شهرزاد، توفيق الحكيم (مصر)، مسرحية توفيق الحكيم (1898 - 1987)، أديب ومفكر مصري

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٢٨ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«شهرزاد» لتوفيق الحكيم : حين يقع شهريار في فخ اللامبالاة


««شبعت من الأجساد! شبعت من الأجساد، لا أريد أن أشعر، أريد أن أعرف...» قائل هذه العبارة هو شهريار الشخصية المحورية الثانية في «ألف ليلة وليلة»، بعد شهرزاد. غير أنه لا يقولها في هذا السفر التراثي الشرقي – العربي البديع، ولكن في مسرحية لتوفيق الحكيم تحمل اسم «شهرزاد» تحديداً، مسرحية يمكن اعتبارها من أجمل ما كتب صاحب «عودة الوعي» و «أهل الكهف» وربما أيضاً من أكثر أعماله تعبيراً عن شؤون فكرية من المؤكد أنها كانت تشغل باله في تلك الأزمان المبكرة من مساره الكتابي الذي سوف يوصله بالتدريج الى أن يكون واحداً من كبار المعلمين الفكريين في بلده مصر، كما في العالم العربي في صورة عامة. ومع هذا تبدو لنا هذه المسرحية مظلومة في سياق حياتنا الثقافية العربية، حتى وإن كانت قد قُدمت على خشبات متنوعة في عدد من المدن العربية. وذلك لأن ما طغى دائماً في التقديم - التفسير العربي الذي جاء به نقاد عمل الحكيم ودارسو حياته، هو الحدث وهو ذلك «الاحتفال» بـ «قدرة المسرح العربي على أن ينهل من التراث» وفق معظم الكتابات التي تناولت هذه المسرحية في أشكالها الخارجية دون أن تصل الى جوهرها. صحيح أن هذا البعد الشكلي التراثي ماثل في مسرحية الحكيم، لكنه ليس سوى إطار هنا. الأهم هو عمق المسرحية والحوار الذي يقيمه الكاتب فيها بين عنصري اللذة والمعرفة. ومن هنا، حتى وإن كانت شهرزاد هي البطلة والحكواتية هنا كدأبها دائماً، فإن الصراع المعتمل داخل شهريار، وقلقه، هما ما يجعل منه البطل الإشكالي (الشكسبيري بامتياز) الذي دائماً ما كان ينقص الكتابات الدرامية العربية. والحقيقة أننا إذا تلقينا مسرحية «شهرزاد» من هذا المنظور، سنجدها على الفور تتخذ قيمة إضافية وإنسانية عامة، ولا سيما منذ اللحظة التي يصرخ فيها شهريار: «لقد استمتعت بكل شيء، وزهدت في كل شيء». وبالتالي نجد أنفسنا أمام مسرحية عن المعرفة، عن ذلك «الظمأ الجديد» الذي يلوّع الآن نفس شهريار ويومض فكره، ولو تحت تأثير شهرزاد وتلاعبها به، وفي يقيننا أن القيمة الكبرى والتجديدية لمسرحية «شهرزاد» بل كذلك لعمل توفيق الحكيم ككلّ إنما تكمن ها هنا.

وبالتالي لا بد من القول هنا إن النقد الفرنسي، إذ تعرّف إلى المسرحية حين تُرجمت وقُدّمت على خشبة المسرح في باريس، لم يربطها – كما كانت حاله دائماً مع ما ينقل اليه من آداب عربية – بالغرابة والتراث في اللعبة الاستشراقية المعهودة، بل أدرك من فوره همّها وجوهرها. ومن هنا لم يكن غريباً أن يكتب عنها جورج ليكونت (عضو الأكاديمية الفرنسية): «كان لا بد من شاعر يجرؤ على وضع إحدى المأساتين العظيمتين للإنسانية في هذا الإطار الوثيق. وكان مما لا بد منه أن يكون هذا الشاعر شرقياً دقيق الحسّ، خصب القريحة كتوفيق الحكيم، ليروّض الصعب في مثل هذا العمل بهذا الوشي العربيّ البارع الذي لا يزال يدهش ذهننا الديكارتي بعض الدهشة قبل أن يفتنه كل الفتون».

ونعرف أن «شهرزاد» الموزعة على سبعة فصول (1936) هي عمل رمزي جعل الحكيم، - من خلال الاشتغال على الشخصيتين المحوريتين والعلاقة بينهما أكثر بكثير من اشتغاله على الحكايات التي يُفترض أن شهرزاد تحكيها كي تؤجل إجهاز شهريار عليها - موضوعها الشك الذي «يحطم الذهن البشري لينتهي الى اللامبالاة». وما لدينا هنا هو شهريار وقد عزم على أن يسبر سرّ زوجته، التي روت له حكاية العالم دون أن تتجول فيه، وحكاية ملذات الكون دون أن تختبرها. لكنه حين يسألها عن سرّها، لا تعطيه إلا أجوبة ملغّزة تثير حيرته أكثر وأكثر. فيسعى إلى العثور على الجواب بممارسة السحر أو بالترحال. لكن الشك لا ينفك عنه هو الذي لم يعد موجوداً على أرض ولم يتمكن من أن يحلّق في سماء... «فلا يكون من أمره إلا أن يكف عن أن يعبأ بأي شيء ويصل الى حدود اللامبالاة المطلقة...».

