتجوب مع بديعة وفرقتها لتصل إلى بيروت، وتتعرف هناك إلى الآغا “إبراهيم”، وتركب سيارة البونتياك الزرقاء، وتعود معه إلى الرقة. ويعيش القارئ مع “لميس” ورفيقها “عبود” قصة بوليسية لا تنفك أسرارها إلا في نهاية الرواية.

ويمضي القارئ مع الحكايات الشائكة للآباء والأبناء، ويطّلع على تفاصيل حياة النساء، وأعماقهن المعتمة، ويسمع حمحمة الخيول، مع وقع خطى “نيكولاس” أستاذ الفهم الجماهيري للعلم فى جامعة ميونخ، الذى جاء متتبعا آثار الفلكي العربي “البتاني”، وباحثاً عن مرصده في مدينة الرقة، ليقدم السرد بصوته فكرة قيمة عن علم الفلك. ويمثّل “الخال نجيب”، الذي سمي على اسم الفنان نجيب الريحاني، أحلام جيل من شباب ستينات القرن العشرين ومآلاته، وانكساراته، وينقلنا إلى جغرافيا منطقة الفرات، وتاريخها العريق، وكشوفاتها الأثريّة.

تصل الساردة إلى كولونيا، بعد المواجهات الأخيرة في الرقة بين داعش وقسد (قوات سوريا الديمقراطية)، فيستقبلها الرجل الذي كان سبب شقاء طفولتها، ويعتني بها، وكذلك تفعل شقيقته الكاتبة الشهيرة “كارمن”، التي تحكي حكاية عائلتها التراجيديّة، راجعة إلى الحرب العالميّة الثانية من دانزيغ البولنديّة إلى فرانكفورت فـكولونيا. وتدخل كارمن القارئ أيضا إلى خزانة أسرارها، وتعرّفه إلى رجالها الثلاثة.

يُذكر أن شهلا العجيلي حاصلة على درجة الدكتوراه فى الدراسات الثقافيّة من جامعة حلب، وتعمل أستاذة للأدب الحديث في الجامعة الأميركيّة بالأردن. حصلت روايتها “عين الهر” على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، التي تمنحها وزارة الثقافة الأردنية عام 2009، مناصفة مع رواية “نهارات شائكة” لإبراهيم العقرباوي، ووصلت روايتها “سماء قريبة من بيتنا” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة (البوكر) عام 2015، وتُرجمت إلى الإنكليزية والألمانيّة.

وحصدت مجموعة العجيلي “سرير بنت الملك” جائزة الملتقى- الجامعة الأميركيّة فى الكويت 2017، وهي أرفع جائزة عربيّة للقصّة القصيرة. كما صدرت لها في الرواية “سجاد عجمي” 2012، وفي القصة مجموعة “المشربية” 2005، وفي النقد “الرواية السوريّة/ التجربة والمقولات النظريّة” 2009، وغيرها.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)