ومع هذا لم يكن الشك واللامبالاة، فلسفة توفيق الحكيم، على الأقل في تلك الأزمان المبكرة من مساره الكتابي، هو الذي لن يكون من الظلم لأحد أن نقول إن الحياة الثقافية والفكرية العربية لم تعرف، في القرن العشرين، كاتباً ومفكراً يضاهيه في ريادته وتنوع كتاباته وعمق اطلاعه وصواب القسم الأكبر من آرائه الفكرية والفنية والاجتماعية، وصولاً الى آرائه السياسية. فالحال أننا إذا فكرنا اليوم في طروحات توفيق الحكيم كافة وفي المجالات كافة، في ضوء التطورات الراهنة التي لطالما كان هو قد حذرنا منها ومن مغبة الانزلاق فيها دون وعي منا بذلك، اكتشفنا كم أن هذا الرجل كان دائماً على حق، وكم أن حياتنا الفكرية العربية ظلمته حين كانت تخطّئه مرة بعد مرة، فيما هو هادئ صامت يتأمل بابتسامته الهادئة وصلابته الرواقية، منتظراً أن يأتي يوم يكتشف فيه المتسرعون الدائمون انه حتى حين كان يبادر الى إطلاق آراء وأحكام كانت تبدو في لحظتها هرطوقية، كان دائماً واعياً بما يقول، متبصراً بما يحدث، سابقاً عصره ومفكري عصره بمراحل.

عندما رحل توفيق الحكيم عن عالمنا في العام 1987، كان الوقت لا يزال أبكر من أن يكشف كم كان ذلك الرجل على حق، لهذا لم يعدم الأمر من يهاجمه ويذكّر بمواقفه «الرجعية» و «الاستسلامية». ولكن في مقابل قلة من الناس لم تتذكر من توفيق الحكيم سوى مواقفه السياسية وآرائه «المزعجة» التي كان يطلقها خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته، أدركت الأكثرية العربية والمصرية على وجه الخصوص مدى الخسارة الحقيقية التي يمثلها رحيل ذلك الكاتب المسرحي والروائي، والمفكر الاجتماعي والسياسي، والرائد الفكري، الذي كان في كل ما كتب وفعل، ابناً باراً من أبناء ثورة العام 1919، وجزءاً أساسياً من ذلك التيار الفكري الوطني الليبرالي الذي عرفته الحياة الفكرية العربية خلال فترة ما بين الحربين، وكان تياراً أنتج قمماً في الأدب والفكر ووضع أسساً لا تزال حياتنا الفكرية اليوم عاجزة عن تجاوزها.

ولد توفيق الحكيم في الإسكندرية في 1898 وكان أهله يريدون له أن يدخل سلك القضاء. أما هو فإن اكتشافه فن المسرح وهوايته قراءة الكتب منذ وقت مبكر، دفعاه في اتجاه ذلك الأديب والمفكر الذي سيكونه لاحقاً. ولئن كان والده قد بعث به ليدرس الحقوق في السوربون في فرنسا، لتهريبه بعيداً عن شلل المسرح التي كان قد بدأ يرتادها، فإنه في فرنسا أمعن في التوغل في الحياة الفنية والأدبية واتخذ قراره النهائي بأن يجعل الأدب مهنته وحياته، الى جانب عمله المتقطع في سلك القضاء.

كان توفيق في العشرين من عمره حين كتب مسرحيته الأساسية الأولى «الضيف الثقيل» ملمحاً فيها الى الاستعمار البريطاني، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن الكتابة، طوال أكثر من ستين عاماً، أنتج خلالها بعض أهم المسرحيات التي عرفها الأدب والمسرح العربيان، من «براكسا» الى «أهل الكهف» ومن «الأيدي الناعمة» الى «يا طالع الشجرة» و«الطعام لكل فم» وأنتج بعض أهم الروايات مثل «عودة الروح» و«عصفور من الشرق» (وهما عبارة عن سيرة ذاتية مواربة له)، كما خاض السيرة الذاتية في شكل مباشر في كتب مثل «زهرة العمر» و«سجن العمر». وكتب نصوصاً تتراوح بين الرواية والسيرة الذاتية مثل كتابه الأشهر «يوميات نائب في الأرياف» وتأمل الكون والحياة والوجود والإنسان في كافة أعماله، ولكن بخاصة في كتب مثل «عودة الوعي» و«حمار الحكيم» و«عصا الحكيم» و«من البرج العاجي». والحكيم الذي استلهم التراث العربي، استلهم كذلك التراث اليوناني في أعمال مثل «الملك اوديب»، ومسرح العبث في «يا طالع الشجرة».

تُرجمت أعمال توفيق الحكيم الى عدد من اللغات، وعُرف عالمياً على نطاق واسع بعض أهم نصوصه. ونال تكريمات عديدة أبرزها في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، واعتبر على الدوام رائداً في العديد من المجالات لا سيما كتابة الرواية والمسرحية.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)